– التكامل الإبداعي بين المخرج والممثل وتأثيرهما على الجمهور –
الدكتور راجي عبدالله
في البدء يقتضي التنويه أنه لايوجد في علم المسرح أن هنالك تكاملاً إبداعياً كاملاً ونهائياً في أي عرض مسرحي منذ البداية , لأن أي عرض مسرحي لايحقق شروطه الإبداعية الكاملة إلا من خلال مخاض عسير من البحث والتطبيق على خشبة المسرح , لأي عمل مسرحي مهما كانت صعوبة تحقيقه أو سهولتها , وفقاً للعمل الذي ينوي المخرج تقديمه للجمهور بالتعاون الدائم مع الممثلين من مرحلة إلى أخرى , حتى المراحل النهاية للعرض التي نطلق عليها ( جنرال بروفه ) أو العرض النهائي قبل تقديمه للجمهور .
هنا تبرز لنا الكثير من الأسئلة الهامة , منها هل أن العلاقة بين المخرج والممثلين هي علاقة متجانسة , أو أنها علاقة لا يوجد فيها أي نوع من التجانس على الإطلاق ؟ وهل أن الخطة الإخراجية التي يضعها المخرج من البداية يجب أن تنفذ بالكامل , دون أن يكون للمثلين دور في تحويلها من خطة مكتوبة على الورق , أو أنها مرسومة في ذهن المخرج وفي تصوراته الإخراجية الخاصة به ولا يكون لمجموعة العمل رأي فيها ؟ إذن ماهو الحل الأمثل في إيجاد علاقة متكاملة بين المخرج وفريق عمله من أجل تقديم عمل تتوفر فيه كل الشروط الإبداعية على خشبة المسرح , بعد سلسلة طويلة من التدريبات الفنية التي تتطلب أعلى درجات التواصل الفكري والجسدي بين المخرج والممثلين , فالممثل لم يكن كالآلة الجاهزة للحركة أو الأداء متى ما أراد المخرج تحريكها إلى الأمام أو الخلف أو الجوانب , وعلى الممثل الطاعة الكاملة , من أجل تنفيذ ما يريده سيد العمل كما يطلق عليه الآن في مسارحنا العربية أومن قبل أيضاً , كما هو متعارف عليه في مسارح هذه البلدان وكذلك في المسرح العالمي , خاصة بعد مرحلة نِشأة المذاهب المسرحية والطرق الأخراجية المتنوعة التي تؤكد على سلطة المخرج كما ذكرت .
في هذه الحالة ستكون هنالك سلطتان , سلطة النص أولاً ومن ثم سلطة المخرج , وفي هذه الحالة أيضاً ستكون هنالك حالة من التقسيم الإبداعي للعمل المسرحي الذي يفترض فيه أن تتوحد كل شروط العمل ومناخاته الجادة والجيدة منذ البداية إلى النهاية , وفقاً للقناعة المشتركة بين كل فريق العمل وبين ما يريده المخرج وكاتب النص منذ البداية حتى النهاية , وهذا ينطبق على النصوص المكتوبة , أما النصوص الحركية فهي لا تخضع إلى هذه الشروط وهذه التطبيقات .
إن ما أطرحه هنا لا توجد فيه أية دعوة إلى رفض ما هو سائد من تعامل متعارف عليه خاصة في مسارحنا العربية كما ذكرت , وليس فيه دعوة للتمرد على المخرج المسرحي لتعم الفوضى على خشبة المسرح , لأن المخرج منذ البداية حتى النهاية هو مايسترو العرض المسرحي , وهو المجدد والباعث للعمل المسرحي , وهو المحرض والمنظم لعملية التواصل المسرحي مع الجمهورمنذ ظهور دوره ووجوده كضرورة فنية إبان مرحلة متأخرة من تطور المسرح في أوربا , حتى أصبح فيها وجوده ضرورة إبداعية هامة للتعامل الإبداعي المسرحي في الوقت الراهن وفي كل مكان .
إذن ماهو السبيل لتحقيق عرض مسرحي قائم على التكافؤ بين الإثنين المخرج والممثل ؟ وماهي الطريقة المثلى لتوحيد جهودهما , في عمل يتطلب الخلق الإبداعي الدائم ويعتمد على التجانس الفني المعرفي بينهما وبين جميع التقنيين والعاملين في المسرح على إختلاف الحاجة الماسة لهم في كل عرض ؟
إن هذه العلاقة تعتبر من أهم العلاقات التي تتطلبها الشروط الأساسية لإتمام التجربة المسرحية بشكل كامل , ومع أن لكل مخرج مسرحي طريقته الخاصة بالتعامل مع الممثل , لكنهم في النهاية يشتركون جميعاً في البحث عن الكيفية الملائمة التي تحدد هذه العلاقة , منذ لحظات الاختيار الأولى للنص وتوزيع الأدوار والتدريبات المسرحية , التي قد تستغرق شهوراً طويلة وصولاً إلى عرض مسرحي متكامل .
إن هذه الكيفية ليست عفوية أو إجتهادية ولا تحدث بمحظ الصدفة , خاصة في عالم اليوم الذي تنوعت فيه التجارب وتكاثرت فيه المدارس النقدية التي تعتمد في أغلبها الآن على أنماط جديدة من التجريب والحداثة , والتي فرضتها ضرورات التنوع في العروض المسرحية خاصة في الشرق وفي مسارحنا التي تجاوزت تجارب بعضها قرناً من الزمان , بعد أن كان المخرجون فيها يعتمدون على نظرية ستانسلافسكي في فن التعامل مع الممثل , دون الأخذ بالإعتبار التعامل مع النظريات والتجارب الحديثة التي تتطلب تنظيم تلك العلاقة بطريقة مغايرة , لكن اليوم قد إختلفت تلك التجارب والمناهج المتبعة في مناطق مختلفة من العالم , وقد إختلفت أيضاً حتى في روسيا , وهي البلد الذي انبثقت منه نظرية ستانسلافسكي الواقعية نظراً لظهور طرق مختلفة يتعامل بها المخرج مع ممثليه , و مازال الصراع قائماً بين جميع المدارس المسرحية , التي اعتمدها منظرو المسرح للبحث عن الكيفية الجديدة المثلى التي تساعد المخرج في تنظيم تلك العلاقة مع فريق عمله كاملاً .
لكن الاختلاف بين أقطاب الفن المسرحي مثل ستانسلافسكي وفاختناكوف وميرهولد وبريشت , وغرتوفسكي , وبيترك بروك, له ما يبرره تماماً تبعاً للمرحلة الزمنية التي ظهرت بها تلك التجارب ونوعيتها , وللدلالة على ذلك يمكن أن نضرب مثلاً عن رؤية ستانسلافسكي إلى التعامل مع الممثل حيث يقول :
( إن تمثيل أدوار هاملت وماكبث ويوليوس قيصر وريتشارد الثالث , لا يمكن فقط أن يتم بالاعتماد على المشاعر فقط من البداية حتى النهاية , وهذه مسألة غير ممكنة بالتأكيد, لأنه ليس من أحد يمتلك مثل هذه القوة . ففي خمس دقائق من المشاعر وثلاث ساعات من التكنيك العالي يمكن تمثيل شكسبير ) .
ومع أنني من الداعين إلى التعامل الحديث على خشبة المسرح وفقاً للمدارس الحديثة , فإنني أجد أن نظرية ستانسلافسكي ستبقى نظرية هامة لإعداد الممثل من قبل المخرج , خاصة بالنسبة للممثلين الذين يدرسون علم المسرح والممثلين الهواة فقط , وعلى المخرج في مثل هذه الحالة اختيار الطريقة التي يتعامل بها مع ممثليه ليس اعتماداً على فكرته هو , بل اعتماداً على نوعية الممثلين الذين يعملون معه وإمكاناتهم الإبداعية .
غير أن الأمر الذي بات مختلفاً عند الممثلين المحترفين الذي يتوجب عليهم الحفاظ عليه , هو الحفاظ على تلك الأدوات الفنية الراقية التي أدت بهم إلى الاحتراف , بنفس القدر الذي يتوجب على الممثلين المبتدئين الأخذ به وتعلمه خاصة فيما يتعلق في العلاقة مع المخرج , ألا وهو السعي الدائم في تحقيق صيغة عمل إحترافية دون أن تكون هنالك صيغة أخرى تفرض عليه , مهما كان مستوى الإحتراف الذي وصل إلى ذروته بما يتناسب مع مستوى الإحتراف مع المسرحيين الآخرين في الفريق الواحد .
واليوم لم تعد تلك التعليمات المتوارثة في تحليل الإبعاد الشخصية المختلفة مثلما كان يحدث في الماضي , مثل تحليل البعد الداخلي للولوج إلى طبيعة الشخصية , ولا تحليل البعد الخارجي لها أو حتى البعد الإجتماعي , كما هو معمول بهما في السابق ومازل يعمل بهما في مسارحنا العربية , ولا وجود لوحدة الزمان والمكان والموضوع , تلك الوحدات الثلاث الموجودة فعلاً منذ المراحل الأولى لظهور الأعمال المسرحية الجادة , ليست الشفاهية بل المكتوبة , والتي ظهرت بالتحديد عند اليونانين القدماء .
ومع كل هذا وذاك يمكنني التأكيد على أنه إذا كانت وحدة الزمان والمكان قد فرضتها طبيعة العمل المسرحي سابقاً , ابتداء من المرحلة الكلاسيكية القديمة وتطورها لاحقاً في مرحلة الكلاسيكية الحديثة, ثم الخروج عنها بعد ذلك في مرحلة الرومانسية , فإن وحدة الموضوع تعتبر من الوحدات الهامة التي لا يمكن لأي عرض من العروض المسرحية القديمة والحديثة الخروج عنها .
فالعمل المسرحي الذي لا يهدف لطرح موضوع ما , هو أشبه ما يكون بلعبة مسرحية وليست مسرحية