«واحدة حلوة» تحكى عن قهر النساء/ محمد بهجت

 

المصدر /الاهرام/ نشر محمد سامي موقع الخشبة

رغم جرأة الموضوع وحساسيته وهو تعرض النساء فى المجتمعات الذكورية لمختلف أنواع التحرش اللفظى والجسدى والذى يبدأ من النظرات الجارحة وإلقاء النكات الخارجة فى وجود السيدات عمدا ويصل إلى الاغتصاب إلا أن المخرج أكرم مصطفى قدم رؤيته عن قهر النساء وتعرضهن للتحرش بصورة شديدة الرقى والتهذيب فى عرض مونودراما بالغ الحيوية قدمته الفنانة الشابة مروة عيد على مسرح الطليعة عن نص امرأة وحيدة لدارييفو وفرانكاراما وقام المخرج بعمل الإعداد والتمصير وصياغة الفكرة فى قالب يناسب مجتمع المدينة وبالأخص الطبقة الوسطى.

وبطلة العرض تبدو فى أوله زوجة سعيدة تقوم بكى ملابس زوجها وهى تستمع برومانسية حالمة إلى أغنية نجاة الصغيرة «أنا باستناك» وفى حيوية ونشاط تجاذب جارتها الوهمية أطراف الحديث حيث جعل مصمم الديكور والسينوغرافيا فادى فوكيه الحائط من قماش شفاف يجعل الإضاءة تكشف ما خلفه.. والنافذة التى تطل على الجماهير ترمز لعلاقة تلك المرأة بمحيطها الخارجى وتأتيها نظرات الجار المتلصص عبر النافذة كما تأتيها المعاكسات التليفونية المستمرة تتغزل فى صوتها الأنثوى ثم تمطرها بوابل من الألفاظ الخادشة للحياء كما يظهر على انفعال وجهها وهى تستقبل المكالمة بغيظ وتسب صاحبها ثم تغلق السماعة فى وجهه.. لتستقبل التحرش الثالث من شقيق زوجها المقعد المصاب بشلل ويستخدم جرسا ينادى به عليها إذا احتاج خدمة وفى الغالب تكون تلك الخدمة هى حجة للمسها وإشباع قدر من غرائزه المكبوتة ثم يتضح أن الزوج نفسه يمارس قدرا لابأس به من القهر فى التعامل مع زوجته وإشعارها بالدونية وأنها السبب فى تحرش الآخرين بها.. ولا يبقى لها من أمل إلا حلم رومانسى فى قصة حب يائسة ومحكوم عليها بالإعدام لكونها زوجة وأم ثم تنهار المرأة تماما عندما تكتشف أن حتى قصة الحب الوحيدة فى حياتها كانت وهما ورغبة جسدية من الشاب التى أحبته فى خيالها.. ويزداد الأمر قسوة عندما يحاول ذلك الشاب اقتحام بيتها والاعتداء عليها مفسرا تلطفها معه بأنه قبول منها للخيانة وتشعر فى النهاية بكراهية لجسدها الذى سبب لها كل هذا الألم فتحاول التخلص منه بالانتحار, ورغم قتامة الفكرة ومأساويتها إلا أنها تطرح قضية بالغة الأهمية وكان مسكوتا عليها لحقب طويلة وهو تناول يهدف إلى كشف الأعماق النفسية للمرأة التى تتعرض للتحرش والإهانة, أكثر من مجرد سرد تفاصيل وأحداث مثيرة وقد أثبتت مروة عيد خريجة المعهد العالى للفنون المسرحية أنها ممثلة موهوبة ومجتهدة ولديها حضور قوى لا يشعرك بالملل طوال ما يقرب من ساعة زمنية كاملة، كما أثبت أكرم مصطفى أنه واحد من المخرجين الواعدين أصحاب البصمة المميزة وأنه قادر على إثارة أدق القضايا الشائكة بلغة فنية محترمة تراعى تقاليد وقيم مجتمعه.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *