تشيكوف.. “الطبيب صاحب القلم” يتربع على عرش القصة والمسرح

 

 

في تاجنروج بروسيا، كان الطفل أنطون بافلوفيس تشيكوف يعيش حياة هنيئة، مليئة بالأمل والتفاعل مع الأصدقاء، يلهو معهم كل صباح مثلما يفعل الجميع، غير أنّ تغيّرا شديدا طرأ على حياة الأب الذي كان تاجرًا للقماش، حوّل وِجهة العائلة.

رحلات والد تشيكوف كان لها تأثير شديد على شخصيته، وكانت والدته تحكي له عن الرحلات التي صاحبت فيها والده، وما كانت تراه من مجتمعات مختلفة ورؤى مغايرة للمجتمع الروسي، لتثير خياله وتكون واحدة من الشخصيات المهمة في حياته التي صنعت موهبته. يقول تشيكوف: “حصلنا على مواهبنا من آبائنا، أما الروح فأخذناها من أمهاتنا”.

في سن التاسعة عشرة، وتحديدًا عام ١٨٩٧ انضم “سيّد القصة القصيرة”- كما أطلق عليه- إلى عائلته في موسكو، وكافح مع والديه لتدبير متطلبات الحياة الصعبة التي دبّروها بالكاد لسدّ أفواه العائلة السبعة، وبرع في أعمال كثيرة منها “معلم خصوصي”، و”صياد طائر الحسون”، كما رسم رسومات هزلية للجرائد.

عام ونصف العام تقريبًا مضت على تنقّل تشيكوف بين الأعمال المختلفة لمساعدة أسرته، ولكنه استقر بعد ذلك على العمل طبيبا، بعد قبوله في أول جامعة طبية بموسكو، بجانب حبّه لكتابة القصص الخيالية الهزلية التي ينشرها في المجلات المحلية تحت اسم مستعار هو “القلم”.

أُعجب الجمهور بكتابات صاحب “القلم” بشدة، وتعلقوا بما يكتبه، خاصة قصص “مولتي”، و”السهوب” التي نال عليها جائزة بوشكين، بعد بداية كتابته بثماني سنوات، وتحديدًا عام ١٨٨٨، ليطوّر من أسلوبه بشدة ويكتب في الكوميديا والتراجيديا بجانب الأعمال الخيالية الهزلية.

حب تشيكوف للطب ومداواة المرضى جعلاه يعالج الفقراء مجانًا، ويخفف من آلامهم دون الحصول على أي أموال على الإطلاق، وكان يخصص أيامًا أسبوعية يستقبل خلالها الفقراء من شتى البلاد المجاورة للعلاج المجاني، يقول: “الطب زوجتي الشرعية، بينما الأدب عشيقتي”.

كتب تشيكوف عددا من الأعمال المسرحية المهمة في الأدب الروسي خاصة، والعالمي عامة، من بينها “إيفانوف”، و”غابة الشيطان” التي تتناول جزءا من حياة والده عن طريق رجال تعرّضوا الخوف من المستقبل وكيفية خروجهم من تلك الأزمات.

 

ركز “سيد القصة” في مسرحياته على الشخصيات اليائسة بشكل أكبر من تركيزه على الأحداث التي تكون صراعات، ووظفها في السياق المسرحي لتكوّن دلالات عظيمة أحبها المتلقي، لما رأى فيها نفسه والمقربين منه في تلك الفترة.

بجانب كتاباته المسرحية وتعليقاته الساخرة وعشقه للمسرح، شارك أيضًا تشيكوف في التمثيل وجسّد شخصيات هزلية، ليطلق عليه أساتذة المسرح في ذلك الوقت ألقابًا ساخرة عدة.

ذهب تشيكوف إلى أقاصي روسيا لملاقاة عدد من المحكوم عليهم بالأعمال الشاقة في مستعمرة “العقوبات”، لمحاورتهم والتعرف على خفايا نفوسهم البشرية.

وصف بأنه ثاني أكثر الكتاب شعبية على الكوكب بعد شكسبير، وتم اختيار قصته “السيدة صاحبة الكلب”، لتكون أعظم قصة قصيرة كتبت على مرّ العصور.

قبيل وفاته بسبع سنوات تقريبًا، أصدر روايته “المبارزة” التي تعد أقرب للسيرة الذاتية، مع تركيزه على تصوير شقاء الشعب الروسي، في تلك الفترة لم تكن مسرحيته “طائر النورس” حصلت على الإقبال الجماهيري المناسب، ليقرّر بعدها التخلي عن الكتابة المسرحية، لكن بعد ذلك حققت المسرحية نجاحا ساحقًا.

لتشيكوف في المسرح عدد من الروائع منها “العم فانيا”، “الأخوات الثلاثة”، و”بستان الكرز”، وعدد من المؤلفات القصصية من بينها “السيدة صاحبة الكلب”، “المعرض رقم ٦”، “الحرباء”، “البدايج”، “وفاة موظف”، و”حورية البحر”.

توفي تشيكوف بعد تراجع صحته بعد إصابته بمرض السل في 15 يوليو/تموز ١٩٠٤ عن عمر يناهز 44 عاما، وكان يقيم في فندق بمنتجع بادينويلر في ألمانيا، غير أنّ البعض يشير إلى أنه توفي نتيجة نوبة قلبية حادة، وتم دفنه في مقبرة والده في موسكو، بناء على طلبه.

 

العين الإخبارية – إسلام الشرنوبي

https://al-ain.com/article/doctor-pen-holder-throne-story-theater-chekhov

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *