مونودراما تستعرض تفاصيل حياة امرأة مصرية/محمد عبد الرحيم

امرأة وحيدة وطفلها الرضيع في منزلها وحارتها الشعبية، تصحو فزعة وقد اقترب موعد ذهابها إلى العمل. الوقت يُصارعها، لكنها تريد أن تحكي حكايتها، بداية من زواجها من سائق قطار، وحتى رئيسها في العمل، الذي يقف لها بالمرصاد، خاصة إن تأخرت. كحال الكثيرات من المصريات العاملات، روح طفولية واختلاس لحظات حميمية، ومعاناة طوال الوقت. وهكذا يتم نسج التفاصيل المعروفة تماماً لكل امرأة تعمل، صامتة وتحمل على كاهلها عبء الحياة.. العمل والطفل والزوج. ودون أي شعارات دعائية، أو صراخ النساء متخصصات شاشات الفضائيات، تحكي المرأة عن لحظات حياتها، تضحك وتبكي وترتعب من كوابيس تفزعها، ودقات الساعة التي تحدد مصيرها إن تأخرت عن العمل.
«صح النوم» هو الاسم المصري للعمل، المأخوذ عن مسرحية الإيطالي داريو فو، «نوبة صحيان». وكأنه يخص مخلوقات في سجن أو مُعتقل، هذا الاستيقاظ المفروض، والعقاب الذي ينتظر صاحبه إن أخل بالميعاد. العرض المصري من إنتاج فرقة اللعبة المسرحية، ترجمة منحة البطراوي، تصميم إضاءة صابر السيد، موسيقى وشريط صوت شريف الوسيمي، مخرج منفذ فيروز الصاوي وطارق شلبي، والنص من إعداد وإخراج وأداء دعاء حمزة. وقد عُرض مؤخراً في مركز «دوّار» الثقافي في القاهرة.
تعتبر المونودراما من أصعب أشكال العرض المسرحي، فالممثل عليه العبء الأكبر في التواصل وإيصال فكرة العمل. كما أنها شكلاً من أشكال استعراض قــــــدرات الممثل على استعراض تباين الأداء الحركي والصوتي طوال فترة العرض. وفي «صح النوم» الذي تصل مدته إلى حوالي 45 دقيقة، استطاعت الفـــــنانة دعاء حمزة أن تمرر تجربتها إلى المُشاهدين، وأن يتفاعلوا معها ومع ثرثراتها التي لا تنقطع، كذلك تقلبات تعبيراتها من لحظات خوف وفرح واضطراب، عدا بعض اللحظات التي خانها صوتها وتلونه بما تحمله العبارات من دلالات أخرى تكشف حالتها.
من ناحية أخرى يبدو ديكور البيت وتفاصيله، الازدحام الدائم، وتجسيد حالة التوتر التي تعيشها صاحبته. إضافة إلى شريط الصوت، واستخدام أغنيات مُبهجة، تستمع إليها المرأة وتغني معها. يبدأ العرض بلقطات تؤديها بطلته وكأنها في حالة جمود التصوير الفوتوغرافي، حيث تختصر أهم لحظات حياتها، كالزواج، وميلاد طفلها، لتبدأ في يومها المزعوم هذا أمام الجمهور.

الست «أم إمام»

وكعادة المرأة المصرية بمجرد إنجابها، يتوارى اسمها لتصبح أم فلان، وقد أصبحت «أم إمام»، طفلها الذي أصر أبوه على تسميته باسم والده. وبعد نقاشها الطويل رضخت في النهاية. وما بين حالات الثورة التي تنتابها في لحظات، تأتي حالات الهدوء، فتهديدها لزوجها بالطلاق وترك البيت، ينتهي بلقاء حميمي تتباهى به بعد ذلك.

رحلة البحث عن المفتاح

المفتاح ضائع والوقت يجري، وحالة من الاضطراب تضرب المرأة، ماذا ستفعل؟ ويتراوح الإيقاع هنا ما بين التوتر الشديد وإعادة الحكي، ثم الانتفاض فجأة لتذكّر الوقت المُسرع ــ حالة الأداء التمثيلي هنا تتخذ أقصى درجاتها ــ ما بين الاستهانة بالعواقب وتخيّل وقوعها. وخلال هذا الصراع نلمح كم هي وحيدة تلك المرأة، كحال الكثيرات، على العكس من مظهرهن، سواء في الشارع أو وسائل المواصلات، التي بدورها تمثل جحيماً يومياً لا ينتهي.

هذه الفئة وعالمها

ينتصر النص بعد ترجمته للعامية المصرية إلى الفئة الكبيرة من السيدات المصريات، من خلال إيقاع حياتهن اليومي، وتعبيراتهن الحركية، واللغة التي يتحدثن بها.
هن في حالة حرب دائمة مع الحياة، وما الزوج أو الرجل إلا وجود شبحي، يرمي بثقله عند ذكره في بعض المواقف. ودون توسل الرحمة تواصل «أم إمام» حياتها، وتعتبرها قدراً، هكذا خُلِقت وهكذا تعيش.
ملمح لا يغيب عن النص، وهو الابتعاد عن كليشيهات العبارات المعتادة، وحالة التأسي لنساء هذه الفئة، فهن لسن أمواتاً ولا يستجدين أحد، قويات وفاعلات، وحقيقيات إلى درجة كبيرة.
ورغم الجو المأساوي الذي يرسم العمل وتفاصيله، إلا أن الحِس الكوميدي لا يغيب، سواء من تصرفات المرأة أو ردود أفعالها لما يحدث لها. إضافة إلى المفاجأة الكبرى في النهاية ـ بعدما وجدت المفتاح واستعدت للذهاب ـ والتي لا تعرف معها هل تضحك أم تتباكى. فاليوم يوم العُطلة، ونوبة الصحيان الوهمية أصبحت روتيناً تحوّل معه الإنسان إلى آلة، مجرّد آلة يحركها المجتمع وقوانينه كيفما يشاء.
ويكفي بث الشكوى أو اختلاس الضحكات، كيوم العطلة المسروق من سخف الحياة، حتى أن المرأة يمتد حلمها في ما يشبه الهذيان، بأن تسقط كل أيام الأسبوع، ويظل فقط يوم العطلة هو ما يستحق أن يُعاش، فمهما حدث داخل هذا المنزل إلا أنه أكثر راحة وأمناً من محاولة الخروج. فتعاود المرأة نومها كما كانت، وتوحي بأنها طوال الـ 45 دقيقة ــ مدة العرض ــ كانت تروي تفاصيل كابوس طويل.

المصدر/ القدس العربي

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *