جو قديح يخرج عرضا مسرحيا جريئا.. عن نص فرنسي عتيق

جو قديح مسرحي مواظب من دون كلل. مرّت سنوات على ظهوره المتكرر منفرداً على الخشبة، اعتقدناه خلالها أنه ديكتاتور نفسه، ولن يسربل ممثلاً بسلطة مخرج ولا بلؤم أوامره وإملاءاته. بعد عرضه الأخير «غرام وانتقام» يبدو أنه كان منزوياً للإعداد لجديد يجب التوقف عنده.
ها هو على مسرح الجميزة يحمل مع آخرين نصاً مختاراً بعناية، لنا أن نسأل لماذا هو والآن؟ وقف جو قديح أمام المتفرجين مع أبطال بارعين في لعبة الخشبة، خاصة برناديت حديب التي تخطف الاهتمام نظراً للهالة التي يفردها حضورها الآسر.
وضيفة الشرف التي عادت بترحيب كبير من الجمهور رينية الديك. جو حاول تبديل اتجاه البوصلة بعد نصوص كتبها وأخرجها بنفسه، غاص معها في تفاصيل الحياة اللبنانية. من خلالها وسواها لا شك نال كممثل ومخرج وكاتب شهرة واسعة، ونجاحاً في شباك التذاكر كما مسرحيات «Dady، حياة الجغل صعبة، الأشرفية، فيلم سينما وأنا»، ها هو يطل في هذا الموسم مع عرض «غرام أو انتقام» التي لبننها من رواية «العلاقات الخطيرة» التي نُشرت سنة 1782، وهي من كلاسيكيات الأدب الفرنسي. أدوار المسرحية توزعت بين حديب، برونو طبّال، سولانج الترك وباتريسيا سميرة.

في عرضه هذا راح قديح إلى موضوع مقيم في المجتمعات على مر العصور والأزمان واختصاره، الحب، الجنس والانتقام. فتح مساحة رحبة لحوارات تعبر عن علاقات جنس لولبية، حتى يكاد المتلقي يشعر وكأن تلك الفئة من البشر تعيش فقط «الغرام والانتقام». قد يكون اختيار المخرج لهذا النص المغرق في قدمه غير نابع فقط من الاعجاب المفرط به أيام الدراسة الجامعية، بل لرغبة موازية بإسقاطه على زمننا وواقعنا، أو لقناعة منه بأنه نص يشبهنا. هو اعتقاد متاح رغم إصرار قديح الحفاظ على أسماء الشخصيات، كما وردت في الرواية، واستحضار أزياء القرن الثامن عشر. ولا شك بموقف دفين لدى قديح حتى إن لم يصرح به من المرأة، التي مثلتها برناديت حديب بحرفية مطلقة. تلك المرأة التي جمعت بين السلطة والغواية والنفوذ بسلاسة كلية وانسيابية في الأداء.

فحديب أدت في هذا العرض أحد ابرز أدوارها المسرحية، واستطاعت بسط سطوتها في حضورها المسرحي القوي حتى على المتفرجين. ليست حديب وحدها من خطف الأنظار إليه، بل كان لكل ممثل حضوره ومميزاته، ما جعله عرضاً ناجحاً بالنسبة للحضور، وعاد على أصحابه بالرضى خاصة بعد تمارين طويلة مكثفة، وبعد إعداد واستعداد دام بحدود السنة. هو إعداد على صعيد النص والممثلين معاً.
إذ كان على المخرج وملبنن النص قديح وشريكته ماري كريستين طياح أن يحافظا على جوهره الجريء وإبعاده عن الابتذال، نظراً لدقة الموضوع وهذا ما كان. إذ غرقنا خلال العرض في متاهات غرامية ولم نغرق في الاستعراض، رغم الشر الكامن في نفوس الأفراد بالانتقام من خلال الأجساد الندية. عرض تضافرت فيه جهود متعددة إلى جانب الموضوع منها الإضاءة، الصوت، السينوغرافيا والكوريغرافيا إلى جانب حرفية المؤدين، لتنقلنا كما لم يسبق منذ زمن إلى الماضي القديم، حين كان المسرح مغرماً بالكلاسيكيات العالمية المترافقة مع اللغة الفصحى. في غرام أو انتقام أعفانا جو قديح في ترجمته وتعريبه من الفصحى، لكنه احتفظ بالأسماء الفرنسية للشخصيات، فهل سيكون الوقع نفسه مع أسماء عربية؟ لا شك سيكون التأثير مختلفا.

يتواصل العرض حتى 27 الجاري على خشبة مسرح الجميزة.

زهرة مرعي
القدس العربي

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *