يا رب … عرض بعيون وأحاسيس عراقية / د. سيد علي إسماعيل

شاهدت العرض العراقي الجريء جداً جداً جداً (يا رب)، الذي استولى على إحساس جميع المشاهدين، وحبس أنفاسهم من أول دقيقة حتى آخر دقيقة، وأزعم بأنه أجرأ عرض مسرحي رأيته – أو سمعت عنه – طوال حياتي!! والجرأة المقصودة هنا، هي الجرأة الفنية، ولا أظن بوجود جرأة فنية مسرحية عربية تصل إلى درجة مخاطبة الذات الإلهية، وتجسيد أحد الأنبياء على خشبة المسرح!! وربما يظن البعض أنّ هذه الجرأة تُعدّ خروجاً عن المألوف في محاولة من العرض لزعزعة المقدسات والثوابت الدينية!! والحقيقة أنّ العرض يلامس نقطة إنسانية حساسة مرّت بنا جميعا، وهي لحظة التحدث مع الإله في لحظات الضعف الإنساني!! فمن منا لم يتحدث مع الله عز وجل – عندما يُبتلى الإنسان ببلاء – قائلاً له: (لماذا يا رب؟؟ ماذا فعلت حتى تبليني بهذا البلاء)، هذه العبارة هي فحوى العرض المسرحي، وتحديداً هي صرخة الأم العراقية التي تستقبل أشلاء أبناءها كل يوم!! هذه الأم من كثرة ما تستقبل من دماء وأشلاء، رفعت أكفها إلى الله تضرعاً إليه كي يبعد عنها هذا البلاء.
ومع كثرة الدماء ووصول أشلاء الشهداء، بدأت الأم تتخلى شيئاً فشيئاً عن التضرع إلى الله، وهنا كانت إشكالية العرض، وبالأحرى الإشكالية الأم التي بدأت تفكر في أنّ الله هو الذي خلق أبناءها، وهو أيضاً الذي خلق من قتل أبناءها؛ فبدأت تتحدث مع الله متساءلة: ما ذنب أولادها يقتلون، وما ذنب الأمهات الثكالى، وما ذنب البراءة التي تقتل كل يوم؟! وقد جسدت الفنانة (سهى سالم) شخصية الأم العراقية ببراعة فائقة، حيث كانت تؤدي دورها بلمحات وجهها وبنظراتها وبنبرات صوتها!! فالفنانة سهى لم تمثل بجسدها بقدر ما مثلت بمشاعر وأحاسيس الأم المكلومة في أولادها، وظهر هذا الاتقان في دموعها التي كانت تتلألأ في ظلام خشبة المسرح.
هذا العرض الجريء ربما أرفضه، لاشتماله على حديث يدور مع الله على خشبة المسرح، بالإضافة إلى تجسيد أحد الأنبياء! ولكن من المؤكد أنني كنت سأقبله لو كنت عراقياً يعيش المأساة بصورة مباشرة!! فهذا العرض يجب أن يشاهده الجميع بعيون وأحاسيس عراقية حتى نتجاوز ما فيه من جرأة من أجل ملامسة الواقع المرير الذي يدور في العراق الحبيبة.
فتحية إلى كل العاملين في هذا العرض الجريء، وعلى رأسهم الأستاذ “علي الزيدي” صاحب المشروع الإبداعي المسرحي، الذي سيشغل الساحة المسرحية والنقدية مستقبلاً!

المصدر/ محمد سامي مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *