وطفاء حمادي.. لم أنته من قراءتك بعد – يوسف الحمدان

وطفاء حمادي.. لم أنته من قراءتك بعد

يوسف الحمدان

لم يمهلني الوقت حتى أكمل قراءتي لإصدارها الجديد (   المواطنة وتجلياتها في الفنون البصرية والمشهدية .. رؤية الشباب اللبناني ) والتي أرسلته لي فور صدوره مباشرة عبر الواتسب  معززا باستشهادها لسانحة نقدية لي  ” وحسب الناقد الصديق يوسف الحمدان أن ” الدراسات والبحوث التي تتعرشها بعض العناوين العامة لا يمكن أن تكون ذات أهمية في رؤيتها الفكرية والفلسفية دون مستدل تطبيقي يعزز مساراتها وآفاقها ” حتى أباغت بخبر وفاتها يتصدر بكثافة هائلة موجعة صفحات السوشيال ميديا ، لأكون لحظتها في دوامة جائحة من التشوش النفسي والذهني يتصدرها الشك والارتياب في حقيقة هذا الغياب لكائن عرّشت روحه وذاته الحياة في أبهى تجلياتها ، حيث لا ممات لمن واجه الموت بأسئلة الحضور الاشتباكي الخلاق للوعي والذات وأنفاق الطرق المؤدية إلى الملتبس والشائك والمجهول .

إنها الناقدة الباحثة اللبنانية الصديقة الحميمة منذ عهد اللقاء الأول والاشتباك الأول من العام 90 بمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي وحتى لحظة مغادرتها هذه الحياة اللئيمة المخادعة ، الأستاذة الدكتوره وطفاء حمادي التي أشعلت الساحة النقدية والمسرحية في وطننا العربي ، وليس في لبنان فحسب ، برؤاها النقدية والفكرية السائلة والمسئولة والمشاكسة في المسرح والفكر والمعرفة والتي شهدتها مهرجانات وملتقيات ومؤتمرات المسرح في وطننا العربي ، حيث لا تهدأ روحها الشابة المتوثبة المتوقدة الوهاجة قبل أن تدشن رؤى وأسئلة جديدة ومخاتلة فيها تُعد بمثابة إنجاز رؤيوي جديد في قاموس مسارها النقدي الذي يتكيء على الحفر الاركيولوجي العميق لكل ما تتصدى له أو تقف عليه ، وخاصة في حقل النقد النسوي المسرحي ووقوفها على الشباب بوصفهم طاقة خلاقة مهملة في مجتمعاتنا العربية ، فيالها من خسارة يصعب تعويضها في ساحتنا النقدية والفكرية والمعرفية في وطننا العربي .

إنها ناقدة باحثة من الدرجة الأولى ، ومرجعا مهما لا يمكن تجاوزه أو تجاهله إذا ما وقفنا وبتأمل شديد على الدراسات والبحوث والرؤى التي قدمتها خلال مسيرتها النقدية والأكاديمية في لبنان وفي دولة الكويت أيضا ، حيث كانت أستاذة النقد المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية لسنوات شكلت فيها طاقات نقدية شابة ورؤى ثقافية لا تزال في محل اهتمام من تعايشوا معها عن قرب ونهلوا من أسئلتها النقدية المشاكسة هناك، وهي واحدة من أكثر من انتصر من النقاد والناقدات في وطننا العربي وانحاز ودافع ونافح بقناعة وإيمان عن الحرية والحياة والشباب موقفا وميدانا وتمثلا وحوارا وكتابة وبحثا ومواجهة ، ومن أكثرهم وقوفا على النقد النسوي المسرحي ليس بوصفه جنسانية أو جندرية خالصة ، بل بوصفه ميدانا معرفيا يتكيء على مناهج ورؤى واتجاهات مؤسسة وعميقة ، وهنا نلحظ لدى الصديقة الناقدة وطفاء حمادي كيف تتقاطع رؤيتها البحثية الأركيولوجية مع سياقات النقد التحليلي والاجتماعي لتنبثق عنها قراءة رؤيوية تميزها هي كباحثة في حقلها المعرفي، كقرائتها للصحفية الناقدة القاصة اللبنانية عواطف الزين من خلال إصدارها ( عزيزي النابض حبا)، حيث تقف وطفاء على ارتحالات الكاتبة الزين المهنية والحياتية والفكرية ومعاناتها ونضالاتها خلال هذه الارتحالات ، كما تسلط الضوء على بعد آخر في هذه القراءة يقف على المهجر أو الهجرة بوصفها مناطق تخلق وتحول في التكوين الذاتي والمعرفي لدى الكاتبة الزين ، كما نلحظ ذلك في قرائتها لكثير من تجارب الكاتبات والناقدات المسرحيات في وطننا العربي ، حيث تذهب بمشرطها النقدي عميقا في رؤاهن الأدبية والثقافية والمسرحية من خلال ما يكتبن ويقدمن ، سواء كانوا كاتبات أو ممثلات أو ناقدات أو مخرجات، وليس من خلال مساراتهن الشخصية في الحياة ، كما تروم من خلال كتابها ( سقوط المحرمات .. ملامح نسوية عربية في النقد المسرحي) إنصاف المرأة الناقدة من حيث الريادة بعيدا عن تهميشها من خارطة الحضور المؤسس في مسرحنا العربي، كما تعرج وباهتمام بالغ على كتابات ورؤى المبدعين من الرجال العرب وكيف تناولوا وتصدوا وعالجوا قضايا المرأة من خلالها وذلك ليس بوصفهم أندادا أعداء مضطهدين للمرأة، بل بوصفهم قراءات إبداعية تنبثق من التجربة ذاتها وليس من الشخص نفسه، ولذلك

علينا أن نتأمل هذا البحث الحفري في الذات الإبداعية للمرأة قبل الوقوف على متكآت عدائية تذهب إلى مناطق متوهمة في تسويق الفهم الجنساني الضيق للكتابة الإبداعية نصا وعرضا للمبدع الرجل.

إن الصديقة الناقدة المبدعة دكتورة وطفاء حمادي تنطلق في رؤيتها النقدية من ركائز فكرية رصينة على أساسها شكلت ريادة نقدية نسوية في أكثر من تجمع ومبادرة في التأسيس لكيانات تعنى بالنقد النسوي ، وأن أكثر ما كان يلفت نظري ويستوقفني في الناقدة وطفاء هو أنها تتكيء على فهم واستيعاب المرأة الذات والذات الإبداع من الذات الرجل أكثر من المرأة ذاتها ، ذلك أن الذات لدى المرأة في الغالب مهجرة بفعل عسف ما ، أما هذه الذات هي في محل إيغال مباشر وإن كان أحيانا عسفيا لدى الذات الرجل ، وذلك المنحى قل أن نجده لدى كثير ممن طرقوا أبواب النقد النسوي من الرجال أو النساء في وطننا العربي .

وبقدر هذا الاهتمام بالنقد النسوي لدى الناقدة الباحثة وطفاء حمادي نلحظ الاهتمام ذاته بالشباب إناثا وذكورا وأناسا بمعنى أشمل، ويتجلى ذلك الاهتمام في إصداراتها (ثقافة الشباب ومصادرها الرقمية)، و (الشباب المسرحي العربي المهاجر: بين الأنا و الآخر)، و(المواطنة وتجلياتها في الفنون البصرية والمشهدية .. رؤية الشباب اللبناني) تجوس من خلالها في أسئلة ملحة، مثل كيف تبنى المواطنة لمواجهة الانتماء إلى الطائفة ولتحقيق العدالة في لبنان؟ وكيف يرسخ مفهومها في فنون الشباب؟ وكيف يصبح الشباب رافدا من روافد التغيير الخلاق في المجتمع؟ وهي أسئلة تسهم في تأسيس وتشكيل وعي جديد في قطاع الشباب من خلال ممارساته هذه الفنون البصرية والمشهدية، كما أنها رؤية فريدة من حيث التناول والطرح في ساحتنا الثقافية والفنية كم نحتاج إلى قرائتها وتأملها.

هي التي لا تشيخ والتي عندما تكبر تزداد شبابا وألقا، وهي التي كلما ألتقيها لا أرى فيها سوى تلك الفتاة الشابة التي تتوشى بحيوية شابة في روحها وأزيائها وابتسامتها المشرقة وأسئلتها المداعبة والمخاتلة ومشيتها المحاذية الحميمة وكما لو أنني معها نخطو باتجاه درس نعشق اللحظة حضوره بمتعة لا تضاهى، فقد جمعتني بهذه الإنسانة الرقيقة الودودة التي سرقت جزءا

كبيرا من روحي بمغادرتها أرض اللقاء الصاخب والحي ، جمعتنا طاولات الحوار والمشاكسة الخلاقة في مهرجانات وملتقيات المسرح بالقاهرة وبيروت والكويت والشارقة ، وكما لو أننا كبرنا سويا منذ لقاؤنا الأول وما تلاه من لقاءات بصحبة الصديقات اللبنانيات الرائعات ، السينوغراف شادية زيتون والفنانة الاستثنائية رندا أسمر والكوروغراف جنى الحسن ، وكان بيني وبينها مواقف وطرائف لا تنسى ، ولا يمكن أن أنسى معها اللقاء الأول والمتكرر في مقهى المارينا في كل مشاركة لي في مهرجان الكويت المسرحي ، وقد تواصلت معها أكثر ممن كانوا في الجوار وطنا وجغرافيا ، إذ كنا على تواصل مستمر شبه يومي عبر الواتسب أو الفيس بوك كتابة وتعليقا وصوتا ، ولا تزال هذه الكتابات والتعليقات وصوتها أيضا تحتفظ به ذاكرة الجوال ، فهي تعلق في الغالب على كل ما أكتب وهي أكثر من يشاكسني وأكثر من يفهمني وأكثر من يوافقني الرأي ، ولها آراء أعتز بها في المرأة في بعض مسرحياتي ، ومن بينها ( الزيارة الأخيرة ) و( تحولات نجمة في زمن العتمة ) ، وكان آخر لقاء جمعني بها والصديقة الشابة اللبنانية الفنانة الحميمة سوزان بوعلي في الرياض بمناسبة تدشين المسرح السعودي الوطني ، حيث كانت وطفاء في أجمل وأبهى حالاتها الشبابية .

تنتهي اللقاءات الحميمة ولكني لم أنته بعد من قراءة كتابك الجديد يا صديقتي الرائعة (المواطنة وتجلياتها في الفنون البصرية والمشهدية.. رؤية الشباب اللبناني) وأعدك بأنني سأكتب بحب كبير لا يخلو من المشاكسة التي اعتدتها معك عن هذا الكتاب الجديد..

وداعا غاليتي وطفاء..

صعبه.. مو هيك ؟

——————————————–

يوسف الحمدان – البحرين

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش