الأجناس الأدبية تعيد نفسها كالتاريخ

 

يمر عام آخر على حالة ثقافية راكدة تشهدها الأجناس الإبداعية العربية، والإماراتية خصوصاً، فلا يظهر في الوسط الثقافي شكل قصيدة منفلتة ومتخلصة من المتراكم في الشكل والمضمون، وكذلك على صعيد القصة والمسرح والرواية، وغيرها من الأجناس الأدبية والفنية، هكذا يتفق عدد من المشتغلين في العمل الإبداعي المحلي .

 

 

إلا أن المشهد الثقافي لا يخلو من مبدعين يجربون ويحاولون إنتاج مساحاتهم المتفردة وأشكال أعمالهم المغايرة، ولكنهم يظلون متمسكين بالتجارب السابقة، ولا يكادون يجددون في شكل أو مضمون حتى يقارنوا نتاجهم بنتاج تجارب كرسها الزمن في أذهان المتلقي والمبدع نفسه .

يرى عدد من المثقفين أن الأجناس الفنية بأشكالها كافة، باتت اليوم أمام اختبار حقيقي في استعادة جمهورها، ولفت الأنظار، والعبء يبقى على المبدع في إخراج الجنس الأدبي من حالته الراكدة، وجعل المتلقي مشدوداً لأعمال مغايرة جديدة لا تشبه غيرها .

“الخليج” استطلعت آراء عدد من المثقفين، منهم القاص والمسرحي والشاعر، للوقوف عند سبب هذا الركود، وبقاء المبدعين محكومين بأشكال سابقة، تنصب محاولاتهم في محاكاتها وتقليدها .

حول ذلك يقول المسرحي إبراهيم سالم: “إن المشكلة في تقديم مسرح يكرر نفسه تعود إلى رواد وكبار المسرح العربي، فكل ما قدموه هو تقليد للتجارب المسرحية الغربية الأولى، وبالتالي نشأ جيل من الشباب المسرحي محكوم بهؤلاء الرواد والكبار، الذين إن جاز التعبير وجهوا دفة المسرح العربي، وظل منذ حينها يسير كما وجّهوه” .

ويضيف: “ذلك التقليد شكّل مسرحاً مكروراً لبدايات المسرح العالمي، إلا أن المشكلة ظلت مستمرة أيضاً في عدم لحاق التطور الحاصل على المسرح في العالم، فرغم أن المسرح العربي والإماراتي خصوصاً ظل رهين ما قدمه المسرح العالمي، ولم ينتج تجربته الخاصة، إلا أنه أيضاً لم يلحق بالتطور الحاصل على المسرح، وبالتالي وقف عاجزاً عن إمكانية الإضافة” .

ويلفت سالم إلى أن “ما يظهر من مسرح ينتمي في ظاهره إلى العبث والتجريب، يعود في غالبه ليس إلى فكرة العبث والتجريب، بل غايته الحقيقية هي تقليل التكاليف على الإنتاج، لذلك بتنا أمام مسرح يخلو من الديكور ويكتفي بقطع صغيرة” .

وأكد أن “اكتفاء الوطن العربي بأربعة معاهد للمسرح، وعدم توفر مختبرات مسرحية، سبب رئيس في عدم تطور المسرح وظهور تجارب منفلتة ممن سبقها” .

ولا يجد سالم أن المشكلة تعود في المسرح والإخراج وحسب، بل “تمتد إلى الممثل الذي تشرّب كلاسيكيات بائسة من المسرح العربي، وكذلك تعود المشكلة إلى الكاتب المسرحي الذي نادراً ما نجده إماراتياً، وكذلك صوغه نصوصاً مسرحية معلوكة” .

عن الشعر وحالته “الراكدة” يقول الشاعر خالد الظنحاني: “إن التجارب الإبداعية يجب أن تستند في بداياتها إلى التجارب السابقة المعروفة، وحين يصلب عودها وتشتد، يجب أن تشكل تجربتها الخاصة وتكتب قصيدتها المختلف عن سواها” .

ويضيف: “إن المشكلة تكمن في بقاء التجارب الشعرية في مساحة تحاكي من سبقها، ولا تستطيع إنتاج قصيدة جديدة تلفت الأنظار إليها” .

وينفي الظنحاني أن يكون للمتلقي العربي دور في توجيه شكل القصيدة عند الشاعر، ويرفض الطرح القائل بأن “المتلقي يلعب دوراً في لاوعي الشاعر عند إقدامه على كتابة قصيدة، وهذا يجعله حبيس ما يرغبه المتلقي، ومتخوفاً مما هو جديد وغير مطروح سابقاً” .

ويرى أن الشاعر الحقيقي لا يخشى المتلقي ولا يتخوف من الإقدام على الجديد، ويستشهد بالتجارب الشعرية التي أحدثت فارقاً على شكل القصيدة العربية، مع تأكيده أنها قليلة ونادرة .

ويحمّل الظنحاني المبدع عبء تشكيل ذائقة المتلقي، بقوله: “المبدع نفسه هو من درب المتلقي وعوده على شكل القصيدة التقليدي والمضامين المستهلكة، لذلك عليه الآن أن يخرجه من ذلك بصدمة جديدة تنعش ذائقته وتنتج له حساسية جديدة في تلقي الشعر” .

على صعيد القصة لا يختلف الأمر كثيراً، إلا أن القاص إبراهيم مبارك يرى أن الحاجة إلى المتراكم والموجود سابقاً ضرورية جداً، “لأن العمل الإبداعي عمل تراكمي، يتطور بالتراكم، إلا أن المشكلة التي نواجهها، هي أن التجارب الجديد ما زالت تقلد وتعيد ما طرح سابقاً” .

ويؤكد أن موضوع الانفلات من المكرس، والشكل التقليدي لأي جنس أدبي يرجع إلى الكاتب نفسه وقدرته على التجديد، وقد يكون المشهد الثقافي اليوم لا يمكن مواجهته بتجارب فردية، وإنما ينبغي تشكيل تيارات وجماعات ثقافية مجددة .

ويبقى التساؤل: هل ستظل الحالة الثقافية راكدة كما هو حالها في العام المنصرم، وهل سيظل المتلقي أمام أجناس أدبية تعيد نفسها؟ .

الشارقة – محمد أبو عرب:

http://www.alkhaleej.ae

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *