واقع المسرح العراقي مناقشة محاور النشاط المسرحي العراقي فنيا وجماليا، وبسلسلة من المقالات بقصد خلق حوار جدلي، هدفه الإصلاح المسرحي…بقلم الدكتور عماد هادي الخفاجي.

 

واقع المسرح العراقي

مناقشة محاور النشاط المسرحي العراقي فنيا وجماليا، وبسلسلة من المقالات بقصد خلق حوار جدلي، هدفه الإصلاح المسرحي…بقلم الدكتور عماد هادي الخفاجي.

ما الذي يمكن أن يفعله المسرح؟ أو ما هو المطلوب من المسرح في ظل التحولات الأيديولوجية الزلازلية التي تعصف بالمجتمعات العربية؟ وبالأخص المجتمع العراقي، لما تعرض له المجتمع العراقي من ظروف تحول معقدة ومائعة طوال خمس عشرة سنة ، ومازالت؟ هذا السؤال نجده اليوم من الإلحاح والضرورة المصيرية، بحيث نطرحه اليوم. وللإجابة على هذا التساؤل، لا بد من مغايرة نمطية الإجابة المعيارية الجاهزة، والبحث في خلق مقارنات بين وظائفية المسرح المجتمعية ماقبل وما بعد تلك التحولات، بقصد خلق وعي جدلي بحضور المسرح على خارطة النشاط الإنساني للمجتمعات تلك. وهو ما يدعونا رغبة في خلق مسرح فاعل إنسانيا في إجراءات التحول تلك، إلى مناقشة محاور النشاط المسرحي العراقي فنيا وجماليا، على مستويات الإنتاج، والتأليف، والإخراج، والأداء، والتقنيات، وكذلك الخطاب النقدي، ومتابعة أزمة الجمهور والمتفرج الذي غادر المسرح نحو بدائل الميديا، من فضائيات وأنترنت، وبسلسلة من المقالات بقصد خلق حوار جدلي، هدفه الإصلاح المسرحي، وإطلاق الطاقات الفنية الخلاقة التي مازالت تنتظر تفعيلها، وخصوصا مع إدارة تكنوقراط مخلصة كما نعرفها وجربناها في مواقع سابقة، لرأس النشاط المسرحي وهو دائرة السينما والمسرح والفرقة القومية للتمثيل، متمثلة بالدكتورة إقبال نعيم الفنانة الحريصة على المسرح وأصالته، والفنان المخلص للمسرح فلاح ابراهيم، وما لديهم من رؤية ومشروع واعد، نتكاتف لإنجازه وإخراجه للفضاء الإبداعي، بما يكرس من قيم الخير والفضيلة والسلام والجمال، ومعالجة المظاهر السلبية المشوهة، والتي لحقت بالنشاط المسرحي العراقي ودوره المجتمعي، وبما انعكس على التمثيل والحضور في المحافل العربية والعالمية.

(1-7) مشكلة الإنتاج

المسرح شأنه شأن أي نشاط فني، يقوم على العامل المادي، والمتمثل بالإنتاج، بل هو الأكثر حاجة للدعم والإنتاج لطبيعته الفرقية وبنيته الفنية القائمة على جماع الفنون ، لذا يحتاج أي إنتاج مسرحي احترافي إلى ميزانية إنتاجية تمكن العمل المسرحي من تنفيذه على خشبة المسرح، حيث أن عامل التنفيذ المادي من مؤلف ومخرج ومصممين فنيين وعمال المسرح، هم أناس متخصصون بهذا القطاع من العمل، ويعتمدون عليه بوصفه مصدر دخل ثابت ومستقر، لذا فتوفير ميزانية عمل تغطي أجور الجميع، وتحقيق عائد ربحي، هو أمر جوهري في النشاط المسرحي. فكل عمل متكامل فنيا ومؤثر جماليا، كانت وراءه إدارة إنتاج مبدعة، وميزانية إنتاج منصفة وتغطي متطلبات العاملين بشكل مقبول. وبالعود إلى عمل مقارنة ماقبل 2003 وما بعدها، نجد أن الميزانية الإنتاجية المتواضعة جدا للعروض المسرحية ما كانت تمثل عائقا فنيا في إنتاج العمل المسرحي، فكيف ذلك؟ ولماذا؟ أعتقد أن الوضع البيئي والمجتمعي في تلك الفترة، بكل ضنك الأزمة والمعاناة، والتضييق الشمولي، وضراوة الرقيب الأيديولوجي، وقساوة إجراءاته المفرطة، كان أن أسقط المفهوم الربحي المادي عند العاملين عدا مبلغ الكفاف الرمزي الذي يتقاضاه العاملون، مقابل ما تحفز لديهم من نزعة إثبات الذات، والتصريح عن حضورها ووجودها رغم كل الظروف القامعة والكابتة، فأصبحت عملية الإنتاج فعلا وجوديا، وليس عملا إنتاجيا تقليديا، حيث تنازل العاملون عن حقوقهم في عائد مجزي، مقابل فرصة الإعلان عن الذات المكبوتة، والصرخة الوجودية للروح، فقدمت أعمال تعد من أهم الأعمال المسرحية العراقية إن لم تكن العربية بجودتها الفنية وعمق أثرها الجمالي بميزانيات متواضعة، أو قليلة نسبيا، نذكر منها أعمال : قصة حب معاصرة، في أعالي الحب، إشارة مرور، وتطول القائمة من الأعمال المبدعة التي اتخذت موقفا وجوديا منتصرا للذات الإنسانية في خضم معاناتها المصيرية.

وبعد 2003، وزلزال التحول الدراماتيكي الهائل، والمعروفة توصيفاته المثيرة للجدل، كان الإهمال الواضح للقطاع الفني، وعدم صلاحية أغلب البنى التحتية الفنية من مسارح، ودور عرض سينمائي، لها الأثر الكبير في محدودية الإنتاج المسرحي، ونمطية عروضه في إتجاه واحد، ونمط خطاب واحد مستنسخ ومكرور في تلك العروض، حتى تشابهت فنيا إلى حدود التطابق!!! حيث كان عامل جهة الإنتاج والتمويل يلعب دورا في تحديد اتجاه الخطاب، وليس القناعات الفلسفية والفنية. ونجد السبب وراء ذلك هو ضعف التمويل الحكومي في تلك الفترة، وكذلك التطبيق الفج لفرضيات آدم سمث الليبرالية في ظروف التحول المائعة تلك، والتي تؤكد على المصلحة الفردية، وأن تحقيق المصلحة الفردية للأفراد يحقق مصلحة المجتمع، فكان ذلك عامل مشجع لنمو طبقة فنية مسرحية تبحث عن إغراء التمويل في انتهاز فرصة الإنتاج المسرحي، على حساب التجويد الفني، والإحكام الجمالي، وأصالة التمثيل للذات الفنية المبدعة… وبالتالي بروز ظاهرة الارتزاق الفني، والتقلب مابين جهات التمويل. وبتلك المعطيات يمكن أن نلمس الضرر البالغ الذي لحق بفرصة خلق نشاط فني متوازن واحترافي، يستند إلى العصب الأساسي لكل مسرح وهو نشاط الريبرتوار المسرحي. حيث تحول بعض النشاط الفني والعاملين إلى حرفيي إنتاج بالقطعة، وليس ضمن مؤسسة فنية مستمرة بنشاط مسرحي وريبرتوار معروض ومتنوع.

 

 

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *