اقرأ كتب الهيئة

 

الحلقة الثانية عشرة من سلسلة إقرأ كتب الهيئة

 

د.جميلة الزقاي ود.منال الرقيق ود.جازية فرقاني

ضيفات سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”

لمناقشة كتاب “فاطمة قالير.. 5 مسرحيات”

تأليف فاطمة قالير – تقديم د.جميلة الزقاي

ترجمة: د.جميلة مصطفى الزقاي، د.منال عباد رقيق، د.أنوال طامر، د.حفيظة بلقاسمي، د.جازية فرقاني

 

    قدمت الهيئة العربية للمسرح يوم الأحد 26 ديسمبر 2021م الحلقة الثانية عشرة من سلسلتها الشهرية “إقرأ كتب الهيئة” حول كتاب “فاطمة قالير.. 5 مسرحيات”، الحلقة نقلت مباشرة الكترونيا عبر (برنامج زوم) على منصات الهيئة الإلكترونية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي.

     شارك في الحلقة كل من الكاتبات والباحثات الجزائريات د.جميلة مصطفى الزقاي، د.جازية فرقاني ود.منال عباد رقيق، وأدار نقاش الحلقة أ.عبد الجبار خمران مسؤول الإعلام والتواصل في الهيئة العربية للمسرح.

     صدر كتاب “فاطمة قالير.. 5 مسرحيات”، مدار نقاش الحلقة 12 من سلسلة إقرأ كتب الهيئة، عن منشورات الهيئة العربية للمسرح العام 2015م في الشارقة، ضمن سلسلة ترجمة رقم (5). كما نشر الكتاب بصيغة PDF للقراءة والإطلاع، طيلة شهر نونبر على الموقع الإلكتروني الرسمي للهيئة.

     بعد أن رحب مدير الحلقة أ.عبد الجبار خمران بالضيفات والحضور قدم ورقة موجزة حول الحلقة جاء فيها:  

     تصل سلسلة إقرأ كتب الهيئة، التي أطلقتها (الهيئة العربية للمسرح) في شهر أغسطس 2021، حلقتها الشهرية الثانية عشرة، لتكمل بذلك عاما كاملا من عمرها.

السلسلة التي استضافت خلال حلقاتها أكثر من ثلاثين كاتبا وباحثا ومبدعا مسرحيا من مختلف الدول العربية وفتحت النقاش معهم حول بعض الدراسات المهمة والبحوث القيمة الصادرة عن الهيئة.

     الكتاب محور حلقة شهر ديسمبر 2021 ليس دراسة هذه المرّة، إنه كتاب فريد، يحمل بين دفتيه )5 نصوص مسرحية) للكاتبة المسرحية الجزائرية الفرنسية Fatima Gallaire (1944 – 2020) وبتقديم الباحثة الجزائرية د.جميلة الزقاي، والنصوص المسرحية المتضمنة في الكتاب هي: “الأميرات – الحلقة الذكورية – الضرائر – وتبدو أشجار الخروب من بعيد – ريم الغزالة”، وقد ترجمتها من الفرنسية إلى العربية  خمس باحثات ومترجمات جزائريات هن: د.جميلة مصطفى الزقاي، د.منال عباد رقيق، د.أنوال طامر، د.حفيظة بلقاسمي، د.جازية فرقاني.

     محور نقاش الحلقة يدور حول أعمال الكاتبة المسرحية الجزائرية الفرنسية فاطمة قالير: خصوصية مضامينها، أسلوب الكتابة وتقنيتها، خاصة أنها مثلما كتبت المسرح كتبت أيضا أدب الطفل والرواية والسيناريو… كما أشرفت على عدد من ورشات الكتابة في لقاءات محلية ودولية…

     نتناول أيضا بالدرس والنقاش مع ضيفات الحلقة عملية الترجمة التي تصفها جميلة الزقاي بـ “السفرية المحفوفة بالمكاره والعذابات التي تتوج بأريحية الانتصار على نص يكون في بداية ترجمته في منتهى العنجهية والتعالي المرفوق بإعلان التحدي ومجابهة ربان السفينة الذي يتسلح بترسانة لغوية وتركيبية بلاغية هي بمثابة بتلات زهور لا يكتمل جمالها ودلالتها إلا بديدن درامي من شأنه أن يشد المتلقي طوال رحلته”.

ونطرح التساؤلات التي رافقت هذه الترجمة، ونستقصي مهمة المترجم الأساسية أمام نص إبداعي مفتوح على التأويل والقراءات المتعدد، وهل تحافظ الترجمة على روح العمل الإبداعي الأصل أم تنفخ فيه روحا أخرى جديدة في صيغته المترجمة؟

كل ذلك وغيره من الأسئلة سيكون الركائز الأساسية التي نشيد عليها نقاش الحلقة الثانية عشرة من سلسلة إقرأ كتب الهيئة..

قبل أن يعطي الكلمة للدكتورة جميلة الزقاي قدم سيرة علمية مختصرة لها.

مداخلة أ.د.جميلة الزقاي: تقويض فاطمة قالير للسياج الدوغمائي للعادات والتقاليد ببوح نسوي صارخ.

   شكرا أستاذ عبد الجبار على جهودك المضنية معنا من أول لقاء حول ترتيب الحلقة إلى اليوم.. وفي هذه الأصبوحة الشتوية الدافئة أجزل الشكر والعرفان للهيئة العربية للمسرح التي ألفنا مكثفتها لأسرة المسرح فنانين وباحثين ونقادا.. لنشرها هذا الكتاب المسرحي أولا ثم إصرارها على إخراجه من عتمة ما بين دفتي الكتاب إلى باحة هذا اللقاء الذي نتمناه وازنا لقراءة مضامين هذا الكتاب، وكل الشكر للحاضرين معنا من الدول العربية الصديقة والشقيقة، ولكل الطلبة الذين سيتابعون الحلقة.. لأنني وجهت دعوة عريضة للجميع.

 الكتاب المترجم للمسرحيات الخمس للكاتبة الجزائرية الفرنسية فاطمة قالير أو بورقعة بنت الحروش التي بزغ نجمها بضواحي مدينة الجسور المعلقة “قسنطينة”. وهي الطالبة التي تكونت بجامعة الجزائر في الأدب الفرنسي. وهي الكاتبة ذات الانتماءين؛ راحت للضفة الأخرى عن طيب خاطر محملة بالأماني والأحلام الوردية الواسعة التي لا ضفاف لها ولا حواجز تقف دونها والتجسيد، وبدلا من أمتعة السفر انتقلت معتدة بثقافتها، عازمة على التسامح والتعايش والرغبة الجامحة في نشر الحوار الحضاري وروح المثاقفة التي كانت تمثلها باعتبارها جسرا ممتدا لطرفي تلك الثنائية الثقافية. فما كان منها إلا أن كتبت أدبا ومسرحا جزائريين بلغة الآخر التي لم تكن تعتبرها غنيمة حرب، بل كانت تتهالك في عشقها فتلبسها الحلل البهية التي لا عهد لها بها، كما أنها كانت أحيانا تكتب بإديولوجية يتلقفها الآخر بعين الرضا.

  هاجرت عن قناعة واختيار وفي ذلك تقول: أتيت إلى هنا بمحض إرادتي، وسأتكلم وأصرح دون خوف لأنني لا أخشى أي أحد” وهو التصريح المتمرد الذي ورد على لسان بطلة مسرحية “الأميرات” بعد رجوعها إلى أرض الوطن وهذا يميز بجلاء الخطة الأصلية التي تبنتها الكاتبة التي كانت مؤمنة بضرورة أخذها للكلمة الذي كانت تعتبره ضرورة وجودية بالنسبة إليها، لذلك كانت تؤكد على فضح الحقائق “نكتب لكي لا نموت” ولذا كانت تؤكد على ما يلي: ” باعتباري كاتبة ولدت وسط صراعات متعددة، ومطبوعة على امتزاج الثقافات، فإنني أمنح نفسي الحق لقول كل ما أفكر فيه فيما يخص فرنسا والجزائر، لأنها قصة حب. لي الحق في الكتابة وفي منحها للجمهور ليمارس عليها نقده.

وكون فاطمة قالير بدأت الكتابة بالفرنسية، وبما أنها تعيش في فرنسا، فإنها توجه إنتاجها إلى جمهورين الفرنسي والمغترب المغاربي وبذلك يصنفونها هناك على أنها كاتبة مغاربية تندرج ضمن الأدب الفرنكوفوني المغاربي، مما يجعلها خارج سرب الأدب الفرنسي. وفي الجزائر اختيارها للغة الآخر المستدمر الفرنسي، فإن ذلك يجعلها تتعرض للانتقاد، وقد تتهم بخيانة الوطن مثلما أشارت إلى ذلك في مسرحية الأميرات…[1]

   قد يندرج مسرح فاطمة قالير فيما يطلق عليه “أدب الدياسبورا” وهو ذاك الابداع الذي يتراوح بين انتماءين ووطنين وجنسيتين وهويتين وثقافتين بحسب الباحثة “نقوي المهدي” في مقاربتها لخصائص الأدب المهجري. وهذه البينونة المزدوجة بين وطنين وانتماءين…هي التي تمنح خصوصية لمسرح هذه الكاتبة الاستثناء.

   قد تبدو للبعض أنها كانت لا تكتب إلا بعين الآخر، بينما الحقيقة الفعلية أنها ما كتبت إلاّ بفؤاد جزائري انشطر إلى قسمين، لكنه يصبو إلى إحداث تغيير مأمول في الذهنية الجزائرية بخصوص بعض المواضيع السوسيو سياسية على غرار المرأة والعلاقات الانسانية منها علاقة الرجل بالمرأة وبالأسرة والمجتمع إضافة إلى التطرف الديني وظاهرة المفقودين السياسيين التي تناولتها في مسرحيتها “جمال الأيقونة” وغيرها من المواضيع الشائكة.

   كما يعكس هذا المؤلف أريحية الكاتبة في دراماتورجيتها وعشقها المستميت للمسرح بالرغم من احترافيتها في كتابة القصة والسيناريو إذ صرحت يوما: “أستطيع القول أنني أحب المسرح مثلما يحبني لأنه يحاصرني ويسكنني حقيقة، اختطفني منذ الوهلة الأولى التي قرئت فيها مسرحيتي وحين عرضت… وبالفعل تلقيت طلبات لمسرحياتي من كل الأمصار؛ تلك النصوص التي تتناول مواضيع مغضبة في عمومها وحساسة قليلا… مواضيع لا تريد بعض الأمم أن نثيرها أو نتحدث عنها”[2]

   حيث عبرت عن مدى استيلاب المسرح لخلدها، بخاصة بعدما قرئت أعمالها وأصبحت مطلوبة من المخرجين والمنتجين. كما أشارت إلى ردة فعل بعض الأطراف من تناولها لمواضيع حساسة تقابل بالرفض والغضب. وهذا مصير العروض المسرحية للكاتبة إذ حتى استراتيجية التلقي تشكل بينونة بين أوربي يطرب لتلك المواضيع ويرحب بمشاهدتها تشفيا أو إشباعا لفضول يعتريه في التعرف على المجتمعات العربية. وبين بني جلدتها الذين يشمئزون منها ويعرضون عنها، وهذا هو سبب عرض أعمال قالير في العديد من البلدان الأوربية المختلفة، بينما يقل أو ينعدم إخراجها في المسارح العربية ومنها الجزائر. وناهيك عن طغيان السرد والإدعان في إدراج التفاصيل التي لا يهتم بها كثيرا في السيرورة الدرامية التي تركز على الفعل أكثر من تفاصيل زائدة قد تثقل كاهل المتلقي، وتشط به عن الكتابة الركحية التي تصبو إليها الكتابة المشهدية للنص. لكن الكاتبة ترى أن أعظم خيانة بالنسبة للدراماتورج هي ألاّ تمر نصوصه للخشبة.

  وفي أغلب ما تناولته من مواضيع؛ اخترقت قالير العادي والمألوف هذا الذي يصبح اعتداء على حرية المرأة وظلما لها في منبتها، لذلك فوضت هذه النصوص المسرحية للبوح الأنثوي الصارخ في ظل وظلال الإنتاج المسرحي النسوي، وقد عافت كل أنواع الكبت والضغوط الممارسة على المرأة الجزائرية بخاصة في المناطق القروية والمدن الصغيرة أو مناطق الظل عموما.

  لعل هذه النصوص جميعها أو الأحرى جلها انبثقت من السيرة الذاتية للكاتبة، وما تنصلت من أناها إلا لماما، فهي بطلة مسرحياتها وبخاصة مسرحية “أميرات” التي أبرزت فيها كينونتها المتمردة على أوجاعها وأناتها. والنص عبارة عن محاكمة لـ “أميرة” تمثل شريحة كل المغاربيات اللواتي ارتبطن بأجانب ولم يفلحن في هدايتهم لاعتناق الدين الاسلامي. حوكمت البطلة لأن ابن جلدتها أضحى يراها عميلة للآخر وخادمة لهن وناطقة بلغته، وتارة يتهمها بهدم الأعراف ونكران الدين والعقيدة. لكنها صمدت وتحدّت وتمردت بمعية ثلة من النساء الشابات اللواتي تمكنت من إقناعهن ليناضلن إلى جانبها بغية دحض العادات والتقاليد البالية والغثة التي لا تبقي ولا تذر، ليعلن في الأخير تأسيس إمارتهن بعد انتصارهن على مسنات وعجائز العشيرة اللواتي حاكمنها بما يحملن من أفكار وليدة الذهنية المحلية ككل، فكانت المحاكمة إذن من العشيرة ضد الكاتبة العائدة للديار بعد سنوات من الهجرة والغياب الاختياري.

  أما بخصوص “الحفلة الذكورية” وعتبتها تشي بفحواها ألا وهو الختان، وقد تكون –نسبيا- استمرارا للمحاكمة التي خرجت منها منتصرة، فصارت أكثر جرأة وجسارة في تناول مسألة حساسة، فكان ولابد من تكييف النص وتشذيبه حتى يقدم لمتلقٍّ عربي دون خدش حيائه بخاصة أن الكاتبة أدركت الفحش العلني بمسمياته، مع العلم أنها ليست الوحيدة التي بلغت هذه الدرجة من حيث عدم وقوفها عند الثلاثي المحرم ” السياسة والجنس والدين” بل تكاد تعكس سمة أسلوبية في الكتابة النسوية المغاربية والعربية ككل. لذلك ما كان من المترجمة لها إلا أن تتوخت الكياسة في انتقاء المتكافئات والمتقابلات اللفظية والمعنوية التي من شأنها أن لا تنآى عن التركيبة السوسيونفسية والفكرية والثقافية للمتلقي العربي. وهي مسرحية غاية في التهكم والكوميديا وفق ما أقرته الباحثة الناقدة الجزائرية صورية غراندي.

  ومن المسرحيات الأولى للكاتبة والأكثر دسامة وإدعانا في الطول “الضراير” ولذلك استغرق عرضها ما يناهز الساعتين؛ وهي أيضا عبارة عن كوميديا تستخف بمسألة تعدد الزوجات، حيث تناولت قصة رجل قرر الزواج بثانية بسبب عقم الأولى. وكانت ثمرة زواجه الثاني أن أصبح أبا لسبع بنات، مما جعله يبدي رغبته في الاقتران بثالثة لعله يرزق بوريث ذكر يحمل اسمه. لكن زوجتيه كن له بالمرصاد، وقد أعلن العصيان والرفض المطلق لظروف حياتهن القاسية التي لم تكن تبتعد عن عيش الدواب –بحسبهن- إذ لم يكن لهن غير العمل الشاق في حرفة النسيج بله عن الانجاب ورعاية الزوج وطاعة حماتهن وتحملهن لجسارتها وسيطرتها عليهن وتدخلها في كل صغيرة وكبيرة تخصهن. بطلة العمل هي “سيرنا” حاملة لخطاب الكاتبة بكل شحناتها الفكرية والدينية التي جعلتها تتحول في هذا النص إلى مصلح سوسيو نفسي للمرأة المغلوبة على أمرها كي تكسب ودّ زوجها وترسم له الحدود التي لا ينبغي له تخطيها.

   وردفا على المحاكمة الأولى بمسرحية ” أميرات” نجد في نص ” من بعيد أشجار الخرنوب” محاكمة من نوع آخر تتعلق بمحاكمة الآخر بعدالته لكن بضفة وأرض الأنا الجزائرية. ويتعلق الأمر بخيانته لهذه الأنا التي ساندها بثورتها المظفرة، حتى أنه فضل البقاء في الجزائر ولو محملا بوخزة الضمير على إثر خيانة اقترفها بالرغم منه، فأراد البوح بها ليرتاح من التأنيب الذي صاحبه لسنوات، بخاصة أنه كان صديق العائلة الجزائرية التي جعل ابنها يدفع ضريبة الخيانة؛ خيانة الشرطي الفرنسي فريد Fraid.

  أجادت الكاتبة حبكة هذا النص؛ حيث تعمدت إرجاع عائلة فرنسية، كان الأب فيها محافظ شرطة، فبنت نصها على صراع مشحون ومتقد حدث معظمه في الكواليس بين الشرطي والمحافظ. ويختلف هذا النص عن بقية النصوص الأخرى في تخلصه نسبيا من أنا الدراماتورج. كما أن النص عبارة عن تحقيق استخباري انتهى بفضح المحافظ للجرم والإثم المشهود للشرطي فْريد. وذلك لأن الكاتبة أرادت لهذه المحاكمة أن تكون لفرنسي في وطنها لكن بعدالته وقانونه.

  وبخصوص نص “ريم الغزالة ” الذي ورد تتويجا للنصوص السابقة، وقد تناولت فيه مسألة الجنازة في الأعراف الجزائرية، لذلك لم تغفل الكاتبة أي تفصيل يجعلها بمقام الفقيدة التي كانت والدتها، ونظرا لعراقة الأسرة ومنزلة الفقيدة فقد حرصت الدراماتورج على إبانة منزلتها في العشيرة حتى أن الخدم والحشم شق عليهم فراقها. عكس النص مدى تأثر الكاتبة برحيل أمها وصعوبة مرافقتها إلى مثواها الأخير، لكنها تصرّح في الأخير إنها أدت واجبها تجاه الأم والوطن وهما صنوان لديها، لتعود بعد ذلك مرتاحة الضمير إلى وطنها الثاني فرنسا.

  كانت هذه القراءة المسحية لمضامين الكتاب المترجم “فاطمة قالير، 5 مسرحيات…” قصد تقريبها من القارئ، ولم لا تشويقه لقراءتها ونقدها؟ كما سعت هذه المقاربة إلى تجنب تكرار ما ورد بتقديم الكتاب من طبيعة الترجمة للمسرح وخصوصيتها وآلياتها من نص إلى آخر.

  ولا يسع هذه الترجمة إلا أن تعترف للكاتبة بعمق فكرها وذكائها الثاقب في تناول طروحات جديرة بالقراءة كلها جدة وأصالة، وتقريع وتنديد بكل الممارسات المشينة التي اقترفت في حق الإنسان عموما والمرأة على الخصوص.

  صفوة القول في الأخير إن هذه الكاتبة المنتمية لبلدين، والملمة بلغتين، والواصلة للمغرب العربي بالغرب، هذه الهوية الثنائية العجيبة، تولدت عنها شكيزوفرينيا رائعة تتجسد في معايشة الدراماتورج في الوقت نفسه لثقافتين ولغتين وشخصيتين؛ إحداهما أحيانا تتكفل بما هو فوقي فتكون الثانية بالضرورة في الضيق، لتفرج عنها الأخرى، لكنها في الحقيقة شخصية واحدة واعية وجريئة وعيشها ببلاد الجن والملائكة أسعفها في التمرد والمجاسرة والمكابرة على كل المضايقات الاجتماعية والسياسية ببلدها الأم دون أن تخشى لومة لائم فيما تثيره أو تميط الغطاء عنه، لأنها قررت من البداية أن لا تكون لا مهادنة ولا مخادنة بل أصرت على الالتحاف بالجرأة في الاستنطاق والمساءلة لكل المواضيع الشائكة مهما كان نوعها أو طبيعتها وكلها عزم على تقويض السياج الدوغمائي للعادات والتقاليد ببوح نسوي صارخ.. وفي كل مرة كنت أقدم ورقة عن هذه الكاتبة الفرنسية الجزائرية كان الحضور يقول، لقد دللت يا دكتورة هذه الكاتبة! وكان ردي دائما، كتاباتها هي التي دللتها وإبداعها هو الذي جعلها تنال هذه الحضوة.. ونترجم ونحلل الإبداع وليس صاحبه وأحيل إليكم الكلمة شاكرة لكم حسن الاستماعكم..

بعد أن شكر مدير اللقاء السيدة جميلة الزقاي على مداخلتها قدم د.جازية فرقاني بسيرة موجزة ثم أحال إليها الكلمة.

أ.د فرقاني جازية: قراءة في ترجمة 5مسرحيات لفاطمة قالير

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المسلمين

أما بعد.. السادة المستضيفين لهذه التظاهرة العلمية ولهذا المحفل العلمي كل باسمه ووسمه

المشاركين الكرام من مختلف الدول العربية، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

سعيدة بتواجدي معكم في هذه الصبيحة العلمية لنتدارس قضية مهمة جدا وهي: المسرح والترجمة؛ فماهي الوسائل والأدوات التي يمكن بها أن نقف على هذا الإبداع النوعي في طبيعته؟ وكيف يمكن لنا أن ننقل هذا الأثر الإبداعي والعمل الفني من ضفة إلى أخرى بأقل إشكال ممكن؟

المسرح ذاك الشكل الفني الذي أفرد له أرسطو كتابه فن الشعر، والترجمة في عمقها التاريخي المرتبط باللغة بوصفها هوية ينبغي الحفاظ عليها حتى وإن كانت في صورتها الخارجية بأصوات الآخر لكن في عمقها هي اللغة الأم بحمولتها المعرفية والثقافية وبقضاياها النابعة من بيئتها التي حملتها معها في حقائبها لتحط بها الرحال في وطنها الثاني الذي تبناها. 

يقول أنطوان بيرمان Antoine Berman: إن جوهر الترجمة هو الانفتاح والحوار والهجانة واللاتمركز، فالترجمة تستدعي إقامة العلاقة بين الذات والآخر وإلا فقدت أساس وجودها.

عندما تعاملنا مع هذه النصوص – وأشكر هنا الأستاذة د.جميلة الزقاي لأنها من أتاحت لنا فرصة قراءة هذه الأعمال وترجمتها – وقفنا أمام جدلية المد والجزر بين اللغات والثقافات، والذي يعكس الدور الذي تؤديه الترجمة في تنظيم التواصل وانتقال الأفكار وهجرة الكتابات، قصد تحقيق تفاعل ثقافي مع الآخر؛ تفاعل فاعل ومؤثر ومنتج.

لا يتأتى هذا إلا بمعرفة الأنا أولا وإدراكنا لها ومعرفتنا بالآخر. وكانت الترجمة مساعدة لمعرفة الآخر عن طريق نقل فكره. لكن القضية هنا معكوسة: فالأنا هو “الأنا الجزائري” والأداة هي “أداة الآخر” فكيف ننقل الأنا الجزائري بأداة الآخر، لتقديمه مرة أخرى إلى الأنا الجزائرية، والعربي بشكل عام؟

تعتبر الترجمة قضية حضارية فهي تمثل الجذور والانتماء ممثلا في اللغة الأم التي نسعى جاهدين للبحث عن وسائل للارتقاء بها، كما تمثل أيضا الأهداف المتوخاة من السعي لإيجاد طرق وسبل لدفع عجلة التطور والبناء الحضاري، وبعبارة أخرى جدلية الأنا في شعوره بالانتماء إلى لغة ما وتعريف الآخر بها ثم الوسائط الممكنة للارتقاء بها عن طريق الآخر دون الامحاء فيه والذوبان في ثناياه، إضافة إلى معرفة الذات من خلال الآخر.

هذا هو حال فاطيمة قالير التي كتبت لكي لا تموت، وكتبت لأن لها الحق في الكتابة، كتبت مسرحا بلغة الآخر لكن ريبرتوار مضامين نصوصها هو العادات والتقاليد والموروث الشعبي وكل ما يمت بصله للهوية وتمفصلاتها، هوية هي الانتماء لكن الأداة التعبيرية هي أداة الآخر فهل هي غنيمة حرب كما كانت عند كاتب ياسين؟

لمن كتبت فاطمة قالير مسرحها، وأين نموضع هذا النوع من الكتابة فهل هو مسرح جزائري لأن الرؤية جزائرية والبيئة جزائرية والأمثال خلاصة تجارب من الواقع المعيش للفرد الجزائري؟ أم هو مسرح فرنسي لأن أداة التعبير التي تحمل عبء المضامين المنتقاة بعناية فائقة من البيئة الجزائرية هي اللغة الفرنسية؟ أين يقع هذا النوع من الكتابة؟ نحن نترجم لكتاب أجانب لتعريف المتلقي الجزائري/العربي بنتاج الأجنبي أما مسرح قالير فهو لجزائرية ونعيده إلى أصل انتمائه فالآية معكوسة.

لقد عالجت الكاتبة في مسرحية ريم الغزالة موضوع الجنازة وطقوس إقامتها في التقاليد والأعراف الجزائرية فوجهت عناية لأدق التفاصيل لترسم صورة واضحة المعالم لكل من أراد أن يستنبط من معلومات عن الفقيد، فكل شيء ينم عن أن الفقيد ذو مكانة عالية في أسرة عريقة، الفقيد “أُمٌ” لها حضور مميز ومكانة مرموقة وسط عشيرتها، تسرد علينا فاطمة قالير رحلتها مع أمها وهي تودعها إلى مثواها الأخير لتعود إلى “وطنها” فرنسا بعد أن أنهت مهمتها وبكت الأم والوطن معا..

إن أنا الدراماتورج مهيمنة ومسيطرة على النص، وقد ولج السرد الدراما بعدما كانت الكلمة/الفعل هي سمة المسرح وروحه وقد قال المعلم الأول أرسطو في”فن الشعر” أن الدراما هي محاكاة لفعل نبيل وتام له بداية ووسط ونهاية، بواسطة أناس يفعلون لا بواسطة الحكاية، لكن السرد عرف طريقه إلى الدراما مع بيسكاتور وبريخت الألماني الذي يقول- على الرغم مما يبدو من تعارض بينه وبين أرسطو- أتفق مع أرسطو على أن الحكاية وروح الدراما.

  إن تأصيل النص المترجم في الثقافة المستقبلة ليصبح جزءا منها يتطلب تهيئة البيئة لضمان فعل التلاقح، فالتأصيل قوامه ترجمة تحصيلية تحاول فيها الذات تحصيل معاني المفردات في سياقاتها التي وردت فيها ثم ترجمة توصيلية تسعى إل إيصال المعنى إلى المتلقي وفق قواعد وقوانين لغة نص الوصول، ثم ترجمة تأصيلية تهدف إلى جعل النص مقبولا ومقروءا ومفهوما من الآخر في موطنه الجديد وقد حقق معايير النصية على حد تعبير دي بوقراند De beaugrande..

 لن يتأتى هذا لمترجم النصوص الأدبية بعامة والنص المسرحي على وجه الخصوص إلا إذا توسل باستراتيجيات الترجمة وتقنياتها لتفادي تعذر الترجمة وتزداد الأمور صعوبة لأن النص المسرحي يحمل في طياته إمكانات إخراجه على حد تعبير يوجين يونسكو E. Ionesco، فهو معد ليعرض أمام جمهور الآن و/هنا وقد حمل نص قالير العديد من الإرشادات الإخراجية لإعادة كتابته  كتابة ركحية تتأزر فيها السينوغرافيا والكوريغرافيا مع اللغة و تتعاضد لإيصال الرسالة المتضمنة في النص المكتوب دون أن ننسى الرؤية الإخراجية للمخرج و مدى تأثيرها على سيرورة العرض.

إن التعامل مع عناصر الثقافة في مسار الفعل الترجمي إشكال في حد ذاته لأن عناصر الثقافة تسوق معها التاريخ و الانتماء و الأيديولوجيا و….وفعل العبور تعوقه العديد من المعيقات و الصعوبات الناجمة المقاومة التي تمارسها هذه العناصر التي لا نجد لها مقابلا يكافئ شحنتها في لغتها الأم فهل نوطنها بتقنية الاقتراض على حد قول لورنس فينوتي L.Venuti وهو كتابة صوتية تحافظ على أصوات اللفظ في لغة الانطلاق أم نغربها  محدثين صدمة للقارئ  وأي الاستراتيجيتين قادر على  تحقيق التلاقح مع أقل ضرر ممكن .

إن الترجمة حوار بين مؤلف أنتج نصا ومترجم يصبو إلى إعادة إنتاج نص – وقد اتكأ على الأول السابق عنه في الزمان والمكان لأنه موجود قبله بالقوة – على الرغم من كل الإكراهات و العوائق التي تقف في وجهه؛ عوائق ذات منابع متعددة و متباينة لأن العبور بواسطة اللغة غير كاف ،فالعبور يتم بأداة هي اللغة لكن الحوار يتجاوز الأداة إلى الثقافة ليقيم حوارا معها وقد عمدت المبدعة إلى توظيف التراث الشعبي و مفردات من اللهجة العامية التي تمثل تحديا بالنسبة للمترجم ،ولهذه الأسباب مجتمعة كان التكييف الإبداعي وسيلة مسهمة في تجاوز هذه العقبات لكن إشكال الأمانة و الخيانة يطفو إلى السطح في كل مرة ليذكرنا بأخلاقيات الترجمة كما أشار إلى ذلك  أنطوان بيرمان A.Berman في حديثه عن النزعات التشويهية  في الترجمة ،فهل خدش حياء القارئ مقبول حفاظا على أمانة النص و قدسيته، أم التصرف ممكن بغض النظر عن فعل تحقيق الأثر نفسه بحيث لا يدرك القارئ أن النص مترجم ؟جدلية أخرى أسالت حبر المشتغلين في هذا الحقل حيث وقفوا كثيرا عند مفهوم الأمانة في الترجمة على غرار أورتادو ألبير.

نحن نتحدث عن هجرة النصوص في الترجمة لكن مع مسرح فاطمة قالير هو عودة للنص إلى موطنه ليروي تفاصيل حياة بريشة الفنانة التي حرصت كل الحرص على تقديم صورة تعكس خصوصيات الكتابة عندها على المستويين، مستوى رؤيتها الفنية وتصورها للكون والحياة ومستوى أداتها التعبيرية الجمالية التي ارتوت بأسلوب الآخر فكيف لنا أن نعيدها إلى بيئتها التي كان يجب أن تنمو فيها وتترعرع في أحضانها ونحقق بفعل استنباتها في بيئتها الأم تواصلا وتلاقحا.

لا يمكن الاستعانة بنظرية  واحدة في الترجمة صالحة للتطبيق على النص المسرحي ،فالنظرية السوسيوثقافية في أحدى جزئياتها يمكن تطبيقها ،والتأويلية القائمة على الفهم و التجريد اللغوي و إعادة الصياغة أيضا قادرة على تحقيق المقبولية و نظرية النظم المتعدد لجدعون توري و إيفين زوهار لها ما يعطيها مشروعية تطبيقها لأن النص فسيفساء من التشكيلات المختلفة وهو أبو الفنون إذ جمعها، لذلك فهو يتطلب نظرية هي الأخرى فسيفساء قائمة على التباين والاختلاف في الألوان والأشكال لكنها منسجمة في تقديم الصورة الكلية والطابع العام، نظرية أجناسية لترجمة هذا الشكل الفني.

أشكر لكم هذا الإستماع وأعيد لك الكلمة سيدي وشكرا…

عبد الجبار خمران: شكرا سيدتي الفاضلة د.جازية فرقاني، على هذه المداخلة القيمة التي غاصت بنا في خصوصيات وآليات الترجمة عبر معرفة الأنا بالآخر… والأنا هنا جزائرية والأداة لغوية فرنسية.. اللغة ليست محايدة إنها أداة عبور وكاتب ياسين يعتبر اللغة الفرنسية غنيمة حرب يستثمرها ويشتغل بها أدبيا وفكريا… سأمر إلى د.منال الرقيق (تقديم موجز لسيرتها العلمية) تفضلي السيدة منال وقدمي لنا رحلتك مع ترجمة نص فاطمة قالير ورحلتك مع لغة مولييير / ولغة كاتب ياسين…

أ.د.منال الرقيق: التراث الجزائري في نص “الأميرات” وإشكالية تليين حدة المحرم فيها ترجميا

شكرا أستاذ عبد الجبار.. وكل الشكر والعرفان للهيئة العربية للمسرح التي نشرت كتاب ترجمة خمس مسرحيات لفاطمة قالير، وهي تحرص اليوم على قراءته ومناقشة مضامينه، وتحايا المحبة والتقدير لأستاذيتي الفاضلتين د.جازية فرقاني ود.جميلة الزقاي.. وأحيي كل من يشاركنا اليوم في هذا اللقاء النوعي الذي أتمنى له النجاح.   بداية أفاضت استاذتيْ معا في الحديث عن أمور عامة فيما يخص الترجمة وأعمال قالير.. سأتطرق في تدخلي إلى طريقة ترجمتي لمسرحية “الأميرات” لفاطمة قالير وكيف استطعت الولوج إلى ثناياها وما الأثر الذي تركته في قراءة هذه المسرحية وترجمتها.

   يكتسي استلهام التراث في المسرح المكتوب بلغة الآخر أهمية كبيرة وحيزا معتبرا يدل على مدى ارتباط هؤلاء الكتاب بالتركيبة الثقافية للتراث غير المادي لبلدانهم وأوطانهم، وكأنهم يتخذونه طوق نجاة خشية انغماسهم الكلي في أجواء البيئة الجديدة التي انتقلوا إليها كرها أو طواعية. كما يتخذون هذا التراث بمثابة حبل صري يبقي على مدى ارتباطهم بوطنهم الأم. علاوة على أن أسباب ودواعي استلهام التراث في المسرح الجزائري تختلف من كاتب إلى آخر؛ ذلك أن التراث يعدّ أولى انشغالات الكتاب والمخرجين بخاصة بالنسبة للذين تشبعوا بتقنيات هذا الفن الوافد من الغرب، وهذا لعدة أسباب نجملها بداية فيما يلي:

-الوعي القومي بما خلفه الأجداد من ذاكرة الشعب وضميره الجمعي، وإلى حدٍّ ما تاريخه المعبر عن طموحاته وتحدياته. ومما لا شك فيه أن معظم شعوب العالم استفادت من تراثها في تطوير آدابها وإثرائها له، وذلك بجمع التراث ودراسته وتمحيصه، ونشره. ولذلك كان التراث من المصادر الأساسية والرئيسية لأعمال أدبية كثيرة، فألفى فيه المسرحيون تجسيدا صريحا لصراعات الإنسان ومواقفه وأحلامه فغرفوا منه مواقف العظمة، وفترات الازدهار في التاريخ العربي والجزائري، لشحذ الهمم وبعثها على الفخر والاعتزاز والأنفة نتيجة لظلم العثمانيين في بعض البلدان العربية. وطغيان المستعمرين وجورهم في البعض الآخر، فنجم عن ذلك التأخر حضاريا[3].

فكل انتكاسة تعيشها الأمم تدفعها إلى إعادة التفكير في الذات، وإذا كانت بعض الاتجاهات تفعل ذلك من أجل الاختباء في الماضي الوردي، الماضي النضر، فإن اتجاهات أخرى، تهدف من خلال هذه العودة إلى إعادة دراسة الذات من أجل تأسيس المستقبل…”[4]

– البحث عن مضمون عربي إسلامي جزائري، عبر الغوص في رحم التراث ومحاولة إيجاد مقومات المسرح، في الظواهر التراثية الشعبية، ومحاولة التأصيل للمسرح العربي، من أجل الخروج عن القالب الأوروبي شكلا ومضمونا، فالمضامين التراثية تضمن التعبير الصادق عن الإنسان الجزائري، فهي تحفل بالحضور الدائم والحي في وجدان الجماهير الشعبية.

-عندما يستخدم المسرحي هذا المضمون التراثي فإنه سيضفي على عمله نوعا من الأصالة.

– يبقى النص مرتبطا بطبيعة المكان والزمان والجمهور، لهذا كان لزاما على المسرحيين، إعادة النظر في المواضيع المعالجة، والاحتياجات الجديدة للجمهور بإعادة بناء آليات جديدة للعرض وإرساء علاقات جديدة مع جمهور أصبح يراقب عن كثب سيرورة هذا الفن، فكان من الواجب إعادة تملك الجمهور عن طريق الإشارات الجاذبة له من الثقافة الشعبية. كون التراث يحتوي على إشارات تنقل حياة هذا الشعب ومفاهيمه وقيمه التي ينشدها في خلده، فيجب التماشي مع رغبات الجمهور والإصغاء لانشغالاته. بالإضافة إلى توظيف البعد الفكاهي الشعبي، أين كانت بنية الحكاية الشعبية حاضرة بقوة، فسهل اندماج الجمهور، لكونه يسقط واقعه المعيش على الخشبة.

       وإذا تعلق الأمر باستلهام قالير لتراث منطقتها، فإنها طريقتها لإعلان وفائها لوطنها حتى وإن لم تكن راضية على بعض مظاهره، ومع ذلك كثرت المفردات والعبارات المحلية المستمدة من تراث المنطقة وبلغته لتشفي حنينها للغتها الأم. كما عبأت “كتابتها بالكثير من التعابير المستمدة من عتبة الأوساط الشعبية الشفهية…”[5] والملفت للانتباه أن الخاصية الموضوعاتية للكاتبة في استلهامها للتراث هي التي تؤدي بالمترجم إلى الاهتمام أكثر بنقل الصور وليس بالمفردات اللغوية التي شكلته.

   ومسرحية “أميرات” هي مسرحية سلطت الضوء على معاناة المرأة في مجتمع يتطلب العيش فيه إلى المؤازرة والذكاء للتخلص من مأزق يضع فيها المجتمع الذكوري المرأة نصب عينيه ليقيدها بسلاسل واهية، الهدف الوحيد منها هو التحكم فيها وإرضاخها لأهوائه، فتجد نفسها جراء تلك المحاصرة مجبرة على سلك طرق وعرة محفوفة بالمكاره التي تتمكن من التخلص من مطباتها بفضل ذكائها. وهذا ما أثاره وتحدث عنه التراث الجزائري الذي يزخر بقصص تلك النساء اللواتي يستطعن الخلاص من مخالب العشيرة، فيتغنى للأجيال بتمردهن، وتحكي قصصهن الجدات إلى يومنا هذا، وذلك وفق ما ساد في التراث الشعبي “من شيم وصفت بها المرأة في الحكاية الشعبية هي الذكاء والشجاعة والبطولة، والتمكن من تحويل المواقف لصالحها من أجل الخلاص. وقوة الحيلة والدهاء مستخدمة ذلك للوصول إلى ما تريد ردا على تجاهل المجتمع لدورها ومكانتها…”[6] ومن تلك النماذج الآسرة في الحكايات الشعبية “لونجة والغولة”، “بقرة اليتامى” وشهرزاد في حكايات ألف ليلة وليلة وغيرها… حيث كانت تستلهم تلك البطولات في الأعمال الأدبية والمسرحية منها بطريقة أو بأخرى من أجل ترسيخ هذا النضال في روح الصغار والكبار لمواصلة غرس بذور الأمل في غد أفضل. ولذلك حظيت المرأة في نصوص هذه الكاتبة بمراتب تجسد المكانة والحضور القوي لتكون أهلا لتتقلد رمز “الأميرة” التي توحي بدلالات السطوة والجمال والمكانة الرفيعة.

   على الرغم من اختيار الكاتبة اللغة الفرنسية كأداة لإيصال إبداعها الأدبي إلا أنها كانت متشبعة بتراث لغتها الأم فلم تتخلى عما يزخر به التراث الشعبي المغاربي من أغنية شعبية وحكاية وتقاليد وعقيدة وأعراف. فالمسرحية تتحدث عن صراع الأجيال بين رضوخ العجائز ورغبتهن في الحفاظ على الممارسات البالية والشابات اللواتي يرغبن في القضاء على الذهنية المتحجرة والأفكار التعسفية في مشاهد من التعاون والتراحم للنجاة من مخالب المحاكمة الظالمة التي لولا تلك المكاثفة النسوية لانتهت بما لا يحمد عقباه. تبنت الكاتبة تلك المحاكمة التي صممت أركانها دون أن تغفل عن المادة أو الحمولة التراثية التي تزخر بها بيئتها التي نشأت بجنباتها.

  كانت مساهمتي في ترجمة نص ” أميرات” محاطة بهالة من التعقيدات والمكاره نظرا لتطرقها لمواضيع بجرأة فائقة تعدت فيها كل الخطوط الحمراء التي لا يتقبلها المجتمع العربي خاصة إذا كان النص المسرحي سيمر إلى الخشبة ليعرض على جمهور محافظ حتى وإن تظاهر في بعض الأحيان هذا الجمهور بالتفتح وقبول التغيير، وتجاوز الأفكار البالية المهترئة، فإن المترجم يجد نفسه حائرا بين نقل أفكار الكاتبة كما هي أو تكييفها وفق ما تتطلبه ثقافة اللغة الهدف، متخذا قرار الخيانة التي حاربها الكثير من منظري الترجمة على غرار جورج مونان.

   لم يكن من مخرج في ترجمة هذه المسرحية غير الحرص على اختيار المتقابلات اللفظية والمعنوية التي توائم وتتماشى مع التركيبة النفسية والفكرية والثقافية لهذا المتلقي الجديد لإحداث الأثر نفسه الذي أحدثه نص الانطلاق. كما يجد المترجم نفسه مجبرا على ارتداء لباس الرقيب والقاضي، مما يخلق ثورة في نفسه تولد العديد من التساؤلات؛ فبما أن فاطمة قالير تعمدت الكتابة عن هذه الافكار الجريئة بالحدة نفسها التي يتلقاها الجمهور في الضفة الأخرى رغبة منها في إحداث ثورة لدى المتلقي العربي. وقد تكون قد رغبت في تحريك الراكض في وضعية المرأة في المجتمع العربي، واستنادا للفرضيات السابقة، هل للمترجم الحق في أن يخفف من الحدة التي أرادت الكاتبة أن تطرح بها تلك القضايا التي رأت من الضرورة بما كان أن تزعج وتقزز من أجل أن تغير. ألم تكن فاطمة قالير واعية بجرأتها فاتخذتها وسيلة لتغيير العادات والتقاليد التي تكبل المرأة وتمنعها من التقدم في الطريق الذي اختارته هي حتى لا ترضخ أو تنصاع لما سطره لها هذا المجتمع بتقاليده وعاداته وأعرافه المضللة؟

  لم تكن فاطمة قالير الوحيدة التي كتبت مسرحا باللغة الفرنسية محملا بثقافة عربية أو بالأحرى جزائرية، فكاتب ياسين هو الآخر كتب نصوصا باللغة الفرنسية التي عدّها غنيمة حرب مستلهما تراثا جزائريا مغاربيا إما عن طريق الرمز كشخصية جحا في مسرحية غبرة الفهامة la poudre d’intelligence  أو عن طريق الحكاية الشعبية، والأمثال والحكم وغيرها.

  وهنا أيضا يتبادر إلى ذهن المترجم أن العملية ستكون هينة لأن التراث الذي هو في الأساس مغاربي حط رحاله في لغة ليست لغته في الأساس الا وهي اللغة الفرنسية فإعادة إستنباته بأرضه الأصلية، سيكون من المفروض سهلا وبسيطا إلا أنه في عملية انتقاله إلى اللغة الفرنسية تشبع بجرأة وثقافة مجتمع آخر. وهنا تكمن الصعوبة في ترجمة هذا النوع من النصوص المسرحية التي يجد المترجم نفسها إزاءها مضطرا لتكييفها عن طريق الترجمة المعنوية.

   ومما لا شك فيه أن الكاتبة تأبطت بحقوق المرأة بعدما آمنت بضرورة التغيير وهي بذلك من الأسماء التي ولجت الأدب النسوي ومنه المسرح النسوي بقناعة تامة أنه الجسر الذي سيؤدي لا محالة إلى إحداث الثورة وخلخلة الموازين من أجل أن تظفر المرأة في المجتمعات العربية بالعيش الكريم و”إذا كان الأدب النسوي وليدا لتطور المجتمع ونمو الوعي لديه، مما أدى إلى كسر بعض العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية وتلاشيها من المنظومة الجمعية، و ذلك ما سمح بتحسن أوضاع المرأة و تغيير النظرة السابقة عنها”[7] .كما أن الكتابة النسوية دون تغييب الجسد هي أسلوب ومنهجية استفزازية من أجل إحداث التغيير والنهضة المنشودين، كما أنها ضرب من النضال الهادف “صارت الكتابة بالجسد نضالا يهدف إلى تغيير الموقع في المجتمع الذي اعتاد الإجهاز على العديد من حقوقها وفي مقدمتها حقها في التعبير المختلف”[8]

   تجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى عدم تخلص الكاتبة من السردية الشفهية التي مارستها وهي تتفنن في الحكي أو هي قاصة بارعة في توصيف الواقع ومزجه بخيالها الخصب الذي يمنح الحدث أبعادا لا متناهية. وهذا ما كان أيضا عقبة في طريق المترجم الذي وجد في عملية مراعاة النص المسرحي وطريقة كتابته التي تعتمد على الحوارات الطويلة التي ترد أحيانا بالغة الدارجة الجزائرية للمنطقة التي تنتمي إليها الكاتبة.

   ولا يسعني في الأخير إلا التصريح أن عملية ترجمة هذا النص لم تكن بالأمر الهين، إذ يبقي المترجم حائرا ومترددا في اتخاذ القرار بين أمانته للنص الأصلي أو خيانته له، خاصة وأن الكاتبة لا شك واعية بأثر أفكارها الجريئة على المجتمع الذي استلهمت تراثه ربما لغرض تحفيز المرأة على تغيير واقعها فهل اتخاذ المترجم قرار التخفيف من حدة الطرح لا يؤثر على الرسالة التي أرادت الكاتبة إيصالها كمشاركة لها في الثورة على هذا المجتمع؟!

   وهذا ما بقي يراودني إلى يومنا هذا بعد إسهامي في ترجمة هذه المسرحية!!

   ألم يحن الوقت لهذا المجتمع أن يتخطى خطوطه الحمراء بفضل هذه الأعمال الجريئة، فيثور المترجم عليها أيضا لينقل أفكار فاطمة قالير كما أرادت لها أن تكون؟ أم أنه سيبقى محاصرا بوجوب نقله لحمولة نص الانطلاق إلى متلقٍّ يحرص على إرضاءه بنص الوصول؟!

عبد الجبار خمران:

شكرا لك د.منال الرقيق على مداخلته وعلى إدخالنا في منطقة تبادل الأثر ما بين المترجم والنص الأصل والنص المترجم… شكرا للمتدخلات الثلاث.. والشكر والتقدير بخصوص المساهمة في ترجمة هذا الكتاب لـ د.نوال طامر ود. د.حفيظة بلقاسمي… انتقل مدير الحلقة إلى مداخلات وتساؤلات الحضور، وإعطاء دقيقيتين للمتدخلات الثلاثة للرد (وقد ذكرت د.جازية فرقاني أن لديها مشروع كتاب ستمنحه للهيئة العربية للمسرح للطبع بعد الإنتهاء منه وهو في موضوع الترجمة موسوم ” نحو نظرية أجناسية لترجمة المسرح”…

ثم ختم عبد الجبار خمران الحلقة بالقول: شكرا لكن على مداخلاتكن.. ولا يفوتني طبعا أن ابلغكن شكر السيد الأمين العام للهيئة العربية للمسرح والسيد د.يوسف العايدابي وكل زملائي في الهيئة العربية للمسرح على تلبيتكن دعوة برنامج إقرأ كتب الهيئة والمشاركة في مناقشة هذا الكتاب.. ويبقى سؤال هل المترجم قاضي ورقيب أم حامل ومساعد؟ مطروحا ولعله كل ذلك.. فكما يقول عبد الفتاح كليطو ” المترجم محلّ ريبة ومراقبة وتحوم حوله الشّبهات.. فهو ذو لسانين و”وجهين” وولاءين، فيُتّهم بعدم تأدية الكلام كما ينبغي…

قبل أن أودعكم أضرب لكم موعدا مع حلقة قادمة من سلسلة إقرأ كتب الهيئة نهاية الشهر القادم حول كتاب “الكايوسية في مسرح ما بعد الحداثة” للباحثة المسرحية العراقية د.فاتن حسين ناجي…

وتحياتي لكم من شارقة سلطان الثقافة

 

[1] Voire, Limag- Littérature.com

[2] J ; Expression, Le théatre selon Fatima Gallaire,un hauteur, un livre, au ccf le 4-7-2006.

[3]– ينظر: محمد يوسف نجم، المسرحية في الأدب العربي الحديث (1847-1914)، دار الثقافة ط2، 1967، ص 173.

[4]– كيلة سلامة، التراث والمستقبل، دار الصعود، دمشق، 1988، ص 5.

[5]  تقديم جميلة مصطفى الزقاي لكتاب فاطمة قالير، 5 مسرحيات …” ص 18، الهيئة العربية للمسرح، الامارات ط1، ص 18

[6] الرواية النسائية الجزائرية بنيتها السردية و موضوعاتها، رسالة مقدمة لنيل درجة دكتوراه العلوم في الآداب و اللغة العربية، تخصص ادب جزائري ، إعداد الباحثة : سعاد طويل ، تحت إشراف الدكتور : صالح مفقودة ، السنة الجامعية ( 2013 – 2014)، ص 30

 

[7]  الرواية النسائية الجزائرية بنيتها السردية و موضوعاتها، رسالة مقدمة لنيل درجة دكتوراه العلوم في الآداب و اللغة العربية، تخصص ادب جزائري ، إعداد الباحثة : سعاد طويل ، تحت إشراف الدكتور : صالح مفقودة ، السنة الجامعية ( 2013 – 2014)، ص 30

 

[8]  كتابة المرأة الروائية والبحث عن الانزياح؛ محمد عفط، المرأة والكتابة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مكناس، سلسلة ندوات 8، 1996، (ص: 41).

 

 

 

الحلقة الحادية عشرة من سلسلة إقرأ كتب الهيئة

د.هادية عبد الفتاح وأ.داليا بسيوني وأ.عبير علي

ضيفات سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”

لمناقشة كتاب “مخرجات المسرح المصري (1990 – 2010) دراسات سيميوطيقية”

  

  قدمت الهيئة العربية للمسرح يوم الأحد 28 نونبر 2021م الحلقة الحادية عشرة من سلسلتها الشهرية “إقرأ كتب الهيئة” حول كتاب “مخرجات المسرح المصري (1990 – 2010) دراسات سيميوطيقية”، الحلقة نقلت مباشرة الكترونيا عبر (برنامج زوم) على منصات الهيئة الإلكترونية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي.

     شارك في الحلقة كل من مؤلفة الكتاب الباحثة المصرية د.هادية عبد الفتاح والمخرجة والباحثة المصرية د.داليا بسيوني والمخرجة المصرية أ.عبير وأدار نقاش الحلقة أ.عبد الجبار خمران مسؤول الإعلام والتواصل في الهيئة العربية للمسرح.

     صدر كتاب “مخرجات المسرح المصري (1990 – 2010) دراسات سيميوطيقية”، مدار نقاش هذه الحلقة، عن منشورات الهيئة العربية للمسرح العام 2019م في الشارقة، ضمن سلسلة دراسات تحت رقم (64). وهو قد نشر أيضا طيلة شهر نونبر على الموقع الإلكتروني الرسمي للهيئة بصيغة PDF للقراءة والإطلاع.

     بعد أن وضح مدير الحلقة أ.عبد الجبار خمران بأن هذه الحلقة هي الحلقة الحادية عشرة رغم أنخه لم تصور إلا عشر حلقات إلكترونيا، وذلك راجع إلى أنه تعذر تصوير الحلقة الأولى إلكترونيا وهي الحلقة التي كان محورها كتاب الباحث المصري سباعي السيد “الدراما الرقمية والعرض الرقمي.. تجارب غربية وعربية”، فلكل من يسأل من المسرحيين والمتابعين لبرنامج إقرأ كتب الهيئة عن عدد الحلقات، تم التوضيح بأنها 11 حلقة حتى الآن على الرغم من تنظيم 10 حلقات إلكترونيا…

ثم قدم خمران الباحثات المصريات ورحب بهن وبالحضور وبلغ المشاركات في الحلقة شكر وتحية الأستاذ الأمين العام للهيئة العربية للمسرح ود.يوسف العايدابي وكافة العاملين في الهيئة العربية للمسرح، عرف بالكتاب محور حوار الحلقة “”مخرجات المسرح المصري (1990 – 2010) دراسات سيميوطيقية”.

عبد الجبار خمران:

     تتناول الحلقة الحادية عشرة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة” دور المرأة في تطوير حركة الإخراج المسرحي في مصر، خاصة أنها دخلت مجال التمثيل والإنتاج بشكل رسمي في فترة مبكرة من ظهور ما سمي بمسرح العلبة الإيطالية بمصر، مقارنة بنظيرتها في العالم الغربي، ثم نطرح سؤال: هل هناك تعثر في دخولها مجال الإخراج المسرحي بشكل كبير، ولماذا هناك ندرة أعداد النساء اللائي خضن هذا المجال. ولماذا تأخر دخول المرأة في مجال الإخراج المسرحي التابع لمنظومة المسرح الرسمية (state sponsored theatre) بشكل عام، وفي مصر بشكل خاص؟ – وهل استطاعت المخرجة المصرية أن تطور من مفردات العرض المسرحي؟ وإن كان الأمر كذلك – نطرح السؤال مع د.هادية – فما هي تقنيات الإخراج المسرحية التي قدمتها المخرجات في مصر؟

      ونستقصي مع ضيفات الحلقة أيضا، ما يطرحه الكتاب فيما يخص تتبع تاريخ ظهور المرأة كمخرجة والرجوع إلى تاريخ المسرح منذ بداياته، مركزين – كما تدعونا الباحثة – على نشأة وظهور مهنة الإخراج، وعلى وضع المرأة في المسرح بصفة عامة حتى نعرف متى تقلدت المرأة مهنة الإخراج. والسؤال الذي يُطرح هنا: ماذا نقصد بكلمة إخراج ومن هو المخرج حتى نتبين تاريخ ظهور مهنة الإخراج بشكل عام ومتى ظهرت المخرجة المسرحية بشكل خاص.

     إذا هذه الأسئلة وغيرها نطرحها مع ضيفاتنا من مصر، ثم قدم خمران د.هادية عبد الفتاح بسيرة مختصرة

قبل أن يعطيها الكلمة للحديث عن كتابها “مخرجات المسرح المصري (1990 – 2010) دراسات سيميوطيقية”.

د.هادية عبد الفتاح:

    أهلا بك وبالحضور،أولا شكرا لأنكم أتحتم لنا هذه الفرصة للحديث عن هذا الكتاب. ثانيا، المبدعتان الحاضرتان معنا سيتكلمان عن تجربتيهما، لأنهما من اهم المبدعات اللواتي ظهرن في الفترة ما بين 1990 و2010، وأخذن الريادة واستكملن مسارهن بتجارب مميزة ومنهن من خرج إلى الخارج وهذه إضافة تحتسب للحركة الفنية عموما…

مداخلتي سريعا – وكي أترك المجال للمبدعتين، لأنني أعتبر هذا اللقاء احتفاء بهما – وأنا سعيدة انه أتيحت لي الفرصة لأكتب عن تجربتيهما وعن عروضهما في فترة لم تكن قد ظهرت كتابات كثيرة عن المخرجات وعن حضور المرأة المصرية في المسرح عموما، في مجال الدراسات الأكاديمية. قد تكون هناك بعض المقالات نشرت عن الموضوع، ومنها ما كانت تكتبه الباحثة المصرية الراحلة د.نهاد صليحة، والتي تحمست لمشروعي هذا وساعدتني فيه.. حتى أذكر فضلها

باختصار شديد، كانت الفكرة.. أنه لا توجد كتابات توثق للمخرجات في مصر إلا بعض الكتابات القليلة. والفترة ما بين 1990 و2010 – التي يتناولها الكتاب في هذا الموضوع – بدأت تتحقق تراكمات من الاعمال المتميزة قدمتها مخرجات مصريات، فكانت ضرورة توثيق هذه الأعمال من ناحية، من جهة، ومن جهة أخرى أن نناقش بشكل أكاديمي هل قدمن أعمالا مميزة.. مع الغشارة إلى أننا لم نتناول الموضوع على أساس منظور نسائي أو ذكوري.. لأن لا وجود لشيء نسميه إخراج الراجل وإخراج المرأة!

الموضوع هو أن هناك مخرجات مصريات تواجههن بعض المعوقات، وتدفعهن مسببات مرتبطة بالظروف الإقتصادية والسياسية للأسف، إلى أن يثبتن في أماكنهن ولا يتقدمن… وإلقاء الضوء عليهن لأنهن فعلا قدمن تجارب تستحق المتابعة، وتستحق بشكل أهم الدعم.. فهن يستحقن الدعم وأن يسلط عليهن الضوء مثل الآخرين ويحتجن إلى مساحة لتقديم أعمالهم كالمسرح القومي، مسرح الطليعة… الخ من المسارح الرسمية التي لم يستطعن الوصول إليها وتقديم عروضهن عليها إلا بالصدفة البحثة.. أو دعنا نقول بصعوبة كبيرة جدا…

     قسمت الكتاب إلى ثلاثة أجزاء:

– الجزء الأول تناولت فيه استعراض لوضع المرأة في المسرح الغربي خاصة مجال الإخراج.. وكان الغرض من ذلك إظهار ان حضور المرأة في العالم العربي في المجال المسرحي، وفي مصر خصوصا، لها السبق والريادة، ولم تتأخر عن نظيرتها في الغرب.

– الجزء الثاني، وهذا ما يهمني، ألا وهو التوثيق لكل المخرجات اللواتي ظهرن في مصر، وقسمت المدة الزمنية للقرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين حتى 2010، إلى أربع فترات زمنية، الأول ما قبل 1952 / ثم الفترة من 1952 إلى 1967 / فالفترة من 1967 إلى منتصف الثمانينات / وبعد ذلك الفترة من نهاية الثمانينات وتحديدا بداية (مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في 1989، إلى عام 2010.

     تلك هي الفترات الرئيسية التي تناولتها، الفترة الأولى ارتبطت بالإحتلال ومحدودية المجال لتطوير المسرح أو التجديد في الشكل المسرحي…الخ ذلك ان تقليد الشكل الغربي للمسرح كان مهيمنا في هذه الفترة.

بعد 1952 أي الفترة الموالية والممتدة حتى 1967، ظهرت أسماء مسرحية مهمة جدا منها منى فهمي، رغم أنها لم تقدم إلا تجربة واحدة، يمكن كانت مرتبطة باحتفالية ثورة يوليو… وأنه نحن “يا جماعة” نقدم تطوير، فنريد للمرأة أن تدخل أيضا في المجال المسرحي والمجال العام..

ودخل المجال الفني أيضا كل من فاطمة رشدي وزوزو نبيل وأمينة رزق هؤلاء الثلاثة دخلن قبل 1952، ولكن على استحياء (فاطمة رشدي قدمت 7 عروض – زوزو نبيل عروضها لم تتجاوز الخمسة ونفس الامر بالنسبة لأمينة رزق… وكلهن غير دارسات.. هن حاولنا نقل خبراتهن المكتسبة في مجال التمثيل على الإخراج. في هذه الفترة (1952 – 1967) لدينا اسمين مهمين (رغم ما وجه لهما من نقد في مقالات كتبت عن أعمالهما في الفترة التي قدما اعمالهما) إلا أنه لا يمكن التغافل عن أنهما قدما تجارب مهمة وهما “الدكتورة ليلى نسيم أبو سيف والدكتورة ليلى سعد وهما قد درستا المسرح في الخارج ورجعتا إلى مصر وتعينتا في أكاديمية الفنون المسرحية، ولهما تجارب مسرحية تحسب لهما على سبيل المثال: مسرحية الأم شجاعة لبرتولد بريشت قدمتها ليلى نسيم في القلعة، وليلى سعد (والتي توارت في فترة السبعينيات وهي موجودة حاليا في مصر، تدرس في الجامعة الأمريكية) ولها تجارب مسرحية داخل الجامعة حتى يومنا هذا… والدكتورتان ليلى نسيم وليلى سعد قدمتا في اعمالهما المسرحية شكلا غير تقليدي لأنهما خرجا بالمسرح من حدود المؤسسات المعروفة، وكونهما حصلتا على تكوين ودرستا المسرح هو بمثابة علامة فارقة فيما يخص المخرجات المسرحيات في مصر.

     الفترة الثالثة (من 1967 – إلى أواخر الثمانينيات) دخلت أسماء نسائية في الإخراج المسرحي على استحياء، وهناك تجربة رائدة تمثلت في زينب شميس في مسرحية “عديلة مثلا” التي مثلت فيها نعيمة وصفي، وربما لأول مرة تقدم تجربة مسرحية “نسائية” كاملة حيث كل المشاركات في العمل المسرحي نساء باستثناء منجز الديكور. وهذه كانت تجربة رائدة بكل المقاييس..

في المرحلة ما بين (1987 – 2010) ركزت فيها عن تجارب المخرجات المعاصرات، واللواتي يمارسن عملهن المسرحي حتى الآن، رغم انه تم التركيز في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات على بعض الأسماء لأنهن حققن تراكما في التجارب، والبعض الآخر منهن قدم تجربة أو تجربتين ثم اختفين ولم يظهرن إلا في الفترة الأخيرة، ومنهن من كن ناشئات كالمخرجة ليلى سليمان على سبيل المثال، وقد قدمت تجارب عديدة فيما بعد…

بخصوص التجارب التي وقفت عندها وحللتها في هذه الفترة، هناك تجربة نورا أمين وعرضها “الضفيرة”، وتجربة عفت يحيى وعرضها “ذاكرة المياه” وتجربة عبير علي وعرضها “حكاوي الحرملك” والعروض الثلاثة التي حللتها للمخرجات الثلاث، كانوا محققين نجاحا جماهيريا وحتى نقديا، ولأول مرة يكتب عن عروضهن بشكل مستفيض.. وحتى على مستوى الأسلوب المسرحي تم تقسيمه بخصوص هذه التجارب (أو المسرح المصري عموما):

– المسرح الحركي: وتنتمي إليه تجربة نورا أمين وداليا العبد والتحقت فيما بعد ريم حجاب…

– المسرح الشعبي: المعتمد في بنائه على الأدب الشعبي أو مفردات العرض الشعبي مثل عبير علي ومن عروضها المعتمدة على البعد الشعبي “حكاوي الحرملك”…

– المسرح القائم على النص: وتنتمي إليه المخرجة عفت يحيى…

وما يجمع بين المخرجات المصريات الثلاث ومخرجات اخريات كتبن عروضهن بأنفسهن، أو تناولن نصوصا وأعدن كتابتها مجددا أو تناولنها بدراماتورجيا جديدة… ليقدمنها من وجهة نظرهن الخاصة

الميزة في المخرجات المذكورات انهن قدمن تجارب جديدة فنورا امين قدمت عروض أدائية /performance  ولم تكن تقدم قبلها، منهن من تناولت مواضيع نسائية لم تتناول بهذا القدر من التركيز من قبل، كذلك الشكل الذي يحمل إسقاطا سياسيا، وتوظيف عناصر الفرجة الشعبية…

د.داليا بسيوني مع فرقتها “سبيل” قدم عروضا مسرحية ناجحة في مصر وفي الخارج، فقط لأن الفترة التي تناولها الكتاب والتي تتوقف عند حدود (2010).. كانت د.داليا بسيوني مركزة في العمل الأكاديمي ولهذا لم انجح في أن لأتناول أحد عروضها.. وأذكر أن أول عرض قدمته بسيوني حصل على جوائز وقد عرض في المغرب.. وتجاربها المهمة قدمتها في الفترة الأخيرة.. ومن عنا تأتي أهمية انه في الفترة القادمة نركز على المراحل الأخيرة للمخرجات المصريات ونتابع تجابهن الجديدة…

عبد الجبار خمران:

 شكرا لك د.هادية عبد الفتاح على هذا التقديم والسرد الكرونولوجي مقتضب… الكتاب موضعه غني وأنت تدخلين في كثير من التفاصيل التاريخية وتقديم الأسماء والتواريخ…الخ

أنتقل إلى الأستاذة عبير علي ثم (تقديم سيرة فنية مختصرة)

عبير علي:

أهلا بكم جميعا.. أخيرا هناك توثيق لحركة المبدعات في مجال المسرح، وتحديدا المخرجات المسرحيات.. لا تطور لمسار أي مبدع إلا بوجود حركة نقدية، تحلل وتقيم وتأول ما يقدمه من أعمال فنية.. هذا هو السبيل الوحيد للتطور.. وهذا ما نحلم به: حركة نقدية موازية للمشاريع الإبداعية، حتى نعرف أين وصلنا وما الذي نريد تحقيقه.

في كتاب الدكتورة هادية، أحببت كثيرا المقدمة التاريخية التي اهتمت بتفسير مصطلحيْ المسرح والإخراج ونشأة كل من المسرح ومفهوم الإخراج المسرحي.. لأن الحديث عن المنشأ وتحديد التعريف للمصطلح يفسر لنا غياب المرأة عن المسرح كمخرجة… والتعريف الذي يقول بأن المسرح هو كحالة طقسية – كما جاء في الكتاب – فهذا يعني أن المسرح تمارسه كل الفئات الطبقية للمجتمع الإغريقي، ولو اعتبرنا المسرح، أيضا، ممارسة شعبية فهذا يعني أن للمرأة حضور وتواجد أيضا في هذه الممارسة.. ولو كان المسرح ذو بعد مؤسسي وطقس ديني ففي هذه الحالة هو كيان مؤسسي يحكمه المجتمع الذكوري ويفرض عليه سلطته وقوانينه وبالتالي المرأة في هذه الحالة، عنصر يحرك بأيدي القائد أو السيد أو المخرج الرجل.

وفي الحقيقة لا أرى بأن الاختلاف في طبيعة منشأ المسرح يجعل التعريفات متباعدة او متناقضة.. فالمسرح كل هذه التفسيرات والتأويلات وقد كانت متوازية أو متتالية مع بعض.. بمعنى انه اجتمع في نفس الوقت مسرح مؤسسي في بداياته كطقس وكدراما طقسية أو طقس ديني يمارس في المعبد اليوناني أو المبد الفرعوني بغية التقرب إلى الآلهة، أو بهدف إعادة تقديم القصص الديني (إيزيس وأوزوريس، ورحلة الميت من الحياة إلى الموت ورحلة الثواب والعقاب…) وقد كانت المرأة موجودة كراقصة معبد وكان هناك عازفات ومغنيات معبد.. بعدها صار وجود المرأة أقل بدعوى كونها مثيرة للشهوات وغير مكتملة الأهلية.. ولكن ظل دائما حضور المرأة في المسرح الشعبي قويا، وأقصد بالشعبي هنا، المسرح الغير مؤسسي، والذي يعبر عن الثقافة الشعبية في الفضاءات الشعبية والاحتفاليات والموالد… وغيرها

وعندما نلقي نظرة على تاريخ المسرح ونشأته، نجده هو والمرأة متزامنين في التهميش والإقصاء: فتارة المسرح والمرأة “حرام”، وتارة أخرى يحتاجهما المجتمع فيتواجد المسرح والمرأة، وتارة تتطلبهما حركة التطور الاجتماعي والمد الثقافي فتعطى مساحة أكبر للفن وبالتالي للمسرح وتحترم قيمه وتأويلاته فتحترم حركة التحرر الخاصة بالمرأة فتحضر كمبدعة وكجزء من المجتمع… رحلة المسرح والمرأة هي ما بين التحرير والإقصاء وإلى غاية اليوم. نحن الآن في القرن 21 ما يزال هناك تأويلات حول “تحريم المسرح والفنون” ويُنظر إلى الثقافة على أنها ترف أو زائدة عن الحاجة، فكلما اضطررنا على تخفيض الميزانيات نبدأ بتخفيض ميزانيات الثقافة، وإذا ما كانت هناك أزمات ما، نوقف الفنون والثقافة..

وفي رأيي ليس المشكل مشكل مسرح ومرأة.. بل هو مشكل أن الثقافة والفنون تُعامل وكأنها منتج إنساني درجة ثالثة.. إذا ما احتجنا وأحسسنا بضرورة وجودهما – وبضغوط حركات تنويرية – فهما متواجدان، وأحيانا أخرى لا تواجد لهما ولا فعالية لحضورهما. ولنطرح على أنفسنا سؤال المسرح في العالم العربي، لا أريد أن أقول ان هناك أزمة، ولكن أريد أن أشير إلى أن وجود المسرح في مجتمعنا يعني أن هناك إمكانية لإنتاج مسرح متعدد ومختلف ومتنوع ومستمر ويمكن إنتاجه نسبيا.. لكن هذا متعسر في الحقيقة، لماذا هو متعسر؟ لأنه ما نزال نعتبر الثقافة والفنون ترفا وغير مدرة للربح فالمسرح صناعة مسرحية ثقيلة والمسرح في حاجة إلى الدعم المادي دائما.

ولهذا، وبعد كل ذلك، أتساءل اليوم: المرأة كانت تقصى في العصور القديمة والعصور الوسطى، والآن هل المرأة متواجدة في المجال المسرحي بشكل حقيقي؟ جوابي هو لا. أتفهم جيدا ان ضيق الفرص يشمل المبدعين الرجال أيضا، لكنه وكما يقال في حالات الأزمات والحروب دائما ما يدفع الثمن الأكبر النساء والأطفال والفقراء.. نحن ندفع ثمن هذا الوضع الثقافي والاقتصادي.. هناك كثر من الرجال لا يأخذون فرصهم لكن هناك نساء أكثر.. بدليل أنه في أي وظيفة قيادية في مجال الثقافة والمسرح والإخراج تجد عدد المخرجين أكثر بكثير جدا من المخرجات في مصر أو في العالم العربي عامة.. ولنقارن في مجالس الإدارات الثقافية والمسرحية كم عدد الرجال وكم عدد النساء!

ثم أليس وجود النساء في بعض المنتصب ليس إلا وجودا شكليا وصوريا فقط؟ أزعم أنه عندما يكون هناك تيار عام يقضي بتمكين الشباب وتمكين النساء فليس ذلك إلا تنفيذ (كوطة) من النساء والشباب في بعض المهام لكن بلا دور حقيقي وفاعل.. إذا كنتم مهمشون بسبب ضيق الفرص فخذوا هذه المناصب الصورية، واتركونا نشتغل.. فلا مشاركة في صنع قرار ولا في تخطيط ولا وضع استراتيجيات، كونوا منفذين في المجالس الثقافية على مستوى مصر والعالم العربي… قد أكون مخطئة لكن هذا ما اراه طوال الوقت يحدث أمامي.

لا نستطيع ان نقر بأن للمرأة وجود حقيقي وقوي في المجال الإبداعي، لأن الوجود الحقيقي مرتبط بتمثيليتها في المناصب والمهام بما يوافق حجمها وعددها داخل المجتمع.. كما هو الشأن بالنسبة للرجل الممثل بشكل جيد في مجال المسرح وقطاعات الثقافة بما يوافق حجم وجوده داخل المجتمع.

وإذا ما كان حضور مخرجات وقياديات مبدعات في العالم العربي استثناء ومحاولات فردية حتى الآن، فإن ذلك لن يجعلنا نقر بأن هناك سياق عام يحترم ويدافع ويمكن المرأة من ان تأخذ حقها في أن تكون مديرة ثقافية او مخرجة مسرحية.. ما نراه من تجارب هو محاولات فردية واجتهادات خاصة.

وإذا ما تحدثت عن تجربتي الخاصة، أقول انني اخترت ان أشتغل في المسرح في واقع يعتبر المسرح مرتبة ثالثة، لأنه ليس مدرا للربح مقارنة مع قنوات التلفزيون والسينما.. فأختار المسرح وأختار من المسرح، المسرح المستقل، هذا الابن الغير الشرعي في منطقتنا العربية ومازال لم يعترف به.. رغم انه على مدار التاريخ كان هناك دائما مسرح مؤسسي ومسرح مستقل..

(انقطاع مؤقت لعبير عن النيت)

يتدخل عبد الجبار خمران ليعطي الكلمة للمخرجة د.داليا بسيوني، وذلك بعد تقديمها بسيرة فنية مختصرة. ثم طرح سؤال: كيف قرأت كتاب د.هادية عبد الفتاح خاصة أنك اطلعت عليه دراسة وقبل أن يتحول إلى كتاب، وما الذي أثاره فيك من أفكار وتأملات؟

د.داليا بسيوني:

أشكر الهيئة العربية للمسرح، وأشكر العزيز عبد الجبار والعزيزة د.هادية على الجهد المبذول في هذا الكتاب.. أنا حاليا أزرع النباتات لأنني لست قادرة على مزاولة المسرح.. فسأستخدم تعبيرا زراعيا “عندما يحط المزارع البذور في الأرض، فليس بالضرورة سيتذوق ثمار البذور التي زرعها”.. وفي خالتي أنا ممتنة لاكتمال دائرة ما: ذلك أنه في يوم من الأيام د.دالية بسيوني أخذت طلبتها في جامعة حلوان ليشاهدوا عرض “الضفيرة” وجعلتها موضوعا درس من خلال تلقين الطلبة كيفية تفكيك العروض المختلفة بأدوات نقدية مختلفة منها مثلا السيميوطيقا، ومن بين الطلبة المتواجدين في هذه المجموعة التي حضرت العرض في تام هاوس كانت الطالبة المجتهدة هادية، وهادية شاهدت العرض وفرحت به وناقشناه في المحاضرة بعد ذلك سيميوطيقا وبطرق أخرى، وتمر السنين – ولن أقول عددها – وأحضر مناقشة ماجيستير للزميلة هادية وهي تناقش هذا العرض، وبعض سنوات أخرى تطور موضوع الماجيستير ويتحول إلى كتاب متوفر للقراء الناطقين بالعربية منذ لحظة نشره وإلى المستقبل، وهذا امر ممتع وملهمة وهي اكتمال تجربة وانا ممتنة لرؤية ثمار لبذور زرعت في أواخر القرن العشرين تثمر الآن.

بخصوص السؤال الذي طرحته علي حول كتاب د.هادية: في أحداث تقع وعندما تُكتب تؤطرها لحظة زمنية (أنا لا أدرس في الجامعة الأمريكية ولا د.ليلى سعد كذلك / ليلى سعد أنهت التدريس من الجامعة الأمريكية تقريبا من 10 سنوات) ليلى سعد الآن في مصر وتقدم مسرح مجتمعي باللغة الإنجليزية، فيما يخصني درست في الجامعة الأمريكية ما بين 2011 و2013، وعلى مستوى التجربة المسرحية أحب أن أقول أنني سعيدة جدا بالسياق الذي تحدثت في إطاره عبير علي خاصة ما يتعلق بشغل المرأة وحضورها في المجتمع بشكل عام.. لأن ذلك مهم في حوارنا هذا، وسأختلف مع العزيزة د.هادية وأقول (أنا أعرف نفسي كنسوية) ماذا تعني (نسوية)؟ أتمنى أن أعرفكم كلكم كنسويين.. فهل تؤمنون بالمساواة بين البشر؟ أعتقد أنكم ستجيبون بنعم. فهل لأنكم تؤمنون بالمساواة بين البشر يعني ذلك أنكم نسويون؟! (نسويين: يعني أناس مهتمون بالمساوة بين البشر دون النظر إلى خصوصيتهم البيولوجية) فلو كانت هذه هي المرجعية لتعريف النسوية فجلنا نسويون..

أنا سعيدة انني متواجدة هنا “كرمز” بين مزدوجتين، رمز يحط بشكل صوري – كما قالت عبير – والنموذج الأوضح والمعبر عن ذلك هو عندما كنا نزاول نشاطا ثوريا حقيقيا في ميدان التحرير.. ولما جاءت لحظة الجلوس على طاولة المفاوضات كان شرط الجلوس على هذه الطاولة ان يكون لدينا لحية وشنب ولأنه ليس لدي لحية ولا شنب، فأنا لست مدعوة لهذه المفاوضات!

هناك أمر طبعا مثير للجدل.. فالمؤسسات المتطورة شيئا ما تحدد نسبة (كوطة) لتوفير تمثيل ما للمرأة.. كنت أعتقد أننا في القرن 21 سنتجاوز ذلك وسنتحدث فيما بعد هذا، لكن للأسف ما زلنا مضطرين للحديث في البديهيات كأن نقر بأننا كبشر (يجب ان يكون لدينا حقوق متساوية)

الكتاب يتطرق في المقدمة إلى تجارب مسرحية لعدد من الأسماء، للأسف ما كتب عني شخصيا في الكتاب ليس دقيقا. عنوان العرض الذي أخرجته عبارة عن تعبير مقتطف من قولة عظيمة للطيفة الزيات (شجاعة لتحقيق مجرد الوجود) وقد قدمت العرض في مصر وبعدها بسنوات عرضته في الولايات المتحدة الأمريكية قدم بنفس العنوان عام 2000م.

التجربة التي أحب ان أتكلم عنها، هو تجربة (مسرح البيت)، ذلك أن المؤسسات الرسمية والغير الرسمية… وأذكر أن افتتاح مسرح الهناجر واكبه حلمنا بأنه سيكون لدينا مكان مختلف يحتضن العروض الكثيرة التي كانت تقدم في إطار ما سمي بالمسرح المستقل.. للأسف تم استخدام هذا المسرح مثل جزرة معلقة أمام الفرق المسرحية المستقلة: من منكم “ياحلوين حيتفلق عشان يأخذ أسبوعين عرض لمسرحيته هنا؟!”.. من 84 فرقة مسرح مستقلة في عاميْ 1993 و1994 في بداية الحركة.. لا يسمح بتقديم عروض إلا 4 أو 5 فرق مسرحية هناك، في حين تم التخلص من حوالي 80 فرقة بطرق مختلفة سواء بالمنافسة الشديدة أو أنهم فقدوا الأمل ناهيك عن الإكراهات المادية.. فخطفت بعضهم الفضائيات المفتوحة ساعتها، وللأسف فكرة دعم الفرق المستقلة كانت تستعمل بشكل حقيقي لتدمير الفرق المستقلة والصوت المستقل.

واعتراضا على هذا قررت ان أمارس المسرح على الرصيف الثالث امام مسرح الهناجر، وذاك كان مكان تداريب فرقتي، ولن أدخل أي مكان لتقديم عروضي، وأطلقت فكرة إبداعية أسميتها آنذاك (مسرح البيت) وقدمنا من خلالها عرضين مسرحيين منهما عرض اخرجته.. وفكرتنا كانت هي أنه مادام الناس لا تأتون إلى المسرح، ومعظم من يحضرون المسرح فقط أصدقاء لنا، أي أن الجمهور (في البيت) إذن لنتوجه إلى الجمهور (في البيت).. فبدأت أفكر في عروض أصغر حجما، معدات كهرباء بسيطة وقطع أكسسوار معدودة يمكن أن نجمعها في حقيبة..

قدمنا تجربة من هذا النوع سميناها “نفسك تطلع إيه لما تصغر؟” واستدعينا من خلالها تداعيات الطفولة.. وقدمنا عدة عروض لهذه المسرحية في القاهرة.. كان أغلب الذين سمعوا بفكرة المشروع يعتبرون ذلك جنونا و”عبط”.. لكن بعدها حضينا بمنحة “فول برايت” وذهبت إلى مدينة نيويورك، فاكتشفت أن هناك في أمريكا تجارب (مسرح البيت) وكا زميل لنا قد قدم دكتوراه حول تجربة (مسرح البيت) فاكتشف أن هناك فرق كثيرة لجأت إلى هذا النوع من المسرح للهروب من موانع مختلفة..

منذ ذلك الوقت وأنا أبحث عن المساحات المختلفة أو البديلة ظروفنا في القاهرة وطبيعة البيوت في كثير من المدن العتيقة بالدول العربية تسمح بأن نقدم فيها عروضا مسرحية؟ هناك مباني مقفولة ودور عتيقة يمكن استثمارها لتقديم العروض. فمدينة كالقاهرة فيها 22 ملون نسمة وفيها 16 مسرحا… والمسارح الصغيرة التي كانت متاحة لنا في وقت ما تقفل ويتم التضييق عليها بطرق مختلفة.

فرقتي اسمها “فرقة سبيل” لأن أول عرض مسرحي أخرجته بعد عودتي من إنجلترا قدمته في سبيل تم ترميمه في شارع المعز، هذه محاولة لتغطية الفترة التي يتناولها الكتاب من 1990 إلى 2010.

بعدها فتح عبد الجبار خمران المجال للحاضرين.. ثم أقفل الحلقة بتوجيه الشكر للمشاركات في هذه الحلقة باسم الأمين العام للهيئة العربية للمسرح أ.اسماعيل عبد الله والسيد د.يوسف العايدابي وكل الزملاء في الهيئة ضاربا للجميع موعدا جديدا في حلقة قادمة حول كتاب “فاطمة قالير 5 مسرحيات” تقديم الباحثة الجزائرية د.جميلة زقاي، خاتما كلامه بـ (تحياتي لكم جميعا من شارقة سلطان الثقافة)

رابط فيديو الحلقة كاملة:

 

 

الحلقة العاشرة

من سلسلة إقرأ كتب الهيئة

د.محمد المديوني ود.أبو الحسن سلام ود.عادل الأحمر

ضيوف سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”

لمناقشة كتاب “حلقة موؤودة.. في تاريخ المسرح العربي”

 

    قدمت الهيئة العربية للمسرح يوم الأحد 24 أكتوبر 2021م الحلقة العاشرة من سلسلتها الشهرية “إقرأ كتب الهيئة” ضمن برنامج عين على المسرح، الحلقة نقلت الكترونيا عبر (برنامج زوم) مباشرة على منصات الهيئة الإلكترونية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي.

وشارك في هذه الحلقة ثلاثة باحثين مسرحيين لمناقشة كتاب “حلقة موؤودة.. في تاريخ المسرح العربي”، وهم مؤلف الكتاب الباحث المسرحي د.محمد المديوني والباحثان المصري د.أبو الحسن سلام والتونسي د.عادل الأحمر، وأدار الحلقة أ.عبد الجبار خمران مسؤول الإعلام والتواصل في الهيئة العربية للمسرح.

     والكتاب مدار نقاش الحلقة من إصدارات الهيئة العربية للمسرح ضمن سلسلة دراسات تحت رقم (27) العام 2015م. والذي نشر طيلة شهر أكتوبر 2021م على الموقع الإلكتروني الرسمي للهيئة (بصيغة PDF).

بعد أن رحب مدير الحلقة أ.عبد الجبار خمران بالحضور وبلغهم شكر وتحية الأستاذ الأمين العام للهيئة العربية للمسرح ود.يوسف العايدابي وكافة العاملين في الهيئة العربية للمسرح، أوضح أن د.عادل الأحمر تعذر عليه المشاركة في الحلقة نظرا لظرف طارئ حال دونه والمشاركة، وقد بعث بمداخلته مكتوبة والتي سيقرؤها عبد الجبار خمران أثناء الحلقة.

عبد الجبار خمران:

     مرحبا بكل الزملاء والأصدقاء المرحيين وكل المتتبعين في هذه الحلقة الجديدة من سلسلة إقرأ كتب الهيئة، وهذه الحلقة ستكون في ضيافة د.محمد المديوني ود.أبو الحسن سلام وكان من المقرر أن يكون معنا د.عادل الأحمر إلا أنه تعذر عليه الحضور بسبب ظروف خاصة ومداخلته معنا وسأقرؤها عليكم بعد مداخالتي كل من الباحثين المديوني وأبو الحسن… والحلقة ستناقش كتاب “”حلقة موؤودة.. في تاريخ المسرح العربي” تاليد د.محمد المديوني، وهو من إصدارات الهيئة العربية للمسرح ضمن سلسلة دراسات (رقم 27) العام 2015م. ونشر الكتاب على موقع الهيئة الإلكتروني بصيغة PDF طيلة شهر كامل لمن يرغب في قراءة الكتاب والإطلاع على محتواه…

سيتناول المتدخلون في هذه الحلقة بالنقاش والتحليل موضوع كتاب “حلقة موؤودة.. في تاريخ المسرح العربي”، والذي يحقق فيه المؤلف ويدرس مقال “فن التمثيل” لصاحبه نجيب حبيقة (1869 – 1906). مقال

لم يحظ باهتمام المعنيين بالمسرح العربي وبتاريخه – بحسب المؤلف – منذ وجد طريقه إلى القراء في مجلة المشرق عام 1899م.

     وقد طرحنا العديد من الأسئلة التي يعالجها الكتاب في الإعلان المصاحب لنشره على الموقع الإلكتروني للهيئة العربية للمسرح وتتلخص أهم أسئلة الباحث هذه، في:

  • لماذا لا يُذكر مقال “فن التمثيل” وصاحبه نجيب حبيقة، في كتب المعنيين بالتأريخ للمسرح العربي، إلا فيما ندر؟ ولماذا تجاهله الباحثون في مجالات المصطلح المسرحي في اللغة العربية تجاهلا تاما؟
  • هل يعني هذا الإهمال وهذا التجاهل، بالضرورة، أن ما أنجز نجيب حبيقة في مقاله هذا وفي امتداداته لم يكن ذا أثر في الخطاب المسرحي العربي في عهد مؤلفه وفي العهود اللاحقة؟

وهل يعني، بالضرورة، الجزم بأن لا صدى للمصطلحات الفنية والنقدية التي نحت في مقاله المذكور في خطاب اللاحقين؟

  • هل يعني تجاهل مقال “فن الممثل” من قبل هؤلاء المؤرخين أن لا أثر يذكر للمقاربات المنهجية التي قام عليها هذا المقال في كيفية تمثل النخبة العربية لهذا الفن وأن لا صدى لذلك فيما أصبح اللاحقون يتوسلون به من آليات لتحليل الأعمال المسرحية؟

     كل هذه الأسئلة وغيرها ستكون محور نقاش هذه الحلقة، وسنطرح مع المتدخلين الثلاثة مؤشرات الحضور والغياب لمقال “فن التمثيل” وصاحبه في الخطاب النقدي والتاريخي للمسرح العربي.

بعد تقديمه لسيرة مختصر للدكتور محمد المديوني طرح عليه مدير اللقاء السؤال التالي:

دعنا نبدأ من البداية: في 1899م صدر مقال “فن التمثيل” لنجيب حبيقة (1869م – 1906م)، وفي 1992م كان إعدادك لدرس أنجزته لطلبتك وسميته بـ “الحدث المسرحي في الثقافة العربية”. وكان من الضروري منهجيا – كما ترى، وهو كذلك – دعوة الطلبة إلى العودة إلى مراجع أضحت لا غنى عنها، وصار الباحثون والمهتمون بالمسرح العربي وتاريخه ملزمين، منذ الخمسينات من القرن الماضي بالرجوع إليها. وتخص بالذكر كتاب “المسرحية في الأدب العربي الحديث 1847-1914” لمحمد يوسف نجم وكتاب “دراسات في المسرح والسينما عند العرب” ليعقوب لاندو..

وفي سياق عودتك إلى ما اعتمده الباحثات الثبتان من مراجع اكتشفت مقال نجيب حبيقة “فن التمثيل” هنا بدأت مغامرتك البحثية التي يتضمنها هذا الكتاب.. وهنا كانت صدمتك! أخبرنا:

لماذا كتاب “حلقة موؤودة.. في تاريخ المسرح العربي” وما قصته؟ 

د.محمد المديوني: أهلا وسهلا بك، أشكرك وأشكر الهيئة العربية للمسرح على تنظيم مثل هذه اللقاءات حول الكتب. فالكتب تحتاج إلى امتدادت لها لتجد معناها وتجد صداها وتجد موقعها من مسار الإجتهادات في المجال الفكري عامة والمسرحي خاصة.

في الواقع هذا الكتاب دعاني إليه كما ذكّرت بما قلته بخصوص الدواعي المباشرة لكتابة هذا الكتاب، وقد كان ضروريا أن يُكتب، لأنني وقفت على حلقة ليست مفقودة بل “موؤودة” والوأدُ هو الفقد الواعي أو الإفقاد الواعي. لماذا؟ لننطلق من المقال: مقال (فن التمثيل) لنجيب حبيقة صدر 1899م في مجلة المشرق للجامعة الياسوعية وهي جامعة معروفة والمجلة معروفة ولها دورها في التثقيف بالمفهوم العميق للكلمة، إذ نجد فيها مجالات متعددة، والمقال المذكور صدر في ست حلقات. عندما قرأت هذه الحلقات صدمت صدمة معرفية غاية في الأهمية. لأن ما وجدته في هذا المقال يدل على أن نجيب حبيقة مستوعب استيعابا تاما للنظرية الأرسطية وللمقاربات التي اجتهد شراح كتاب “فن الشعر” لتنزيلها سواء باعتبارها قواعد أو باعتبارها مردجعية فكرية عليها يجد المسرح ما يمكن أن يعطيه معناه، ولكن خاصة لتدقيق كيفية إنجاز ما يمكن ان تحققه المسرحية عامة والتراجيدية بشكل خاص.

إذا نجيب حبيقة مستوعب لكل ذلك استيعابا غريبا، بل أكثر من ذلك، حيث صاغ ما أورده في مقاله بعربية سليمة وتكاد تقول معها ان أرسطو كتب ما كتب في (فن الشعر) باللغة العربية، مما يبين سيطرة حبيقة على هذه المادة. إذا نحن أمام حدث معرفي هام، يتمثل في أننا انتقلنا من مرحلة الحث على المسرح باعتباره يدعو إلى الحداثة واستنهاض الهمم وغير ذلك… على ما قاله مارون النقاش ونيقولا النقاش وسليم النقاش ومن بعدهم..

يطرح نجيب حبيقة في مقاله (فن التمثيل)، وهنا المنطلق، أنه يقتنع – بعد أن قيم واقع الممارسة على مستوى الكتابة المسرحية العربية – أنها غاية في الضعف والهجان، والسبب في ذلك عدم استيعاب ما تقوم عليه الكتابة المسرحية، أو بالتعبير المعاصر والحديث وخاصة في المعنى الفرنسي (la dramaturgie / الدراماتورجيا) أي فن تأليف المسرح.  وفي المقال استعمل حبيقة عبارة “يقترح عمدة” وعمدة كتعبير مستعمل في النقد (عمدة في صناعة الشعر) لابن رشيق مثلا. وهذه “العمدة” يقترح فيها التعريفات: لماذا المسرح؟ … ويسوق ما ورد في النظرية الأرسطية بأسلوب غاية في الدقة. وهو يعلن عن مشروع، ولا يقتصر على الدعوة فحسب، بل يساهم في تحقيق ذلك المشروع.

وترجمة فن الشعر للغة العربية الحديثة – ومعلوم ما قيل في الترجمات القديمة / والناس لم يكونوا عالمين بالمسرح وحيث كانت المرجعية ليست المرجعية المناسبة – كانت في 1950 أو 1951 فترجمة حبيقة سبقت هذا التاريخ بنصف قرن، وخاصة ان حبيقة أشار محدودية الترجمة العربية القديمة لـ (فن الشعر) ووقف في مقاله “فن التمثيل” على أسباب ذلك القصور في الوصول إلى ما أرده أرسطو. نحن إذا هنا أمام “حلقة مهمة”. لأن هناك دعوة للمسرح ومعها دعوة لاستيعاب ما يقوم عليه المسرح وما تقوم عليه التراجيديا بشكل خاص. وهذا الأمر غير طبيعي، لأنه عندما يتكلم المؤرخون عن المسرح العربي يقفزون على فترة وهي الحلقة التي نتحدث عنها: كيف مرّ المسرح العربي إلى مرحلة معينة.. مثلا كيف نشأ توفيق الحكيم؟ من أين أتى؟ إذا هناك محطات تكاد تكون غائبة. ومقال حبيقة يعطينا فكرة عن المحطات التي أدت على ما أدت إليه.

جعلني ذلك أطرح على نفسي ثلاثة أسئلة:

1 – لماذا غاب هذا النص؟

2- هل غياب هذا النص يعني غيابا لحضوره على مستوى استيعاب الإنسان العربي للمسرح وخاصة لمفهوم الكتابة المسرحية؟

3 – هل هذا النص يمكن أن يصل إلى الناس الآن؟

الإجابة على السؤال الأول كانت، وهو أمر كذلك، يحيلنا على مسألة جوهرية، هي التعامل النقدي مع المنجزات والإجتهادات. فوقفت على حالة غريبة، وهي أن السبب في غياب هذا النص وغياب ذكره هي “جناية”. جناية قام بها كل من د.يوسف نجم (عن قصد أو عن غير قصد!) وجاكوب لاندو! لماذا؟ لأن المسألة في أهمية ما كتبا وفي الموقع الذي احتله كلاهما بالنسبة للأبحاث الجامعية. فهل هناك كتاب تكلم عن المسرح العربي دون أن يذكر “المسرحية في الأدب العربي الحديث 1847-1914” ليوسف نجم؟! لا وجود لهذا الكتاب، وهل هناك كتاب في الغرب تطرق للمسرح العربي لم يحل على كتاب “‏دراسات في المسرح والسينما عند العرب…” لجاكوب لاندو؟! خاصة وأن هذا الكتاب الأخير أخذ هالة كبيرة ذلك أنه صدر في خمس جامعات في نفس الوقت، وقدم له كَيب وما أدراك ما كَيب بالنسبة للمستشرقين الأنغلوسكسونيين فالقيمة التي اكتسبها الكتابين جعلت مسؤولية كاتبيهما كبيرة جدا. لأنهما “موها” معرفيا، وما يدل على ذلك هو أن محمد يوسف نجم أفرد لمقال حبيقة في كتابه سطرين ونصف فقط، ووصف حبيقة بشاب كتب عددا من المقالات اسمها “فن التمثيل” والحال ان الأمر يتعلق بمقال واحد في ست حلقات. كما ان نجم لم يشر إلى ما ورد في هذا النص، واحالاته كانت خاطئة.

يعقوب لاندو إحالته على المقال كانت دقيقة – لكن الأمر الأدهى والأمر – أنه أخذ عبارة “فن التمثيل” على انها “فن أداء الممثل”! أو la formation d’acteur / تكوين الممثل. لان عنوان المقال “فن الممثل” فقد ذهب في ظن يعقوب لاندو أن النص يتحدث عن فن الممثل في حين أن المقال يتكلم – كما قلنا عن – (الدراماتورجيا) أي التأليف المسرحي.

وبهذا تكون ما يشبه ضبابا كثيفا حول هذا النص مما حال دون الباحثين من تناوله بالدراسة ويعودون إليه، وليس لهم في ذلك عذر. ونحن كلنا “مذنبون”، إذ أنه من الضروري أن نقوم بعمل نقدي لما ينجزه حنى كبار الباحثين.

أما بخصوص السؤال الثاني حول غياب استيعاب للنص ووجود أثر له، أقول أن مجلة الشرق كانت مقروءة جدا من طرف الطلاب …الى غير ذلك، والأكثر من هذا أنني وجدت أثرا نصيا لمقالات نجيب حبيقة في كتابات إدوارد حنين، الذي يعتبره مؤرخو النقد المسرحي عند العرب أنه أول ناقد أكاديمي، باعتبار أنه أنجز عددا من المقالات جمعها ونشرها في كتاب “شوقي على المسرح”.. نقطة الانطلاق هي مقدمات نجيب حبيقة والتي أشار إليها إدوارد حنين، الناحية الثانية: المنهج الذي اتبعه والمصطلحات التي اعتمدها.. فمثلا من

المصطلحات… ومما هو لافت للإنتباه مثلا (وهو عجيب) أن نجيب حبيقة مثلا، يتكلم عما يسميه “التنسيق الداخلي” و”التنسيق الخارجي” وهو ما يقابل تقريبا ما ذهب إليه “جاك شيرير / Jacques Scherer” في كتابه “La dramaturgie Classique en france / الدراماتورجيا الكلاسيكية في فرنسا” والذي يتكلم فيه عن ” structure interne” و ” structure externe” إذا التفات حبيقة إلى “البنية الداخلية والبنية الخارجية” على مستوى كبير من الأهمية، وهذه المفاهيم اعتمدها إدوارد حنين، ثم ضمن نصوص وشهادات وذكرها في الإحالة (مجلة المشرق) ولم يذكر اسم نجيب حبيقة! ومن هنا الفقد الذي يتحول إلى وأد.

الآن، ما هو أثر غياب نص نجيب حبيقة عن النقاد؟

هناك على الأقل ثلاث أطروحات يجب إعادة صياغتها:

أطروحة شهيرة جدا لعطية أبو النجا وهو باحث مصري وكتب كتابا بعنوان ” Recherche sur les termes de théâtre et leur traduction en arabe modern / بحث في المفاهيم المسرحية وترجمتها إلى العربية المعاصرة”: عندما أهمل أبو النجا إدراج نص نجيب حبيقة (فن التمثيل) في كتابه، سقط من معجم المصطلحات عدد كبير جدا منها، وهنا أحصيتها في كتابي موضوع النقاش، وبينت أن في هذا طبعا، تقصير ولا تعطي فكرة حقيقية وشاملة.

من ناحية ثالثة، هو أن في كتاب “حلقة موؤودة.. في تاريخ المسرح العربي” تحقيق… – فالكتاب يقوم على قسمين: قسم: بحث ودراسة والقسم الآخر وهو تحقيق.. لماذا أقول تحقيق؟ وللأستاذ أبو الحسن سلام ما يقول في مفهوم التحقيق والغاية منه – هذا التحقيق تمثل في أن نجيب حبيقة يقول بأنه سيعول على “أئمة” هذا الفن، يقصد بذلك المتخصصين والباحثين أمثال شليغل، جوته… وباحثيه تعرف من؟  – كبار الباحثين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وضمن نصوصا في مقالته من كتبهم. لكنه لم ير داعيا لتحديد الإحالات، وهذا دعاني إلى تحديد تلك الإحالات، وهي إحالات كثيرة. وتأكدت من أن إحالاته صحيحة وضبطنها في كتابي ضبطا. وقد تتصورون الوقت الذي تطلب مني ذلك.

والآن، نص مقال نجيب حبيقة في هذا الكتاب تجدون فيه إحالات دقيقة لكل الشواهد، الناحية الأخرى هي أنني أعدت صياغة بعد المفردات – دون أن أمس معاني النص – فمثلا كلمة (مرسح) أصبحت (مسرح) وهو أمر عادي جدا… هناك بعد التعبيرات أعيدت صياغتها لتصبح مقروءة ومتماشية مع لغة العصر…

النتيجة التي وصلت إليها، وهذا الكتاب يدعو إليها، هي إعادة النظر في تاريخ الأفكار – وليس التأخير للأحداث – كيف دخلت فكرة المسرح؟؛ وفكرة التأليف المسرحي؟ ما وراء.. ما في أذهان المفكرين وفي أفكار الثقافة العربية… وهي دعوة لزملائي الباحثين ولطلبتي… لكي يعيدوا النظر في كل ذلك ولا يسكت على هذه الحلقة الموءودة التي لابد وأن تعود للحياة (نقاش، تحليلا وجدلا…) ولعل هذه الحصة تسهم بعض الشيء في هذا النقاش…

عبد الجبار خمران: شكرا لمداخلتك القيمة د.محمد المديوني، الكتابة رصين في منهجيته واستثناء في موضوعه.. عنوانه فقط يدعو إلى التساؤل والقلق والحيرة الفكرية.. وذكر الحيرة تأخذني إلى د.أبو الحسن سلام الذي مزج الحيرة والقلق في مقال مهم كتبه عن الكتاب.. أهلا بك د.أبو الحسن سلام

د.أبو الحسن سلام: أهلا بك أستاذ عبد الجبار ود.المديوني  وكل الأصدقاء الأعزاء وأشكركم جدا وأشكر الهيئة العربية للمسرح على هذه المبادرة القيمة في دفق دماء الفكر والإبداع المسرحي الذي ينتجه الباحثون والمبدعون العرب…

عبد الجبار خمران: أهلا بك أستاذنا العزيز وأبلغكم تحية الأستاذ الأمين العام للهيئة العربية للمسرح ود.يوسف العايدابي وكل زملائي هنا في الهيئة العربية للمسرح بالشارقة يشكرونكم على تلبية الدعوة وعلى حضوركم الوازن في هذه الحلقة… (بعدد تقديم موجز من سيرة د.أو الحسن سلام) طرح مدير عليه اللقاء سؤالا:

– في حديثك عن كتاب د.محمد المديون موضوع نقاشنا ربطت اسمه بحيرة المحقق التراثي في المسرح، فأين تتجلى الحيرة في هذه الدراسة؟ وما أهمية وتحقيق مقال (فن التمثيل) الذي يعد أول عرض في تاريخ المسرح الحديث لنظرية أرسطو “فن الشعر”؟

د.أبو الحسن سلام: المديوني وحيرة المحقق التراثي في المسرح

– شكرا جزيلا الأستاذ عبد الجبار.. أبدأ كلمتي بشعار أضعه في بداية الكلام عن (البحث المسرحي) فأقول دائما “إن بعض الظن علم” و”إن بعض الظن فن” وهاتان المقولتان تتمثلان في المبدع الباحث الأستاذ د.محمد المديوني. لذلك بدأت على التأكيد بأنه مالك لعقيدة “إن بعض الظن علم” ولـعقيدة “إن بعض الظن الفن”.

الكتاب بحث في مرجعيات التأسيس النظري الرافضة لفكرة المسرح في ثقافتنا العربية المبكرة (منذ عام 1899). ويتعرض لجهود التأسيس الأولى لفن الكتابة المسرحية في جهود نجيب حبيقة التي عنوانها (فن التمثيل).

في بحث المديوني عن تراتبية الكتابة النظرية في مسرحنا منذ بدايتها ومن خلال بحثه الدؤوب وقع في حيرة شديدة. والحيرة آفة البحث، وآفة الفن. ففي محاولته لجمع المادة التي سيأسس عليها: العودة إلى المرجعية التي بدأت بها الكتابة تأريخا لدخول هذا الفن العظيم “المسرح” في ثقافتنا العربية. من أجل ان يعلم طلابه كما تفضل هو وشرح – وكما تفضلتَ وأثنيت على شرحه – لكنه في الحقيقة وفي حيرته تلك، لم ينطلق فقط من المكتبات ولكنه يلجأ – لأنه باحث دؤوب – للإتصال بكل من يتوسم بأن لديه شيء من هذه المراجع. فأذكر أنه اتصل بي في تلك الفترة التي كان قد شرع فيها بكتابة هذا البحث، ليسأل عن دراسة كتبها د.محمد خلف الله أحمد وهو أحد الأساتذة الأول عميد جامعة الأدب كلية الإسكندرية. وفي الحقيقة، بذلت مجهودا للبحث عن

تلك الدراسة لكن تقلب الإداريين وتقلب العمداء وتغيير معمار المباني.. تلغى مكتبة؛ تباع بعض الكتب التي يُظن ان لا قيمة لها! فبحثت ولم اعثر على هذا العدد من كلية الآداب في سنوات نشأتها الأولى، فاعتذرت للمديوني ولكنه لم ييأس وواصل حيرته والتي أوصلته إلى عدد من الكتابات لعدد من المؤرخين منهم د.محمد يوسف نجم وكتابه المشهور، فلم يعثر على شيء في هذا الكتاب الذي يُظن انه وسع كل شيء عن المسرح العربي. لم يجد – كما ذكر – إلا سطرا او شيء أقل من السطر…

وهنا تساءل: كيف لهذا الحَبر المسرحي الذي اشتهر في المجال المسرحي وتاريخه أن يهمل ذلك، أو غَفل عليه ما يعرف بالنقطة العمياء، وهنا مناط حيرة المديوني.  

النقطة العمياء في تحقيق مقام الريادة المسرحية العربية

و”النقطة العمياء” أخذتها من نظام المرور.. حيث من جهة مرآة سائق السيارة هناك مسافة معينة لا تعكس المرآة تلك السيارات المتواجدة في هذه المسافة / التي يسميها أهل المرور “النقطة العمياء”. فقلت أن النقطة العمياء موجودة فيما يكتب من إبداعات وفيما يكتب من أبحاث. حيث يمكن لباحث أو مؤرخ أو ناقد أن يكتب في قضية ما وبالمصادفة يعرض – في أثناء تقديمه لما هو بصدده – عرضا سطحيا ويمر عليها مرور الكرام. فإذا بباحث آخر أريب يلتقط هذه النقطة البحثية العمياء التي أهملت عن قصد أو عن دون قصد، فيصاب بالدهشة، يندهش من غفلة الكاتب أو المبدع فيكون كمن عثر على جوهرة ثمينة فيشتغل عليها. والاندهاش يدفع لدراسة مناطق الدهشة، فإذا بالمديوني يخلص من حيرتِه ودهشته، ويساءل الموجود، ولمساءلة الموجود يجب أن نصفه ثم نحلله ثم نقوم ما استنتجه غيرنا ممن سبقونا في التعرض لهذا الموضوع، ثم بعد ذلك يقدم الباحث الإستنتاج.

فماذا استنتج المديوني؟

استنتج عددا من التساؤلات، منها أنه افترض – والافتراض أساس في العلم والبحث والفن – أن يكون بعض المؤرخين المحدثين لتاريخنا المسرحي قد غفلوا سهوا عن نص حبيقة وبعضهم تغافله عن قصد وسوء نية وأظن أن المديوني – وأنا معه – توصل إلى أن مجرد هذه الفقرة عن حبيقة التي لا تكمل سطرا في موسوعة د.محمد يوسف نجم، تظهر أن في الأمر قصدية الإهمال لما كتب حبيقة.

من ناحية أخرى، عندما نظر المديوني في كتاب جاكوب لاندو “المسرحية في الأدب العربي الحديث 1847-1914” لم يجد إلا إشارات خفيفة لنص نجيب حبيقة، وربما فقرات بسيطة جدا لا تفيد فيما يخص قيمة ما كتب حبيقة. فهو مجرد عرض مبسط لا أكثر، هنا أيضا “نقطة عمياء”.

إذا نقطة عمياء عن قصدية عند د.محمد يوسف نجم ونقطة عمياء نتيجة إهمال أو تبسيط أو عدم تدقيق في قيمة ما كتبه حبيقة ووزنه بميزانه عند جاكوب لاندو.

ثم نظر المديوني في مرجعية أخرى وهي كتاب “إدوارد حنين” فوجده يقتبس من نص حبيقة (فن التمثيل) فقرات ذات قيمة دون أن ينسبها إلى صاحبها، وهذا ليس من الأمانة العلمية. لقد وضع د.المديوني يده على إجابات حقيقية تكشف عن سببية “النقطة العمياء” سواء عن قصد أو عن سوء نية أو حتى سرقة.. لأنه عندما نأخذ من غيرنا دون أن ننسبه لصاحبه فهذه سرقة. وهذا يذكرني بشخصية عطيل عندما تكلم عن شخص سرق محفظة نقود “إنك إذا سرقت محفظة نقودي فقد سرقت شيئا كان لي ثم صار لك، لكن إذا سرقت سمعتي فقد سرقت ما لا ينفعك ويلحق بي الضرر” فهنا ألحق الباحثون الثلاث الضرر الذين كتبوا في تاريخ المسرح العربي ونشأتِه سرقوا مكانة الرجل العلمية، فنجيب حبيقة أول من ترجم لنا ترجمة معاصرة كتاب أرسطو “فن الشعر” وهو بذلك بادر وسبق الباحث عبد الرحمن بدوي.

وأتساءل: من 1899 إلى غاية الخمسينيات من القرن الماضي حيث ترجم عبد الرحمن بدوي كتاب أرسطو، ألم يكن لدينا مؤرخين وكتاب؟ الجواب نعم، كان لدينا كتاب. وفي ظني أن هذا البحث القيم لنجيب حبيقة (فن التمثيل) كان موؤودا من قبل اكتشاف د.المديوني له. أي اننا لم ننتبه إلا بعد تحقيق المديوني في الموضوع… فمثلا نتحدث عن مفهوم “التغريب” انه متواجد في مسرحنا العربي.. لكننا لم ننتبه إلى هذا المفهوم إلا بعد أن نُظر له، أي بعد أن تحولت إلى نظرية بدأ ذكرها (كتأسيس) وليس قبل ذلك. 

فمثلا متى بن يونس يترجم الممثل بالمنافق (من السريانية إلى العربية) والتمثيل بالجهاد.. إذا هو وأد بشكل ما فن المسرح منذ القدم، شخصيا أظن أن ما فعله المديوني في بحثه هذا، شيء جديد وأصيل مبتكر… يمتنع على غير العالم المدقق والباحث الفنان وهو اجتمعت فيه الصفتين.

تحقيق مقام الريادة

في التحقيق، يذكر علميا ومنهجيا: أنه لتحقيق مصنف أو موضوع من التراث لابد من العودة إلى الثقافة السائدة في العصر الذي كتب فيه هذا المصنف أيا كان جنسه، أدبا أو علما أو تاريخا أو غيره. ثم يعود الباحث إلى اللغة التي كتب بها هذا المصنف داخل منظومة مجمل اللغة التي كتب بها الكاتب هذا المصنف موضع التحقيق، شرط أن يكون هناك لبس في نسبة المصنف إلى صاحبه. لكننا بخصوص نص (فن التمثيل) فنسبته إلى نجيب حبيقة ظاهرة وثابتة، إذا أين مناط التحقيق؟ مناط التحقيق في المرجعيات الأخرى عرضت لتاريخ المسرح العربي، منذ نشأته… والتحقيق في أسباب إهمال نص حبيقة وأسباب “سوء نية” عدم الاهتمام به وأسباب الاخذ عنه دون ذكره أو بالأحرى “سرقته”… هنا مناط التحقيق.

في الأخير أقول أن كتاب “حلقة موؤودة في تاريخ المسرح العربي” يشكل قيمة كبيرة في مجال البحث الأكاديمي. وهو درس حقيقي لطلاب الدراسات العليا في فنون المسرح عامة…

هذا قولي، وأشكر لكم إتاحة هذه الفرصة الطيبة للمشاركة معكم..

عبد الجبار خمران: شكرا لك د.أبو الحسن سلام على مداخلتك القيم حول الكتاب موضوع نقاش هذه الحلقة وإذا ما كان هناك من “سارق” لأمانة علمية فهناك “قاض” باحث يتعقب ويرصد ليعيد الأمور إلى نصابها

الفكرية، وكما قلت أستاذ أبو الحسن الكتاب فعلا درس للطلبة لا من حيث المضمون ولا من ناحية المنهجية الاستقصاء… شكرا لك.

د.عادل الأحمر بعث للبرنامج بمداخلته وقد تعذر عليه الحضور معنا لظروف خاصة كما أشرت وفيما يلي

نص مداخلة الأستاذ عادل الأحمر

 تحياتي لك أستاذ عبد الجبار ولكل العاملات والعاملين بالهيئة العربية للمسرح…وكل التقدير لما تنجزه الهيئة من أعمال جليلة تسهم بها في النهوض بالمسرح في الوطن العربي… ومن ضمنها هذه المبادرة الطيبة التي تخدم المسرح والكتاب معا… تحياتي كذلك لرفيقي في هذه الحلقة: الدكتور أبو الحسن سلام المحترم، والدكتور محمد المديوني، الصديق العزيز وزميل الدراسة الجامعية في أواخر ستينات القرن الماضي… 

لقد استمعنا منذ حين إلى الدكتور محمد المديوني يقدم كتابه من زاوية المؤلف… أما من ناحيتي   فسأتناول الكتاب من زاوية القارئ غير الأكاديمي، والمتلقي غير المختص في الفن الرابع، ولكنه من هواة هذا الفن (من الهوى وليس من الهواية)، وهو كذلك من أنصار الكتاب في عصر يحتاج فيه الكتاب إلى مناصرين ومدافعين. فقد دأبت على عرض الكتب الجديدة في الصحافة التونسية، من باب الترغيب في مطالعتها والحث على اقتنائها، وهذا ما أنا فاعله اليوم مع متابعي هذه الحلقة بالنسبة إلى كتاب الدكتور محمد المديوني.

لنبدأ من البداية … من المعلوم أن العلاقة الجسدية للقارئ بأي كتاب، تبدأ، نظرا ولمسا، بغلافه… ومن الغلاف أيضا والعنوان الذي يحمله، يكون أول تفاعل، فكرا وحسّا، مع الكتاب، وتكون أول الانطباعات بموضوع والتمثلات، إذا لم يكن لنا سابق علم بالكتاب. فكم من عنوان أثار فينا وحده حب الاطلاع، ودعانا بإلحاح إلى مطالعة كتاب…

 وهذا هو شأن كتاب الدكتور محمد المديوني، “حلقة موؤودة في تاريخ المسرح العربي”: فالعنوان يوحي بوجود لغز تختفي وراءه جريمة، ويا لها من جريمة! بما أن الأمر يتعلق بوأد، أي بقتل… ثم إن صورة ذلك الرجل الغامض القادم من عصر آخر، أو هكذا بدا لي، والذي لا نجد ذكرا لاسمه على الغلاف، يزيد القارئ تشويقا للغوص في أسرار هذه القضية.

وعند الغوص فعلا في الكتاب، نجد أنفسنا إزاء قصتين في قصة، وذلك رغم الطابع العلمي والأكاديمي للكتاب.

  • أولا: قصة الوثيقة الموؤودة، أو لغز المقال المنسي، وقد رواها لكم الدكتور محمد المديوني منذ حين.
  • ثانيا: قصة الدكتور محمد المديوني مع هذه الوثيقة، هي قصة بدأت عام 1992 حين لقائه بنجيب حبيقة ومقاله ”فن التمثيل” على قائمة بيبليوغرافية في إطار الإعداد لدرس جامعي، وانتهت بطباعة هذا الكتاب سنة 2016، على يدي الهيئة العربية للمسرح.

     وبين البداية والنهاية مراحل عدة يسردها المؤلف، بين بحث في مكتبات تونس عن صحيفة ”المشرق” المتضمنة نص “فن التمثيل”، واطلاع على النص مباشرة في مكتبة الآباء البيض بتونس، وإجراء بحث معمق عن مواقف مؤرخي المسرح العربي من هذا النص، قبل القيام بتحقيقه وإعداده للطباعة ضمن كناب.

ونقف قليلا عند بحث د.محمد المديوني في مواقف مؤرخي المسرح العربي من مقال “فن التمثيل”، وهو بحث رأيته، كقارئ، في صورة تحقيق قضائي ينظر القاضي المكلف به في تهم تتراوح بين الوأد في أقصى الحالات (وهو وأد مجازي كما بينه المؤلف) وبين الجهل والتجاهل والإهمال والإغفال والذهول والتمويه المعرفي (وكلها عبارات استعملها الدكتور   المديوني في كتابه). ويضاف إلى كل هذه التهم الاعتداء على حق الملكية الفكرية.وهذه نماذج من التهم التي حقق فيها الدكتور المديوني:

* إدوار حنين (كاتب لبناني: 1914- 1992): اقتبس في مقال له (عن شوقي ومسرحه الشعري) بنفس مجلة ” المشرق” عام 1934 شواهد من مقال حبيقة دون ذكر اسم الرجل وعنوان مقاله، واكتفى بذكر مجلة ” المشرق” في هوامش الإحالة.

* محمد يوسف نجم (المختص المعروف في تاريخ المسرح العربي): لم يشر في كتابه ” المسرحية في الأدب العربي الحديث 1847-1914 ” إلا مرة واحدة، وبصورة عرضية وموجزة، إلى نص حبيقة، ولم يطلع على مقال ” فن التمثيل”، واعتبره مجموعة مقالات، وأخطأ في إيراد أرقام الصفحات التي تضمنت المقال في مجلة “المشرق”

* جاكوب لانداو (ـJacob LANDAU) صاحب كتاب ” دراسات في المسرح والسينما العربيين 1950: تخصيص نجيب حبيقة بستة أسطر لا أكثر، وعدم اطلاع لانداو، هو الآخر، على مقال ” فن التمثيل”. وحجة ” المديوني القاضي والمؤلف معا” على ذلك هو أن ” لانداو” فهم عبارة ” فن التمثيل” على أنها ” فن الممثل” لا غير، بينما حبيقة يعني بعنوان مقاله “فن المسرح ” بكل مكوناته.

* هذا، ويشترك نجم ولانداو في مسؤولية جسيمة تجاه نجيب حبيقة، بسبب دورهما المؤثر حتى في من تلاهم من الباحثين وتوجيههم، دون قصد، توجيها أسقط من الاعتبار مقال نجيب حبيقة. وهذا التأثير ناتج عن شهرتهما ومكانتهما الأكاديمية.

 * جوزيف خويري (باحث لبناني، صاحب كتاب ” المسرح في لبنان 1847-1960″): الاكتفاء بذكر مقال حبيقة في الملحق الببليوغرافي لكتابه، وعدم الإشارة الى محتوى هذا المقال في متن كتابه بأي شكل من الأشكال.

* عطية أبو النجا (صاحب أطروحة نوقشت في السوربون عام 1966 حول “مصطلحات المسرح وترجمتها الى العربية العصرية “): إهمال المصطلحات التي زخر بها مقال حبيقة، والحال أنها في صلب أطروحته، وقفزه إلى كتاب جاؤوا بعد حبيقة نسب إليهم أبو النجا السبق في ترجمة عدد من المصطلحات، كان قد سبق إليها حبيقة منذ عام 1899.

* نبيل أبو مراد (باحث لبناني صاحب دكتوراه عن ” المسرح اللبناني في القرن العشرين” نشرت سنة 2002): هذه حالة غريبة حقا: فالموضوع لا يتعلق بجهل أو تجاهل أو إغفال أو إهمال لمقال نجيب حبيقة، بل يعاب عليه التعالي على نجيب. حبيقة و”الاستخفاف” به و” الضحك” من عمله، بعد الاستشهاد بنصه أكثر من مرة، وذلك في حالة من تهاوي الأخلاقيات الأكاديمية وغياب السلوك العلمي القويم.

وفي قصة الدكتور المديوني مع ”فن التمثيل”، تخلل    السرد، كما في الروايات المنسوبة إلى ضمير المتكلم، وصف لتفاعل الراوي مع الأحداث:

ففي البدء كانت المفاجأة: المفاجأة بنص خرج فيه صاحبه ”عما درج عليه معاصروه من المثقفين العرب فيما كانوا يكتبون حول المسرح، وعالج موضوعا في هذا الفن لم ينتبه إليه قبله”.     

وبعد المفاجأة يأتي الاستغراب: فقد د.المديوني “مشدوها” أمام هذه المفارقة العجيبة بين أهمية نص مثل ” فن التمثيل” وبين موقف مؤرخي المسرح العربي منه، بين جهل وتجاهل وقلة اكتراث…    

 ومع الاستغراب، يصاب الراوي   بـ ” صدمتين مدهشتين ” (وفق تعبيره):

  • الأولى سلبية ، وتتمثل في تقصير أكبر الباحثين في تاريخ المسرح العربي ( وفي مقدمهم محمد يوسف نجم وجاكوب لانداو) إزاء هذا المقال، بل وعدم  الاطلاع عليه أصلا، فما بالك بتثمين مكانته ضمن تاريخ المسرح العربي.
  • أما الصدمة الثانية فإيجابية، وهي “أقرب ما تكون إلى الصدمة المعرفية”، حسب تعبير المؤلف نفسه، وتجلت في” طبيعة هذا المقال بنية ومضمونا وشواغل “

وتترك الصدمة مكانها إلى الحيرة الفكرية، وقد ترجمها د.لمديوني إلى أسئلة: ” هل كان هذا النص سابقا لأوانه؟ هل كان ما ورد فيه عصيا على قرائه المعاصرين له، نظرا لافتقارهم المحتمل للأدوات التي تسمح لهم باستيعابه والتفاعل معه؟”… لكن ” ما الذي يمكن أن يبرر ذهول اللاحقين عندما تمكنوا من هذه الأدوات المعرفية؟”.

  ونفتح هنا قوسا حول فن السؤال عند د.المديوني… فمثل هذا التساؤل يتكرر عدة مرات في الكتاب، وهو تساؤل يقع بين مقتضيين:

– منهجية البحث العلمي، حيث السؤال هو الباعث على كل بحث ومحركه في أثناء العمل البحثي، يتجدد كلما تقدم الباحث في عمله واكتشافاته

– شد القارئ وتشويقه وشحذ ذهنه لانتظار الجواب، وربما لإعمال الرأي من أجل تصور أجوبة، وهي طريقة بيداغوجية لا تزال حية منذ أن ابتدعها سقراط.

… الآن وقد اطلعنا على قصة الوثيقة الموؤودة وقصة مؤلفها، نغادر عالم الرواية، وندخل عالم مضامين الكتاب، لنبقى، كما فعل د.المديوني، مع التساؤل والسؤال بشأن بعض الإشكاليات التي طرحت في الكتاب، ومن بينها:

 … ثنائية الحضور والغياب لنص “فن التمثيل” وصاحبه في الدراسات المهتمة بالمسرح العربي: هل كان هذا النص غائبا تمام الغياب حقا عن الدراسات المسرحية؟ لنقل إنه كان الغائب الحاضر أو الحاضر الغائب: فهو في أدنى الحالات موجود في قائمة بيبليوغرافية، لكن مضمونه غائب أو مغيب (محمد يوسف نجم وجاكوب لانداو وجوزيف خويري مثالا). وهو، في حالات أخرى، مستحضر بكثير من التفصيل قي متن النص، لكن اسم صاحبه مغيب (إدوارحنين مثالا).     

… ثنائية العمد والتلقائية في التعامل مع “فن التمثيل”: بتتبع ما استعمله د.المديوني من عبارات بشأن مواقف الباحثين من نص “فن التمثيل”، نجدها تتراوح بين الفعل القصدي أو الموحي بالعمد مع سابق الإضمار والترصد (الوأد، الإهمال، التغييب، التجاهل، التعامل النفعي والانتهازي، الضحك والاستخفاف…) وبين الموقف غير المقصود (الجهل، الذهول، عدم الانتباه، سوء الفهم…). لكن كأننا بالمديوني يميل إلى الجانب الأول من هذه الثنائية في أغلب    الحالات التي تناولها، ويرى في الحالة القصوى، وهي الوأد، بمعناه المجازي طبعا، ما يشبه “السعي الإرادي لتغييب عنصر حي بصورة واعية أو غير واعية”. لكن هل كان ركن العمد، مع سابق الإضمار والترصد، متوفرا في جريمة الوأد؟ وهل كانت لمن اتهم بالوأد مصلحة من تلك الجريمة؟ وإن كان ذلك كذلك، فما هي تلك المصلحة؟ أطرح هذه الأسئلة وأترك الجواب لمن أراد مطالعة كتاب د.محمد المديوني.

… ومن المحتوى ننتقل إلى الشكل، ونعني الشكل الذي أصبح عليه نص “فن التمثيل”، بعد أن حققه الدكتور محمد المديوني، كما تحقق مخطوطة تقريبا، لكن مع تدخلات على النص الأصلي لنجيب حبيقة، كانت كالآتي:       

1 – تدخل على مستوى البنية، ويتمثل في جعل نص حبيقة مكتملا أو “مسترسلا” أو موحدا، بعد أن كان منقسما في الأصل إلى حلقات. كما أضاف المديوني بعض العناوين الفرعية، لكن مع ” احترام كل اختيارات حبيقة في مجال الإخراج المطبعي للنص”.

2 – تدخل معجمي على متن النص تمثل بالخصوص في تعويض كلمة “مرسح”، التي كانت مستعملة زمن حبيقة، بكلمة ” مسرح” التي أصبحت متداولة بعد ذلك في اللغة العربية.

3 – تدخل شكلي يتعلق بالتنقيط: (la ponctuation)، وذلك تفاديا للمبالغة في استعمال النقاط دون موجب في النص الأصلي.

4 – تدخل على مستوى هوامش المقال، وخاصة منها الإحالات.  وهنا يبرز العمل الجبار الذي قام به محمد المديوني في تحقيق نص “فن التمثيل” و”الجهود المضنية” – وفق تعبيره – التي بذلها من أجل “تعقب” إحالات حبيقة وتدقيق عناوين الكتب والآثار التي اقتبس منها شواهده، والتحقيق من تواريخ نشرها وأمكنتها، بل

والبحث – وهذا الأصعب – عن عناوين الآثار التي سكت عنها صاحب المقال. وكان هذا العمل بمثابة “عمل النملة ” كما يقول الفرنسيون، (un travail de fourmi) للتعبير عن دقة الأمر والصبر والتأني فيه، لبلوغ النتيجة النهائية.

وبتكامل هذه التدخلات أصبح نص “فن التمثيل” غير النص الذي نشره نجيب حبيقة عام 1899 في مجلة “المشرق”، وذلك من حيث وضوح البنية، وسهولة الانقرائية (lisibilité)، واكتسابه الدقة العلمية التي كانت تعوز النص الأصلي. كما أن “نص المديوني” غير نص “فن التمثيل” الذي نشره، في شكله الخام عام 1994، الباحث السوري محمد كمال الخطيب.

ماذا يمكن أن يبقى في ذهن القارئ بعد قراءة هذا الكتاب؟

*على مستوى التأريخ للمسرح العربي”:

 أولا: إعادة الحياة إلى وثيقة تاريخية في مسارات المسرح العربي، ولا سيما في مرحلة التأسيس عموما، وطور التأسيس النظري والمصطلحي على وجه الخصوص، وبالتالي سد “فجوة غائرة” في تاريخ المسرح العربي، وفق تعبير د.المديوني.

ثانيا: إعادة الاعتبار لصاحب الوثيقة، نجيب حبيقة، وتمكينه – اعتباريا – من استرجاع ريادة على مستوى التنظير للمسرح العربي وتعريب المصطلح المسرحي، أسندت، عن جهل أو تجاهل، إلى باحثين ومسرحيين آخرين، وبالتالي رفع مظلمة تاريخية عن هذا الرجل.

* أما على مستوى منهجية البحث التاريخي في موضوع نشأة المسرح العربي وتطوره، فقد كشف د.محمد المديوني في كتابه جملة من “الأخطاء المهنية” التي سقط فيها عدد من الباحثين في المسرح العربي وتاريخه، ومنها عدم الرجوع إلى الوثائق الأصلية في مضانها، والاعتماد على اتباع “السلف شبه المقدس” في بعض مقولاته، دون تدقيق أو تمحيص، وهو ما جعل أخطاء محمد يوسف نجم وجاكوب لانداو بخصوص حبيقة تمر من جيل إلى جيل، دون أن يتم التفطن إليها، هذا إلى جانب الخروج أحيانا عن أخلاقيات البحث العلمي، كما فعل 

والأن، ماذا يمكن أن يبقى للقارئ من صور عن مؤلف الكتاب؟

 هي أربع صور بالنسبة إلى شخصيا كقارئ:

أولا: صورة قاضي التحقيق الذي يبحث عن حل لغز الحلقة الموؤودة، متتبعا بإلقاء السؤال وتوجيه التهم وتقديم الأدلة والبراهين إلى كل من تحوم حوله شبهات بخصوص هذا الوأد أو ما شابهه من تغييب وتجاهل.

ثانيا: صورة المحقق مرة أخرى، لكن في مجال آخر، هو مجال تحقيق المخطوطات، حيث وفق الدكتور محمد المديوني في نقل “فن التمثيل” من حال إلى حال، بما بذله من جهود سبق أن أشرنا إليها.

ثالثا: صورة المناصر المعجب دون حدود بنجيب حبيقة، والمتحمس لرفع مظلمة تاريخية عنه، إذ يقول الدكتور محمد المديوني في مواقع عدة من الكتاب: “نجيب حبيقة  حالة نادرة، إن لم تكن فريدة من نوعها في تاريخ المسرح العربي” ( ص 27 من الكتاب)، و”قد خرج في نصه هذا عما درج  عليه معاصروه من المثقفين العرب” ( ص 28) ، و”كان في مقاله الأستاذ المقتدر ، تماما كما كان في حياته ” ( ص 94) ، وهو “نموذج المثقف العربي المتفاعل، من خلال مصفاة اللسان الفرنسي،   تفاعلا معرفيا مع ما أنجز في الثقافة الأوروبية بأسرها ” ( ص 103) ، وقد ” توفرت في نصه  كل سمات الريادة”، ليشكل “نقلة نوعية هامة في تمثل النخبة العربية  لفن المسرح، تكاد ترتقي إلى ما يمكن اعتباره قطيعة معرفية في مسارات المسرح واستنباته في الثقافة العربية” (ص 9). 

رابعا وأخيرا: صورة المنقب عن الآثار الذي عثر على قطعة أثرية غمرها تراب النسيان، وكانت تنقص صرح المسرح العربي، فأعادها إلى ذلك الصرح، بعد نفض الغبار عنها وترميمها، ليكتمل البناء ويستقيم، وتعود الموؤودة إلى الحياة.

مع الشكر لكم على حسن الاستماع.

ثم تدخل لإغناء النقاش حول كتاب “حلقة موؤودة.. في تاريخ المسرح العربي” الأستاذ تحسين يقين من فلسطين والأستاذ الحسام محي الدين من لبنان…

وعقب المتدخلين د.محمد المديوني ود.أبو الحسن سلام…

ليختم مدير اللقاء عبد الجبار خمران اللقاء بشكر المتدخلين وإبلاغهم شكر السيد الأمين العام للهيئة العربية للمسرح ود.يوسف العايدابي… وليضرب موعدا للجميع لمناقشة كتاب “مخرجات المسرح المصري (1990 – 2010) دراسة سيميوطيقية تأليف د.هادية عبد الفتاح أحمد… إلى ذلك الحين أحييكم عبد الجبار خمران من شارقة سلطان الثقافة وإلى اللقاء.

 

 

 

 

 

 

 

تقرير الحلقة التاسعة

من سلسلة إقرأ كتب الهيئة

الطاهر الطويل وعبد الحق الزروالي ولطيفة أحرار ضيوف “إقرأ كتب الهيئة”

 

     

     قدمت الهيئة العربية للمسرح يوم الأحد 25 يوليو 2021م الحلقة الشهرية التاسعة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”، ضمن برنامج عين على المسرح، الحلقة نقلت الكترونيا عبر (تقنية زوم) مباشرة على منصات الهيئة الإلكترونية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي.

     مدار نقاش الحلقة كتاب “المسرح الفردي في الوطن العربي.. مسرح عبد الحق الزروالي نموذجا” تأليف الباحث المسرحي والإعلامي المغربي الطاهر الطويل، الصادر ضمن منشورات الهيئة العربية للمسرح في الشارقة العام 2015م – سلسلة دراسات (19). والذي نشر طيلة شهر يوليو 2021م بصيغة PDF على الموقع الإلكتروني للهيئة العربية للمسرح.

     بدأ مسير الحلقة التاسعة من سلسلة إقرأ كتب الهيئة بشكر المتدخلين الثلاث عبد الحق الزروالي، لطيفة أحرار والطاهر الطويل على تلبية دعوة الهيئة العربية للمسرح بقبول المشاركة في هذه الحلقة. كما رحب بالحضور الذي تابع الحلقة قائلا: وصلنا اليوم الحلقة التاسعة من سلسلة إقرأ كتب الهيئة، ومحور نقاش هذه الحلقة هو كتاب “المسرح الفردي في الوطن العربي.. مسرح عبد الحق الزروالي نموذجا” تأليف الباحث المسرحي والإعلامي المغربي الطاهر الطويل..

قبل استئناف الحلقة أحب أن أبلغكم تحيات وشكر السيد الأمين العام للهيئة العربية للمسرح أ.اسماعيل عبد الله والدكتور يوسف العايدابي وكل زملائي هنا بالهيئة العربية للمسرح في الشارقة الذين يحيونكم ويشكرونكم على المشاركة في هذه الحلقة الجديدة.

     ثم استطرد، هل المسرح الفردي مدخل اتجاه يرقى إلى مصاف الاتجاهات المسرحية؟ أم إنه لا يعدو ان يكون حالة ظرفية طارئة؟ أهو ظاهرة مستجدة أفرزتها أسباب معينة؟ أم أنه شكل مسرحي ذو جذور في الحضارتين العربية واليونانية؟ وما مدى قدرته على تقديم إضافات نوعية للمسرح العربي عامة؟

     تلك جملة إشكالات – كما يقول مؤلف كتاب “المسرح الفردي في الوطن العربي.. مسرح عبد الحق الزروالي نموذجا” – لا تنفك تثار بصدد “المسرح الفردي”، فتجعله نقطة تقاطع لردود فعل متباينة، تبدأ من التسمية نفسها، قبل أن تطال مصداقية النظرية والإجرائية، سواء اقترنت بالتساؤل عن مشروعية انتمائه لروح المسرح وجوهره، أم بالاشتغال النقدي – وربما الانتقادي أحيانا – المنصب على عروض مسرحية بعينها، حين تفصح عن كينونتها تحت رداء “المسرح الفردي”.

الكتاب يلامس جوانب تلك الإشكالات في ضوء تجربة الفنان عبد الحق الزروالي، هذه التجربة التي لا مراء في أنها أثبتت حضورها الملحوظ في الساحة المغربية والعربية المسرحية وذلك بصرف النظر عن موقف كل واحد منها سلبا أو إيجابا.

     اشتمل كتاب “المسرح الفردي في الوطن العربي.. مسرح عبد الحق الزروالي نموذجا” على مدخل وثلاثة فصول جاءت كالتالي: الفصل الأول، هوية المسرح الفردي / الفصل الثاني، تجربة عبد الحق الزروالي / الفصل الثالث، قراءة في مسرحية “رحلة العطش” لعبد الحق الزروالي / ثم ذُيل الكتاب بالنص الكامل لمسرحية “رحلة العطش”.

     معنا في هذه الحلقة المبدع المسرحي عبد الحق الزروالي والأستاذ الباحث الطاهر الطويل والمبدعة لطيفة أحرار… مرحبا بكم جميعا.

تقديم الأستاذ الطاهر الطويل

     الطاهر الطويل صحافي محترف منذ 1987. رئيس تحرير بمديرية البرامج بالقناة الثانية2M (منذ 2004). ملحق إعلامي بالسفارة السعودية بالرباط (2002/2004). رئيس القسم الثقافي بجريدة “الميثاق الوطني” (1987/2002) مؤسس المجلة الثقافية الإلكترونية “لغتنا”. عضو المجلس الإداري لاتحاد كتاب المغرب. عضو المجلس الوطني الفيدرالي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية (سابقا). نائب رئيس الجمعية المغـربية لحقوق المشاهد.

كاتب متعاون مع عديد من الصحف المغربية والعربية. شارك في العديد من الندوات الفكرية والثقافية والإعلامية

صدر له: كتاب “لسان الحال” 1998/ كتاب “المسرح الفردي في الوطن العربي”، 2015.

شارك في مُؤلّفات جماعية كثيرة وأعد برامج تلفزيونية ومجلات تلفزيونية عديدة يومية للعديد من التظاهرات الثقافية والفنية منذ 2008

شارك كعضو في العديد من لجن التحكيم المسرحية…

تكريم من لدن الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب (2008).

طرح عبد الجبار خمران مسير اللقاء سؤال:

ماذا نقصد بالمسرح الفردي؟ وما الذي يميز تجربة الفنان عبد الحق الزروالي لتكون نموذجا في دراستك المخصص للمسرح الفردي في العالم العربي…؟

مداخلة الأستاذ الطاهر الطويل

شكرا لك صديقي الأستاذ عبد الجبار خمران، وأشكر الهيئة العربية للمسرح على هذه المبادرة الطيبة “سلسلة إقرأ كتب الهيئة” وأشكر جميع العاملين والعاملات فيها، أشكر أيضا حضور الفنان الكبير الأستاذ عبد الحق الزروالي والفنانة الكبيرة لطيفة أحرار كما أشكر كل الفنانين والفنانات والمثقفين والنقاد الذين يتابعون هذا اللقاء.

أعتبر مبادرة الهيئة طيبة بكسر الحواجز التي فرضتها علينا جائحة كورونا، وإتاحة هذا اللقاء ولو بشكل افتراضي في انتظار أن يتحقق اللقاء المباشر، باعتبار أن المسرح، كما نعرف جميعا، هو لقاء انساني حي ومباشر…

اسمحوا لي أصدقائي صديقاتي أن أتقدم بأحر التعازي إلى الأسرة المسرحية العربية في مختلف البلدان العربية في فقدان العديد من المسرحيين العرب الذين رحلوا عنا مؤخرا، وأخص بالذكر الأسماء البارزة التي فقدناها في اليومين الأخيرين، الفنانين الجزائريين أحسن عسوس وعبد المالك بوساحل وادريس الشقروني. تعازينا لأصدقائنا المسرحيين في الجزائر ولكل المسرحيين في العالم العربي.

بخصوص كتاب “المسرح الفردي في الوطن العربي.. مسرح عبد الحق الزروالي نموذجا” الصادر عن الهيئة العربية للمسرح في طبعتين وهذه من مكرمات الهيئة، طبعة الشارقة وطبعة الرباط. أما لماذا صدر الكتاب في طبعتين؟ فلأنه ببساطة لما صدر الكتاب في العام 2015م ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي الدورة السابعة في الرباط، وتم إقامة حفل توقيع له في مسرح محمد الخامس لقي الكتاب اهتماما من طرف المسرحيين والفنانين المغاربة والعرب، أيضا خصصت وزارة الثقافة المغربية، في تلك السنة، رواقا خاصا لعرض كتب وإصدارات الهيئة العربية للمسرح في المعرض الدولي للنشر والكتاب في الدار البيضاء، وقد كان لي لقاءات تقريبا يومية في المعرض مع عشاق أب الفنون وهناك كنت أوقع الكتاب. لذلك جاءت فكرة إصدار طبعة الرباط، واستطعنا بمعية أصدقائنا في الهيئة والجمعيات والجامعات والكليات والمهتمين أن ننظم العديد من اللقاءات وحفلات توقيع للكتاب في مختلف المدن المغربية. استطاع الكتاب إلى شمال المغرب وجنوبه وإلى شرقه ووسطه، واستمرت الإحتفاءات به منذ 2015م وحتى اليوم، ولولا ظروف الجائحة لكانت هناك لقاءات أخرى للاحتفاء بالكتاب. وكل ذلك هو فرصة أولا للتعريف بالكتاب وأيضا بالجهود التي تقوم بها الهيئة لدعم المسرح والمسرحيين، وتعريف بتجربة مسرحية مميزة وهي تجربة المسرحي عبد الحق الزروالي.

لماذا تجربة عبد الحق الزروالي؟

أولا، لأن الزروالي راكم العديد من المسرحيات، منذ أكثر من أربعين عاما. هناك طبعا مسرحيون مغاربة وعرب قدموا مسرحيات مونودرامية، منهم الراحل محمد تيمد، الراحل حوري حسين، نبيل لحلو، الراحل عبد الكبير الشداتي، شفيق السحيمي، الراحلة فاطمة شبشوب، الراحل محمد الكغاط أيضا الذي كتب نصا مونودراميا بعنوان “بشار الخير”، المسرحي عبد الكريم برشيد كتب نصا مونودراميا أيضا “الناس والحجارة”…

ولكن يبقى عبد الحق الزروالي هو الذي أخلص لهذا التوجه لسنين طويلة. استطاع أن يتميز بتجربته التي وصلت إلى فضاءات متعددة لم يكن يصلها كل المسرحيون في المغرب، وهذه من مميزات تجربة عبد الحق الزروالي. قدم مسرحياته في فضاءات لا تتوفر فيها شروط العرض المسرحي. قدم عروضه في المدارس والجامعات وفي المستشفيات والساحات العمومية في بعض المراكز… وكان يتنقل بسيارته الخاصة حاملا ديكوراته وملابسه واكسسواراته ليصل بعروضه إلى أقصى مدى في المغرب وفي الوطن العربي… لا ننسى أنه جاب بسيارته العديد من الدول العربية، وحقق بذلك سيطا لهذه التجربة، التي لقيت اهتماما نقديا وإعلاميا متميزا كما لقيت اهتمام من الجمهور بالإضافة إلى إحرازه على جوائز مسرحية قيمة.

بالإضافة إلى ذلك مسرح الزروالي يزاوج بين مسارين:

– مسار استلهام مكنزمات الفرجة المسرحية كما نعرفها، على مستوى شروط العرض المسرحي المعاصر.

– ومسار يستلهم إشكالات وبنيات المسرح كما عرفناه في الفرجات الشعبية. تجربة الزروالي المسرحية هي امتداد لتلك الفرجات الشعبية التي تقتصر على “ممثل واحد” والمتمثل في الحكواتي والحلايقي في الساحات الشعبية والذي كان يستطيع ان يشد الجمهور ويجذبه إلى ما يقدمه من فرجات لساعات طوال…

إذا كان المسرح عدو الملل – كما قال أحد المسرحيين – فقدرة عبد الحق الزروالي على شد الجمهور لأكثر من ساعة ونصف تحول دون أن يتسرب ذلك الملل إلى الجمهور، لأنه يؤسس عمله المسرحي على إيقاعات متعددة منها الخطاب – السينوغرافيا – التشخيص… لذلك – وكما تحدثت في الكتاب – وصفت الزروالي بالفنان الشامل، بمعنى انه متمكن من عناصر العمل المسرحي فهو ممثل ومخرج ومؤلف وسينوغراف وشاعر أيضا، بل – ولمن لا يعرف ذلك – فهو مغني كذلك بصوت مبدع، فلو لم يكن الزروالي ممثلا لكان مغنيا.. وكثيرا ما طربنا لصوته وهو يؤدي أغان مغربية معروفة، أو أغان أساسها أشعاره المميزة.

أختم وألخص الفكرة، لقد استطاع عبد الحق الزروالي أن يؤسس للمسرح الفردي أو المونودراما أو مسرح الممثل الواحد… (مهما اختلفنا حول المسميات) قلت استطاع أن يؤسس لهذه التجربة ويرسخها في العالم العربي.. واليوم نعيش نوعا من النهضة للمسرح المونودرامي حيث أقيمت له مهرجانات خاصة في المغرب والعالم العربي وحتى في أوربا… واستطاعت المونودراما ان تجد حلول للمشاكل التي تصاحب عادة العروض المسرحية، سواء تعلق الأمر بالمشاكل المادية أو الفنية كاستغلال السينوغرافيا… والمونودراما أظهرت – كما أشرت إلى ذلك في الكتاب – بأن المسرح ليس رهينا بعدد الممثلين.. فقد نشاهد مسرحية يشارك فيها عدد كبير من الممثلين (أكثر من عشرين ممثل) ولا تشدك. وقد نشاهد مسرحية بممثل واحد ويملا أمامنا هذه المساحة الفارغة – كما يسميها بيتر بروك – ويستطيع هذا الممثل بمفرده أن يجعل تحس وكأنك تشاهد العديد من الممثلين. فعبد الحق الزروالي ممثل واحد في مسرحياته على الخشبة وتبدو لنا الشخصيات المتعددة التي يشخصها تملأ الفضاء الفارغ، وتشدنا إليه إحساسا وجوارحا وإبداعا ومتعة جمالية شاملة.

أشكر مجددا الهيئة على احتفائها بتجربة عبد الحق الزروالي – من خلال إصدار هذا الكتاب – ومن خلاله بتجارب المسرحيين العرب الذين يقدمون هذا النوع من الإبداع المسرحي.. لا ننسى أن الفنانة الجزائرية الراحلة صونيا شخصت مونودراما رائعة شاهدناها في المغرب وهي “فاطمة” نص بنكَضاف… ولا ننسى أيضا ممثلات مغربيات قدمن مونودرامات مهمة كفاطمة شبشوب التي كانت تستلهم فرجة الحلقة وتقدمها كمونودراما… لطيفة أحرار فنانة أيضا متميزة في أعمالها المونوددرامية والعديد من المسرحيات في البلدان العربية يقدمن أعمالا مونودرامية مهمة… فلهن، ولجميع المسرحيين العرب، تحياتي وتقديري على ما يقدموه وعلى هذا المسرحي النضالي.

– عبد الجبار خمران: شكرا الأستاذ الباحث الطاهر الطويل على هذه المداخلة الغنية بالمعلومات والمغرية بقراءة الكتاب لمن لم يقرأه بعد.. بدورنا نترحم على كل المسرحيين الذين فقدناهم في زمن الوباء هذا ونخص بالذكر المسرحيين الجزائريين الذين فقدناهم في الأيام الأخيرة ادريس الشقروني وأحسن عسوس وعبد المالك بوساحل…

أتوجه الآن إلى المسرحي القدير الأستاذ عبد الحق الزروالي.. كيف أقدم الزروالي هذا المسرحي الذي بدأ المسرح في أواخر الستينات وإلى اليوم بالذات حيث أنه سيقدم مسرحيته الأخيرة يوم 11 غشت 2021م في المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط. هي تجربة طويلة عريضة لمسرحي حمل على كاهله هم المسرح وعبئ العرض المسرحي، كانت للزروالي سيارة يجوب بها بلدان المغرب الكبير، وكان عندما يسأله المسؤولون في المغرب عما يريد كمسرحي، يجيب بسخريته “أصلحوا لنا الطرقات!” الزروالي يبتغي الذهاب بمسرحياته عميق في الجغرافيا وفي المجتمع..

تقديم الأستاذ عبد الحق الزروالي

     عبد الحق الزروالي مسرحي مغربي قدير، مؤلف ومخرج وممثل مسرحي وسينمائي وصحفي وشاعر فهو صاحب ديوان “نشوة البوح”..  يعتبر رائدا للمسرح الفردي في المغرب والعالم العربي.

جمع الزروالي بين المسرح والشعر والإعلام المكتوب والمسموع والمرئي. كان محررا بجريدة الأنباء وبجريدة العلم وكتب في عدد من المنابر الإعلامية، وأعد وقدم عددا من والمواد والبرامج الإذاعية لعل أشهرها برنامجه الذي دام عدة سنوات على أثير الإذاعة الوطنية بعنوان “إشراقات فكرية”.

شارك الزروالي أيضا في كتابة السيناريو في عدد من الأعمال الدرامية التلفزية وفي السينما. كما اقتحم مجال الكتابة الروائية، بتشجيع من الروائي عبد الرحمن منيف في روايته التي عنونها بـ “الريق الناشف”.

من مسرحياته: “الوجه والمرآة” (1976) “صالح ومصلوح” (1979) “ضريبة العشق” (1980)

“شجرة الحي” (1980) “جنائزية الأعراس” (1982) “رحلة العطش” (1984) “عكاز الطريق” (1985)

“سرحان المنسي” (1986) “برج النور” (1986) “افتحوا النوافذ” (1992) “زكروم الأدب” (1993)

“انصراف العشاق” (1994) “عود الريح” (1996) “عتقوا الروح” (1997) “كدت أراه” (2001) “هاملت مرة” أخرى” (2004) “رماد أمجاد” (2006) “واش فهمتي” (2009) “كرسي الاعتراف” (2011)

“انقب واهرب” (2013) “الطيكوك” (2016) “آش سمّاك الله” (2017)

أفلام: 2008: بوشعيب بوسعود (فيلم تلفزي) 2012: الطريق إلى طنجة (فيلم تلفزي) 2015: غرام وانتقام (فيلم سينمائي)

مسلسلات 1998: السراب، في دور “المشموم” 2019: عيون غائمة

شارك كعضو في لجن تحكيم مسرحية وحضر مهرجانات عربية عريقة وتم تكريمه في العديد من المناسبات.

طرح عبد الجبار خمران مسير اللقاء سؤال:

الأستاذ عبد الحق الزروالي، مرحبا بك.. شرفتنا بحضورك معنا في هذه الحلقة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”

الزروالي: سي عبد الجبار صباح النور

خمران: صباح النور أستاذي العزيز.. سؤالي لك:

هل كان التوجه إلى (المسرح الفردي) فعل أم ردة فعل؟

وهل هو استجابة للمنحى التأصيلي باعتباره استمرارا متطورا للراوي والحكواتي والسامر والحلايقي والمداح… ويقدم في أي مكان تتوفر فيه شروط اللقاء الجماعي الذي يسمح بالتمثيل وتقديم فرجة أمام جمهور؟ أم، ربما، هي الحالة المزرية التي كانت تعيشها الفرق على مستوى الإنتاج والعناية المعنوية، ناهيك عن تضييق الحصار على مسرح الهواة آنذاك، هو ما كان السبب أو دافعا أساسيا لهذا الخيار المسرحي؟

مداخلة الأستاذ عبد الحق الزروالي:

     بعد تقديم سي الطاهر الطويل وبعد تمهيدك سي عبد الجبار… أقول أن أصعب شيء هو أن يتكلم الإنسان عن نفسه. الحمد لله وفي إطار ثقافة الإنصاف والإعتراف، أن هذا المجهود الذي أشار إليه سي الطاهر والذي أشرتَ إليه سي عبد الجبار.. (وبالمناسبة أشكر الطاهر الذي قال تجربتي أربعة عقود لأبدو أصغر سنا.. بل هي ستة عقود فقد بدأت في 1961م ونحن الآن في العام 2021م) شخصيا لا أتباها بالحقبة الزمنية ولا بعدد الأعمال التي أنجزت. أتباها بأمر واحد هو: من أين لي بهذه القدرة على تحقيق هذا الإنجاز؟! فلي فترة الستينات عندما بدأت تجربتي، كان هناك في مدينتي فاس وفي المغرب ككل، تجارب مسرحية وأسماء قوية في الكتابة المسرحية والإخراج والتشخيص.. وبالتالي اذكر وأنا طفل صغير (في سن التاسعة من عمري) رسمت مثلثا لرؤيتي ومسار التجربة التي كنت أريد الوصول إليها.. ارتميت في أحضان المسرح ففي تلك السن لم يكن لدي الوعي الذي يجعلني أقرر انني سأمارس المسرح… إنما هناك صدف وظروف رمتني في أحضان المسرح – كما قلت – في العام 1961م وأنا ابن التسع سنوات.

فاقتديت في مدينة فاس بثلاثة رموز هم، الراحل محمد تيمد والراحل زكي العلوي والراحل محمد الكغاط.. وعلى الصعيد الوطني اقتديت بثلاثة رموز أيضا هم، الراحل الطيب الصديقي والراحل الطيب لعلج والراحل محمد سعيد عفيفي.. وعلى الصعيد العالمي بثلاثة رموز أيضا هم، شيكسبير، موليير وبريشت.

وعندما نتحدث عن شيكسبير وموليير وبريشت فإننا نرسم الملامح الشمولية للمسرح كيفما كان.. وعندما رسمت هذا المخطط في سن مبكرة، قلت مع نفسي إذا انا جدير بالمسرح فهؤلاء هم القدوة وهذا هو المسار.. في عام 1965م قدم الصديقي رحمه الله مسرحية “النقشة” مع الممثل الجزائري الرائع سيدي أحمد أكَومي، وهي مسرحية فردية.. وفي 1967م قرأت رواية مصطفى المنفلوطي “ماجدولين” فانبهرت بقيمتها الأدبية وحورتها من رواية للقراءة إلى مسرحية فردية كنت اعرضها في جميع الأماكن. وعندما قدمتها في ثانوية مولاي إدريس بفاس بمناسبة نهاية السنة الدراسية أثارت ضجة على الصعيد المحلي والوطني.

وفي 1967م لم يكن لدي الوعي الذي يمكن أن أقول معه يومها أنني اخترت أن أمارس المسرح، هناك إشارات يبعث بها القدر وعليك أن تلتقط تلك الإشارات وأن تسترشد بها وتكون جديرا بها، لكي تدخل مسارا أنت لا تعرف مراحله ولا أبعاده أين ستصل بك.

إذا لن أكرر نفس الكلام. سؤالك سي عبد الجبار هل المسرح الفردي فعل أم رد فعل؟ الجواب: هما معا. فهو فعل وقد شرحت لك أسباب نزوله، وهو رد فعل، لأنه منذ بداية الإستقلال ليس لدينا فيما يخص المسرح شيء اسمه المؤسسة، لا نمارس المسرح بصفة عامة كفعل بقدر ما نمارسه كردة فعل. لا نمارس المسرح كغاية بقدر ما نمارسه كوسيلة لغايات أخرى. ففي ظل الإكراهات وتدني مسرح الهواة عام 1976م (فمسرح الهواة عاش فترة نهضته من 1968م حتى 1974م) في العام 1976م لم أستطع أن أقطع علاقتي بالمسرح، لأنني أعتبر أن المسرح هو سر وجودي أصلا بصفة عامة.

فقلت لكي أنفلت من هذه الإكراهات وهذه الأزمة، لابد أن أبحث لنفسي عن شيء يميز مساري في هذا الميدان، فجاءت المسرحية الفردية “الوجه والمرآة” كأول محاولة، على أساس إما ان تكون أول عمل مسرحي في هذا المسار، أو تكون المسرحية التي سأغلق بها باب وأقول للمسرح وداعا! (وأتركها في عزها، كما يقال)..

ولذلك سي عبد الجبار “خذ من الله ما أعطاك” وأشكر الله ان مهد إلي فرصا وطريقا. لأنه لولا المسرح! هل تتصور ماذا كان سيكون الزروالي لولا المسرح؟ – كارثة على جميع المستويات.. ولذلك السؤال الذ أطرح دائما – وهل كل منا يطرح هذا السؤال على نفسه – هل أنا جدير بالإنتماء إلى المسرح؟ إذا كنت تطرح هذا السؤال على نفسك كل يوم، فأنت فعلا جدير بالمسرح.

منذ أن عشقت فن المسرح وانصهرت فيه، وأنا أقول: من يعشق المسرح لا يجب أن يطلب من المسرح أن يعطيه أي شيء. والعلاقة بالمسرح هي هذه: أن تعطيه كل شيء، ولا تطلب منه أي شيء. وعندما نقرأ سير المسرحيين الذاتية والتجارب العالمية لمبدعين كبار نجد أنهم عانوا من نفس الإكراهات ونفس الأوجاع ونفس المضايقات ونفس المحن.. وهذا هو المسرح وهذه طبيعته.

لن أكرر نفس الكلام، أنا فخور ولا أعرف هل استطعت فعلا أن أحقق كل ذلك.. وعندما أقرأ ما فات أقول “لا يمكن ان أكون قد عشت كل ذلك” لهذا أقول على سبيل الدعابة “أنا حفيد عبد الحق الزروالي” وقبل عشر سنوات كنت أقول لهم “أنا ابن عبد الحق الزروالي” حتى أخفف على نفسي الشعور بهذه الهالة.. لأنه إذا تأكدت بأنني أنا هو عبد الحق الزروالي فلن أنجز شيئا بعد ذلك.. سأتوقف وسينتهي الكلام!

مرة في العراق طرحت علي الشاعرة العراقية أمال الجبوري سؤالا منذ ما يناهز 32 عاما (كنت ما أزال صغيرا). السؤال يقول: “ألا ترى أنك وصلت مبكرا؟” قلت لها سؤالك يحتوي على خمس كلمات لذا سأجيبك بخمس كلمات: “أعترف أنني لم أبدأ بعد”.

– عبد الجبار خمران: شكرا الأستاذ عبد الحق الزروالي صاحب التجربة المسرحية الغنية التي يحيطها هذا التواضع الذي عبرت عنه جملتك الأخير مما يجعلها متجددة دائما…

الآن سأعطي الكلمة للفنان لطيفة أحرار وقبل ذلك أقدمها باقتضاب:

تقديم لطيفة أحرار

     لطيفة أحرار ممثلة ومخرجة مسرحية وسينمائية مغربية تخرجت من «المعهد العالي للفنون المسرحية» في مصر عام 1995 وهي حاليا أستاذة تدرس مادة التشخيص في هذا المعهد. حاصلة على الماستر السينمائي من جامعة عبد المالك السعدي، أنجزت عدة أفلام سينمائية من بينها وثائقي عن والدها الراحل بعنوان “السفر الأخير”، الذي شاركت به في عدة مهرجانات. وحاز على جوائز مهمة..

قدمت العديد من المسرحيات والأفلام والمسلسلات… شاركت بأعمالها المسرحية والفنية في العديد من المهرجانات الوطنية والعربية، ونالت العديد من الجوائز، سواء في المغرب، أو في المهرجانات الدولية. تم تكريمها في العديد من المناسبات والتظاهرات شاركت كعضو في لجن تحكيم عديدة.

من اعمالها المسرحية كفر ناعوم أوطو صراط – العازفة – درويشيات – واحد زوج ثلاثة – دون قشوح – بنت الريح –

أفلام “أبواب الجنة” و”جوع كلبك” ومن المسلسلات “من دار لدار” “الحرة” وغيرها.

– عبد الجبار خمران: مرحبا بك الفنانة لطيفة أحرار..

الممثل في الشكل التعبيري المسرحي الذي اصطلح عليه “المسرح الفردي” يتقمص فيه الممثل أدوارا عدة، إذا هو بشكل ما اختبار لدرجة الممثل من البراعة.. فهل ينحصر دور الممثل الواحد أو دور الممثلة الواحدة في إظهار براعة الأداء فقط أم له جماليات أخرى متعددة؟ إنطلاقا من تجربة عبد الحق الزروالي مدار نقاش حلقتنا ومن تجربتك في المونودراما الفنانة لطيفة أحرار؟

لطيفة أحرار: صباح النور على الجميع.. تحياتي.. شكرا عبد الجبار على الإستضافة، شكرا للهيئة العربية للمسرح على مبادرة إقرأ كتب الهيئة، هذه المبادرة التي تجعلنا نلتقي بفنانات وفنانين ومثقفات ومثقفين من العالم العربي – ولو افتراضيا – هذا اللقاء الجميل وتبادل الأفكار وهذا النقاش وهذا الجدال يثري الساحة المسرحية كما يثري – من خلال كل تجاربنا – هذا التواصل.

كتاب “المسرح الفردي في الوطن العربي.. مسرح عبد الحق الزروالي نموذجا” قرأته واعدت قراءته. شكرا الطاهر الطويل على هذا الكتاب الذي أثرى الخزانة المغربية والعربية.. وهو طريقة نقول بها شكرا لسي عبد الحق الزروالي هذا الهرم والفنان الكبير الذي – قبل أن أتعرف عليه شخصيا – تعرفت عليه من خلال التلفزيون من خلال البرامج التي كان يقدم من خلال جولاته المسرحية المميزة كمسرح فردي.

كنت دائما أتساءل قبل أن أدخل إلى المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي عن ماهية المسرح الفردي. وعندما التحقت بالمعهد كان سي عبد الحق الزروالي يحضر دوما في أروقة المعهد كان حاضر بالمصاحبة وبالنصيحة والاستشارة وكان حاضرا كمتتبع للخريجين وللطلبة وأيضا منفتح بحساسيته كفنان شامل متعدد ومتفرد وكمدبر ثقافي وليس فقط كممثل ومخرج ومؤلف. الزروالي يمتلك حدس التقاط الفنان الممثل والسينوغراف الذين يمكن ان يشتغل معهم.. انه منفتح على كل الحساسيات والتيارات جعل بعضهم ينضم إلى فرقته وتجربته خير دليل اشتغاله مع يوسف العرقوبي، خلود البطيوي ولطيفة أحرار…الخ

تعرفت على سي عبد الحق الزروالي، وحضرت عروضه وصفقت له وشاهدت رجلا يصل حد التصوف والحلول فوق الخشبة. حضور ممثل ببراعته وحركته بأدائه بهذه الطاقة وهذه الهالة التي تكون فوق الخشبة…

تعددت التسميات التي تصف الممثل الواحد على الخشبة: مونودراما، المسرح الفردي، مسرح الممثل الواحد، وان مان شو، صولو بلاي…إلخ وإن تعددت التصنيفات فأن يكون الممثل واحدا فوق الخشبة أو مع مجموعة أو مع مغني أو مع راقصين أو مع موسيقيين، فهو يحتاج إلى ان يتزود بطاقة فيزيائية وطاقة نفسية بانفعالات عصبية وبالتحكم والتركيز والإستيعاب والوعي بالشخوص والحالات التي تتوالى على مدار ساعة او ساعتين بحسب الزمن فوق الركح… حتى لا يحس الجمهور بالملل ولا يحس الممثل أو المبدع بالكلل.

هذه من العناصر التي اشتغل عليها عبد الحق الزروالي، الفنان الرائع الذي انطق مجموعة من المواضيع ومن الشخصيات.. جاءنا بشخصيات تاريخية وأخرى فانطازية إلى جانب شخصيات من واقعنا المعاصر… شخصيات استلهمها، ربما، في لقاء عابر وقد تكون شخصيات التقيناها مع بعض.. وهنا يستحضرني اشتغالي معه في مسرحية “عتقو الروح” والتي كان الزروالي وراء جمع ثلة من الفنانين لانجاز هذا العمل من بينهم الراحل سي عبد الصمد دينية مخرج العرض الله ارحمو والرحل سي عبد الله العمراني الله ارحمو كانت هناك حساسيات متعددة كمحمد البلهيسي، سي عبد المجيد فنيش، نعيمة الوادني، لطيفة أحرار وخلود البطيوي… كانت عند الزروالي القدرة على خلق هذه التوليفة والجميل انني كنت حديثة التخرج من المعهد (انجز العمل في 1997م) ولعبت دور أم الشخصية التي مثلها عبد الحق الزروالي… وللزروالي القدرة على تقمص كل الأعمار بسلاسة ورهافة وروح الدعابة التي تلازمه دائما وتعطيه نوعا من شغب طفولي جميل وبريئ.

هكذا جمع الزروالي كل هؤلاء الممثلين والممثلات ليمثلوا مسرحية “عتقوا الروح” والتي استطاع سابقا أن يقدم هذه المسرحة بمفرده وأن يشخص كل تلك الأدوار التي اقتسمناها جميعا معه في هذه التجربة.

هذه الاختيارات الجمالية التي يقوم بها الزروالي هي “فعل وردة فعل” كما قال في البداية، لكنها أصبحت اختيارا جماليا يجعلنا نصنفه من رواد هذا الفن فن الممثل الواحد القائم بذاته.

هنا سأنتقل إلى أن لقائي مع الزروالي ألهمني، حيث اشتغلت على فن المونودراما ولست الممثلة الوحيدة التي اشتغلت عليها في المغرب والعالم العربي.. ويبقى طبعا سي الزروالي الرائد وحدثنا عن عرضه الذي سيقدمه يوم 11 غشت (سأحضر لمشاهدة العرض سي عبد الحق).. والمسرحية هي رقم 23 في مسيرة الزروالي المسرحية.. تخيل أن كل مسرحية من تلك المسرحية عرفت مئات العروض وعدد كبير من الجولات في العالم العربي وفي المغرب حتى التخوم الصغير.. كنت أذهب إلى مناطق صغيرة ونائية في المغرب ويخبرني سكان هذه المناطق أن الزروالي مر من هنا منذ سنوات.. وأقول مع نفسي شكرا سي عبد الحق لأنك مررت من هذه التخوم ووضعت بذرة مسرح هنا.

تجربة مسرحية مفرحة وتدعو إلى الإعجاب.. وتجعلني كممثلة للمونودراما التوجه باختياراتي الى هذا الجنس التعبيري – وأنت تعرف سي خمران – انني دخلت اختبار المعهد بمونودراما للكاتب الأمريكي تينسي وليامز، ومن بعد في دراستي اشتغلت على العديد من الشخصيات والمسرحيات، وفي مشروع تخرجي قدمت مسرحية فيها شخصيتين… بعد ذلك قدمت المونودراما كاختيار جمالي.. يعجبني الإشتغال مع الجماعة، ولكن يعجبني أيضا بين الفينة والأخرى أن أدخل إلى عالم المونودرما لأنه يغري ولكنه في نفس الوقت صعب. لأنه العالم الذي يمكن أن “يفضح” الممثل، لأنه يكون وحيدا أمام الجمهور لديه آلته التي هي الجسد والصوت والأحاسيس وعلى الممثل أن يتوفر على لياقة بدنية وقوة جسمانية.. دون أن يحس بعياء أو بملل.. إذا هناك اشتغال بوعي واشتغال بجمالية سواء من حيث الأداء أو السينوغرافيا أو موضوع المسرحية..

ومسرحيات المونودراما التي قدمتها كانت استجابة لثيمات. فالموندرما في العالم فن قائم بذاته وهناك الرابطة العالمية لفن المونودراما يترأسها السيد محمد الأفخم، هناك أيضا مهرجان الفجيرة للمونودراما، هناك مهرجان “ثيسبيس” في ألمانيا والذي شاكت فيه وحزت على جوائز، كما انني حضرته كعضو لجنة تحكيم. هناك أيضا مهرجانات مونودراما تيمتها الأساسية “شيكسبير” كمهرجان أرمينيا لشيكسبير.. وعلى ذكر شيكسبير فقد اشتغلت على شخصيات نسائية من مسرحيات شيكسبير وأسميت المسرحية “نساء تبحث عن شبح” اشتغلت على مسرحية “كفرناعوم” مقتبسة عن قصيدة للكاتب والأديب ياسين عدنان ومسرحية “العازفة” للكاتبة السعودية ملحة العبد الله ومسرحية “الليلة الأخيرة” لمحمد سعيد الضنحاني.

هذه المسرحيات كلها تدخل في تصنيف المونودراما، كما كان هناك اشتغال – كما هو الشأن بالنسبة للزروالي – على الرواية. والرواية ملهمة جدا وتعطي نفسا مهما للمونو دراما حيث نجد مونولغ داخلي وتوالي احداث والصراعات التي تكون عند الشخصية ويتقمصها الممثل ويقدمها بجسده وروحه وبأفكاره واختياراته الجمالية.. وطريقة التشخيص تختلف من ممثل إلى آخر هناك مثلا من يفضل الإيماء والكوريغرافيا ويلغي الكلام، هناك ممثل يستحضر اللغة المنطوقة ولغات المسرح الأخرى المتعددة.

في النهاية اختم وأقول تحية لك وتحية لسي الزروالي وشكرا له على هذا العطاء الباذخ شكرا لسي الطاهر الطويل على هذا الكتاب الجميل والرائع الذي يسرد لنا تاريخ المونودراما بتعدد تعابيره الشعبية وأيضا بتجاربه المعاصرة شكرا للهيئة العربية للمسرح على هذا اللقاء وشكرا للفنانات والفنانين الحاضرين معنا، وتحية لكل الزملاء والزميلات الذين يقدمون المونودراما والذين قدموها أشكر ثريا جبران التي كانت لماعة في هذا المجال، الطيب الصديقي، فاطمة عاطف التي قدمت مونودراما “نزف” ومع بوسلهام الضعيف “راس الحانوت”، وجليلة التي قدمت مسرحية مع أبو العز، ومسرحية “حادة” التي قدمتها كل من مريم الزعيمي وجميلة مع جواد السوناني، صوفيا هادي مع نبيل لحلو أيضا قدما مونودراما، منى بلغالي مع سي إبراهيم الهنائي قدما “فاطمة”… مجموعة من الفنانين المغاربة قدموا المونودراما .. لا ننسى فاطمة شبشوب وإيمان الزروالي مع ادريس كسيكس أيضا… تحية للجميع ويبقى رائدنا ورائد الفنانين العرب في هذا الفن سي عبد الحق الزروالي أتمنى لك طو العمر…

عبد الجبار خمران: شكرا الفنانة لطيفة أحرار على هذا المشهد البانورامي الذي قدمت لنا سواء على مستوى تجربة الأستاذ عبد الحق الزروالي أو تجربتك أو تجربة العديد من الفنانين الذين أبدعوا في هذا المجال… ويبقى طبعا الزروالي تلك الحالة المسرحية الخاصة فعندما يذكر اسمه يذكر معه المسرح وعلى وجه الخصوص المسرح الفردي… هذا لا ينفي صفة الجماعية عن مسرح الزروالي فهو متعدد ويشتغل معه سينوغرافيين وتقنيين وفنيين….

شكرا لمشاركتكم وحضوركم الأستاذ عبد الحق الزروالي، الأستاذ الطاهر الطوير والأستاذة لطيفة أحرار…

ثم فتح مسير الحلقة المجال للحاضرين من أجل المشاركة فتدخل المسرحي الجزائري لخضر المنصوري والمسرحي الفلسطيني تحسين يقين والباحثة المسرحية المغربية د.الزهرة إبراهيم… ثم أعاد خمران الكلمة للمتدخلين الثلاث ليختم الحلقة مبلغا الجميع تحية السيد الأمين العام للهيئة العربية للمسرح أ.اسماعيل عبد الله ود.يوسف العايدابي وزملائي هنا في الهيئة الأستاذ الحسن النفالي الحاضر معنا والذي يحييكم من الشارقة، والأستاذ غنام غنام وكل الزملاء معي هنا..

تحياتي لكم جميعا من شارقة سلطان الثقافة.

 

رابط الحلقة التاسعة من سلسلة إقرأ كتب الهيئة على قناة يوتيوب الهيئة العربية للمسرح:

 

 

 

 

 

 

الحلقة الثامنة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”

(عين على المسرح)

محور الحلقة كتاب

{إقرأ كتب الهيئة}

“تنمية قدرات التركيز للممثل”

تأليف د.علاء قوقة

    قدمت الهيئة العربية للمسرح يوم الأحد 27 مايو 2021م الحلقة الشهرية الثامنة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”، ضمن برنامج عين على المسرح، الحلقة نقلت الكترونيا عبر (تقنية زوم) مباشرة على منصات الهيئة الإلكترونية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي. وقد كان محور النقاش كتاب “تنمية قدرات التركيز للممثل” تأليف د.علاء قوقة.

     الكتاب صدر ضمن منشورات الهيئة العربية للمسرح في الشارقة العام 2020م – سلسلة دراسات (81) ونشر طيلة شهر يونيو 2021م بصيغة PDF على الموقع الإلكتروني الرسمي للهيئة العربية للمسرح.

     شارك في هذه الحلقة المسرحي المصري د.علاء قوقة مؤلف كتاب “تنمية قدرات التركيز للممثل”، والفنانة اللبنانية أ.راندا أسمر والمسرحي المغربي د.مسعود بوحسين، وأدار اللقاء أ.عبد الجبار خمران  مسؤول الإعلام والتواصل في الهيئة العربية للمسرح.

تقديم الحلقة السابعة من سلسلة إقرأ كتب الهيئة

رحب مدير الجلسة أ.عبد الجبار خمران بالحضور، ونقل تحية وشكر الأمين العام للهيئة العربية للمسرح ود.يوسف عيدابي والعاملين بالهيئة العربية للمسرح للمشاركين، ثم بسط تقديما حول محور النقاش مؤكدا على أن كتاب “تنمية قدرات التركيز للممثل” يتناول موضوعا في غاية الأهمية بالنسبة لمنهجية تكوين الممثل وهو بمثابة دراسة علمية أكاديمية تغطي جوانب هذه القدرة من قدرات الممثل (التركيز)..مستندا في ذلك على العلوم الإنسانية، إلى جانب استلهام واستقراء علوم أخرى، كما يقدم الكتاب جانبا تطبيقيا من خلال مجموعة من التداريب والوُرش وسطر العديد من الخلاصات، والكتاب مقسم إلى ستة فصول:

  1. – التركيز من خلال العلوم الإنسانية والرياضات الروحية.
  2. – تركيز الممثل عند الرواد والمحدثين من رجال المسرح.
  3. – التركيز وعلاقته بالأدوات الأخرى للممثل.
  4. – مستويات التركيز.
  5. – تدريبات لتنمية التركيز عند الممثل (مع التطبيق العملي)
  6. – النتائج والتوصيات.

وبعد تقديم د.علاء قوقة طرح خمران سؤال:

  • لماذا اختيار موضوع التركيز عند الممثل كمتن لكتابك دونا عن غيره من القدرات، التي يحتاجه الممثل؟ (لماذا التركيز على التركيز؟)

د.علاء قوقة:

أولا، أشكر الهيئة العربية للمسرح، وأشكر سعادتك على هذا التقديم الجميل.. الحقيقة بدأ التفكير في موضوع التركيز ومحاولة تنميته انطلاقا من كتاب قرأته لأحد المفكرين والمهتمين بعلوم المخ واعتباره بأن الإنسان لم يصل في استخدامه لقدرات المخ إلى أكثر من %10 بشكل عام. وفي بحث آخر في نفس الموضوع قال أحد العلماء أن الإنسان لم يتجاوز %1 من استخدام ملكات المخ… وفكرت في محاولة كيفية الإستفادة وتفعيل وتنمية هذه الملكات عند الممثل بالذات.. لأن هذا هو الهم والعمل الذي أشتغل عليه.. ومن هنا جاء التفكير في هذا الموضرع.. وبدأت من مقولة في علم النفس “المخ لا يستطيع أن يركز في أكثر من أمر واحد في اللحظة الواحدة” فبدأ التفكير في كيفية التركيز في أكثر من أمر واحد.. الساحر مثلا كيف يركز؟ ولاعب السيرك أيضا؟ فعدت إلى مراجع متخصصة في علم النفس ودراسات المخ لتمييز الأشياء التي لها تأثير على المخ وكيفية الانطلاق من ذلك وربطه بالمجال الذي أعشقه الذي هو التمثيل.

وعكفت ما يناهز العام والنصف قبل أن أقدم مقترح موضوع الدكتوراه حتى أجمع مادة كبيرة تهم الموضوع فوصلت من خلال الدراسة إلى أن (التركيز) هو القدرة الأساسية المرتبطة بكل عناصر فن الممثيل.. ليس هناك أي شيء يهم فن الممثل إلا وله علاقة بقدرة التركيز.. فبدات رحلة التعامل مع المخ وكيفية تنمية قدراته وتطويرها وتسخيرها لخدمة أدوات وتقنيات الممثل..

والتركيز مرتبط بالجسد وبالحركة وبالخيال.. وبكل العناصر الأخرى التي يحتاجها الممثل…

بعد مداخلة د.علاء قوقة، قدم أ.عبد الجبار خمران المسرحية اللبنانية أ.راندا اسمر وطرح سؤال:

  • ما أهمية التركيز بالنسبة لك كممثلة، وما اهم الغضافات التي يقدمها كتاب د.علاء قوقة للمكتبة المسرحية العربية بشكل عام وللممثل بشكل خاص؟

أ.راندا الأسمر:

شكرا للهيئة العربية للمسرح عائلتي المسرحية على الاستضافة.. وأهنئ د.علاء قوقة على اختياره لهذا الموضوع الذي يهم عمليا شغل الممثل، فهو ليس موضوعا نظريا فحسب. عادة الكتب نأخذ منها نظريات ثم نتساءل كيف نطبق هذه النظريات وما كيفية تصريفها، فالكتاب اهتم بالجانب التطبيقي، وهذا أمر يساعد الممثلين المحترفين والطلاب… ويمنحهم كيفية مقاربة التركيز وتطويره. والتركيز مهم جدا وقد أدركت منذ أيام دراستي في الجامعة أهمية قدرة التركيز، ليس فقط في المسرح بل في الحياة بشكل عام. لا شيء في الحياة يمكن أن ننجح في إنجازه وإتقانه دون (تركيز).. فما بالك إذا ما تعلق الأمر بفن المسرح..

تعلمت رقص البالي، وأنتم تعرفون أن هذا الفن التعبيري يتطلب تركيزا عاليا جدا وقدرات جسدية خاصة يلزمها تداريب يومية حتى يصير الجسد في خدمة المؤدي.. ومارست الغناء أيضا – ود.علاء يقارب في تداريبه الغناء والقدرات الصوتية – وأنا إلى اليوم قبل أن أصعد على الخشبة أقوم بتداريب جسدية وتمارين صوتية من خلال الغناء حتى يتفتح الصوت وحتى نتحكم فيه على الخشبة.. أي نوتة نريد؟ وأي مقام وأي درجة قوة نريد؟ وأي درجة هدوء نوجهه..؟ وكيف نوصل إلى المتلقي الجالس في القاعة حتى الهمس دون مايكات طبعا.. لاحظت أن بعض الممثلين يستعملون مسمعات / مايكات وأنا ما أزال ضد هذا المبدأ.. اللهم إلا إذا كان هناك ضرورة حتمية للتوظيف الموسيقي، او اننا نعرض بمكان في الهواء الطلق…

فقدرات الممثل وأدواته الجسدية والصوتية مهمة جدا للتوصيل والأداء، وأيضا أدواته الثقافية واطلاعه على مختلف المعارف، كعلم النفس مثلا.. لأن سيكولوجيا الشخصية أمر مركب.. كذلك متابعة تجارب المبدعين الآخرين.. – وهذا ما أحب أن اضيفه إلى ما قاله د.علاء قوقة مشكورا – فالممثل عندما يشخص دورا فهو لم يعد هو نفسه، إنه يُسكن الشخصية في داخله ويصير هو الشخصية، يتنفسها ويتكلم بصوتها ويتحرك بجسدها ويتصرف على ضوء سيكولوجيتها.. ومن ناحية أخرى يلزم أن نتحدث عن تركيز الجمهور أيضا.. لابد من فضاء يضمن تركيز الجمهور.. فالجمهور العربي إذا لم يقدم له ما يشد انتباهه، يخرج من صالة العرض – وهذا أمر يُحزنني – الممثل يتعب ويبذل جهدا أمام الجمهور.. وفي لحظة ما يخطر على بال أحد ما من هذا الجمهور أن يخرج من الصالة.. فيخرج.. وأعتبر ذلك أمرا سيئا، وشخصيا إذا ما دخلت عرضا أبقى في الصالة وأتابعه إلى أن ينتهي..

وإذا ما أردت أن أحدثكم عن تجربتي كممثلة، فأنا أذهب إلى المسرح ساعتين قبل بداية العرض، ويكون المسرح في صمت كامل.. الصمت والسكينة أمر أساسي للتركيز قبل تقديم العرض المسرحي.. آخر عرض مسرحي شاركت فيه من حوالي شهر، كان هناك ضجيج كبير بسبب محرك الكهرباء في الكواليس – ولأن الكهرباء تقطع في بيروت – ولم يكن هناك مجال لإطفاء هذا المحرك، بذلت مجهودا كبير للتركيز.. حتى أجد ذلك الصمت وتلك السكينة.. وأنا أقوم بتمارين (يوغا) قبل التمارين الجسدية.. لأنها تساعد على التنفس أثناء الأداء وعلى ضبط إيقاعه، وبالتالي إيقاع الجسد وإيقاع الصوت وإيقاع المشهد..

والتركيز مرتبط بوعي الممثل، فهو مطالب بأن يكون حاضر البديهة وأن لا “يذوب” في العمل المسرحي إلى الحد الذي يغيب وعيه كممثل.. لأنه لا يعرف ما الذي يمكن أن يحدث بين لحظة وأخرى من مفاجآت، ممكن الممثل الذي يشخص معه ينسى حواره، ممكن ان يَصدر تعليق من الجمهور، أن يحترق بروجكتور، أو أن (الصوت الخارجي) الذي ينتظره قد لا يأتي بسبب عطل ما… فعلى الممثل أن يكون متأهبا دوما، وهذا يتطلب تركيزا عاليا منه للتفاعل مع أي موقف طارئ وإنقاذ المشهد أو إيقاع العرض حتى لا يحس الجمهور بأن هناك شائبة ما في العمل المسرحي..

و بعد مداخلة أ.راندا أسمر، قدم أ.عبد الجبار خمران المسرحي المغربي د.مسعود بوحسين.. وتفضل بإبداء وجهة نظره في موضوع النقاش:

د.مسعود بوحسين:

تحية لك أستاذ عبد الجبار وتحية لكل الإخوة الحاضرين معنا.. وشكرا للهيئة العربية للمسرح على هذه اللقاءات المهمة التي تنظمها لمناقشة بعض القضايا المسرحية، على هامش إصدارها لكتب تعنى بهذا المجال..

تحية خالصة د.علاء قوقة الذي نحتفي بكتابه هذا اليوم، والذي شكل بالنسبة لي فرصة سعيدة لأطلع على واحد من أهم الكتب التي تتناول إشكالية الممثل بطريقة علمية وعملية..

شرف لي أن أناقش هذا الكتاب القيم، وسأبدأ مداخلتي من سؤالك الذي وجهته للأستاذ علاء قوقة: لماذا التركيز بالضبط؟ (لماذا التركيز على التركيز؟) رغم أن د.علاء أجاب على السؤال.. وأيضا، بصفتي أستاذ لفن الممثل بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي وبحكم الممارسة، أعرف أهمية (التركيز) كعنصر أساسي من عناصر أداء الممثل، بل أكاد أقول بأنه العنصر الرئيسي الذي تدور حوله باقي العناصر الأخرى.. (التركيز) يحيل على المعطيات العقلية في فن الأداء الدرامي وهو ركيزة أساسية بني عليها فن الممثل الحديث، وأعتقد ان هذه الخلفية توجد في كتاب د.علاء قوقة، لأننا كلنا نعرف أن فن الممثل – حتى عندما يتحدث عنه الممثلون أنفسهم – غالبا ما لا يكون الخطاب علميا ودقيقا.. ومن خلال ارتباطه بالانفعالات وبتوتر العضلات أو بارتباطه بالأداء العضوي أوبالذاكرة الحسية وغيرها..

ما أثارني وأعجبني في كتاب علاء قوقة هو أنه من خلال عنصر (التركيز) يتناول باقي العناصر الأخرى وخاصة ما يتعلق بالإنفعالات. نعرف أن وجود الممثل على خشبة المسرح، هو وجود مزدوج (الشخصية والممثل) وأن الخطاب المسرحي على الركح، على عكس ما يعتقد البعض، هو خطاب قصدي، أي ليس فيه مجال كبير للإرتجال.. وإذا ما أردنا أن يكون الفن المسرحي فنا: هناك خطة إخراج، تحرك على الخشبة، علاقات بين الشخصيات مدرب عليها… الأحداث على المسرح والأفعال التي يقوم بها الممثلون تبدو وكأنها وليدة اللحظة، لكن هناك بنية للعرض يجب أن تُحترم وحتى يكون للعرض المسرحي دلالته ولكي يحمل متنه الحكائي وما يتبناه من أفكار ورؤى على مستوى التيمة او الموضوع..

كل هذا يتطلب تركيزا كبيرا، والذي بدونه لا يمكن أن تتحقق تلك الأفعال المتكاملة فيما بينها مع باقي الممثلين ومع باقي عناصر العرض المسرحي، ومن هذه الناحية فالتركيز أمر أساسي ومهم.

العنصر الثاني الذي تناوله الكتاب، بكثير من التدقيق هو الاسترخاء وتحرير العضلات وهو من المفاتيح الأساسية التي تطرق إليها ستانيسلافسكي في منهجه مدللا على أن تحرر العضلات على الخشبة ليس فقط مسألة حسية مرتبطة بتوتر جسدي لكنها أيضا مسألة عقلية.. بحيث أن وجود أعين تشاهد الممثل وهو على الخشبة دائما ما تفرض على ذهنه، في حالة غياب القدرة على توجيه التركيز إلى الأعمال التي يقوم بها، أن يفكر في حكم الجمهور (وهذه خاصية في أي تواجد علني) وإذا لم يكن تركيز الشخص موجها إلى الأهداف التي يتواجد أمام الجمهور من أجلها، غالبا ما يتوجه تفكيره إلى الأحكام المفترضة لأصحاب العيون التي تشاهده.. ومن هنا يحدث التوتر بسبب عدم التركيز على الفعل وما يقوم به الممثل من مهمات.. إذا التركيز عنصر أساسي لتحرير العضلات بهدف الوصول إلى أداء عضوي مبني على العلاقات الرابطة بين كل ما يقع على الخشبة.

د.علاء قوقة أشار في كتابه إلى نقطة مهمة، وهي ارتباط التركيز بالانفعالات.. وهنا أسأل: هل الأحاسيس الركحية هي نفسها التي نعيشها ونشعر بها في الحياة، أم هي مختلفة عنها؟

 هناك فهم شائع – خاصة عند العامة – مرتبط بطبيعة هذه الانفعالات والأحاسيس الركحية يذهب إلى أنها تعادل الأحاسيس الحقيقية في الحياة.. أي أن الصدق في أداء مشاهد الحب يغيب عنه تعبير (كما لو…) فنعتقد أن الإحساس فوق الخشبة هو نفسه الذي نعيشه في الحياة. ويشير د.علاء قوقة في الكتاب إلى هذه الإشكالية وأحال على أحد المنظرين بخصوص ذلك، وهي إشكالية تعود إلى القرن الثامن عشر وأول من طرحها هو دنيس ديدرو في نقاشه لـ”مفارقة فن الممثل” واستمرت معالجتها من طرف الباحثين ومنظري فن الممثل من خلال سؤال (هل الإحساس في التمثيل حقيقي أم لا؟)

وأشار المؤلف أنه لا يمكن للعقل أن يوجه أمرا للممثل من قبيل: اعشق! أو أحب! او عش إحساسا ما…! والكليشيهات تنتج من هذا الفهم.. فالأداء هو أداء أفعال وهذه التقنية المرتبطة بالتركيز أساسا.. عندما تركز على الفعل الذي هو أساس الأداء الدرامي تقع “ظاهرة سحرية” هي عبارة عن نوع من الإيحاء الذاتي الذي يقود الممثل إلى التصرف (كما لو…) وبالتالي تنبع أحاسيس هي أشبه ما تكون بالإحساس الواقعي.. وبذلك لا يصير الأداء “شجني” فيه الكثير من البكائيات.. والتي تكون في نهاية المطاف مصطنعة. فكما يقول ستانيسلافسكي “إنني أقول لكم افعلوا ولا أقول اشعروا” ذلك أن الفعل يقود طبيعيا على بروز الأحاسيس.. كما لو أن في الأمر “تحايلا” من الممثل على نفسه من خلال التركيز على الأفعال..

هناك فصول مهمة في الكتاب تربط التركيز بالذاكرة الانفعالية، وهذا أمر مهم فهو يقود إلى إثارة الخيال، وإلى الدخول في جو الأداء بحيث يحرك العامل العقلي العامل الوجداني الذي يحتفظ ببنية الأثر الفني. لأننا عندما نتحدث عن المسرح فنحن نتحدث عن أثر فني قصدي لا مجال فيه للاعتباطية فهو خطاب أساساً…

ثم هناك التركيز فيما يسمى بالأداء العضوي / le jeu organique وخاصيته العامة تتمثل في أن يبدو أداء الممثل طبيعيا (والطبيعي ليس فقط واقعي) بل يشمل حتى أساليب الأداء الأخرى، بحيث يتم الابتعاد عن الإفتعال.. وللتركيز دور أساسي في هذا الامر فأن تركز على أمر ما، يعني أن تلغي ما سواه، يجب على الممثل التركيز على المهمات المطلوبة منه في الأداء. وقد أشار علاء قوقة في كتابه إلى أنه يمكن تطوير قدرات التركيز على أكثر من موضوع في وقت واحد، إما بالتتابع بشكل سريع أو أن ينهمك الجسد في فعل ميكانيكي ما، في حين يركز التفكير في أمر آخر مغاير..

ومن الأفكار المهمة في الكتاب الخروج من مجال الممثل وتسليط الضوء على التركيز في مجالات أخرى (تتطلب بدورها تركيزا خاصا) ثم نعود لتطبيق ما نصل إليه من خلاصات على فن الممثل مرة أخرى.

وأختم بالجانب العملي في الكتاب، حيث أن هناك عملا تجريبيا بالمعنى العلمي للكلمة، كما أن هناك اقتراح لتداريب تخص موضوع التركيز.. ما أعتبره إضافة مهمة للمكتبة العربية في مجال فن الممثل، وأهنئ د.علاء قوقة على فتح مثل هذه النقاشات في مجال (فن الممثل) المتسمة بالعلمية وبالدراسة والتدقيق… خارج بعض تلك التصورات “الأسطوية”.. لأنه يتم أسطرة الفن .. لكن من حيث ميكنزمات آدائه فهي خاضعة للبحث والدراسة والقياس أيضا..

بعدها تدخلت د.الزهرة إبراهيم، تحسين يقين.. ليعيد مدير اللقاء أ.عبد الجبار الكلمة إلى المتدخلين للإجابة والتعقيب، قبل أن يختم الحلقة مذكرا بتحية وشكر الأمين العام للهيئة العربية للمسرح ود.يوسف عايدابي وكافة العاملين في الهيئة العربية للمسرح.. ويضرب للحضور موعدا مع حلقة قادمة ستتناول كتاب “المسرح الفردي في العالم العربي.. مسرح عبد الحق الزروالي نموذجا” تأليف الكاتب المغربي أ.الطاهر الطويل. ويُحيى الجميع من شارقة سلطان الثقافة.

رابط الحلقة الثامنة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”

حول كتاب “تنمية قدرات التركيز للممثل” تأليف د.علاء قوقة:

 

 

 

 

 

 

 

الحلقة السابعة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”

(عين على المسرح)

محور الحلقة كتاب

لوكنت…!؟ ثلاثة عقود في تجربة العمل المسرحي للمخرج الفلسطيني فؤاد عوض

سيرة مسرحية ذاتية كتبها وأعدها ناجي ظاهر وفؤاد عوض

    قدمت الهيئة العربية للمسرح يوم الأحد 23 مايو 2020م الحلقة الشهرية السابعة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”، ضمن برنامج عين على المسرح، على منصتها الإلكترونية والتي ناقشت كتاب “لوكنت…!؟ ثلاثة عقود في تجربة العمل المسرحي للمخرج الفلسطيني فؤاد عوض” سيرة مسرحية ذاتية كتبها وأعدها ناجي ظاهر وفؤاد عوض.

الكتاب صادر عن الهيئة في 2012م ضمن سلسلة دراسات رقم (13)، ونشر الكترونيا أيضا بصيغة (PDF) على الموقع الإلكتروني الرسمي للهيئة خلال شهر (أبريل 2021م). 

     شارك في حلقة كتاب “لو كنت…!؟” كل من مؤلفي الكتاب أ.ناجي ظاهر وأ.فؤاد عوض وأ.عدنان طرابشه وأدار اللقاء أ.عبد الجبار خمران  مسؤول الاعلام في الهيئة العربية للمسرح.

تقديم الحلقة السابعة من سلسلة إقرأ كتب الهيئة

بعد أن بلغ أ.عبد الجبار خمران المشاركين والحضور تحية وشكر الأمين العام للهيئة العربية للمسرح ود.يوسف عيدابي والعاملين بالهيئة العربية للمسرح، بسط ورقة تقديمية مقتضبة جاء فيها:

مرحبا بالضيوف الكرام: أ.فؤاد عوض – أ.ناجي ظاهر – أ.عدنان طرابشية

كتاب “لو كنت…؟! ثلاثة عقود في تجربة العمل المسرحي للمخرج الفلسطيني فؤاد عوض” سيرة مسرحية ذاتية كتبا وأعدها ناجي ظاهر وفؤاد عوض..

كتاب ماتع يحكي عن سيرة مسرحية وتجربة إبداعية يتداخل فيها الفني والسياسي المسرحي والإديولوجي من خلال سرد لتفاصيل تقرب القارئ من التجربة المسرحية الفلسطينية ومن أفكار وتصورات المسرحي فؤاد عوض منذ الغواية المسرحية الأولى في أواخر الستينيات بمدينة الناصرة مرورا بمراحل تراكمت فيها التجربة وتطورت وتنقلت في مختلف المدن الفلسطينية وإلى غاية أواخر الألفية الثانية..

الكتاب ليس سيرة ذاتية فقط للمؤلف، وإنما يوثق أيضا ويسرد تفاصيل معاصريه من الفنانين الذين شاركوه تجربة الفعل المسرحي على مدار ثلاثة عقود، إنه باب واسع يُشرَع أمامنا لندرك أن ثمة روحاً فلسطينية مبدعة كتبت سرديتها وتاريخها رغم أنف الاحتلال…

     “لو كنت…!؟ ثلاثة عقود في تجربة العمل المسرحي للمخرج فؤاد عوض”، يغطي جانبا مهما من الواقع المسرحي للمجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال لينير بقعا مظلمة بالتوثيق لجهود اجترحت التاريخ بجهدها

وعزيمتها وكتبته بإبداعها وتجاربها، ليسجل للمسرحيين الفلسطينيين كيف عملوا في ظروف العزل والقهر والإقصاء والإلغاء والطمس على صنع مسرح يعبر عن وطن محتل تحول إلى كيان سياسي إلى مغتصَب وهم فيه أغراب.

ليقدم بعد ذلك مدير اللقاء سيرة مختصرة للأستاذ ناجي ظاهر ويطرح عليه سؤالا إفتتاحيا لتقديم الكتاب:

  • ما حظ الأستاذ ناجي ظاهر من حلم الأيام القادمة؟ وما الذي يتقاسمه مع سيرة ذلك الشاب الذي كتب قصته على جدار كهف العشق وأغمض عينه بانتظار ست الحسن لكنها لم تأت لأنه خرق بكتابته تلك على الجدار، عهد “الكتمان” الذي أبرمته معه… ومن يومها لم يدخر جهدا للقاء محبوبته بعد اختفائها… وتنهي الحكاية بجملة “…هو حلم المسرح، هو حلم واحد منا أراد أن يكون هناك مسرح حقيقي في بلادنا، وعاش الحلم من أقصاه إلى أقصاه” كيف نعيد تفكيك القصة الرمزية هذه، على ضوء التجربة المسرحية للأستاذ فؤاد عوض الموثقة في الكتاب؟

ليجب الكاتب ناجي ظاهر: أولا أوجه التحية والشكر إلى الهيئة العربية للمسرح وإلى المنظمين والمبادرين وإلى الإخوة المشاركين وإلى كل من يستمع إلينا، شكرا لكم لأنكم أتحتم لنا أن نفتح صفحة مهمة جدا من حياة الثقافة الفلسطينية، هذه الصفحة تجسد سيرة رجل مسرحي يقدم شهادة هامة جدا حول سيرة مسرح على امتداد ثلاثة عقود (وهي في الحقيقة تجاوزت نصف القرن). توقفنا عند القعود الثلاثة الأخيرة لسبب بسيط هو أنها شهدت عملية احتراف ومأسسة للمسرح…

“لو كنت.. قصة المسرح الفلسطيني”

يقول أ.ناجي ظاهر: ربطتني بالصديق المخرج المسرحي فؤاد عوض علاقة ثقافية ما فتئت تتطوّر وتتعمّق يوما اثر يوم، شهرا بعد شهر وعاما في اعقاب عام، واستمدت هذه العلاقة قدرتها على الصمود وتجاوز

الخلافات العادية الطفيفة، من امرين، أحدهما اننا ابناء بلدة واحدة هي الناصرة، والاخر اننا آمنا بالفن، كل بطريقته بالطبع، واحدًا من اشكال الوعي الاجتماعي وحافزًا على تحسين الة الحياة ورفدها بوقود النماء والازدهار، اضف الى هذا اننا تربيّنا في نفس الشوارع والساحات وشربنا أمواهنا الاولى من نفس النبع القائم قريبًا من بيت فؤاد القائم في الحي الشرقي من الناصرة.. نبع الجابية، اما ثقافتنا فقد كانت متقاربة جدًا جدًا،

كونها آمنت بان الحب والحرية هما الرافعتان الاساسيتان الثابتتان اللتان تفضيان بكل من يؤمن بهما الى فضاء التقدم الحضاري وبناء الانسان.

كما قلت آمنا بهذه المبادئ والقيم كلٌّ بطريقته، فقد اتفقنا واختلفنا، كما ورد في كتابنا المشترك ” لو كنت”، لا سيما فيما يتعلّق بدور الفن في المجتمع، فقد امن هو بان الفن يفترض ان يكون مؤدلجًا ويحمل رسالة، وقد انعكس ايمانه هذا في كل ما قام به، نفّذه وقدّمه من المسرحيات الهادفة، مثل مسرحيات: الملك هو الملك، الفيل يا ملك الزمان وراس المملوك جابر، وغيرها من المسرحيات التي اعتقد انه سيتحدث عنها فيما يلي من وقت، فيما امنت انا بان الفن اوسع من الايديولوجيا وانه اشمل منها كونه نتاجًا ابداعيًا لا يخضع الا لقانون

الإغراب او الادهاش كما قال ناقدنا العربي العريق حازم القرطاجني في كتابه الرائع منهاج البلغاء وسراج الادباء. وقد اكدتُ له، في نقاش ضمّناه كتابنا هذا، ان هناك فرقًا كبيرًا بين الالزام والالتزام المفروغ منها، كون الفنان المبدع ينطلق فيما يُنتجه من مكان وزمان معينين، وبذلك يُضحي التعبير عما يعيشه ويلامسه من قضايا يومية وايديولوجيات بأطراف روحه مجرد تحصيل حاصل.

في هذا الكتاب الذي تعاونا، فؤاد وانا، في كتابته واعداده للطبع، واتفقنا مسبقا على ان يكون سيرة مسرحيّ ومسيرة مسرح، نُقدّم معلوماتٍ ضافيةً عن فنان مثقف مجتهد ودارس، خرج من بيئة شعبية متواضعة الحال ومن عائلة مباركة الابناء، يمكن التعلم من تجربته في كل شيء، في الاصرار والمثابرة على تحقيق الحلم وجعل الحياة ذات معنى، وممكنة العيش، كما يمكن التعلم من اختياراته للمسرحيات التي نفذها وقدّمها على طبقٍ من محبةٍ الى الجمهور العربي في بلادنا. لقد قدّم فؤاد وشارك خلال حوالي نصف قرن من العطاء العديد من المسرحيات، وقد توقّف مطولا عند المسرحي العربي المبدع سعد الله ونوس فقدّم له المسرحيات المذكورة آنفا، اضافة إلى مسرحية اخرى من ابداع ونوس ذاته هي احلام شقية، وما زلت اذكر ما قاله لي صديقٌ فنان تشكيلي بعد مشاهدته هذه المسرحية: اية عبقرية هذه، اية عبقرية في الكتابة والابداع. كما توقّف عند الابداعات المحلية في بلادنا، فمنحها الفرصة للنماء والازدهار، وتعاون مع كتّابِها ومبدعيها بمهنية لافتة، واشير فيما يتعلّق بهذا، انه حمل كاتبّ احدى المسرحيات المحلية على ان يعيد كتابة مسرحيته، سبع مرات، بعدها قام بإخراجها، ليضيف الى خزينة العطاء المسرحي المحلي رصيدا لا باس به، سيشارك بلا شك في مهمة مخرجنا الهُمام وزملاء كثر له، في بناء قلعة عطائنا المسرحي التي تعلو سنة في اعقاب سنة ويسمق بناؤها.

يُميّز فؤاد عوض، كما يظهر في هذا الكتاب بجلاء، بين النص المسرحي وبين ما يسميه الرؤية الاخراجية، فهو عندما يّقدِم على اخراج مسرحية، يحرص على دراستها من جميع النواحي، فاذا ما اضافت الى رصيده،

واكاد اقول مشروعه المسرحي، ما يفيد وينفع الناس، أقدم على الخطوة التالية، وهي وضع رؤية مسرحية خاصة، تُبرز جماليات هذه المسرحية او تلك، اما اختيار الممثلين فانه يخضع لديه الى قوانين صارمة، فهو لا يختار الا الممثل المناسب شكلا وفكرا لهذا الدور او ذاك، كما انه يُشدّد بصورة تكاد تصل حد الهوس في

تشكيل الديكور على اعتبار انه الحاضنة الاساسية والحادبة لما تقدمه المسرحية من احداث.. رؤى وافكار. ولعلّي لا ابتعد هنا إذا ما اشرت الى تلك الجدية المصحوبة بصرامة حديدية في كل ما يقوم به مخرجُنا المُصرّ

والمثابر، سواء كان في مجال الاخراج المسرحي او مجال العمل الاداري، فقد شغل فؤاد العديد من المناصب الادارية لعلّ اهمها ادارته لمسرح الميدان منذ اواخر القرن الماضي الى اوائل القرن الجاري، اي منذ اواسط

التسعينيات حتى اواخر العشر الاول من القرن الجاري. كما كان واحدا من مؤسسي ستوديو الناصرة في السبعينيات، وهو يشغلُ اليوم منصبَ مدير المؤسسة الثقافة الرسمية الاولى في مدينتنا المشتركة الناصرة، مركز محمود درويش الثقافي البلدي.

هذه الهمّةُ الجبارةُ المدركةُ لما تقوم به وتنفّذه من اعمال ثقافية ابداعية، منها كتاب لو كنت، منحت امكانيةً واسعةً وثقةً كبيرة اهّلته للتعاون مع العديد من المسارح العربية الناشطة في بلادنا، فقد تعاون مع عدد كبير من هذه المسارح، كما يظهر في كتابنا هذا، وقد اخرج مسرحيات للكبار والصغار على حد سواء، ومما اذكره اننا، فؤاد وانا، تعاونا مع مسرح صديق عمره الفنان الممثل والمخرج المسرحي، صاحب مسرح الخيّال، محمد عودة الله مناذرة، في تقديم مسرحية للأطفال حملت عنوان رحلة الخرنق- ابن الارنب، قمت بإعدادها للمسرح فيما قام فؤاد بإخراجها وقام محمد ذاته بأدائها مسرحيا، كونها مونودراما مسرحية الممثل الواحد.

تعاونُ فؤاد مع هذا الكم الكبير من المسارح اهّله للتعرف على الكثير من الممثلين، اهل المسرح والمخرجين، وهو يذكر هؤلاء وما احاط بهم من خفايا واسرار في العديد من صفحات هذا الكتاب، فمن المخرج رياض مصاروة الى المخرج مازن غطاس، نراه يتنقل برشاقة غزال ذكي اراد ان يوثق للحياة الفنية المسرحية، خلال معايشته لها عبر حوالي نصف القرن متوقّفّا عند العقود الثلاثة البارزة في رحلته،  ومقدّمًا صورةً تصل حدّ الشهادة على مرحلة ملتهبة في حياة مسرحنا المحلي في البلاد، وتساهم بالتالي في تشكيل حركة مسرحية جدية وفاعلة.

يُقدّم هذا الكتاب باختصار صورةً للمسرح العربي في بلادنا منذ بداياته الاولى في الستينيات والسبعينيات، حتى الثمانينيات وما بعدها، ويُطلع قارئه على التحولات الجذرية في مسرحنا من الهواية الى الاحتراف، موضحا ان فؤاد ورهط من الطلائع المسرحية، اسسوا لمسرح جديّ وجاد يعتمد في تقديم ما يريد تقديمه على أهل العلم، المعرفة والدراسة، ويُحوّل المسرح بالتالي الى مؤسسة تعطي لمجتمعها أكثر مما تأخذ منه، ولا تعيش عالة على اهل المسرح اولا والمجتمع ثانيا.. كما حدث في البدايات المسرحية.

شكر أ.عبد الجبار خمران مدير اللقاء أ.ناجي ظاهر على مداخلته، ثم قدم سيرة مختصرة للأستاذ فؤاد عوض وطرح عليه سؤال:

  • أثارني علامتي التعجب والاستفهام في العنوان بعد كلمتي “لو كنت” ونقط الاسترسال الثلاث، فقررت مع نفسي أن تكونا عتبة للدخول إلى نقاش كتاب حافل بالأحداث والنصوص والمسارح والتجارب.. ما الذي تخفيه نقط الاسترسال الثلاث وعلامتي التعجب والاستفهام في العنوان؟

أ.فؤاد ناجي: أحب بداية أن أرحب بكل الزملاء والأصدقاء وكل المسرحيين العرب الذين يتابعوننا في هذا اللقاء، وأرحب كذلك بالزملاء المشاركين في هذه الندوة، وأشكر الزملاء من الهيئة العربية للمسرح؛ المبادرة والراعية لهذا النشاط…

مرحبا عزيزي غنام الذي كان له الفضل في انتقال فؤاد عوض من المنطقة المغلقة وتجاوز حدود الاحتلال إلى العالم العربي، وكان ذلك خلال التقائي به لأول مرة هو وعلي عليان بمهرجان القدس… واستمرت اللقاءات، وكان حديثنا كيف للفنان الفلسطيني أن يتجاوز هذا القفص الضيق الذي سمي احتلال… وتحياتي للأستاذ الحسن النفالي كما لا أنسى شكر الأستاذ إسماعيل عبد الله الأمين العام للهيئة العربية للمسرح…

في الواقع ناجي ظاهر حكى كل ما يمكن أن أحكيه عن الكتاب… وأحب أن أنطلق من سؤالك أستاذ عبد الجبار ثلاث نقاط استرسال وعلامتي التعجب والإستفهام في العنوان: أردت للعنوان أن يحمل أسئلة عينية طرحتها وكنت مصر على ان يرد النقاط الثلاث، لأنه في استمرارية لموضوع الكتاب ولمضامينه لانه توقف عند عام 2008م فهناك استمرارية منذ ذلك الحين وعلامة التعجب تكن في كونه يحضر نفسية / نفسيات معينة خلال فترة العمل المسرحي عبر التجارب الفنية.

كتاب “لو كنت…!؟” حصاد تجربة مسرحية عملية:

 كتاب ويستطرد عوض بأن الكتاب ليس بحثا أكاديميا، هو حصاد مواسم مسرحية وأعمال قمت بإخراجها وإنتاجها خلال فترة من الزمن، إنه حصاد تجربة عملية / مهنية، رغم ورود محاولات للتأطير والتنظير الفكري في ختام الكتاب كنوع من الإستنتاج لكن التركيز الأكبر كان على التجربة المسرحية العملية.

ومهم جدا في هذا الكتاب أنني ذهبت خلف التجارب الإخراجية والمسرحية والدرامية (الدرامية: المقصود الإعداد الدرامي)، وإلى جانب ذلك رؤى فضائية تابعة للمسرح والسينوغرافيا… في جميع المجالات التي ذكرتها – وهي تأتي من خلال الأسئلة – من خلال علامة الإستفهام وعلامة التعجب هذه الأخيرة التي ترتبط أكثر بالواقع المرير الذي نعيشه تحت الاحتلال وتحت الكيان الإسرائيلي في الداخل.

كل هذه التجارب، كانت بالنسبة لي، كانت أعمالا مسرحية كسرت القواعد النمطية من حيث الإعداد أو الكتابة المسرحية ومن حيث الأداء التمثيلي والفضاء وأخيرا الإخراج المسرحي أو الرؤيا المسرحية والتي كنت أتخبط في بعض الأحيان حول ضرورة إدخال مثل هذا الموضوع إلى “كتاب نظر”. لكن ولكوني مخرج مسرحي فرأيت انه، بالنسبة لي، هذه هي أهم نقطة بسيرورة الحركة المسرحية الفلسطينية.

شاءت الظروف أن اجمع بين كل هذه المركبات ضمن خصوصية الهوية الفلسطينية والانتماء الفلسطيني في ظروف الزمان والمكان وفي هذه السياق كنت أحب أستمع لملاحظات نقدية حول الكتاب / عنوان الندوة.. وبما انه ليس كتاب بحث أكاديمي أو فكري فأفضل ما يمكن أن أقدمه هو نوع من التقييم الفني والمسرحي أكثر منه نقدا أدبيا.. وإن اعتبرنا الكتاب / السيرة الذاتية المسرحية أيضا يمكن أن يكون “نوعا أدبيا”، لكنني في كتاب “لو كنت…!؟”لم ادخل في هذا الجانب الأدبي غير أن الكتابة كانت هي الإمكانية المتاحة لتوثيق وتسجيل تفاصيل هذه التجربة.. فموضوع الكتاب عملي أكثر مما هو نظري أو فكري أو أدبي.

كتاب “لو كنت…!؟” اجتهاد فردي وثنائي، لكنه يعكس تجربة وصيرورة الحركة المسرحية الفلسطينية عامة خلال فترة محددة من الزمن والتوقف عند حدود 2008م مرتبط بظروف الطبع والكتابة.. توقفت عند هذه السنة لأن كم المواد هائل، كما أنها مرحلة مفصلية في حياتي المهنية فأردت تسجيل كل ما كان قبل 2008م حتى نحفظ هذه الوثائق والصور والأبحاث والأفكار التي وثقتها في هذا الكتاب.

يضيف فؤاد عوض أنه خلال فترة من الزمن والتي كانت بدايات التجربة المسرحية الفلسطينية الحديثة، ليس من ناحية الكتابة المسرحية لأنه سبق ذلك في بداية القرن 20 كانت هناك كتابة مسرحية فلسطينية تمركزت مواضيعها حول القضية الفلسطينية. وفيما بعد نكبة عام 1948م كانت فترة مفصلية في التاريخ فقد تشرد جزء كبير من الشعب الفلسطيني، وأجبر على أن يترك أرضه وبيوته وأن يعيش في الشتات في دول مجاورة، لم يكن ذلك سهلا بل كان الأمر مرعبا ومخيفا، وعلى المستوى الشخصي كان ذلك بالنسبة لي نقلة نوعية في التفكير وفي تحديد مساري المسرحي مستقبلا، فالقضية الفلسطينية قضيتنا قضيتنا كفلسطينيين وقضية العرب أجمعين.

نحن نعيش أمام / مع / تحت احتلال كيان صهيوني رهيب سعى كل الوقت إلى إخفاء الرواية الفلسطينية، وطمس الهوية وإلقائها إلى الجحيم، الكيان الصهيون قوي جدا ومسلح بآلة عسكرية قوية وخطيرة، إضافة إلى ذلك لديه مشروع موجه ضد البقية الباقية في أرضها، وبالتالي حاول تذويب هذه الهوية او هذه الفئة وإدخالها تحت جناح “الحياة المشتركة” وغيرها من المفاهيم… التي جعلتنا نحن الفنانين المسرحيين مستقبلا عندما وعينا وكبرنا على هذه المأساة، أن نجتهد في توثيق روايتنا الفلسطينية كما نحن نريد، وكما نراها بأعيننا نحن.

وهذا الامر كان مفاجئا لهم: أننا بقينا وأننا حافظنا على هويتنا الثقافية وهويتنا الفلسطينية والعربية… ولا حظنا ذلك في الحرب الأخيرة – دون الدخول في التفاصيل – في وحدة الحال بين جميع مناطق فلسطين التاريخية.

حاولت من هذا الكتاب – يقول فؤاد عوض – أن انقل للقارئ مشاعر وأحاسيس قمعت واضطهدت لكنها وجدت لها متنفسا، وكان المتنفس (المسرح). حاولت ان انقل مأساة وملهاة الفنان المسرحي، تلك الروح الإنسانية ذلك الكيان المسرحي المفعم بالإنسانية والحياة والامل في مقابل غطرسة واضطهاد واحتلال وحواجز وتغييب الهوية السياسية والقومية والوطنية والثقافية أيضا، كل هذا تجدونه بين أوراق وفصول الكتاب، ولضيق المجال سوف لن أدخل في تفاصيل التجربة المسرحية الفلسطينية أو الحديث عن نفسي كما ذكر صديقي

وزميلي مشكورا أبو علاء، ناجي ظاهر.. وأرى ارتباطا بالسياق أن احكي عن ثلاث أو أربع قضايا جوهرية أشغلت بال جميع المسرحيين العرب عامة والفلسطينيين خاصة كونهم جزء مهم من فسيفساء الحركة المسرحية الفلسطينية والعربية والعالمية.. وإن لم اتحدث في الكتاب عن الجميع – كما ذكر ناجي – وهم كثر مثل رياض ومازن … لسبب ان تجربتي تقاطعت مع تجربتهم المسرحية من خلال العمل معهم سوية..

كتاب “لو كنت…!؟” هو خلاصة لتجربة عملية مهمة جدا في سيرورة الحركة المسرحية الفلسطينية والتي تبلورت من حلال أسئلة جوهرية منها:

من أين نبدأ، ولا نصوص مسرحية فلسطينية؟.. كما ذكرت سابقا النكبة هجرت وطردت كل المثقفين من البلاد والإحتلال احرق ودمر كل المنجزات وكل الكتب والوثائق المتعلقة بالأدب المسرحي الفلسطيني والأدب الفلسطيني بشكل عام وأيضا التراث الفلسطيني لدرجة انهم حفظوا هذا التراث ضمن مؤسسات ومراكز فكرية في الجامعات لفهم طبيعة وحقيقة هذه المنطقة وطبيعة هذا الشعب ودخولهم تحت كنف هذا الشعب بادعاء انهم أصحاب هذا التراث وقد رأينا في سنوات معينة كيف أن الحركة الصهيونية حاولت تبني التطريز الفلسطيني وادعت انه يخص المنطقة او البلاد وهم جزء منـ … وهذا كلام وادعاء لا علاقة له بالحقيقة…

النصوص العربية كانت متوفرة، ومهم بالنسبة إلي بعد أعوام من تخرجي وطرح سؤال الكينونة وصيرورة المسرح الفلسطيني المعاصر، كان هناك ضرورة واهمية كبرى للدخول في عالم الإعداد الدراماتورجي لبعض القصص والمواد ومن أوائل هذه التجارب كانت مسرحية “أنشودة مشوه حرب من الوحدة أ” والتي أعطت لهذا المسرح خصوصية معينة تتجسد في كونها جاءت بتركيب عمل جماعي وبحث ميداني لقصص وحكايات واقعية حدثت، تتعلق بالتجنيد الإجباري لإخوتنا وجزء من شعبنا وهم الطائفة الدرزية، حيث ان جزء من القيادة الدرزية في حينها تعاقد مع السلطات الإسرائيلية فرض من خلاله على جزء من الشباب قانون التجنيد الإلزامي والإجباري – ولن ندخل في تفاصيل هذا الموضوع – بل في ما تتناوله المسرحية وهو رفض الشباب الدروز لهذا التجنيد وقد عايشت مع البعض منهم هذه التجربة مثل المحامي سعيد نفاع أحد أقطاب الحركة الوطنية المعاصرين وزيدان سلامة وسعيد سلامة وعدنان طرابشه… والقائمة تطول جدا، فدخلنا من خلال المسرحية في تلك “البقرة المقدسة” التي تقدمها السلطة الإسرائيلية على اعتبار أن هذه الفئة جزء من الحلم الصهيوني وجزء من جيشه.. تناولت المسرحية حكاية جندي بسيط يكتشف انتمائه بعد حادثة تفجير مبنى في حرب اجتياح لبنان عام 1982م.. جيش الاحتلال يضع أبناء الأقليات في المقدمة (بوز مدفع)…

وصادف أنني قرأت معلومة تقول: أن أحد الجنود أصيب وتشوه جسده ولم يعد قادر القيام بأعماله فوظفت هذه القصة بالإضافة إلى تفاصيل أخرى لبناء خط درامي يتمثل في نقل وعي هذا الجندي من الولاء للخدمة الإجبارية إلى تمرده على هذا القانون ورفضه حتى وإن كان العاقبة سجنه، وهو بالفعل يسجن… الأمر الآخر المهم في هذه التجربة هو الأسلوب الذي اعتمدناه حيث دمجت المسرحية بين الحركة التعبيرية والكلمة الشعرية (وظفنا شعر سميح القاسم) بالإضافة إلى البانتومايم من خلال حضور الصديق الراحل زيدان سلامة وهو كان أول فنان فلسطيني يمارس الحركة الإيمائية وهو الذي علم اخاه سعيد سلامة ومنه إلى آخرين وآخرين …

تجربة عملية أخرى تتمثل في مسرحية “رأس المملوك جابر” لسعد الله ونوس ولان الاعداد تحول إلى هاجس من خلال الواقع الجديد. فأي عمل مسرحي تجعل من فضائه فلسطين تجد بأنه عليك أن يكون هناك إعداد دراماتورجي، ولأن مسرحية الملوك جابر مكتوبة بشكل جيد فلم يتطلب منا الأمر سوى ملاءمتها للواقع الفلسطيني وعدنان طرابشه يمكن أن يحكي عن هذه التجربة لأنه شارك في إعدادها ومثل دور “المملوك جابر”…

مهم جدا نعطي أهمية للإعداد او للكتابة المسرحية المحلية رغم انتقاد البعض الموجه لتسمية “المحلية”. والمحلية توصيف لمثابرتنا في محاولة خلق كتاب مسرحيين يتناولون مواضيع ملحة “محلية الصنع” كمصادرة الأراضي مثلا فهذا موضوع ضروري أن يتناوله الكتاب المسرحيون، ولأنه لا يوجد كتاب مسرحيون كانت

هناك دائما محاولات لتدريب ولتكوين أجيال جديدة من الكتاب المسرحيين… ولأنه لم يكن هناك كتاب وقتها كنت مضطرا لأكون الممثل البديل للكاتب المسرحي.

مدير اللقاء أ.عبد الجبار خمران يتدخل للتنبيه أ.فؤاد عوض إلى الوقت الذي يضايق البرنامج وأن يختزل الأستاذ ما تبقى من مداخلته في دقيقتين.

ليضيف أ.عوض: نقطة مهمة كنت أريد أن أضيفها في سياق هذا الحديث – سأقدمها بإيجاز – أردت التحدث عن دور الفنان المسرحي الفلسطيني خاصة في وقت الحروب والأزمات، فأنا كمسرحي لا يمكنني أن اتجاهل ما حدث قبل أسبوع من خلال إعلان الحرب على شعبنا الفلسطيني، لن افتح النقاش حول تفاصيل هذا العدوان، بقدر ما سأتحدث عن دور الفنان الفلسطيني والعربي في هذه المعركة .. هل هو فنان ملتزم بالقضية ام يقدم الفن للفن أو الفن للترفيه والترويج… أنا لست مهرجا ولا “كوميديان” حتى أقدم تهريجا فحاولت ان اربط بين ما حدث في “الحي جراح” من محاولات لطرد الفلسطينيين من بيوتهم، ما احد الاعمال التي قمت بكتابتها وغخراجها وهي مسرحية “عبير ملف رقم 63/96” وهي قضية موضوعها الإحتلال وهو مرفوض من كل الأمم والهيئات والمؤسسات ولكن عندما نتحدث عن الإيستيطان نجد ان هناك من يتعاطف مع المستوطنين اليهود، وكنا سباقين لهذا في مسرحية “عبير…” عام 1999م حين تناولنا موضوع المستوطن اليهودي المتطرف على الأرض الفلسطينية في حدود 67 (رام الله والقدس ومحيطها) فجاءت هذه الكتابة كعمل يجسد الدور الحقيقي للفنان الملتزم إضافة إلى الرؤية الإخراجية المسرحية حيث تم دمج المسرح الرقمي- الديجتال كون كانت رقعة الحدث واسعة جدا فمزجت بين فنون الفيديو-آرت  وخشبة المسرح…

شكر مدير اللقاء المتدخل الثاني في هذا اللقاء ليقدم عدنان طرابشه بسيرة موجزة ويطرح عليه سؤال:

  • كيف تنظر إلى تجربة الأستاذ فؤاد عوض داخل منظومة التجارب المسرحية الفلسطينية خاصة أنك عاينت تجاربه المسرحية “كأنشودة مشوه حرب” و”رجال في الشمس” بل شاركت معه في تجارب أخرى كمسرحية “رأس المملوك جابر” التي كان لها صدى طيب وحازت على جوائز؟

عدنان طرابشه: قبل أن أبدا بمداخلتي أحب أن أنوه إلى أن المسرح تحت الاحتلال تكون مواضعه غالبا سياسية، وأنا اتحدث هنا عن المسرح الملتزم، وأشبه هذا المسرح عادة بـ “النبي” الذي لديه إشارات ضوء حمراء تنبه وتحذر الشعب من الموبقات التي تنتظره في المستقبل، فدور المسرح مهم في هذا الإتجاه…

كتاب “لو كنت…!؟” يترنح بين الحكاية والتوثيق:

يستطرد المسرحي طرابشه، أرجع إلى المسرح الفلسطيني وأقول:

 مما لا شك فيه أن المسرح الفلسطيني لم يبدأ في الستينات من القرن الماضي. ففي فترة الانتداب البريطاني قامت السلطات البريطانية بتشجيع الفنون كما فعلت في البلاد التي وقعت تحت انتدابها كمصر والأردن والعراق…. وقدمت المسرحيات اليونانية والبريطانية والفرنسية وغيرها، وكانت على الغالب بترجمات عربية، وكانت أيضا محاولات لبعض المسرحيين بتقديم أعمال من إبداعهم، ولكن معظم الأعمال التي قدمت في يافا وحيفا والقدس

وبيت لحم والناصرة كانت مترجمة بالأساس لمسرحيين بريطانيين أمثال شكسبير الذي تم عرض مسرحيته هملت (عام 1932).

في فترة الانتداب انتشرت دور السينما في معظم مدن فلسطين، وعرضت فيها الأفلام والمسرحيات والحفلات الموسيقية العربية والعالمية وأجريت فيها مباريات وبطولات رياضية محلية ودولية، ففي شارع جمال باشا في يافا، كان خمس دور للسينما: الحمرا، والفاروق والرشيد، والشرق والنبيل وسينما أبوللو. وقد ارتبط وجود المسرح بالحركات والمدارس التبشيرية ولهذا قبل النكبة (1948) معظم الفنانين كانوا مسيحيين أو طلاب من أديان أخرى درسوا في مدارس تبشيرية، مدارس اعتمدت تمثيل ما جرى للسيد المسيح وفقا لما ورد في أناجيل العهد الجديد. وتعود النشاطات الموسيقية والمسرحية إلي سنوات ما قبل الاستعمار البريطاني، ففي فترة الاستعمار التركي كانت نشاطات مسرحية في المدارس التبشيرية وأندية الشبان المسيحيين في فلسطين وسائر الدول العربية منذ القرن التاسع عشر.

وكان لهذا المد الثقافي تأثير كبير على الأندية والجمعيات المسلمة التي نشطت وقدمت المسرح وسائر الفنون أيضا. ولمعت أسماء عديدة من المسرحيين الفلسطينيين قبل نكبة عام 1948 مثل: جميل البحري، وبرهان العبوشي، ومحمد حسن علاء الدين، ومحيي الدين الحاج عيسى، وعزيز ضومط. وكما أسلفت قدمت الفرق الموسيقية والمسرحية العربية من بلاد الشام ومصر وبلاد الفرنجة عروضها في فلسطين في فترة الانتداب البريطاني وهذا بحد ذاته شكل دافعا لتنشيط الحركة المسرحية في فلسطين أكثر. والدراسات تشير إلى وجود ما لا يقل عن 30 فرقة مسرحية في الأندية والمدارس المسيحية والإسلامية ولكن يمكننا القول بأنها امتازت بموسميتها وعدم مهنيتها واعتمدت الخطابة والميلودراما والتقليد.

وكما كانت بدايات المسرح الفلسطيني تحت الاحتلال الصهيوني كان المسرح في فترة الانتداب: مسرح سياسي ملاحق من الرقابة أو مسرح ديني. وبسبب النكبة وتهجير معظم المثقفين والفنانين الفلسطينيين تأخر المسرح في الظهور لسنوات الستين من القرن الماضي. وقد كان مسرحا سياسيا رغم سكين الرقيب. وكان تأثير لمسرحيين يهود شرقيين قدموا من مصر والعراق وسوريا الذين قاموا بتقديم مسرحيات مترجمة أو من الأدب العربي لأحمد شوقي وتوفيق الحكيم وغيرهم وأشركوا مواهب فلسطينية محلية في المسرح والإذاعة والتلفزيون. ولكن مقابل

النشاطات المدعومة من النظام ظهرت مسارح فلسطينية التي عرفت في الناصرة وحيفا وغيرها كالمسرح الناهض والحديث والحر والبلد والمركز الثقافي في الناصرة وغيرها الكثير…

وحرصت المسارح الغير مدعومة حكوميا على التوعية بطرح قضايا فلسطينية في أعمالها ومما ساعد على تطور المسرح مهنية العاملين فيه، فكانوا ممن درس المسرح في البلاد أو خارجها واستخدمه كوسيلة للنضال ضد الاحتلال. وقد ساعدهم في القيام بذلك وجود شعراء وكتاب مسرح وروايات وقصص محليين. وبعد نكسة 1967 واحتلال باقي الأراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس (في سنوات السبعين من القرن الماضي) ظهرت مجموعات مسرحية اشتهر بعضها عالميا كبلالين وبلالين وصندوق العجب والحكواتي والفلسطيني والقصبة وغيرها. وبالرغم من كثرة التجارب المسرحية في فلسطين لم يتجاوز المسرح المحاولات الفردية (بالرغم من مهنية بعضها) وذلك بسبب عدم تلقيه الدعم المادي من مؤسسات بلدية أو حكومية. فالمسرح الوحيد الناطق

بالعربية الذي تلقى الدعم كان مسرح الكرمة في حيفا ولاحقا مسرح الميدان في حيفا أيضا ولحق بهم مسارح عديدة في يافا وعكا والناصرة والقدس ورام الله والخليل وجنين وبيت لحم والمغار وأم الفحم وسخنين ورهط وشفاعمرو وغيرها. ولكن معظم المسارح اعتمدت التطوع والاجتهاد الشخصي ولهذا غالبا ما كنا نسمع عن ولادة مسرح معين حتى يختفي بعد مدة قصيرة. وكتاب “لو كنت” للزميل المخرج فؤاد عوض والكاتب ناجي الظاهر يؤكد ما أسلفت ويثبت أن المسرح الذي اعتمد في الماضي المبادرات والاجتهادات الفردية لم تكتب له الاستمرارية والأمثلة عديدة في الناصرة وحيفا والمغار وأم الفحم والطيبة والرامة وسخنين وعرابة وغيرها.

يوثق كتاب “لو كنت…!؟” بالأساس تجربة فؤاد عوض المسرحية والصور التي انخرطت في ذاكرته بأسلوب يترنح بين الحكاية والتوثيق وفي بعض الأحيان يدخل في الكثير من التفاصيل التي تعني المؤرخين ربما أكثر من القارئ العادي البسيط. فالتفاصيل هي التي علقت بذاكرة الكاتب، ومن تجاربي الشخصية التفاصيل هي ناتج اللحظة وزاوية الرؤية والمشاعر التي انتابت الكاتب في لحظة معايشتها وما علق منها في الذاكرة. وهنا أفضل أن أتوقف عن التحليل، والخوض في حيثيات أحداث الكتاب والكتابة، بل سأكتفي بالقول: إنني قد عرفت فؤاد عوض في “أغنية مشوه حرب من الوحدة ألف” التي أخرجها في الناصرة عام 1986 وفي مسرحية “رجال في الشمس” لطيب الذكر غسان كنفاني، التي أخرجها عن إعداد لصديقي المرحوم المخرج رياض مصاروة، قام فؤاد بترجمته للعبرية وإخراجه في فترة دراسته للمسرح في جامعة تل أبيب، وعرفت فيه الفنان الجريء، المبدع الموهوب.

وجاءت التجربة الثالثة عام 1989 بعد أن قمت بإعداد أولي لمسرحية المرحوم “سعد الله ونوس” “رأس المملوك جابر” واعتذار صديقي فرانسوا أبو سالم عن الإخراج بسبب التزام له في المغرب العربي. فرانسوا أوصاني أن

أتواصل مع المخرج نبيل عازر أو فؤاد عوض لإخراج العمل. وبعد لقائي مع الاثنين اقتنعت برؤية المخرج فؤاد عوض الذي كان لأفكاره وإضافاته ما أغنى العمل عمقا وجمال وصار الإعداد مشتركا وقام هو أيضا بالإخراج وأنا بتمثيل دور المملوك جابر. وجرفت المسرحية جوائز مهرجان عكا العاشر للمسرح الآخر عام 1989.

أنا أومن بمدرسة بريخت في المسرح وقد تعلمت الكثير من فؤاد وتعمقت تجربتي معه في المسرح الملحمي التي مارستها قبله في مسرح الحكواتي ومع المخرج رياض مصاروة بعد ذلك. ومما لا شك فيه أن فؤاد يتميز بمهنيته في الإخراج وقدراته على توجيه طواقم المصممين والممثلين والتقنيين. وما قدمه وما زال يقدمه للحركة

المسرحية في فلسطين هو الكثير الكثير. وعودة للكتاب “لو كنت” فهو حسب رأيي كتاب هام جدا كباقي الكتب التي صدرت عن ناشطين في المسرح الفلسطيني التي تعتمد الحكاية والتوثيق الموجه أي المنسوب لرؤية الكاتب وما احتفظ به من مستندات وما علق بذاكرته من أحداث. وكلي أمل أن هذه المنشورات ستدفع في أحد الأيام باحثين مهنيين لا ناقة لهم ولا جمل في تجارب مسرحية لكي يكونوا موضوعيين ومنصفين في تحليل ونقد الحركة المسرحية في فلسطين. المطلوب اليوم أبحاث مهنية تعتمد الروايات الشفوية وما نشر ووثق في كتب وجرائد ومجلات ووسائل مرئية. فالمسرح الفلسطيني غني بتجاربه وبفنانيه، والنقد البناء إن رافق التجربة يحسن من مستواها ويرتقي بها.

في نهاية مداخلتي أتقدم بجزيل الشكر للأخ المسرحي الفذ عبد الجبار خمران وللهيئة العربية للمسرح على العمل الدؤوب لرفع مكانة المسرح العربي محليا وقطريا وعالميا.

بعدها يتدخل كل من أ.غنام غنام وأ.زهرة إبراهيم وأ.تحسين يقين… يجيب أ.فؤاد عوض على سؤال لزهرة إبراهيم…

ليختم مدير اللقاء هذه الحلقة مذكرا بتحية وشكر الأمين العام للهيئة العربية للمسرح ود.يوسف عايدابي ويضرب للحضور موعدا مع حلقة قادمة ستتناول كتاب “تنمية قدرات التركيز للمثل” تأليف المسرحي المصري أ.علاء قوقة. ويُحيى الجميع من شارقة سلطان الثقافة.

رابط الحلقة السادسة الحلقة السادسة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”

حول كتاب “المسرح.. القلب المشترك للإنسانية” تأليف عبد الله السعداوي:

 

 

الحلقة السادسة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”

(عين على المسرح)

محور الحلقة كتاب

المسرح.. القلب المشترك للإنسانية

تأليف عبد الله السعداوي

    قدمت الهيئة العربية للمسرح يوم الأحد 28 مارس 2020م الحلقة الشهرية من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”، ضمن برنامج عين على المسرح، على منصتها الإلكترونية والتي سُلط الضوء فيها على كتاب “المسرح.. القلب المشترك للإنسانية” تأليف عبد الله السعداوي. الكتاب الصادر عن الهيئة في 2019م ضمن سلسلة دراسات رقم (58) والذي نشر الكترونيا بصيغة (PDF) على الموقع الإلكتروني الرسمي للهيئة خلال شهر (مارس 2019م). 

     شارك في الحلقة إلى جانب أ.عبد الله السعداوي، مؤلف الكتاب محور النقاش، كل من أ.يوسف الحمدان وأ.خالد الرويعي، وأدار اللقاء أ.عبد الجبار خمران  مسؤول الاعلام في الهيئة العربية للمسرح.

بعد أن هنأ عبد الجبار خمران الحضور وكافة المسرحيين باليوم العالمي للمسرح ورحب بضيوف الحلقة ونقل إليهم تحية الأمين العام للهيئة العربية للمسرح الأستاذ إسماعيل عبد الله ومسؤول النشر والتوثيق في الهيئة د.يوسف العايدابي والأستاذ غنام غنام والأستاذ الحسن النفالي، قدم الكتاب بما يلي:

“المسرح القلب المشترك للإنسانية” – كتاب المسرح: تعب المسرح – شغل المخرج – الكتاب حديث داخل البروفة وخارجها قول في الإخراج وآخر في السينوغرافيا وبينهما قول في التمثيل والممثل، ثم حديث عن الحركة والفعل يتوجه بقول في العرض.. وفي الخاتمة وبعد كل ذلك الزخم من الأفكار والشخصيات والمسرحيين والبروفات. وبعد كل ذلك المزج البهي بحرفية واحترافية المسرحي السعداوي الذي يعرف ما يكتب ويكتب ما يعرف، الجامع لكتاب تتلاقى فيه الفنون كما تتلاقى فعلا في فن المسرح حيث حديث عن الرقص وتمثيل بالتشكيل وتفسير بالنحت وفن العمارة واستشهاد بالفلسفة حيث يتجاور بسلاسة اسم ستانيسلافسكي ومايرخولد مع هايدجر وسارتر، وبينهم النحات روبرت موريس

قلت بعد كل ذلك: يسأل السعداوي كيف يستطيع المسرحي التحدث عن نفسه؟ هل هو شخص فقط؟ أم شخص في علاقة اشتباكية مع الذات في علاقتها مع مفردات أخرى؟ كيف للآخر الذي لم يجرب هذه التفاصيل أن يفهمها؟ أليس المسرحي هو مجموعة العلاقات والحوارات والآداءات والشخصيات والحروف والكلمات؟ النص والتفاصيل والمكان؟

    كتاب ماتع يمسك بوجداننا وعقولنا ويأخذنا في الطريق معه إلى تخوم مسرحية ومعرفية. يطرح الأسئلة ويشاكس الأجوبة.. مقدما تجربة غنية لرائد مسرحي اسمه عبد الله السعداوي. السعداوي القلب النابض بالإبداع الفراشة التي تأخذنا في طريقها إلى ضوء المعرفة: “المسرح.. القلب المشترك للإنسانية”..

     وعن سؤال: ما الخيط الناظم لمختلف المواضيع المسرحية والتجارب الوُرشية والإبداعية تأليفا وإخراجا وتمثيلا والتي جمعت تحت عنوان “المسرح.. القلب المشترك للإنسانية”؟ أجاب عبد الله السعداوي: في الحقيقة أنا لست بكاتب ولم تكن الكتابة من هواياتي، كان حبي للقراءة.. والظروف فرضت على أن أكتب.. فكانت الاستراتيجية أن أمثل وأخرج ثم أكتب في سبيل أن أضع قاعدة للحركة المسرحية عندنا عسى ان يستفيد الشباب من مختلف المدارس الإخراجية.. وكان الأساس أن أوثق الحركة المسرحية لفرقتنا مسرح الصواري – ومعاشرتي لكتاب من أمثال يوسف الحمدان وخالد الرويعي وبعض الكتاب الآخرين – فجربت أن أكتب بعد فترة طويلة من مرافقة ومعرفة الاستاذين إبراهيم جلال وعوني كرومي… فكتبت هذا الكتاب “المسرح.. القلب المشترك للإنسانية”..

ويضيف السعداوي بان الكتاب ليس له بعد أكاديمي.. وقد كان حجم الكتاب أكبر مما هو عليه.. وقد رأيت أن يقتصر على 300 صفحة تقريبا.. وقد تناولت فيه عدة قضايا مسرحية عسى ان يستفيد منه المسرحيون الشباب الجدد.. وقد وثقت لتجارب الشباب الذين مروا من مسرح الصواري.. وفي جزء من الكتاب تحدثت عن طريقتي في الإخراج المسرحي وفي جزء ثالث تناولت الى بعض المدارس الاخراجية لعل الشباب يستفيدون من ذلك.. فكانت هذه هي الاستراتيجية التي كتبت بها الكتاب. وقد أحب القراء الكتاب…

ثم يقول خمران أن الكتاب زاخر بالعديد من الأعمال المرتبطة بتجربة السعداوي وبفرقة مسرح الصواري البحرينية.. ومن خلال سيرتك الأستاذ السعداوي انت تؤرخ لسيرة مسرحية فالممارس المسرحي ليس شخصا فقط بل هو شخص يشتبك مع مفردات أخرى وعوالم أخرى… والكتاب ينحو باتجاه حديث عن التزام مسرحي ممعن في احترام المسرح وتبجيله ذهاب المسرحي باتجاه الابداع كمثل ذهاب الفراشة باتجاه الضور – وأقتبس تعبيرا من كتابك – كيف تفصل استراتيجية تناولك لمختلف الموضوعات المطروحة في الكتاب؟

يجيب السعداوي: في تناولي لمواضيع هذا الكتاب اتخذت استراتيجية “الدروب” وليس “الطريق” لم اعتمد علامات طريق توصلك إلى مكان معين.. بل تتبعث دهاليز دروب وتخطي حواجز لأجرب نفسي في الكتابة ورصد تجربة عمر قضيته في المسرح.. وأرى في نفسي أنني فاشل في كل شيء ما عدا المسرح.. وإذا ما دمت ناجح في المسرح فلأكتب في المسرح أيضا.. لأني قد أفشل في الكتابة عن أي شيء آخر غير المسرح. فقد كنت فاشلا في المدرسة حيث أنني بقيت في الصف الأول أربع سنوات “فلم أكن أنجح” (يعلق السعداوي ضاحكا)..

يسأل خمران: تقول السعداوي في كتابك بأن المسرحي لا يمكن أن يقول كل شيء.. حتما تضيع منه أشياء وأحداث وأكيد يأجل مواضيع ولا بد أن ينتظر صوت الآخر ورأيه فيما يفعل ويكتب ويقول… فهل هناك أشياء سقطت منك أثناء الكتابة أو فضلت أن لا تقولها في الكتاب..؟ وهل تحضرك وتلح عليك بشكل ما؟

يجيب السعداوي: حذفت من الكتاب ما يناهز 200 صفحة.. رأيت انه كانت هناك “ثرثرة” كثيرة.. ذلك أن شهيتي انفتحت “للكلام”.. فبدات أكتب وأخزن وأكتب وأخزن وقد شجعاني الصديقان يوسف الحمدان وخالد الرويعي على الكتابة والنشر وإلا لبقي ما كتبت حبيس الأدراج…

     وبعد تقديم عبد الجبار خمران مدير اللقاء للأستاذ خالد الرويعي، يسأله عن كيف يعكس الكتاب تجربة وشخصية عبد الله السعداوي خاصة أنك قدمت الكتاب وقلت أنك وُضعت أمام ما سميته في مقدمتك للكتاب “بورطة حقيقية” وهي أن يقدم التلميذ أستاذه، ويجيب خالد الرويعي قائلا:

الكتاب عكس جزء فقط من شخصية الأستاذ السعداوي.. ومن يقرأ الكتاب بتمعن سيكتشف أن الكتاب ليس أكاديميا – كما أشار السعداوي – هو عبارة عن “سيرة مسرحية” يتداخل فيها الفني مع الإنساني وهذان بعدان أساسيان في المسرح. قليلة هي الكتب في العالم التي يُدخل فيها مخرجون ومعلمون مسرحيين الجانب الإنساني في الموضوع، أغلب الكتب – حتى تلك التي كتبها كبار المخرجين المسرحيين – تجد فيها حديثا عن الفني بطريقة مختلفة عما كتب الأستاذ السعداوي وبعض المخرجين الآخرين.. ذلك يرجع لإيمان السعداوي بأن المسرح مرتبط بشكل كبير بالبعد الإنساني أصلا، وقد انعكس علينا ذلك نحن تلامذة الأستاذ عبد الله السعداوي منذ انطلاق مشوارنا المسرحي معه، وقد شعرت بذلك مع مجموعة من الأصدقاء الذين تتلمذوا على يد السعداوي، الأمر الذي لا نجده في تجارب أخرى أو عند أشخاص آخرين، وهذا البعد الإنساني يحضر بشكل تلقائي ودون قصد لدرجة وضعنا في حالة أننا يصعب علينا الإشتغال مع أي شخص، وذلك لطبيعة العلاقة المختلفة “يمكننا الاشتغال مع أي شخص” الكن ما يربطنا بالأستاذ عبد الله فيه المعايشة والتقارب حد التماهي “أحيانا” فانت تصل  إلى درجة معرفة كيف يفكر هذا المعلم، وكيف يشتغل وما هي طريقته… العملية ليست فنية خالصة، ونحن ندين للأستاذ عبد الله في إسهامه في تشكيل وعينا بطريقة مختلفة.. وامتلكنا وجهة نظر خاصة باتجاه العالم باتجاه الفن طريقتنا في التفكير.. ويمكن أن أكون محظوظا أنني الوحيد من بين أصدقائي الذي صرتُ مخرجا مسرحيا واستمريت.. لذلك أجد أن ما أعطاني الأستاذ عبد الله في هذا المجال لم يعطيني إياه غيره.. وقد يرجع ذلك إلى عشرتنا للسعداوي ولكمية المعرفة التي نقلها الينا.

ولذلك بتنا نعرف أين نضع أيدينا في تعاملنا مع العملية الإبداعية المسرحية. لذلك فقارئ الكتاب سيلمس البعد الإنساني الذي أشار له السعداوي في العنوان “المسرح.. قلب الإنسانية المشترك” في ثنايا العملية المسرحة: البروفات، التفكير في العمل المسرحي… فنحن نقضي شهور في التداريب وننغمس في الاشتغال المسرحي وفجأة نجد أننا أنجزنا عرضا مسرحيا.. فنحن خلال العملية المسرحية ننسى العرض والأستاذ عبد الله برؤيته يشكل العرض.. أما نحن فنكون منغمسين في التداريب وتنتابنا الدهشة إزاء ما نتعلمه…

     ثم ينتقل عبد الجبار خمران إلى الأستاذ يوسف الحمدان وبعد أن يقدمه من خلال سيرة مختصر يسأله: علاقتك العميقة مع الأستاذ السعداوي تجعلك ترى تجربته فنيا وانسانيا بشكل – ربما – أعمق مما يتناوله الكتاب.. من خلال رفقتك للسعداوي ابداعيا وإنسانيا، هل ترى في الكتاب رسما للتجربة “السعداوية” تاليفا وإخراجا وتمثيلا…الخ؟

يقول يوسف الحمدان: شكرا صديقي خمران “وكل عام وأنتم بخير” سعيد أن أكون بينكم اليوم.. كنت مع الأستاذ عبد الله السعداوي من عام 1972م وأنا أتهجى خطواتي في طريق الرفاع وفي واد الحنينية ورافقت تجربته منذ ذلك الوقت وحتى اليوم وما أزال.. وكتبت عن تجربته – ولربما أكون أول من كتب عن تجربة

السعداوي المسرحية – نصا وعرضا ومختبرا وكنت في تماس حي مع تجربته.. وإذا ما أطلق السعداوي على كتابه (المسرح.. قلب الإنسانية المشترك) فأنا اسميه (المسرح.. قلق الإنسانية المشترك) فالسعداوي مبدع قلق

يعكس خارجه ما هو نقيض لما بداخله.. هو مبتسم ويضحك مع الجميع لكن عندما بعتمل في التجربة تجده يتشظى في مسارح يتشظى في رؤى وفي أفكار وفي جنون وفي تماهيات كثيرة في التجربة المسرحية…

عندما يدخل السعداوي التجربة يموت الكتاب

عبد الله السعداوي تجاوز لحالة الكتاب، هو كتاب حي منفتح على تجارب لا تتوقف ولا تنتهي.. إنه الكتاب المشاء …

 في كتابه (المسرح.. قلب الإنسانية المشترك) الذي تصدت الهيئة العربية للمسرح لإصداره ضمن سلستها الطباعية للدراسات والبحوث والقراءات المسرحية والذي أخضعته للحوار والمناقشة ضمن هذا البرنامج (اقرأ كتب الهيئة) بإشراف الصديق الفنان عبدالجبار خمران مسؤول الإعلام في الهيئة، يجوس الصديق المخرج المتفلت المبدع عبد الله السعداوي عالم المسرح الذي اختبره وجربه وشاكس رؤاه وأنتج من معين قراءاته للباحثين عن وهج جديد ومغاير ومؤسس لرؤى جديدة فيه، انتج رؤيته الفكرية المسرحية المحايثة الاشتباكية التي شكلت منعطفا تجريبيا جديدا متكأ على البحث والأسئلة الشائكة في فلسفة المسرح النوعي الخلاق التي لا تروم الوقوف على حالة المستقر والمطمئن وإن اشتعل في بعض جوانحها لهب الاستنفار للبحث عن حالة جديدة في التجربة.

إنه كمن يدخل في أتون الشك الصارخ حين يحتدم في كل مرة جديدة أوار اشتغاله في تجربة مخبرية جديدة، وكما لو أنه يعلن في الآن نفسه موت الكتاب الذي احتوى هذه التجربة بين ضفتيه، ذلك أنه يمعن في كل سانحةِ قراءةٍ جديدة في تدشين قلق موارب ومخاتل لها، ليصبح المسرح لديه هذا (القلق المشترك للإنسانية)، ولعل ذلك يقترب كثيرا من تطلعاته الفلسفية لمسرح ما بعد الإنسانية الذي اقترحه ذات مهرجان مسرحي أقيم في البحرين ليكون عنوانا رئيسا للندوة الفكرية المصاحبة له ، فالقلق حالة ملازمة للسعداوي بوصفه مخرجا وإنسانا ورائياً، ولا يمكن أن يكون المسرح قلبا مشتركا للإنسانية طالما القلق يزحف بشيطانه نحو إغواء السؤال وإثارة فتنته في كل ما هو مشترك في هذا القلب، وكما لو أنه يروم توليد قلق يشترك في تدشينه كل

     من تمرد على مرتكز المحور المشترك في الإنسان وهو القلب، أو كما لو أن هذا القلب هو محور الشك الأبدي في معمل التجربة المسرحية.

 وتتكثف لحظات القلق في هذا الكتاب في الباب الأول (تعب المسرح) – يقول يوسف الحمدان – حيث لحظات القلق لدى السعداوي هي لحظات التخلق الناجمة عن “تفلت النيازك” حيث اللحظات الهاربة العصي على المشتغل في نسيج ذراتها الإمساك بها بسهولة ويسر، وهي اللحظات التي أرقت شياطين الفكر والرؤية والخلق لدى غروتوفسكي فراح يبحث عن صوت آخر لا يصدر من بطن التجربة ورئتها، وهو الصوت الذي استفز شياطين السعداوي في مسرحياته (الجاثوم) و(اسكوريال) و(القربان)، والتي راحت تبحث عن مناطق خفية

مثيرة في روح وجسد ممثليه (مصطفى رشيد) في مونودراما الجاثوم و(سلمان العريبي) في (اسكوريال) و(ياسر القرمزي) في (القربان) أكثر تحديدا، وهي اللحظات التي دفعت بالسعداوي بأن يعيد تشكيل صلصال جسده الزمني والمكاني والبشري والتخيلي في المسرح ، ويضفي عليه روحا أنثربولوجية تتجاوز حالة المستقر

في الكائن الاعتيادي المنتمي، ممعنا في الارتحال بلا هوادة وبمشقة تتجاوز مشقة ارتحالات جلجامش في سديم الكون والأسئلة والخلود .

السعداوي في (تعب المسرح) لا يقف عند ما تلقاه من رؤى وأفكار من خلال قراءته لها ولمنتجيها، إنما هو يتمثلها ويتماهى معها أحيانا، وأحيانا أخرى يضيف إليها قراءته الخاصة بالتجربة التي يعتمل ويعترك فيها، ليكون واحدا من الرؤى والأفكار التي تستحق القراءة بوصفها منتجا موازيا أو مشاكسا أو ندا لقراءاته ذاتها، فهو يركز على التفاني في كل شيء والاحتراق والموت والتماهي والانصهار والقربان وشساعة الرؤية والممثل الأفعى وتناسخ الجلود، فهو أقرب ما يكون إلى جملة أشخاص في تراكم الجلود.

في هذا الكتاب تكون انتقائية السعداوي لتمثلاته أو للمحاربين الحقيقيين في المسرح، مرتهنة بالاشتغالات المعملية التي يخوضها في مخبره المسرحي، وليست بوصفها نموذج مطلوب تسليط الضوء عليها، لذا نلحظ السعداوي من خلال هذه الاشتباكات كمن يبني النص الضمني للتجربة أو خطابها فوق النص المستعار أو المستدل به، ليذهب بهذه التجربة كفراشة ذاهبة للضوء، وهنا تتجلى في هذا الضوء رؤاه الشفيفة في المسرح والفكر والفلسفة والموفولوجيا والميثولوجيا والتي تشتغل جميعها ومن خلال نسيجها الحريري المركب ضد الحلول السهلة ، فهي كقشرة الأستكوزا وتبدلها والتي على ضوئها تقفز ذؤابات الأسئلة الحادة المرعبة في المسرح وكيفية الاعتمال فيه، ذلك أنه يشتغل في المسرح عبر مقاومة الزمن المميت فيه ، محصنا برؤى المقاومة ذاتها في الفكر والفلسفة، معضدا بنيتشه وهايدغر وداريدا وغادامار وبول ريكو ومن حاوروا النص خارج إطار المستقر والمفسر، موغلا في روح القاريء والمأول في معمل التجربة، لذا نلحظ السعداوي يذهب في تجاربه المسرحية كما في قراءاته ومستدلاته الفكرية والفلسفية إلى مسرح بلا حدود، تتزاوج وتشتبك فيه الأزمنة والأمكنة لتشكل في نهاية الأمر روحا أخرى تنتمي للتجربة ذاتها وليس إلى بيئة الاشتغال عليها ، كما في مسرحياته الجاثوم والكمامة واسكوريال والقربان .

     يضيف الحمدان: إن السعداوي يتماهى في قراءاته إلى درجة يصبح معها كائنا حيا من حروفها المبعثرة، أو حالة من الفراغ كما يذهب السعداوي إلى ذلك ينبغي أن نمنحه إلى فراغ آخر كي يبتلعه، وهنا نقترب جدا من منطقة تأويل المخيال في منتج العرض المختبر، حيث لا شيء قار أو رهن مكان محدد، إنما هو رهن حرية مفتوحة على آخرها حيث لا سياج ولا حدود، حرية تشبه الماء الذي يسيل من بين أصابعه حيث يصعب الإمساك به وحيث الكائن السائل المنتج.

في كتابه المنفتح على مخبر التجربة بوصفها متسع ومشغل الفكر والرؤية والمخيلة التي تتجاوز حدود البروفة المرتهنة بالعرض في الغالب وبتمثلات رؤاه الاشتباكية بالرؤى الأخرى لمفكري المسرح في العالم، يذهب في باب آخر من أبواب هذا الكتاب (شغل الإخراج)، إلى نماذج رؤى أخرى ليحتفي بها بوصفها ركائز

لازمة في التفكير والانزياح نحو مناطق الخلق المؤسس لرؤى مسرحية جديدة جديرة بالاهتمام، من أمثال الناقد الروسي ( بيلنسكي ) وغوتهلد ليسنغ صاحب دراماتورجية هامبورغ وستانسلافسكي ودانشنكو  

وفاختانجوف ومايرهولد وأدولف آبيا وتاييروف ومسرح الحجرة غوردن كريج وأنطونين أرتو والذي كنت أتمنى أن يمنحه السعداوي جل جهده لأنه مخبره الحقيقي في أغلب تجاربه المسرحية، وبيسكاتور وبريخت وارسطوأوغستو بوال وكانتور وبيتر بروك والبارا مسرحي وأريان نوشكين ومسرح ما بعد الدراما، إنه احتفاء عرضي لهذه الرؤى وليس حواري اشتباكي معها.

أما في بابه الثالث والأخير، فيقف على قراءاته الإخراجية من خلال ملاحق تناول فيها بإيجاز شديد بعض تجارب شاهدها للشباب، كأخبار المجنون للمخرج خالد الرويعي واستفاقات للفنان حسين الرفاعي وكاريكاتير وميلاد شمعه لكاتب السطور، وهي ملامسات للتجربة تستحق الاهتمام، وقد تسنى لي كناقد أن تناولت بعض هذه العروض نقديا، وقد تكون لي بعض ملاحظات حول ما أثاره بالنسبة لتجربتي في هذين العرضين، تحتاجان إلى متسع آخر للحوار حولها مع السعداوي.

أخيرا.. مثل هذا الكتاب التجربة الثري المهم نطمح في أن يجد طريقه نحو الترجمة إلى لغات أخرى لما يتضمنه من رؤى جديرة بالقراءة والتأمل.

بعد ذلك فتح مدير اللقاء المجال لمداخلات الحضور فشارك: أ.حسين يقين، د.زهرة إبراهيم، أ.سامي الزهراني… وبعد تعاليق مختصرة للمتدخلين الثلاثة الأساتذة عبد الله السعداوي – خالد الرويعي – يوسف الحمدان بلغ عبد الجبار خمران الجميع تحيات وشكر الأستاذ إسماعيل عبد الله الأمين العام للهيئة العربية للمسرح ود.يوسف العايدابي للمشاركين في هذه الحلقة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”… وحيى الجميع من شارقة سلطان الثقافة مذكرا بموضوع الحلقة القادمة: نقاش حول كتاب “لو كنت…؟! ثلاثة عقود في تجربة العمل المسرحي للمخرج الفلسطيني فؤاد عوض”.

رابط الحلقة السادسة الحلقة السادسة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”

حول كتاب “المسرح.. القلب المشترك للإنسانية” تأليف عبد الله السعداوي:

 

 

 

 

 

الحلقة الإلكترونية الخامسة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”

(عين على المسرح على برنامج زوم)

محور الحلقة كتاب

“التوليد الدلالي للمخرج المؤلف في المسرح المعاصر.. جواد الأسدي أنموذجا”

(الاحد 28 فبراير2021)

   

     قدمت الهيئة العربية للمسرح يوم الأحد 28 فبراير 2021 (الساعة 14:00 بتوقيت الإمارات) الحلقة الإلكترونية الخامسة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة” عبر برنامج عين على المسرح.

المتدخلون: د.جواد الأسدي / د.صمميم حسب الله / د.محمد سيف.

تسيير الحلقة: عبد الجبار خمران.

     بعد أن رحب مدير الحلقة بالضيوف وبلغهم تحية وشكر السيد الأمين العام للهيئة العربية للمسرح أ.اسماعيل عبد الله ود.يوسف عيدابي مسؤول التوثيق والإعلام، ذكر أن محور نقاش الحلقة الرابعة هو كتاب “التوليد الدلالي للمخرج المؤلف في المسرح المعاصر.. جواد الأسدي أنموذجا” تأليف المسرحي والباحث العراقي د.صميم حسب الله يحيى،/ الصادر عن الهيئة العربية للمسرح العام 2016م ضمن سلسلة دراسات تحت رقم (29).

أضاف عبد الجبار خمران مسؤول الإعلام والتواصل في الهيئة بان الكتاب الذي يتناول التوليد الدلالي للمخرج المؤلف يأخذنا في رحلة تاريخية مسرحية مبحثها الأساس تيمة (المخرج المؤلف) منذ العصر الإغريقي وحتى العصر الحالي مرورا بالعصر الروماني والعصور الوسطى وعصر النهضة… مع تركيز دقيق على أهم الإضافات الفكرية والمقترحات الجمالية التي طورت عملية الابتكار المسرحي في (تحويل) ما هو ذهني أو متخيل في وجدان (المخرج المؤلف) إلى واقع مادي ملموس أمام أنظار المشاهد والمتفرج.. وذلك من خلال تعريفات إجرائية (للتوليد الدلالي) و(المخرج المؤلف) و(المؤلف المسرحي) و(التحول)… عمدتها التعريف الذي يجمع فيه الباحث بين مفهوم التأليف المسرحي وعمل المخرج المؤلف بشكل عام: “القدرة على المزاوجة بين فعل الكتابة النصية والرؤية الإخراجية التي يعمل (المخرج المؤلف) على تطويرها في المتن النصي ابتداء لكي تكون لاحقا قادرة على الإنتاج الدلالي في العرض المسرحي”.

ثم قدم خمران سيرة موجزة للمسرحي صميم حسب الله، ثم وجه له سؤالا حول دوافع اختياره تيمة (المخرج المؤلف) كمحور لبحثه؟ وما الذي يمكن إضافته معرفيا عندما نتحدث عن (المخرج المؤلف) وسيكون بالتالي متفردا في تنظيرنا ومختلفا إذا ما تناولنا صفة (المخرج) فقط مثلا؟

السؤال أعاد ذاكرتي إلى بدايات سنوات علاقتي مع جواد الاسدي – يقول د.صميم حسب الله – حيث أن فكرة (المخرج المؤلف) ارتبطت عندي بتجربة الأسدي. ففي سنة 2004م جاء جواد الاسدي ليقدم مسرحية “نساء في الحرب” في بغداد وفي احدى الأيام طلب مني أن احضر بروفاته على المسرحية قبل تقديمها وكنت قد اخذت منه نص المسرحية والذي بعد قراءته وجدتني في محنة، ذلك انني سطرت إحدى عشرة نقطة لكيفية تجاوز المخرج لنصه المليء بالأسئلة.. وذهبت بفضول إلى البروفة لأعرف ما الذي سيفعله الأسدي بهذا النص المسرحي المليء بالسرد والأسئلة مع قامات في الأداء التمثيلي العراقي هم شدى سالم وسهى سالم وآسية كمال والراحل صاحب نعمة. بمجرد مواكبتي للبروفة بدأت أمحي النقاط الإحدى عشر الواحدة تلو الأخرى ذلك ان الأسدي بدا يجيب عن كل الأسئلة في البروفة.. وعندما سالني جواد في نهاية البروفة – كيف وجدت التدريب؟ أجبته “لقد دمرتني يا جواد” كنت أمام أسئلة عدة لكيفية الخروج من سردية النص وكان جواد يمتلك مفاتيح هذا الخروج..

كانت هذه هي المناسبة الأولى – يقول صميم – لأتعرف على كتابة الأسدي وكيف يكتب؟ في مراحل لاحقة وأثناء دراسة الماجيستير ما كان مني إلا أن اذهب باتجاه السؤال ذاته حول عمل (المخرج المؤلف) ولماذا يسعى المخرجون إلى كتابة نصوصهم بأنفسهم؟ فتوصلت أثناء البحث إلى انها ظاهرة حديثة / قديمة. فالمؤلف كان المسؤول الأول عن العرض المسرحي قبل بروز ظاهرة المخرج.

في البداية وضعت “المخرج المؤلف في تاريخ الدراما” عنوانا لكتابي الذي هو في الأساس رسالة ماجيستير.. ويوضح صميم بأنه وضع “تاريخ الدراما” وليس “تاريخ العرض” لأن هذا الأخير يُبنى على نص المؤلف.. وقد تطور مسار (المخرج المؤلف) إلى ان وصلنا إلى الألماني برتولد بريشت الذي وقفت على تجربته المسرحية في كتابة نصوصه التي تحكمها وجهة نظره الإخراجية فكانت “نصوصَ عرض”، ثم تناولت (مخرجا مؤلفا) آخر بلمسات مختلفة وهو المسرحي الإيطالي داريو فو الذي جمع بين التأليف والإخراج والتمثيل كما وظف شخصية المهرج في عروض كثيرة وأسس لأسلوب خاص وبعدها وقفت على تجربة الامريكي ريتشارد فورمان والذي ما تزال تجاربه حاضرة حتى اليوم وقد أسس لمفهوم جديد لوظيفة (المخرج المؤلف) واشتغل على منظومة النص البصري الذي تعمل اللغة المنطوقة فيه دون أن تعنى بتوصيل رسائل بل بتوضيح أنماط الكلام وإيقاعه…

ليتطرق صميم بعد ذلك إلى التجربة المسرحية العراقية في علاقتها مع تيمة البحث (المخرج المؤلف) من خلال ثلاثة أسماء قاسم محمد ود.عقيل مهدي وسعدي يونس والذين اختاروا كل على حده منظقة مختلفة للإشتغال تأليفا وإخراجا، وهم الثلاثة خلفيتهم الفكرية والجمالية مشيدة على الإخراج اكثر منها على التأليف النصي..

يستطرد صميم بأن كل التنظيرات التي حصلها عن هؤلاء المسرحيين دفعته إلى قراءة بعض من عروض المخرج المؤلف جواد الاسدي فاختار من أعماله ثلاث مسرحيات “نساء في الحرب” و ليالي أحمد ابن ماجد” و”حمام بغدادي” وكلها تجارب إخراجية نابعة من تأليف نصوص والإشتغال عليها ركحيا، وكل عرض من هذه العروض الثلاثة يمتلك خصوصية تأليفا وإخراجا.. داخل الخط الناظم للعملية المسرحية من طرف (المخرج المؤلف)

بعدها يقدم خمران سيرة موجزة للمسرحي جواد الأسدي طارحا سؤال تصنيف جواد الأسدي بأنه (مخرج مؤلف) كما جاء في كتاب د.صميم حسب الله الذي اتخذ تجربته الإخراجية والإبداعية أنموذجا للمخرج المؤلف في المسرح العربي المعاصر؟

ليتدخل جواد الأسدي موضحا بأن فكرة (المخرج المؤلف) بالنسبة لاشتغالاتي المسرحية هي ليست فكرة مطلقة ونهائية ومفصلية، لأن اغلب أعمالي المسرحية تغرف من منطقتين: الأولى منطقة النصوص العالمية التي وجدت فيها الكثير من إمكانيات تبادل الإحساس بين النص وبين الناس.. واذكر “عنبر رقم ستة” لتشيخوف “الخادمات” لجون جونيه وغيرها.. والمنطقة الثانية هي تلك التي أجد فيها نصوصا عالمية لكبار الكتاب لا تستطيع أن تمس الجحيم الحقيقي لمفردات الإنهيارات الكبيرة التي تسقط فيها مجتمعاتنا العربية – والتي تؤرقني مثلما تؤرقكم وتؤرق الفنانين الملتزمين الذين لديهم علاقة طهرانية مع مجتمعاتهم – عندها ألجا إلى الكتابة (الكتابة الأخرى) المفصلية التي تنبع من الإحساس الحقيقي “للجحيم” الذي نعيشه يوميا مع هذا المجتمع أو ذاك او هذه الدولة او تلك..

ويضيف، هنا فكرة (المخرج المؤلف) ليست فكرة مطلقة ونهائية.. كما انني لا اشتغل عليها كمشروع ثابت وأبدي.ز إنما أتعامل معها من خلال المساحة التي يتاح فيها لي إمكانية هدم الشخصيات وإعادة كتابتها وتفكيكها وإعادة بنائها مع السينوغرافيا والملابس والضوء والموسيقى… كل تفاصيل العرض المسرحي داخل كتابتي الشخصية التي أقترحها والتي تعطيني حرية مطلقة فيما يخص إمكانية الوصول إلى صياغات وأنساق مسرحية تحمل أوجاعنا ومراراتنا وكل ما أريد ان أقوله عبر العرض المسرحي.

بهذا المعنى فكرة (المخرج المؤلف) – يقول الأسدي – التي تحدث عنها صميم، والتي هي مهمة جدا وباتت ظاهرة موجودة في المسرح العربي، وليس فقط في المسرح العالمي، في تونس مثلا ظاهرة (المخرج المؤلف) بارزة ومفصلية عند عدد من المخرجين المهمين. مخرجين اشتغلوا كمخرجين مؤلفين.. وهي فكرة حداثية تنبع من حاجة المخرج إلى أن يعيد كتابة وصياغة حياة المجتمع الذي يعيش فيه من وجهة نظر أخرى وروح أخرى وبكائنات أخرى وتفاصيل أخرى…

ويستطرد الأسدي بأن ما تحدث عنه صميم هو غاية في الأهمية، في كتابه “التوليد الدلالي للمخرج المؤلف في المسرح المعاصر…” استطاع صميم وضع أساسات وخطوط للكتابة فيما يخص اصطياد الكثير من الإشارات والكودات والتفاصيل بخصوص علاقة المخرج المؤلف بنصه الذي يريد ان يلقي به إلى الممثلين..

وأنا من المخرجين الذين يعولون على أن يرمى (نص المؤلف) في عمق وفي جسد وفي الوعي الجمالي والمعرفي للممثل.. أي النص الذي اقترحه ليس نصا نهائيا ومركبا لكي يكون نهائي داخل التمارين.. إنما أبحث دوما عن الممثلين الذين يستطيعون ان يتجاوروا او يتجانسوا او يتعايشوا… مع فكرة النص لكي يذهبوا بعيدا – مرة أخرى – عبر كتابتهم هم أيضا. لأن الممثل بوعيه الجمالي يكتب (كتابة أخرى).. رغم قلة هذا النوع من الممثلين. وأذكر هنا على سبيل المثال تجربتي في عرض “حمام بغدادي” مع الممثل القديرين فايز قزق والراحل نضال سيجري..  لأقول بأن النص الذي كتبته على الورق ليس هو نفسه الذي قدم في العرض المسرحي.. كانت الكتابة ذريعة للمثل لكي يشتبك مع النص ويعيد تقديم فكرته عبر يوميات البروفات من خلال التفاصيل والأفعال وسياقات إنسانية عميقة الإشتغال.. ووجدت في فايز ونضال الجذوة والعشق والتماهي مع فكرة البروفة..

ويذهب الأسدي إلى ان المخرج المؤلف الذي يعمل مع ممثلين من هذا الطراز سيسير معهم بعيدا في إمكانية كتابة نصية جديدة على الخشبة.. ونفس الأمر كان في اشتغالي مع الممثلين في مسرحية “تقاسيم على الحياة” التي أعدت الإشتغال عليها في بغداد مع مناضل داوود وإياد الطائي وحيدر جمعة ومع صميم الذي كان الروح الملهمة الموجودة معي داخل التداريب وخرجنا بما أسميه “عيد البروفة” بروفة فيها الكثير من الجمال ومن السحر ومن الجنون… ومن إعادة رمي النص في كيانات ممثلين استخرجوا أشياء حديثة من أجسادهم وأرواحهم وإنسانيتهم.. وهناك تجارب كثير كتجربتي في دولة الإمارات عندما اشتغلت على مسرحية “ليالي أحمد ابن ماجد” مع عدد من الممثلين الجميلين كمرعي الحليان، أحمد الجسمي، سميرة أحمد، حسن رجب، إبراهيم سالم… عملت معهم على نفس المفردات المسرحية وكانت البروفات تدوم من 10 إلى 12 ساعة في اليوم.. وكان الشيخ احمد القاسمي الذي كان يدير دائرة الثقافة والإعلام كان عاشق للمسرح وملهم وجميل.. كان يجلس معنا في البروفات لساعات.. وكانت التداريب مبنية على نفس المبدأ “المخرج الذين يعطي نصه إلى الممثلين لكي يشتعلوا به ويكونوا أساسات جديدة لبناء العرض المسرحي”…

وعرج الأسدي على تجربته في المغرب واشتغاله على مسرحية “الخادمتان” مع فرقة (دوز تمسرح) التي قال أن لها معنى عميق وقيمة كبيرة مع ممثلات رائعات وتركت أثرا كبيرا

بعد ان شكر مسير اللقاء جواد الأسدي على مداخلته وتقديم سيرة موجزة للمتدخل الثالث في هذا اللقاء المسرحي محمد سيف طرح عليه سؤال، ما الإضافات التي وقفت عندها في كتاب “التوليد الدلالي للمخرج المؤلف في المسرح العربي المعاصر.. جواد الاسدي انموذجا” وما تقاطعات مضامين الكتاب مع نظرية الإخراج خاصة من ناحية خصيصة (التوليد الدلالي) عبر إعادة كتابة الإشارات والرموز من أجل إنتاج معنى ودلالة جديدة يتحقق فيها الاتصال مع المتلقي في العرض المسرحي؟

بعد شكر الهيئة العربية للمسرح ومؤلف الكتاب محور اللقاء أجاب محمد سيف بأنه لا يمكننا الحديث عن المسرح العربي وتمفصلاته في شكله الحديث دون المرور على تجربة المسرحي جواد الأسدي، فهو غاص في بحار المسرح العميقة وحقق تراكما ابداعيا مهما.. وكتاب د.صميم مهم جدا وأثار لدي عديدا من الأسئلة فهو قد عاد إلى مفهومي المخرج المفسر والمخرج المبدع وعلاقتهما بالرح وكيف أن ذلك أحدث نوعا من “الشرخ” بين المخرج والمؤلف وبالتالي لجوء المخرجين إلى كتابة نصوصهم. فما يكتبه مؤلفون في ازمنة مغايرة قد لا يلائم أوضاع مجتمعاتهم.. وهذا جعل “المؤلف” ينزعج من ذلك.

وتدخل المخرج في نص المؤلف وتغيير “جوانياته” – يقول سيف – جعل المخرج يتجاوز كونه مترجما كما كان سابقا بل صار مساهما في كتابة النص عن طريق الركح أي بتوظيف لغة الخشبة المسرحية.. وهذه الجدلية بين النص والعرض جعلت حتى المؤلفين يغيرون من طبيعة كتاباتهم النصية، ولم يعودوا ينظرون إليها على انها نصا ادبيا.. ولهذا ظهرت تجارب مسرحية في بدايات القرن العشرين وفي التسعينيات تحديدا (في اوربا وفي الوطن العربي) يقودها مخرجون يتجهون نحو الركح أكثر.. وبدأ مؤلفون كذلك يكتبون بطريقة مختلفة وبعضهم لم يكتف بعملية الكتابة فحسب بل توجه إلى الإخراج أيضا ليكتشفوا الخشبة عن قرب “والبعيدين عنه جسديا شيئا ما” فنصوصهم فقط تتحاور معنا..

ويضيف سيف أننا نلمس من خلال الكتاب مدار النقاش، بأن المخرجين المؤلفين تتغير نصوصهم المكتوبة عندما تمر إلى الخشبة وهذا ما ينطبق على تجارب جواد الأسدي وقاسم محمد… وغيرهم

وبما ان حديثنا عن الأسدي فكل نصوصه التي أخرجها تتغير على الركح.. فهو يخضعها للغة الخشبة بعناصرها المختلفة من جسد الممثل والسينوغرافيا…الخ وبهذا يتحرر المخرج ويتخلص باشتغاله هذا على (اعتراض أي مؤلف مفترض). الخشبة لها استقلاليتها الخاصة وعالمها الخاص لأنها مرتبطة بعناصر فعلية وفاعلة بالتجربة التي سيلتقي بها المتفرج.

ويضيف بأن الأزمات التي نشأت (كأزمة النص لأزمة أزمة الدراما أزمة الممثل…إلخ) بدأت تتلاشى شيئا فشيئا مع التجربة المسرحية الحديثة.. وتجارب جواد الأسدي، وقد شاهدت منها العديد، تتوفر على عناصر لا يمكن أن تتوفر في النص كأداء الممثل.. كيف للمؤلف أن يشتغل على أداء الممثل “الوحشي” الذي يفاجئنا به جواد الأسدي.. إنه يشتغل مع الممثل بشكل من “العداء” يجعله يهتز وينتفض من الداخل.. وهي تيمة نادرا ما تتوفر عند مخرجين آخرين.. ما أسميه بوحشية الأداء.. نوع من الجحيم الذي يمارسه من خلال قنوات فن الممثل.. هذا بالإضافة إلى سحر تأتيت الفضاء المسرحي في عروضه.

يقول سيف، عندما شاهدت مسرحية “الخادمات” للأسدي في باريس قبل أكثر من عقد من الزمن (الصيغة الإخراجية الأولى) كان عرضا مفجعا ورعبا أدهش الفرنسيين أنفسهم.. في هذا العرض لم تبرز وحشية أداء الممثل فحسب بل وحشية في الصورة المسرحية أيضا (مشهد فتح أبواب خزانات الملابس مثلا وطريقة دخول وخروج الممثلات وارتداء الملابس..الخ) وعندما شاهدت العرض في صيغته الثانية مع فرقة (دوز تمسرح)

التي يديرها عبد الجبار خمران لمست اشتغالا آخر عند الأسدي حيث ركز على التمثيل وغير من أداء الممثلتين المغربيتين اللتان تحولتا تحولا مرعبا.. هذا التحول في الأداء يعود إلى إمكانيات المخرج ولمعرفته الميكانيكية لنص غاية في الصعوبة والتعقيد هذا النص الذي استوحاه جون جوني من الحياة اليومية؛ خبر حادثة في جريدة حوله إلى نص مثقل في الأداء وفي صياغة الجملة وفي الحالات النفسية.. كيف يمكن توظيف كل ذلك لخدمة العرض على الخشبة، والممثل هو الأساس.. ولكي نصل بالممثل إلى تشخيص دور من مسرحية جون جونيه لابد من الإشتغال على هذا الممثل وهذا كان رهانا من رهانات جواد الأسدي في هذا العرض…

ويطرح هنا خمران سؤال: ما تقاطع اشتغالات الأسدي مع “شعراء الركح” ؟ وما تقاطعات اشتغاله معهم؟

يجيب سيف، شعرية الكتابة على الخشبة تكون مباشرة على الخشبة.. وجواد الأسدي ينطلق من نص مكتوب لكنه في اشتغاله الركحي يؤلف نصا آخر.. وهذه هي الشعرية التي يتحدث عنها في الأصل “هانز ليمان” وليس “برينو تاكَيل” على غير ما يعتقد البعض، فقد ذكر هانز ليمان مفهوم “شعرية الركح” في كتابه “مابعد الدراما” وعندما يذكر المسرحيون والمنظرون في اوربا هذا المفهوم لا يعزونه لأحد لان شعرية الكتابة الركحية موجودة طبيعيا في العروض ولا تعزى لأحد..

وجواد الأسدي واحد من “شعراء الخشبة”، يقول سيف، لأنه واحد ممن يعرون كتابة الصورة المختزلة والموجزة على الخشبة ويكثف الإستعارات والدلالات المسرحية في لحظة زمنية مختصرة ودقيقة، والإهتمام بالزمن المسرحي مهم جدا مثله مثل الوزن الشعري أو الطرف النثري الذي يبدا منه الناثر او الشاعر والكتابة الركحية بهذا المعنى تنطبق على عروض جواد الأسدي.. حتى في إخراجه لنصوصه فهو يكتب نصا ويقدم نصا آخر..

ويذكر خمران هنا، بأن الإشتغال على النص بهذا الشكل تدخل في عملية “مسرحته” فكما تُمسرح الرواية يُمسرح النص المسرحي أيضا كنا هو الشأن عند قاسم محمد.. وكما يذكر الباحث صميم

ويستطرد محمد سيف مرة اخرة حول تجربة قاسم محمد قائلا بأنه ينطلق من سيناريو عرض يكتب على طريقة المسرحي الروسي “تاييروف” وهو تلميذه – بالمناسبة – ويستخدم هذا السيناريو منطلقا للتمرين ونادرا ما تجد بان لديه نصوصا مكتملا دائما ما تجد في “نصوص” قاسم “ثغرات” عليه ملؤها اثناء التمارين حتى يصل إلى العرض.. وهذه الثغرات نجدها في نصوص موليير وشيكسبير ولهذا ظهر (المخرج المؤلف) أو (الممثل المؤلف).. لماذا احتاج المخرج في فترة ما إلى دراماتورج ذلك الشخص الوسيط بين المؤلف والمخرج؟ لأن هنالك فجوات في نصوص بعض المؤلفين يعمل الدراماتورج في بحثه مع المخرج على ملئها…

بعد ذلك فتح مسير اللقاء المجال للحضور للمشاركة وطرح الأسئلة… فتدخل د.هشام زين الدين، د.زهرة إبراهيم، لمى طيارة، أمين ناسور، سامي الزهراني، بوسرحان الزيتوني، عائشة بنسعيد…

بعد تفاعل المتدخلين الثلاثة مع أسئلة الحضور، شكر عبد الجبار خمران مدير حلقة (إقرأ كتب الهيئة) الجميع باسم الأمين العام للهيئة العربية للمسرح أ.اسماعيل عبد الله ومسؤول النشر والتوثيق د.يوسف عيدابي وضرب للحاضرين موعدا مع حلقة جديدة قادمة سيتم فيها تناول كتاب “المسرح.. القلب المشترك للإنسانية” تأليف المسرحي البحريني عبد الله السعداوي.. ثم ودع الجميع بسلام من شارقة سلطان الثقافة.

تقرير عبد الجبار خمران

رابط الحلقة على قناة الهيئة العربية للمسرح:

 

 

 

 

 

الحلقة الإلكترونية الرابعة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”

(عين على المسرح)

 برنامج “زوم”

محور الحلقة كتاب

“قوس قزح الرغبة.. منهج أوجيستوبوال في المسرح والعلاج”

ترجمة وتقديم إ.نورا امين

    قدمت الهيئة العربية للمسرح يوم الأحد 17 يناير 2021 (الساعة 13:00 بتوقيت الإمارات) الحلقة الإلكترونية الرابعة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة” عبر برنامج عين على المسرح.

دار نقاش الحلقة الإلكترونية الرابعة من برنامج “إقرأ كتب الهيئة” حول “قوس قزح الرغبة.. منهج أوجيستوبوال في المسرح والعلاج” تاليف اوجيستو بوال وتقديم وترجمة الباحثة والمخرجة المصرية نورا أمين.الإصدار صادر عن الهيئة العربية للمسرح ضمن سلسلة الترجمة (تحت رقم 10) العام 2019. وقد نشر الكتاب الكترونيا بصيغة (PDF) على الموقع الإلكتروني الرسمي للهيئة العربية للمسرح خلال شهر (ديسمبر2020). 

شارك في مناقشة محتوى الكتاب، بالإضافة إلى مترجمته أ.نورا أمين، الباحثة والمخرجة الفلسطينية إيمان عون، وأدار النقاش أ.عبد الجبار خمران  مسؤول الإعلام في الهيئة العربية للمسرح.

     بعد الترحيب بالحضور ومباركة اليوم العربي للمسرح للجميع (اليوم الذي احتفلت به الهيئة العربية للمسرح والمسرحيون العرب في 10 يناير 2021)، أبلغ عبد الجبار خمران الضيفتان تحية الأستاذ إسماعيل عبد الله الأمين العام وتحيات الدكتور يوسف عايدابي مسؤول النشر والتوثيق وتحية كافة العاملين بالهيئة العربية للمسرح. ثم أشار إلى أنه كان مبرمجا أن تحضر هذا اللقاء الباحثة آنا عكاش من سوريا التي اعتذرت بسبب ظروف لم تسمح لها بالمشاركة.

ثم أضاف لعل المسرح يسير باتجاه فكرة “المنتدى” أكثر وأعمق، واللقاء التفاعلي مع الجمهور في الفضاءات المفتوحة ملاذُ المرحلة أكثر من أي وقت مضى، فما يعرفه العالم من توابع تفشي فيروس كورنا وتأزيمه للوضع وعرقلته للتقارب البشري والتواصل الإنساني المباشر وما يفرضه من تباعد واحتراز صحي لمجرد المصافحة، يدفع بالمسرح والفرجة الجماعية إلى البحث عن مساحات صحية رحبة وفضاءات مفتوحة وأشكال بديلة خاصة في ظروف كالتي نعيشها والتي تفرض إعادة إنتاج أنماط سلوكنا وعاداتنا اليومية.

  “قوس قزح الرغبة.. منهج أوجستو بوال في المسرح والعلاج” كتاب نظري تطبيقي يجيب على كثير من التساؤلات ويقدم تمارين وتقنيات تخص منهج أوجستو بوال المسرحي، والتي تفيد حتما ممارسي المسرح والمهتمين بمختلف مجالاته وتخصصاته.

     بعد أن قدم مدير اللقاء الباحثة نورا أمين طرح سؤال: لماذا كتاب أوجيستو بوال.. وما الإضافات التي يقدمها الكتاب بشكل عام؟ وما الذي يقدمه للمكتبة المسرحية العربية على وجه الخصوص؟

عبرت الباحثة المصرية نورا أمين عن سعادتها في المشاركة في سلسلة إقرأ كتب الهيئة كم نحن بحاجة إلى هذا التواصل والنقاش في “زمن كورونا” وان نعيد اكتشاف التواصل فيما بيننا وأن نخوض بشكل عميق في قضايانا المسرحية ونغتنم ما يوفر التواصل أون لاين من تركيز وان نتوغل بعمق، خاصة أننا في مرحلة عُلقت فيها الممارسة المسرحية. ولربما تساعدنا هذه المرحلة في مراجعة ذواتنا وإعادة تحليل المسار المسرحي الذي نسير فيه. وبعد شكر الهيئة العربية للمسرح على نشر كتاب “قوس قزح الرغبة.. منهج أوجيستو بوال في المسرح والعلاج”وكتاب جوليا فارلي وفن المطالبة بالحق واسهام الهيئة العربية للمسرح في النشر لا تضاهيه أي جهة في كثافة كمية المنشورات والمؤلفات المسرحية في العالم العربي.

وتستطرد “مقدمة عبد الجبار حول الكتاب رائعة جدا وأشار إلى أفكار مهمة.. كتاب أوجيستو بوال تم إصداره المرة الأولى بقلم أوجيستو بوال في العام 1997م أي لاكثر من 23 سنة.. ومهم أن نعرف كيف ظهر هذا الكتاب أن هذه المرحلة النظرية من منهج أوجيستو بوال. ظهر الكتاب من خلال الاهتمام الممتد لأوجيستو بوال بالبعد النفسي في الممارسة المسرحية (أو التمثيلية) وبمناسبة مشاركته في المؤتمر الدولي السنوي لجمعية العلاج النفسي الجماعي سنة 1989م في هولندا احتفاء بمئوية “مورينو” رائد العلاج النفسي الجماعي، وهذه النقطة اعتبرتها نورا أمين مهمة جدا، لان لها علاقة بولادة الفكرة الأساسية وتطويرها والتي تتقاطع مع نظريات الدراسات العلاجية ودراسات (المداواة النفسية)، والمسرح بشكل عام يتقاطع مع هذه الدراسات والعلوم، وبقراءتنا للكتاب يتضح ذلك جيدا حيث انه جزء صميم في “المسرحانية”.

بعد عام 1989م طور أوجيستو بوال بحثه الذي قدمه في ذلك المؤتمر – تقول نورا أمين – وبدا يأخذ أشكالا تطبيقية من خلال التدريبات والبحث عن طرق عملية في التعامل مع اطروحته النظرية. وأوجيستو بوال يتحدث في كتابه عن الممارسة التمثيلية كفعل استعادي، وليس كتشخيص لأدوار متخيلة أو مكتوبة في نصوص مسرحي. انه يتحدث عن الانسان العادي سواء كان ممثلا او ليس ممثلا المهم هو استعادة موقف من حياته أو يستعيد بالأحرى حالة قهر (أو مشكلة ما تواجهه)، وهذا الفعل الاستعادي (إعادة تمثيل موقف) هو (مسرحية) فهناك من عنصر الاستعادة (وهي ممارسة نفسية مهمة جدا، حيث يمكن من خلالها تأمل الاحداث التي وقعت في الماضي أو في الحاضر) وتنتقل الاستعادة إلى مستوى تعبيري وهو عنصر أساسي يشتمل على عملية “المسرحانية”، وبعد المرحلة التعبيرية نمر إلى العنصر المواليي ةهة التأمل أو التحليل والتعليق، وهنا نصل إلى مرحلة التغيير (تغيير الموقف) سواء من الشخص نفسه الذي يستعيد الحدث ويحاول ان ينظر إليه من

وجهة أخرى مختلفة او من خلال المجموعة الموجودة من المشاركين أو “المتفرجين” الذين يحاولون تجسد موقفه.. ومنا نصل إلى مستوى اعلى من انفتاح التجربة النفسية الداخلية. وخلال التجسيد يمكن اقتراح سيناريوهات عديدة وطرق مختلفة للفهم. هي تركيبة مسرحية وفي نفس الوقت تركيبة مرتبطة بالعلاج النفسي، ومن هنا نعود إلى جمعية العلاج النفسي (الجماعي) في مقابل العلاج النفسي الذي يحصل بين معالج نفسي (الفرد) ومريضه (المنفرد). فتجربة أوجيستو بوال نقلة في العلاج النفسي من خلال (ما هو جماعي).

ثم تنتقل نورا امين إلى محو آخر وهو علاقة الفرد وموقفه المشخص ومجموعة “المتفرجين” زكي فان هذا الطرح طرحٌ فرجوي، الأمر الذي يطرح على المسرحيين التفكير في الحاجز الموجود بين المتفرجين وخشبة المسرح أو المكان الذي يعرض عليه المشهد المسرحي، ذلك الفصل بين منصة لانتاج المشهد او انتاج المعرفة وإرسالها ومكان التلقي.. كسر هذا الحاجز نقطة جوهرية في تجربة بوال المسرحية لان هذا الكسر هو الذي يخلق القدرة على المداواة.. لانه يطرح المشكلة ويمكن الىخرين من ان يجروا إسقاط على الموقف الذي يشاهدونه ويتوحدوا معه ليصيروا هم أيضا مشاركين أو يمروا بحالة التطهر من خلال المشاركة حيث المشاهدة هنا فعل إيجابي.

وتطرقت نورا للتطهر في مسرح المقهورين الذي يقسمه أوجيستو بوال على أربعة اقسام: التطهر الارسطي والتطهر الفيزيقي البيولوجي والتطهر وفقا لمنظور مورينو،  و”التطهر عند أوجيستو بوال” لا يعني اننا نصير متوافقين مع القيم الاجتماعية حتى يمكن دمجنا أو تدجيننا بل هو مرتبط  بما يسميه بوال “التناضح” الذي يحصل أثناء محاولتنا النظر إلى القهر، وكيف نستطيع من خلال المشاركة التفاعلية “المتضاعفة” نفتح مجالا جديدا لإعادة تحليل أنفسنا.

وبخصوص “فن التمثيل” تذهب نورا إلى أنه بالرغم من حديثنا عن مسرح بوال على أنه خارج المؤسسة المسرحية وجماليات عروض شيكسبير والمسرح النخبوي والمسرح البورجوازي.. إلا أننا مع بوال نحن في منطقة تساعدنا على تطوير مناهج التمثيل وذلك بما يوفره التحليل النفسي وعلاقة الممثل بالشخصية التي يمثلها وعلاقة الممثل بشخصيته وبنفسيته. وبوال يجعلنا مرة أخرى مساءلة الحالة التمثيلية النمطية والتلفزيونية المرسخة في ثقافتنا ومراجعة طرق معينة في التمثيل الآلي، ويطرح سؤال حول مفهوم الشخصية. لان الشخصية غير موجودة والموجود هو الممثل وكل ما ينتجه هذا الممثل مبني على مرجعياته النفسية والشخصية من هنا فكرة التحليل والفصل بين الأمرين مهم جدا.

وتشير نورا إلى أن “قوس قزح الرغبة..” هو جزء من منظومة متكاملة من خمس تقنيات (مسرح الجريدة، المسرح الخفي، مسرح الصورة، مسرح المنتدى والمسرح التشريعي) وكل هذه التقنيات المسرحية مرتبطة ببعض وتبلورت خلال مراحل متعددة وكل تقنية من التقنيات هي استيعاب وتطوير لسابقاتها فالمسرح التشريعي هو مسرح المنتدى مع خطوة زائدة ومسرح المنتدى يضم بشكل شامل على مسرح الصورة مع إضافات أخرى لها علاقة مثلا بتدخلات الجمهور وتطويرها ومناقشتها.

بعد ذلك كانت مداخلة المخرجة الفلسطينية إيمان عون والتي شكرت في البداية الهيئة العربية للمسرح على هذه الدعوة الهامة وهذه الثقة، وشكرت الزميلة الفنانة نورا أمين، على ترجمة هذا الكتاب الذي اعتبرته إضافة نوعية للمسرح العالمي، ولمسرحنا العربي، بنسخته العربية هذه. كون نورا تعي المنهجية ومارستها تدرباً وتدريبا – تقول إيمان عون – فقد استطاعت أن تنقل وبأمانة كبيرة روح الفكر والفلسفة التي ينتهجها بوال في كتابه.

وتستطرد إيمان قائلة، في كتاب “قوس قزح الرغبة”، يقودنا أوجيستو بوال نحو فهم أعمق لطبيعتنا الإنسانية. يعري مخاوفنا واضطهادنا أمام أنفسنا أولا، ويحثنا على أن نتساءل ونفهم دوافعنا ورغباتنا، ونستنبط طرق انكشافها أمامنا ولمن حولنا، من خلال تجسيدها بالصورة والكلمة (الكلمات التي يطلق عليها بوال في كتابه المسرح التشريعي، مصطلح “الذوات الحية”، أي عندما تتحول الكلمة الى كائن).

الكتاب مفعم بالتمارين الواضحة وأحيانا المبطنة – إلا لمن مارس هذه التقنية – للإمكانيات التي من شأنها أن تساعدنا على فهم ذواتنا، بطريقة أعمق من المألوف. ليس من الضرورة بمكان أن نكون مرضى نفسيين حتى نستفيد من هذا الكتاب.. لكنا جميعنا “مرضى” مرضى بداء الاستهلاك – استهلاك الأفكار، والمعلومات، والمعتقدات، والموروثات الاجتماعي والتابوهات، والذي ينتج عنها بالضرورة أزمات مبطنة، نحملها في أعماقنا، تخرج للعالم على شكل افعال وممارسات متقطعة أو متوالية، ممنهجة أو لا إرادية.

لقد حاول بوال أن يرفع المرآة عاليا أمامنا في هذا الكتاب ويقول لنا، أن لا أحد سالما من ارتدادات المواقف التي يمر بها، والتي لا ترى مخرجا لها، فتختبئ في طيات الذهن والوجدان، وتظهر بالتسلل فيما بعد في افعالنا ومواقفنا.

وتستشهد إيمان عون بمقولة بوال: “نحن الذين ننظر الى كل شيء، ويبدو طبيعيا، لأننا اعتدنا أن ننظر دون أن نرى، اعتدنا على النظر الى جميع الأشياء دوما بالطريقة نفسها.”  موضحة أنه من هنا وجب خلخلة النظام، وتغيير الطقس الذي تعودنا على ممارسته، ونزع الأقنعة حتى نرى ما وراءها. والهدف لدى بوال، ليس الفعل لغاية الفعل، وإنما الفعل بهدف التغيير، حتى نعبر الى الضفة الأخرى بأمان.

وتشير عون إلى انه في منهجية مسرح المضطهدين/المقهورين، يحفر بوال بشكل أركيولوجي، في الطبيعة الإنسانية للفرد، والطبيعة التركيبية للمجتمع، ويضعهما في سجال بينهما، مفعم بالذاتية، ومشبع بالمكاشفة. وهذا يحدث على لسان وبصوت المقهورين/المضطهدين، الذين لا تسمع أصواتهم بالعادة، فهم أبطال مسرحه، الابطال المطالبون بالوقوف على تفاصيل حياتهم، والنظر اليها كملحمة تحتاج الى التدخل والتعديل من أجل الوصول الى التفريغ/الكثارسس وصولا الى التغيير. لكنه يلغي الكلام في كثير من الأحيان لصالح الصور، في محاولة لاستنباط البلاغة في التعبير والكثافة في المعنى، ففي كل صورة وكل حركة كتابة معمقة.

وتتساءل إيمان عون ما حاجتنا لهذه التقنية، الآن وفي كل مكان؟ من منا لا يعيش القهر/الاضطهاد؟ تعدد وتنوع أم تحدد وتمركز؟ بعُد أو اقترب، صغر أم عظم؟ كان خارجيا أم داخليا، ممنهجاً أم مستترا؟ وتجيب: نحن جميعنا مدعوون لهذه الوليمة الفكرية الممارساتية، حتى نقف أمام صور قهرنا واضطهادنا في مرآة ذواتنا، ولكي نرفع المرآة التي نرى بها مجتمعنا بعيون متعددة، تهدف الى تفكيك وإعادة صياغة هذا القهر بأشكال مضخمة حينا، ومتمددة أخرى، لنصل الى تعريته ونزع الخوف المحيط بنا، حتى يصغر ويتلاشى، او يتضخم وينفجر. نقوم بهذا كله بطريقة فنية جمالية، لأن مدخلنا عالم المسرح الذي نقله بوال من كونه عالم مترفع، الى كونه مسار حياتي مشترك لكل من يرغب بالتغيير.

وتشير الباحثة إلى ان بوال في كتابه هذا منهجية فنية، اجتماعية، ونفسية، يستخدم فيها جسد الشخوص والشخصيات، بصفتها مخزن المعلومات أو (البلو برنت) لكل ما مر ويمر عليها. كما يستخدم اللعب، بوصفه طاقة عليا لنشاط الذهن المرتبط بهذا الجسد، والمتفلت من القيود النمطية والسلطوية، حتى يساعدنا في كسر القوالب الزجاجية التي نحيط أنفسنا بها خوفا من انكسارنا.  فلماذا اللعب؟ لأننا عندما نلعب نتعلم، نراقب، نتجرأ، نشارك، نستخلص العبر، فنفهم.

وتشبه بوال بالحاوي الذي يأخذ بيد جمهوره ليفكك السحر، يدعونا للنظر لكل جزئية في حياتنا حتى نفهم التعويذة التي تسجننا في قوالبنا. ففي تقنية قوس قزح الرغبة – تقول إيمان عون – يحاول بوال أن يجعلنا متفرجين على ذواتنا ورغباتنا بقدر ما نحن منتجين لها. هذا التمرين على وجه الخصوص، والذي استقى الكتاب منه اسمه، يؤسس لفهم الذات والنقد الذاتي البناء. وصولا الى التفهم والتعاطف بين البطل والبطل النقيض وصولا الى الجمهور الشريك في تحليل وتصوير إرادات ورغبات البطل، كما في كل منبر/منتدى.

وترى إيمان عون أنه ما بين “الرغبة والإرادة” بحر عاصف، مدّ وجزر.  وفي الكتاب يأخذنا بوال عبر قارب تلاطمه أمواج الرغبات مقابل تعدد ارادات الشخصية الواحدة في بحث ذاتي لكل بطل، يؤسس لنقله من حالة الممارسة ما قبل الادراكية الى حالة الادراك الواعي والتحول البناء/transformation.

ومنهجية مسرح المقهورين/المضطهدين تبحث في معنى الحوار، وتروي الباحثة قصة يرويها لنا بوال وهي عن صديق بريطاني له كان جوكرا يعطي محاضرة عن المسرح أمام بعض المرضى النفسيين. يشرح لهم ظهور البطل الواحد على يد تسبيس، وكيف أخترع المونولوج، ثم كيف اخترع اسخيلوس البطل الثاني، وسألهم الممثل الأوحد كان يقول المونولوج، وعندما أصبح هناك ممثلان ظهر ال …؟ فلم يجبه أحد، فأعاد الكرة وهذه المرة استخدم الإشارة، أصبح واحد للمثل الواحد ومقابله الممثل الآخر، فجاوبه أحد المرضى “مونولوجين”.

لتذهب إيمان عون إلى أن هذا الجواب دعا بوال الى التفكير بتعمق، حول ما إذا كان بالفعل المريض على حق، وأننا في الغالب لا نتحاور وإنما نتحدث بمونولوجات متوازية، هذا ما يحدث بالغالب في السياسة،

والاقتصاد، والدين، فوصل الى خلاصة أننا في كثير من ممارساتنا لا نستخدم الحوار الحقيقي. لأن في الحوار بين كل جملة وأخرى آلاف العوالم القابلة للتشكل.

وتتساءل الباحثة بناء على تصور بوال: هل نتحاور من خلال مونولوجات مسبقة لدينا أم أننا نستمع ونصوغ مفاهيم جديدة كلما سمعنا فكرة جديدة؟”

وتختم قائلة: لكننا ننطلق عادة من افكارنا المسبقة ومعتقداتنا، دون معرفة أثر ما نقوله أو نفعله على الاخرين.  وهو يقول في الكتاب: ” نحن نعي رغباتنا، لكننا لا نعي كيفية استقبالها عند الاخرين. ونعرف ارادتنا، لكننا لا نعرف أثرها على المقابل”، وهنا نحن مدعوون في منهجية هذا الكتاب لأن نراقب أنفسنا، وكيفية مراقبة الآخرين لنا، ولأن نعي أفعالنا، وندرك وعي الآخرين لهذه الأفعال.

 بعد ذلك فتح عبد الجبار خمران المجال لتعقيب الحضور وطرح اسئلتهم وتحدثت رشا عبد المنعم من مصر ود.خليفة الهاجري من الكويت وأ.غنام غنام  وأ.عبد الإله بن هدار ود.خالد أمين من المغرب وأ.لاما طيارة من سوريا…

ليختتم مدير الجلسة هذا اللقاء ضاربا موعدا للجميع في سلسلة أخرى من حلقات “إقرأ كتب الهيئة”

 تسجيل الحلقة الالكترونية الثالثة كاملة على قناة الهيئة العربية للمسرح:

 

 

 

 

الحلقة الإلكترونية الثالثة – سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”

(عين على المسرح)

محور الحلقة كتاب

“المسرح التونسي.. مسارات حداثة”

تأليف د.عبد الحليم المسعودي

    نظمت الهيئة العربية للمسرح الأحد 29 نونبر 2020 الحلقة الإلكترونية الثالثة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة” عبر برنامج عين على المسرح.

موضوع حوار الحلقة الثالثة من برنامج “إقرأ كتب الهيئة” دار حول كتاب “المسرح التونسي.. مسارات حداثة” تأليف د.عبد الحليم المسعودي، والكتاب صادر عن الهيئة العربية للمسرح ضمن سلسلة دراسات (44) العام 2018، ونُشر بصيغة (PDF) على الموقع الإلكتروني الرسمي للهيئة خلال شهر (اكتوبر 2020) رفقة فيديو للمؤلف يقدم فيه الكتاب.

     شارك في مناقشة مضامين الكتاب في هذه الحلقة، مؤلف الكتاب المسرحي التونسي د.عبد الحليم المسعودي والمسرحي اللبناني د.هشام زين الدين والمسرحي الجزائري د.لخضر منصوري وسير هذا اللقاء أ.عبد الجبار خمران  مسؤول الاعلام والتواصل في الهيئة العربية للمسرح، الذي وضح في بداية اللقاء بأن هذه الحلقة من سلسلة “إقرا كتب الهيئة” تأتي بعد مناقشة “كتاب الإضاءة المسرحية وتغير المكان في العرض المسرحي” في الحلقة الأولى رفقة مؤلفه السينوغراف العراقي الأستاذ علي السوداني والسينوغراف الأردني الأستاذ محمد المراشدة والسينوغراف المغربي د.طارق الربح..

     في البداية رحب أ.عبد الجبار خمران بالمشاركين باسم الهيئة العربية للمسرح وأبلغهم تحيات السيد الأمين العام للهيئة أ.اسماعيل عبد الله ود.يوسف عايدابي مسؤول النشر والمجال الفكري وكل العاملين بالهيئة، ثم قدم ورقة موجزة للكتاب ومؤلفه.

     بعدها قدم د.عبد الحليم المسعودي أهم ما جاء في مضامين كتابه “المسرح التونسي.. مسارات حداثة” والذي تتبع فيه مسارات المسرح التونسي منذ تبلور خطاب الاحتجاج، حيث يستفتح كتابه بنفس احتجاجي تونسي استبق “ثورة” ماي 1968 – كما يقول – بدأ بخطاب الرئيس بورقيبة في 7 نونبر 1962 وبيان “الاحتجاج” أو ما يسمى في أدبيات الخطاب المسرحي النقدي التونسي ببيان الإحدى عشر، ثم أعطى نظرة

شاملة عن الخلفية الثقافية والمسرحية والسياسية المولدة لخطاب الاحتجاج هذا وحيثياته.. وكيف تشكلت المجموعات المسرحية الأولى في تونس في أواسط الستينات.. مع رصد لتجربة المسرح الجامعي الفاعلة والمؤسسة، فالفرق المسرحية القارة من خلال تجربة المنصف السويسي رفقة فرقة مدينة الكاف وفرقة مدينة قفصة رفقة رجاء فرحات.

     وربط د المسعودي الإرهاصات الأولى للحركة المسرحية التونسية وما بعدها داخل سياقات مختلفة، عبر تشخيص “ضمائر الاحتجاج” ومرجعيات الفاعلين المسرحيين وخلفيتهم الفكرية ومقاصدهم الجمالية، أفرادا وجماعات. يقدم المسعودي في كتابه ممرات ومراتب من الخيبات والإشراقات ومن النجاحات والإخفاقات، يسير بنا في مسارات حداثة المسرح التونسي مشيدا بالتجارب المساهمة في بلورة حداثة حقيقية باحثة عن الارتقاء بالمسرح إلى الحاجة الاجتماعية، ومشخصا بجرأة ما شاب المسرح التونسي من حداثة وهمية يقول عنها “حداثة مستعارة أنتجتها شروطها الخاصة، وهي بذلك متخيلة بالمعنى الاستهامي للكلمة، كما أنها في قطيعة حقيقية مع الواقع الاجتماعي وتناقضاته”. 

لم يفت عبد الحليم المسعودي في مداخلته أن يتطرق إلى مضامين العروض وتصورات الفرق والحمولات الفكرية والإديولوجية للنصوص والرؤى الإخراجية وتأثر الفاعلين المسرحيين بمختلف المدارس والتوجهات الفكرية والجمالية العالمية وكذا بالمخيال الشعبي … الخ والتطرق إلى الجمهور الحديث والجمهور التقليدي ورهانات الخطاب المسرحي في اختراق وعي هذا الجمهور وتحفيزه على التفكير والاستيقاظ…

     بعد ذلك تدخل د.هشام زين الدين مشيرا إلى أهمية ربط المؤلف المسعودي في كتابه لصيرورة المسرح التونسي بالظروف السياسية والاجتماعية والتحولات التي شهدتها تونس دولة وشعباً، ووضع المسرح في موقعه الحقيقي حيث أنه لا يوجد مسرح غير سياسي، فحتى المسرح الذي يرفض التطرق الى السياسة هو أيضاً يعبر عن موقف سياسي.

وأوضح زين الدين أنه لم يكن على علم بأهمية بيان الإحدى عشر، ودوره في تغيير بوصلة تطور المسرح التونسي، وكان يميل الى تعظيم دور خطاب بورقيبة الاستثنائي لأهميته، على اعتبار أنه الأساس المتين الوحيد الذي انطلقت منه الحركة المسرحية التونسية في الستينيات. وذكر زين الدين بأن المسرح الجامعي هو الأساس الذي انطلق منه المسرح التونسي، أي ارتباطه بعنصر الشباب وبالتربية والتعليم وبإرادة التغيير التي يتمتع بها العنصر الشاب في كل المجتمعات.

ثم عرج في مداخلته على ما ورد في الكتاب بخصوص اللامركزية التي اعتمدتها السلطة، والتي لم تكن بهدف نشر المعرفة والتجارب المسرحية بل كانت بهدف تخفيف الاحتقان المسرحي وتداعياته السياسية عن المركز في العاصمة، ومراقبة الحراك في الاطراف وتطويقه بالقوانين والاجراءات التي تمنع خروجه عن المسار السلطوي المرسوم. كما أن هذه اللامركزية المسرحية التي اعتمدتها الدولة (السبعينيات والثمانينيات) لم تنجح بسبب عدم تأمين شروط نجاحها، كما أن الحاجة الإيديولوجية للدولة كانت تسبق الحاجة الجمالية للمسرح.

وذكر زين الدين ان المؤلف يذهب إلى أن تجربة المخرج التونسي المنصف السويسي الذي ارادها مغايرة لتجربة علي بن عياد في “مسرح الدولة” لم تكن تلك المغايرة إلا شكلية لأنها في النهاية عملت من داخل

التركيبة السياسية للسلطة، كأنها عملية تواطؤ مقصود، شكلها تمرد وباطنها خضوع لسياسة السلطة. كما أن المؤلف أدان تجربة المسرح التراثي ومبتكرها في تونس المسرحي عزالدين المدني، ولم يتهمه بمحاباة السلطة

السياسية فحسب بل بالعمل معها ولصالحها، أي كأن الكاتب يقول بأن المدني كان “متواطئاً” في الخفاء مع النظام السياسي على حساب الطرح الحداثي المعلن في أدبياته ونصوصه.

ويتخذ المؤلف موقفاً واضحاً إلى جانب المسرح الشعبي أو ما أطلق عليه “المسرح الخام”، المتمثل في تجربة (فرقة المغرب العربي المسرحية) التونسية، وينحاز إليها على الرغم من عدم “احترافيتها” بالمفهوم الجمالي للمسرح، يعتبرها فرقة هاوية لكنها ناجحة جماهيرياً في مواجهة خصمين اثنين في تركيبة المسرح التونسي، هما المسرح الرسمي التابع للسلطة، ومسرح التراث وعميده عزالدين المدني…

وقال زين الدين: أسعدني خطاب المؤلف في تحطيم صورة السلطة الراعية وتجريدها من مضامينها الثقافية والمعرفية، لكني لم أتمكن من الاقتناع بأن هذا النوع من المسرح (المسرح الخام) هو البديل كما يقترحه المؤلف نموذجا للمسرح التونسي، حتى لو كان قريباً من الناس العاديين، فلا يكفي أن نعتمد المضامين السياسية والاجتماعية لكي يصبح لدينا فن.

في نهاية مداخلته أشار زين الدين إلى أن كتاب “المسرح التونسي.. مسارات حداثة” لا يدعي التأريخ لكنه يؤرخ للمسرح التونسي في خلال ثلاثة عقود تقريباً، ويتبنى موقفاً منحازاً من التجربة، ويرفض ويحاكم تجربة مسرح السلطة بشقيه المباشر (المسرح البلدي والمسرح في المناطق) من جهة و(المسرح الحر أو الخاص) من جهة اخرى والذي يمثل وجهاً آخر أقل انكشافاً للسلطة. ولعل الخلفية الفكرية والسياسية للمؤلف طغت على استنتاجاته البحثية، فكانت النتيجة أن كل “التجارب الجادة” التي قام بها المسرحيون التونسيون كانت تصب في خدمة خطاب السلطة، فيما تمكنت من ذلك فرقة هاوية لم تحصل على اعتراف الدولة ولا النخبة الثقافية. وهذا الاستنتاج لم يبد لزين الدين مدعماً بالوقائع، بل بقي بالنسبة له عبارة عن رأي ناقد واستاذ كبير في الفن والأدب، قد يختلف معه وعليه الكثيرون في تونس وخارجها.

    بعد ذلك تدخل المسرحي د.لخضر منصوري مشيرا إلى أن المسعودي اعتمد في طيات كتاب “المسرح التونسي.. مسارات حداثة” على قراءة نقدية تاريخانية للمسرح التونسي، بحيث لا يصير الباحث عبدا للتاريخ وإنما صانعا له. وذكر أن الكاتب أرخ إلى مؤلفه لنهضة المسرح التونسي انطلاقا من بيانات أربعة: “خطاب الرئيس بورقيبة” و”بيان الإحدى عشر” و”بيان فرقة المسرح الجديد” و”بيان عزالدين المدني”.

ومن خلال هذه البيانات يوضح الكاتب التأسيس في المسرح التونسي والقطيعة مع الممارسة القديمة. وما يسميها بالمرجعية والمقاصد على المستوى الفكري والمفاهيم وكذا على المستوى النظري والعلمي.

كما ذكر منصوري أن الكاتب تحدث عن أهمية المسرح الجامعي ودوره في تطوير الحركة المسرحية والطلابية وما عاشته من مضايقات. كما تطرق إلى الفُرق الحرة التي جربت في الكثير من المناهج والأساليب

المسرحية على غرار فرقة الكاف بإدارة المنصف السويسي واعتمادها على اللون المحلي وفرقة الجنوب بقفصة في قراءة فيما يسميها المغامرة والحدود.

وقدم الكتاب – يقول منصوري – وصفا نقديا لتجربة (فرقة مسرح المغرب العربي) على انها “مسرح الخام ” مقتبسا تعبير بيتر بروك. ورأى في تجربة هذه الفرقة أنها ممارسة قريبة من دائرة المسرح الشعبي في منطلقاتها الأولية وفتحت النهج واسعا لتجارب مسرحية أكثر حرفية.

ويكشف المسعودي عن أهمية “مسرح الخام” في كشفه لطبيعة التصور الرسمي (السلطة) وتجاوزه لمسألة الجهور المسرحي كما كان مشيرا إلى فشل وغياب مشروع للمسرح الشعبي القائم على اعتباره خدمة عمومية ورأى في عروض الفرقة مزجا ما بين الشعبي والكوميدي. وأن هذا المسرح لا يتم إلا من خلال مشروع ثقافي يقوم على تلك الوظيفة الإجتماعية التي نادى بها “بيان الإحدى عشر” وتحدث الكاتب عن أهمية مسرح الهامش ضد ثقافة المركز في إشارة منه إلى محمود المسعدي، وأنتقد بشدة من وصفوا تجربة (فرقة مسرح المغرب العربي) على أنها بسيطة وسوقية بحيث دافع الكاتب عن الوظيفة الاجتماعية للمسرح على رأي برتولد بريشت.

ويخلص د.لخضر منصوري في نهاية مداخلته إلى أن مؤلف كتاب “المسرح التونسي.. مسارات حداثة” ينطلق عموما من رؤية سياسية وراهنها في تطوير التجربة المسرحية التونسية ونقده للوضعية بوصفها سيئة.

بعد المداخلات تم فتح المجال لمتدخلين من الحضور لإغناء النقاش وطرح التساؤلات فتدخل الأستاذ غنام غنام والأستاذ الحسن النفالي والأستاذ محمد شرشال… وفي نهاية اللقاء جدد أ.عبد الجبار خمران الشكر لكل المتدخلين والحاضرين باسم الهيئة العربية للمسرح وأبلغهم تحيات الأمين العام الأستاذ إسماعيل عبد الله ود.يوسف عايدابي وكل العاملين في الهيئة، وأعلن عن صدور العدد (26) الجديد من مجلة المسرح العربي والمتوفر على موقع الهيئة العربية للمسرح إلكترونيا، كما أخبر بأن حلقة الشهر القادم من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة” ستكون حول الكتاب الصادر عن الهيئة العربية للمسرح “قوس قزح الرغبة.. منهج أوغستو بوال في المنهج والعلاج” تأليف أوغستو بوال – تقديم وترجمة الباحثة المسرحية المصرية نورا أمين.

 

الحلقة الإلكترونية الثانية من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”

(عين على المسرح)

 برنامج “زوم”

محور الحلقة كتاب

“المنظومة الضوئية وتغير المكان في العرض المسرحي”

تأليف أ.علي محمود السوداني

    قدمت الهيئة العربية للمسرح يوم السبت 31 نونبر 2020 (على الساعة الثالثة ظهرا بتوقيت الإمارات) الحلقة الإلكترونية الثانية من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة” عبر برنامج عين على المسرح الذي سلط الضوء على هذه الفعالية التي أطلقتها (الهيئة) منذ شهر أغسطس 2020.

موضوع الحلقة الإلكترونية الثانية من برنامج “إقرأ كتب الهيئة” كان حول إصدار “المنظومة الضوئية وتغير المكان في العرض المسرحي” تأليف السينوغراف العراقي أ.علي محمود السوداني. الكتاب الذي نشر الكترونيا بصيغة (PDF) على الموقع الإلكتروني الرسمي للهيئة العربية للمسرح خلال شهر (سبتمبر 2020). 

شارك في مناقشة محتوى الكتاب، بالإضافة إلى مؤلفه أ.علي محمود السوداني كل من السينوغراف الأردني أ.محمد المراشدة والسينوغراف المغربي د.طارق الربح. وسير هذا اللقاء أ.عبد الجبار خمران  مسؤول الاعلام في الهيئة العربية للمسرح.

بعد الترحيب بالحضور وتقديم الخطوط العريضة لبرنامج “إقرأ كتب الهيئة” وتحية المشرفين والمتابعين لإنجاز البرنامج في الهيئة العربية للمسرح الدكتور يوسف عايدابي والأستاذ غنام غنام والأستاذ الحسن النفالي وعلى رأسهم الأستاذ إسماعيل عبد الله الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، تم تقديم محتويات كتاب “المنظومة الضوئية وتغير المكان في العرض المسرحي” من طرف مسير اللقاء. ثم تحدث الكاتب العراقي أ.علي محمود السوداني مجيبا عن سؤال لماذا الكتاب وما هي أهم الإضافات التي جاء بها؟ موضحا بان الكتاب خلاصة لتجارب اشتغالاته على سينوغرافيا العرض المسرحي، وهو رسالة ماجيستير سجل بها عديدا من الحلول التقنية التي توصل إليها عبر مشواره الفني رابطا إنجازه بقيم جمالية وفكرية راهن على تجسيدها من خلال عمله على المنظومة الضوئية وعلاقتها بدلالات المكان المسرحي وفق المتغيرات والتحولات التي تطرأ عليه داخل العرض المسرحي. 

وقد اعتبر المنظومة الضوئية بمثابة العنصر الأساسي في كشف خواص المكان، كما تحدث عن تطورات المكان التاريخية والفلسفية والجمالية انطلاقا من تطور البناء المعماري للفضاء المسرحي منذ العصر اليوناني وإلى عصرنا الحالي مرورا بكل الحقب التاريخية التي عرف فيها المكان تحولات مفصلية أثرت على العرض المسرحي وجمالياته التقنية والفنية، وكذا التطورات التكنولوجية لمصادر الإضاءة وسمات اشتغال الاتجاهات والمدارس المسرحية التي اهتمت بالضوء كلغة فنية وكعنصر جوهري في العرض المسرحي.

وفي حديثه عن نماذج العروض المسرحية التي تناولها في الكتاب، أشار إلى أن استقصائه الجمالي لهذه العروض كان وفق (المكان المتغير) أي بناء على اختلاف مكان العرض وصالة المتفرجين، وذلك من اجل رصد مسار رسم الصورة البصرية والجمالية ذات الدلالات المتغير وفق المكان المتغير…

بعدها تدخل السينوغراف الأردني أ.محمد المراشده مشيرا إلى أن  كتاب (المنظومة الضوئية وتغير المكان في العرض المسرحي) إضافة هامة للمكتبة العربية، وبأن علي السوداني انطلق في بحثه من “المكان” وأهميته في تشكيل العرض من خلال “المنظومة الضوئية” التي تتمازج مع الفضاء بكل تقنياته، وفي ضوء ذلك يؤكد المؤلف على دور المتغيرات المكانية في خلق منظومة ضوئية مناسبة طبقا للمكان المتغير.

وأضاف المراشده بأن ميزة هذا الكتاب تتمثل في كونه تجربة حية للمؤلف ارتبطت بمحطات خاصة بمنجزه الابداعي المسرحي ضمن محطاته المتنوعة نظريا وعمليا، ليقدم لنا من خلال معطيات الكتاب خبرته في التعامل مع الفضاء والتصميم وآليات بناء المنظومة الضوئية بصريا وبما يحقق سيلا من القيم الفكرية والعاطفية والجمالية.

ولكي يتوصل السوداني إلى طبيعة المنظومة الضوئية وتغير المكان في العرض المسرحي – يقول المراشده – نجده يختار ثلاث مسرحيات كعينات لكتابه هي: روميو وجولييت تأليف شكسبير واخراج مناضل داوود، ومسرحية غريم الورد تأليف الدكتور عقيل مهدي واخراج الدكتور قاسم مؤنس، ومسرحية اموت والعذراء اخراج ابراهيم حنون، وقد توصل من خلال تحليله للعينات إلى عدد من النتائج أهمها:

1ـ ينبغي أن يتناسب التوزيع لمنظومة الضوء مع حجم فضاء العرض بصورة عالية ودقيقة من أجل الوصول إلى مشاهد أكثر تأثيرا من الخطوط ودلالاتها والشكل وتكويناته.

2ـ إن الخبرة الفنية لدى المخرج أو المصمم المحترف تسهم بانتاج بدائل للشكل المسرحي في حالة تغير المكان.

3ـ العروض التي تقدم في مسارح العلبة تكون النتائج الفنية فيها أفضل من القاعات والفضاءات الأخرى من حيث الإيهام والتأثير الجمالي والفكري.

4ـ إن تباين مستويات الاضاءة وحركتها المستمرة بتغيير شكل المكان فكريا من شأنه أن يخلق تنوعا مستمرا في تدفق الشكل البصري للعروض المسرحية.

5ـ إن اختلاف فضاءات العرض من حيث الشكل المعماري يدعو إلى إعادة صاغة شكل العرض الواحد عند نقله لفضاء مختلف عن بيئته الأولى.

     أما د.طارق الربح فقد اعتبر، في مداخلته، كتاب “المنظومة الضوئية وتغير المكان في العرض المسرحي لعلي السوداني مادة نظرية قيمة وغنية بالمعطيات والمعلومات والأفكار. وقد تناسبت بنية الكتاب مع المنهج المقارن الذي تبناه الكاتب، وهو ما جعل الكتاب يتميز بتركيز المعطيات في ثلاثة أجزاء، بناء على اطلاع ومطالعة وقد توج بحثه باستنتاجات، إعمالا لحس الباحث المتسم بالفاعلية، الفكرية والعلمية، وقد جاءت هذه الاستنتاجات على شكل خاتمة، جد مقتضبة. ومن خلال قراءتنا للكتاب نستشف جزءا مهما من مرجعيات المؤلف النظرية فيما يخص الإضاءة، كما نقف على اهتماماته المنهجية في صياغة تصوراته الفنية في الإضاءة المسرحية، ونتشارك معه جزءا من قلقه المهني والجمالي. وهنا تكمن قيمة كتابات المهنيين.

     يضيف الربح بان الكتاب تمحور حول وظيفية الإضاءة المسرحية وارتباطها بالمكان المسرحي، لدرجة التدقيق والتمحيص في مختلف التفاصل العلائقية التي تربط فاعلية كل منهما بمختلف عناصر العرض: من نص مسرحي، ورؤية إخراجية، واشتغال الممثل، وأحجام قطع الديكور وألوانها، وطبيعة أقمشة الأزياء المسرحية وألوانها أيضا.

في نهاية مداخلته تقدم الربح للقائمين على إصدارات الهيئة العربية للمسرح، بأن ينظروا في إمكانية اعتماد محققين لغويين لإصداراتها، ليعملوا على تصحيح الهفوات اللغوية.

واعتبر في حديثه، بأن تخصيص الحلقة الأولى من سلسلة “إقرأ كتب لهيئة” لمجال السينوغرافيا، هو إشارة لا بد من التقاطها من لدن كافة المشتغلين بمجال السينوغرافيا في الوطن العربي، ومفادها أن الهيئة تضع السينوغرافيا، بكل تخصصاتها، في صلب اهتماماتها، وفي مقدمة برامجها الإشعاعية والتأهيلية للمسرح العربي.

بعد المداخلات الثلاث فتح مسير اللقاء المجال لمشاركة الحضور في النقاش حيث تدخل كل من:

أ.حسن النفالي – أ.محمد شرشال – د.عمر فرتات – أ.ابراهيم الحارثي – أ.سامي الزهراني – أ.مختار عسري – أ.فاضل يحيى – أ.أمين بودريقة  – أ.علي موسى – أ.محمد سامي…

وقد أثنى المتدخلون من الحضور على مبادرة الهيئة العربية للمسرح في فتح منصة للنقاش والحوار حول إصداراتها وتداول مواضيع تعنى بالمجال المسرح بمختلف تخصصاته الجمالية والفكرية والتقنية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحلقة الإلكترونية الأولى من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”

(عين على المسرح)

 برنامج “زوم”

{إقرأ كتب الهيئة}

برنامج شهري يفتح نقاشات فكرية

حول إصدارات الهيئة العربية للمسرح

كتاب شهر أغسطس 2020

“الدراما الرقمية والعرض الرقمي.. تجارب غربية وعربية”

تأليف سباعي السيد

“الدراما الرقمية والعرض الرقمي.. تجارب غربية وعربية” في الأصل رسالة ماجستير تقدم بها المؤلف إلى المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة في يناير/كانون الثاني 2016 وتحت إشراف الباحث والمسرحي الراحل د.حسن عطيه.

يحتوي الكتاب على مقدمة وستة فصول وخاتمة.. وجاءت عناوين الفصول كالتالي”

  • الفصل الأول: الثقافة الرقمية
  • الفصل الثاني: الفنون والتكنولوجيا الرقمية
  • الفصل الثالث: الدراما الرقمية وعروض الحاسب
  • الفصل الرابع: العرض الرقمي
  • الفصل الخامس: تجارب عربية في العرض الرقمي
  • الفصل السادس: إشكاليات في العرض الرقمي

     ينطلق الكتاب في مقدمته عبر تساؤل مهم هو: “كيف للمسرح ان يستفيد من التقنية الرقمية وان يوظفها في العرض المسرحي، دون ان يفقد جوهره وطبيعته الحيوية؟”.

عبر هذا التساؤل الإشكالي يسعى المؤلف إلى أن “يلقي الضوء على الأشكال الجديدة من العرض المسرحي والتي تستخدم التقنية الرقمية استخداما كثيفا ومتصلا بموضوع العرض، كما يستقصي طبيعة التفاعل بين المسرح وفنون الأدائية الأخرى من ناحية وأيضا علاقة التقنية الرقمية بجمهور المسرح، وكيف يمكن للتقنية الرقمية بشكل عام ان تنتج نموذجا مغايرا وأكثر ملاءمة وقبولا للمتفرج العربي المعاصر الذي يعيش العديد من المتغيرات السياسية والاجتماعية والتي جعلته أكثر إقبالا على المشاركة والتفاعل”.

     كتاب قيم يمتد مجال بحثه تاريخيا في العقد الأخير من القرن العشرين في المسرحين الغربي والعربي. ويعتمد سباعي السيد فيه على منهج بحثي يقوم على البحث التاريخي في علاقة المجتمع البشري بالتكنولوجيا والثورة التكنولوجيا في القرن العشرين، والربط بين الفنون الرقمية وبين الأطروحات الفلسفية عند فوكو وبودريار وغيرهما من فلاسفة ما بعد الحداثة. من خلال قراءة للإبداع المسرحي الرقمي – يضيف سباعي – الذي بدأ بالدراما الرقمية عند تشارز ديمر وانتهاء بأحدث التجارب في العرض الرقمي واستخدام مسرح الأنترنيت.

نضع الكتاب بين يدي قراء الموقع الالكتروني للهيئة العربية للمسرح طيلة شهر أغسطس 2020 للتفاعل مع مضمونه ومقترحاته وطروحاته بالتعليق والتعقيب والمساءلة والتنقيب

لنكوّن يعد ذلك ملفاً إلكترونياً حول الكتاب من المساهمات والمناقشات والتعليقات الوافية والوازنة، والتي سيتم نشرها إلكترونيا في وقت لاحق بعد انتهاء الشهر المحدد.

مرحبا بمشاركة وتعليقات القراء والباحثين والمهتمين

اضغط هنا للإطلاع على فيديو المؤلف وقراءة الكتاب:

https://bit.ly/3HrFh1R

ملاحظة:

* الكتب تُقرأ على موقع الهيئة وغير قابلة للتحميل.

* التفاعل مع الكتاب المقترح لا يتجاوز مدة الشهر المحدد لمناقشته.