ضيــف الغفلـة: أخبار الضيف وعن الدار وما لحق بها – عبد المجيد أهرى#المغرب

عبد المجيد أوهرى وحسن هموش

ضيــف الغفلـة: أخبار الضيف وعن الدار وما لحق بها 

عبد المجيد أهرى.

* الورقة تقديم لمسرحية “ضيف الغفلة” لحسن هموش، ضمن فعاليات الدورة 2 لمهرجان هواة المسرح بمدينة آسفي.

    تتعدد المداخل التي يمكن أن نلج منها إلى مسرحية <ضيف الغفلة> للكاتب المسرحي والمخرج حسن هموش، التي تبني خلفيتها الدرامية من مسرحية <طارطوف> للكاتب المسرحي الذي شغل الناس والعباد، وحظي بدعم الملك لويس الرابع عشر، ورغم ذلك كان للكنيسة رأي أقوى من الملك، فأصدرت في حقه، فرمان الدفن ليلا من غير صلاة ولا طقوس في المدافن المخصصة للمنتحرين وللأطفال الذين توفوا قبل أن يعتمدوا، إنه جُون بَاتِيسْت بُوكْلَان Jean-Baptiste Poquelinالمُلقب بمولييرMolière. ومن المداخل التي نقترحها لقراءة المسرحية، علاقتنا بـ (موليير) على المستوى العربي والمغربي ترجمة واقتباسا وتعريبا، إلى جانب مدخل آخر يشكل مشروع فرقة تانسيفت أساسه، بما أننا أمام إبداعات المدير الفني للفرقة، وأغلب إبداعاته موجهة بالأساس إلى مشروع فرقة تانسيفت منها مسرحية <ضيف الغفلة>.

• المســرح العربــي ومولييــر:
لم يكن انبلاج فجر المسرح العربي إلا مع موليير، عبر اقتباس مارون النقاش (1817-1855)، لمسرحيتي موليير <البخيل> سنة 1848، و<الحسود السليط> عام 1853. وبعد ذلك مع تجارب يعقوب صنوع 1839 ـ 1912 في مسرحيته <موليير مصر وما يقاسيه> على غرار مسرحية موليير <مرتجلة فيرساي> سنة 1663، مرورا بنجيب الريحاني 1895 ـ 1949، من خلال اقتباساته عن موليير منذ سنة 1919، وبتعريب محمد عثمان جلال لبعض مسرحيات موليير، منها <النساء العالمات> و<مدرسة الأزواج> و<مدرسة النساء> و<طارطوف أو الشيخ متلوف>.

   وصولا إلى حضور موليير في بدايات تأصيل المسرح المغربي من خلال أعمال (فرقة التمثيل العربي للإذاعة المغربية)، عبر إعداد المرحوم عبد الله شقرون لمسرحية < الطبيب على الرغم من أنفه> لموليير سنة 1952 ـ 1953، ومسرحية < غيرة الملطوخ> باللغة العربية الفصحى سنة 1954 ـ 1955 عن نص لموليير. إلى جانب أعمال (فرقة التمثيل المغربي) التي كانت تحمل اسم (فرقة المعمورة) و(فرقة المسرح الشعبي) من خلال مسرحية <عمايل جحا> عن مسرحية موليير ، و<مريض خاطرو> عن مسرحية ومسرحية <المثري النبيل> عن مسرحية ؛ وقد قام بالاقتباس كل من (أحمد الطيب العلج وعبد الصمد الكنفاوي والطاهر واعزيز، الذين كانوا يوقعون مسرحياتهم باسم مشترك هو (عطاء وكيل). مرورا بتجربتين مختلفتين في طريقة التعامل مع موليير، انطلاقا من نص مسرحي واحد هو <الطبيب رغما عنه>، هما مسرحية <الحكيم عاشور> من اقتباس أحمد الطيب العلج لفرقة هواة المسرح الوطني بفاس، سنة 1956 ـ 1957، ومسرحية <الطبيب رغم منه> من ترجمة إلياس أبو شبكة، لفرقة النادي الفني المراكشي كوميديا في السنة نفسها 1956 ـ 1957.

    وصولا إلى تجربة المؤلف المسرحي والدراماتورج والمخرج حسن هموش في مسرحيته <ضيف الغفلة> التي تبني خلفيتها الدرامية من مسرحية <طارطوف>. وقام بإخراج المسرحية، المخرج المسرحي مسعود بوحسين، وتشخيص كل من فضيلة بنموسى ومريم الزعيمي وعادل أبا تراب وسعيد أيت باجا، والسينوغرافيا من توقيع نور الدين غنجو، والملابس من تصميم سناء شدال، والموسيقى من ألحان الفنان محمد الدرهم، وإدارة الإنتاج والعلاقات العامة من طرف الفنان محمد الورادي، وقد عرضت المسرحية لأول مرة بتاريخ 25 مارس 2015 على مسرح دار الثقافة ـ مراكش.

• مشـروع فرقة تانسيفت وأعمال المؤلف حسن هموش:
لا تستقيم أية قراءة لأعمال الفنان والمؤلف المسرحي (حسن هموش)، من ضمنها مسرحية <ضيف الغفلة>، من دون الوعي بكون هذه التجربة المسرحية تأليف وإخراجا، لا تشكل إلا حلقة ضمن العقد الفريد لمشروع فرقة تانسيف، فلها يكتب حسن هموش وفق تصور نسقي يجمع بين الفرجوي والجمالي. ولقد عملت الفرقة ـ كما جاء في غلاف مسرحية <ضيف الغفلة> ـ منذ تأسيسها البحث في ثقافتنا المغربية المتنوعة الروافد، بكونها ثقافة متوسطية وأمازيغية وعربية وعبرية. كما أن مشروع الفرقة الذي يوجه الأسلوب الجمالي والتصور الفكري يتحدد كما جاء في دليل مسرحية <الساكن> باختيار الفرقة الاشتغال دوما على تيمة الأسرة، وهو اختيار في الأسلوب والمنهجية إلى جانب الاختيارات الفنية والجمالية، التي تجعل من قضية الأسرة، قضية مجتمعية مفتوحة على كل القراءات المتعددة والتأويلات المحتملة ومن ضمنها بالخصوص مسرحية <ضيف الغفلة> التي تزاوج مثلها مثل مسرحية <الساكن> ما بين ثنائية الخطاب والفرجة كإحدى مقومات العرض المسرحي.

    استطاعت الفرقة على مدار العشرية الأولى ثم الثانية، أن تراكم تجارب لها قيمتها المضافة للمسرح المغربي، فجل الأعمال المسرحية قام بتأليفها حسن هموش أو أعدها واقتبسها، فعلى مدار العشرية الأولى ثم الثانية، استطاعت الفرقة أن تراكم تجارب لها قيمتها المضافة للمسرح المغربي، فاشتغلت الفرقة على مسرحية <جرات الريح> في موسم 1998 ـ 1999، وعلى مسرحية <كيد الرجال> في موسم 1999 ـ 2000 ، واشتغلت الفرقة على مسرحية <مرسول الحب> في موسم 2000 ـ 2001، ثم على مسرحية <حراز عويشة> في موسم 2002 ـ 2003 ، وخلال موسم 2003 ـ 2004 تم الاشتغال على مسرحية <الهبال فالبحر>، وبعد ذلك الاشتغال على مسرحية <باسـو> خلال موسم 2004 ـ 2005، فمسرحية <التسليم للأسياد> في موسم 2005 ـ 2006، ثم التجربة المتميزة في مسار الفرقة <كيف الطوير طار> موسم 2007 ـ 2008 ، حيث استطاعت المسرحية أن تحصد الجائزة الكبرى للمهرجان الوطني وجائزة التشخيص وجائزة الملابس وجائزة السينوغرافيا، وفي موسم 2009 ـ 2010 تم الاشتغال على مسرحية <ناكر الحسان>، قبل أن تشتغل الفرقة على تجربة متميزة جدا <دارت بنا الدورة> سنة 2012، فمسرحية <ضيف الغفلة> سنة 2015 كأولى تجارب التوطين، ثم مسرحية <الساكن> في سنة 2016، وتختم عشريتها الثانية بمسرحية <أحلوا الباب> سنة 2017. إلى جانب مسرحيات أخرى ساهم (حسن هموش) بتأليفها أو إعدادها مثل مسرحية <باب المدينة> ومسرحية <صياد النعام> ومسرحية <طرز الحساب> لفرق مسرحية أخرى منها فرقة النادي الفني كوميديا ومسرح الاكواريوم.

    إن كل الأعمال المسرحية التي ذكرنا، التي تقع أغلبها في مشروع فرقة تانسيفت، تؤكد تيمة الأسرة كاختيار في الأسلوب والمنهجية جماليا وفكريا، بل يمكن القول إن هذا الاختيار يطغى على كل الأعمال التي كتبها (حسن هموش) حتى تلك التي اشتغلت عليها فرق مسرحية أخرى من تلك التي ذكرنا. ومن ثم، ماذا يمكن أن يقول لنا حسن هموش في اختياره استنبات إحدى روائع المسرح العالمي <طارطوف> في التربة المغربية في مسرحية <ضيف الغفلة>؟ ما اختياراته الجمالية؟ وكيف تشتغل الكتابة النصية والبناء الدرامي؟ وما الخطاب التي يواجهنا بها حسن هموش في <ضيف الغفلة>؟

• ضيف الغفلة: أخبار الضيف وعن الدار وما لحق بها
تقترح علينا فرقة تانسيف عبر منشوراتها، بالضبط العدد الثاني، مسرحية <ضيف الغفلة> للكاتب والمخرج المسرحي والدراماتورج والمدير الفني لفرقة تانسيف حسن هموش؛ وهي مسرحية مدعمة في إطار دعم التوطين المسرحي لسنة 2015، وتقع المسرحية في 91 صفحة من الحجم المتوسط.

    يتصدر غلاف المسرحية صورة للممثلة مريم الزعيمي أمام المرآة، في إحدى لوحات عرض المسرحية، ثم تقديم بتوقيع المؤلف نفسه، يكشف الهدف من عملية النشر التي تستهدف تقوية ذاكرة المسرح المغربي، عبر المساهمة في نشر وتعميم الكتاب المسرحي، بعد العدد الأول من منشورات الفرقة بمسرحية <كيف طوير طار>، كما يكشف عن الخلفية الدرامية للمسرحية، التي تستوعب كل المفارقات والسخرية والنكتة التي بثها موليير في مسرحية <طارطوف>، فالورقة التقنية لعرض المسرحية التي شهد مسرح دار الثقافة بمراكش عرضها الأول يوم 25 مارس 2015 من إخراج مسعود بوحسين، ثم ورقة أخرى تقدم لنا جانبا من خصوصيات شخصيات المسرحية.

    انطلاقا من نظام «الشكل المفتوح»، يتشكل بناؤها الدرامي؛ الذي يعتمد على أربع لوحات، وكل لوحة تضم خمسة مشاهد بين الطويلة والقصيرة، إلا اللوحة الثالثة، التي تضم ثلاثة لوحات، كما نجد صورا من العرض المسرحي في بداية اللوحات أو في نهايتها. ويتطور الفعل الدرامي في المسرحية وفق خطوط منحنية، ويتقدم على شكل وثبات، بلغة مسرحية تعتمد الدارجة المغربية، وانتقاء خاص للكلمات، وتوظيف لشاعرية اللغة وللزجل وللأسلوب التهكمي الساخر.

    وتحكي المسرحية عن ضيف حل بالدار عن غفلة من أهلها، و(تسلل كيف الديب للزريبة) تقول الأخت الصغرى السعدية، و(طالب ضيفت ليلة، صبحنا فصيمانة)، شخصية رابعة تقتحم الفضاء الحميمي للدار، لتفرض نواميسها بعد أن وجد تربة خصبة لتغيير خريطة الحياة، وتحويل الدار إلى زاوية كما يقول صالح: (إكون فعلمكم من اليوم دارنا غادي تولي زاوية). فيستمر الضيف في النصب والاحتيال على الأخت الكبرى، أما الأخت الصغرى فهي كشخصية دروين في <طارطوف> موليير، فلا ثقة لها به، مهما تظاهر به من أمانة وأخلاق، قبل أن تكشف معدنه ورياءه الديني وتطرفه، وتقذف به خارج عتبة الدار.

    أما شخصيات المسرحية، فكما اهتم موليير بشخصية (طارطوف) بكل تفاصيلها، حتى أننا لا يمكن أن نجد مشهدا إلا ويصف لنا هذه الشخصية الاستثنائية، كذلك حسن هموش في مسرحية <ضيف الغفلة>، فقد اهتم كثيرا بتفاصيل شخصية (عبد المالك)، محاولا إبراز أقنعته المختلفة التي يرتديها، قبل أن تسقطها كلها الأخت الصغرى، فعبد المالك هو:
• ولي من أولياء الله.
• راجل متقي ما معاه مزاح وما يقبل كلام الزايد لي بلا معنى.
• ضيف الغلفة،
• الضيف المحترم.
• زاهد في الدنيا.
• نصاب
• وشلاهبي وطامع.
• ولد الحرام.
• ديب.

فشخصية (عبد المالك)، ليس مجرد رجل كاذب مخاتل في إيماءاته، بل هو في الوقت نفسه شخص فاسد وفاسق منذ أول المسرحية إلى آخرها.. دجال ومراوغ. أما شخصية (صالح) الرجل البسيط جدا، الذي تعرض لغسيل الدماغ، فالبحث عن عبد المالك عنده أهم من البحث عن أخته الصغرى ليلا، في المشهد الأول من اللوحة الثالثة. فهو:
• خادم سيده عبد المالك.
• جاهل وغير نية.
• ضبع
• كانبو
• مدمومة.
• يتحكم في ميراث البيت.
أما (الأخت الصغرى السعدية) فهي بالأساس في نظرها (عشاقة وملالة)، وفي نظر الأخ الكبير: (قليلة الترابي) و(اللفعة الكرطيطة). أما (الباتول)، فهي اسم على مسمى الأخت الكبرى غير متزوجة، وتدبر شؤون البيت، والأكثر سذاجة، وتنتفض وسط المسرحية.
إن دراسة نقدية لمجمل الأعمال التي كتبها (حسن هموش)، سيجعلنا نضعها في خانة الكوميديا الاجتماعية، التي تعالج في العمق تصورات فكرية وإيديولوجية وتنتقدها، مثل ما نجد في مسرحية <ضيف الغفلة>. واختيار مسرحية <طارطوف> لموليير باعتبارها الخلفية الدرامية، ليس من أجل أن تسلط الضوء على واحدة من أشهر الشخصيات في تاريخ المسرح العالمي الكوميدي، أو البحث عن قرين آخر لطارطوف، فمن البدهي، أن لكل ثقافة وشعب (طارطوفها) و(عبد المالكها) الذي يخصها، وليس كذلك من أجل الحديث عن شخصية تضع ألف قناع، وتتميز بكل الصفات التي تميز بها عبد المالك في المسرحية. بل الأمر، يتعدى ذلك، إلى ضرورة الوعي والانتباه إلى مثل هذه النماذج التي تقتحم فضاءاتنا، وتسعى إلى إعادة بناء الدار وفق نواميس جديدة، ويتعدى الأمر كذلك إلى ضرورة الوعي بظواهر الإدراك الاجتماعية ودوافع التطرف الشديد في المجال الديني والاجتماعي والسياسي.

    إن أول كلمة تبدأ بها المسرحية في اللوحة الأولى والمشهد الأول المخصص لأغنية الاستهلال هي <رياح الشرق> التي نعرفها ونعي المقصود منها:
من الشرق هبات علينا ريح صاهطة
غيوم تسابق الريح والرعد ساير إصهل
وأول من يتلقى هذه الرياح في المسرحية هم سكان الدار (صالح) و(الباتول) و(السعدية)، فهم أناس من فصيلة البسطاء، إن لم نقل نوعية من الناس التي تتصف بالسذاجة، وتضع بينها وبين معتقدها، بطريقة ما أو بأخرى، كل من الأئمة والقساوسة والأحبار والفقهاء وأولي الأمر والعزم وأهل الشقاق والنفاق والأوصياء، وأصحاب الزعامة الأخلاقية أو الدينية والاجتماعية والسياسية.

    في مسرحية <ضيف الغلفة> ندرك جميعا كيف ندفع الثمن عبر التطرف المتزايد، وندرك كما يقول عالم الاجتماع الفرنسي (جيرالد برونر): كيف أن الإيمان بمعتقدات يجعل من الممكن أن نؤمن بأفكار جنونية من دون أن نكون مجنونين. وكيف يجعلنا الإيمان بمعتقد ننخرط بلا قيد أو شرط في نسق أفكار، يمكن أن يؤدّي بنا إلى التضحية بحياتنا، وكيف يصبح الناس العاديّون متعصّبين..

    هذه كانت أخبار الضيف في <ضيف الغفلة>، وهذا ما لحق بالدار وبأهلها.

الباحث عبد المجيد أهرى

* عرضت هذه الورقة كتقديم لمسرحية “ضيف الغفلة ” لحسن هموش ضمن فعاليات الدورة الثانية لهواة المسرح بآسفي / المغرب

(المصدر إعلام الهيئة العربية للمسرح)

شاهد أيضاً

التسولي يفوز بجائزة أحسن إخراج مسرحي #المغرب