وسط حضور كبير “الأيام” تقرأ ذاكرة المجالس المسرحية العربية بين الأمس واليوم

الشارقة 24 – مجلة الفنون المسرحية 

 

نظمت إدارة المسرح بدائرة الثقافة في الشارقة على هامش فعاليات مهرجان “أيام الشارقة المسرحيةـ الدورة 28″، سهرة بعنوان “الصالونات والمجالس المسرحية العربية بين الأمس واليوم”، وسط حضور كبير من ضيوف المهرجان.

يتقدمهم أحمد بو رحيمة مدير إدارة المسرح بالدائرة، وتحدث فيها الفنان منقذ السريع من الكويت، والمسرحي الزبير بن شتى من المغرب، فيما أدارها الدكتور محمد يوسف. 

وتناول الدكتور محمد يوسف، ظاهرة المجالس والصالونات عربياً، وتأثيرها في الحراك والفعل الثقافي والمسرحي على وجه الخصوص، مؤكداً أهمية تلك المجالس باعتبارها منصات تُنتَج فيها الأفكار المسرحية، مقدماً سرداً تاريخياً يبين أهمية المجالس الثقافية والتسامر في حياة الناس، مشدداً على أن المجالس المسرحية بالذات تجنّبت القيود والأشكال الرسمية من التجمعات الثقافية، غير أنها أكدت أن المسرح هو عمل جماعي، وحالة جماعية تنتجها عملية تلاقح الأفكار والرؤى من مختلف التيارات، مشيراً إلى أن الأفكار التي تنتج أعمالاً مسرحية دائماً ما تبدأ من تلك المجالس، موضحاً أهميتها في الإمارات وفي نشأة وانطلاقة المسرح الإماراتي. 

فيما تناول منقذ السريع، تجربة دولة الكويت في مجالس المقاهي والصالونات الثقافية والمسرحية، مشيراً إلى أنها قريبة من التجربة الإماراتية، موضحاً أن النشاط الثقافي بشكل عام في دولة الكويت قام على يد أشخاص في شكل تجمعات أهلية، فكانت البدايات في هذا الصدد باكرة جداً، حيث شهد عام 1924، أولى بدايات تلك التجمعات، عبر تأسيس النادي الأدبي على يد عدد من المثقفين، وعلى ضوء هذا التجمع كانت الكويت على موعد مع أول مجلة ثقافية، هي مجلة (الكويت)، عام 1928، ثم تبعتها مجلة (البعثة) التي كانت تصدر في القاهرة. 

وذكر السريع أن من أبرز تلك المؤسسات الثقافية في الخمسينيات من القرن الماضي، كان النادي الثقافي القومي، الذي لعب دوراً كبيراً في الحراك الثقافي بمختلف أشكاله في الكويت، مشيراً إلى أن المسرح بدأ من خلال النشاط التعليمي والفرق التعليمية، منذ وقت مبكر من نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، ثم تطور في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، التي شهدت نهضة مسرحية كبيرة، مؤكداً أن ذلك الحراك أشعله الكويتيون على مستوياتهم الشعبية، مشدداً على دور المجالس والصالونات في تعميق الوعي المسرحي، مشيراً إلى ما يعرف في الخليج باسم (الديوانية)، التي تحمل مدلول المجالس والصالونات الثقافية نفسه، فهي كذلك ذات دلالة اجتماعية في ما يتعلق بقيم التكاتف، ومنها انطلقت الأعمال المسرحية الباكرة، مشيراً إلى ديوانية علي بن عامر، موضحاً أن بعض الديوانيات قد أخذت شكل الصالونات الثقافية، مؤكداً أنها شكلت ركناً أساسياً في المسرح، حيث تعقد لياليها في مقر الفرقة المسرحية، موضحاً أن هذه اللقاءات هي التي تنتج وتخرج الأعمال المسرحية، مؤكداً أنها ما زالت موجودة رغم تجاوز العمل المسرحي الكويتي للخمسين عاماً منذ بداياته التكوينية، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الصالونات المسرحية ما زالت تمارس أنشطتها، رغم ما أفرزته مواقع التواصل الاجتماعي من إمكانيات لقاءات جديدة. 

ومن جانبه، أبرز الزبير بن شتى دور المقاهي والمجالس الثقافية في الحركة المسرحية في المغرب، مقدماً فذلكة تاريخية عن نشاط تلك المقاهي والظروف التي أنتجتها، وبشكل خاص في مدينة طنجة، حيث أشار إلى الدور الكبير الذي لعبة المستعمر الإنجليزي فيها، الذي خلف الاحتلال البرتغالي، في قيام تلك المقاهي والمجالس، موضحاً الاختلافات بين مفهوم تلك المجالس في المغرب ودول الخليج، مشيراً إلى بدايات الحياة الثقافية وخصوصيتها في المغرب، وإلى انفراد مدينة طنجة بفضاء جغرافي وتاريخي مختلف، حيث مثلت دور المحطة الجغرافية التي يلتقي فيها الشمال بالجنوب، بالتالي فإن ذلك الواقع قد خلف ثراء ثقافياً كبيراً، مشيراً إلى أن الإنجليز عاشوا حياة ثقافية في طنجة تشابه تماماً تلك التي عاشوها في لندن ومانشستر وغيرها من مدنهم الكبيرة، حيث شيدوا المؤسسات الترفيهية التي كانت قبلة للناس، ومنها تم تأسيس أول مسرح في المغرب في القرن الثامن عشر، ولم يكن بالطبيعة والتصميم المسرحي الحالي ذاته، بل كان عبارة عن (علية) داخل الصالة الثقافية، فكان ذلك العمل هو نواة لبداية المقاهي المسرحية هناك، الذي كان له تأثيره في شكل الحركة المسرحية في كافة أنحاء المغرب، مشيراً إلى بروز ذلك التأثير في أعمال الرواد المسرحيين، وإلى أن طبيعة الفرجة في تلك المسارح لا تخرج عن نصوص مسرح الرواية. 

وأوضح بن شتى أن ذلك الفعل المسرحي الذي أنتجه الإنجليز، أنتج طقساً موازياً له ذا خصوصية مغربية، حيث تمسَّك فيه المغاربة بأشكالهم المعروفة في الحكي، فكانت هناك الحكاية الشفاهية، مشيراً إلى أن هذه العملية كانت مقصودة من أجل فعل مستقل عن شكل الفرجة الغربية، لتعبِّر في وعي ثقافي عن رفض التبعية، حيث لم يهتم المغاربة بتأسيس مسارح على النمط الغربي حينها، بل أسسوا المقاهي والنوادي للعروض التمثيلية، وهي التي صارت تعرف بالمقاهي الوطنية، حيث كان يمارس هناك السرد الخاص للمحكيات العربية القديمة، مختلطاً بالحكايات التي تأتي من الغرب، وكان الراوي يقوم بالحكي الذي قد يستمر لشهور، مشيراً إلى (شيخ الكلام)، وهو النموذج الذي عرفه المغاربة من أهل الشام. 

وشارك في النقاش عدد من النقاد والمسرحيين من ضيوف المهرجان، الذين أكملوا الصورة بعكسهم لتجارب المقاهي والصالونات الأدبية في عدد من الدول العربية، مثل مصر، وتونس، وغيرها من الدول، حيث أجمعوا على الدور الكبير الذي لعبته تلك المقاهي والصالونات في المشهد الثقافي العربي، وفي قيام وتأسيس المسرح العربي بشكل خاص، داعين إلى ضرورة التوثيق لتلك التجارب التاريخية المهمة في حياة الشعوب العربية، حتى تظل باقية في ذاكرة الثقافة والمسرح العربيين.

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *