هيثم عبدالرزاق:الاكاديمية دائما تُخرّج أجيالاً موهوبة.. والبيئة تتحكم بوجودهم ضمن المشهد الفني

حاورته: زينب المشاط  – المدى – مجلة الفنون المسرحية 

 

التخيّل الطريق الأول الذي قاده نحوّ الفن، حيث كانت مُخيلته وروحه باحثة مُستشرفة للمستقبل، وقد يكون عمله في مجال المسرح وإحترافه لهذا الفن يعود الى فضوله الباحث عن الغد، ذلك أن مجال المسرح لا يعرف العودة للماضي أو استعادته بل التهيئة للمستقبل واستكشافه، مشاهدة التلفزيون في طفولته كانت واحدة من أسباب إثارته وشغفه الفني، ليجد بعدها نوعاً من الاستجابة بين التلفزيون والمخيلة وإشباع الفضول..

دخل كلية الفنون الجميلة بشكل قدري، لتقوده الصدفة بعد الأقدار لدخول قسم المسرح رغم أنه كان ينوي أن ينضم الى قسم الفنون التشكيلية ولكن للصدف دورها الفاعل وهو رجلٌ مؤمن بلعبة الصدفة، في كلية الفنون اختاره عميد المسرح سامي عبد الحميد لتجسيد دور في مسرحية كلكامش واستطاع أن يُثبت امكانياته المسرحية ضمن حدود الاكاديمية…

أولى انطلاقاته المسرحية المعروفة في مسرحية “حكاية صديقين” إخراج سامي عبد الحميد ايضا لفرقة الفن الحديث وكان هذا العمل الخطوة الاولى نحو الاحتراف، لتتوالى بعدها الاعمال المسرحية، حتى عام 2004 حين قدم العمل المسرحي الاقرب الى قلبه “اعتذر استاذي لم اقصد ذلك” وهو عمل مسرحي شعبي قدمه في مهرجان القاهرة الدولي وحصد من خلاله جائزة المهرجان، شارك أيضاً في أعمال درامية كثيرة أخرها البنفسج الأحمر، إلا ان العمل الدرامي “مها” كان الأقرب اليه ذلك أن شخصيته انطبعت في ذاكرة المشاهد العراقي من خلاله، مؤخراً شارك الفنان والمخرج المسرحي هيثم عبد الرزاق فيلماً سينمائياً وللمرة الاولى بعنوان “بغداد في خيالي” ، مسيرته الفنية طويلة غنية بالتجارب والاحداث التي حاولت المدى ان تستعيدها من خلال حوار لنا مع الفنان:

• عملت مع مخرجين كثر ولكن المخرج ناجي عبد الأمير أكثر من استطاع إظهار امكاناتك؟

– ولماذا لا نقول العكس؟ في الواقع حين يلتقي شباب مع بعضهم بحيث يكونون متكافئين فكرياً وثقافياً وأدائيا سينجحون فيما يقدموه، ناجي عبد الأمير من العقول الممتازة وانا أيضاً أعدّ من الجيدين في وقتي، وقد التقينا لقاء المتكفائين وهذا سبب نجاح اي مشروع أعني “التكافؤ”، لقد كُنا مجموعة حالمين إلتقت احلامهم مع بعض من خلال مجاميع من الأفراد ضمن جيل متقارب بأفكاره وصنعنا او حاولنا صناعة حلم مشترك وكنا متحمسين ومندفعين لذلك وتحركنا بالشكل الصحيح من خلال الانتماء للمستقبل، إلا أن ما يُعانيه الفن اليوم هو مشكلة عدم وجود تكافؤ بين ممثل أو مخرج وأحياناً يكون الممثل أكثر وعياً وأرقى من المخرج أو العكس.

• ألا تعتقد إن مهمة المخرج تكمن أيضاً في كيفية إظهار امكانيات الممثل؟

– أنتِ تتحدثين عن الواقع وطلبتي مني الحديث عن الواقع ولم تطلبي مني الحديث عمّا يفترض ان يكون دائما، لو تحدثنا عن المفروض فهو يجب ان يختار المخرج الممثل وأن يعرف المكان المناسب لوضعه به وإبراز امكاناته، يحب أن تكون للمخرج ستراتيجية عمل لخدمة المشروع الاخراجي بأكمله، ولكن حين يضع المخرج الممثل في مكان ليس ضمن الخارطة سيؤدي الى انهيار الممثل والعمل.

• أغلب نجوم السينما انطلقوا من المسرح، قدمت أعمال للتلفزيون وبعض الافلام السينمائية القصيرة وأعمال مسرحية، إضافة الى التجربة الاخيرة السينمائية بوصفك عملت بعض الافلام كيف يصف الفنان المسرحي عمله السينمائي؟

– الدراسة الاكاديمية هنا مهمة جداً وتلعب دوراً كبيرا للتمييز بين الاداء السينمائي والمسرحي والتلفزيوني، على سبيل المثال أن اي حركة اضافية في السينما تعدّ في غير محلها اذا كانت زائدة، لأن الشاشة كبيرة وتظهر الحركة بشكل اكبر الراحل ابراهيم جلال كان يقول دائما ” حين تقومون بحركة صغيرة في السينما تظهر بقدر الدنيا لأن الشاشة السينمائية كبيرة جداً” أي التعبير عن الحزن في السينما يمكن أن يظهر بحركة بسيطة في ملامح الوجه بينما الانفعال المسرحي يكون أكبر بكثير لإظهار مدى الحزن على سبيل المثال، في المسرح الحركة أكثر حرية وأكبر وإذا عجز الممثل عن التمييز بين الحركة المسرحية والسينمائية فلن يستطيع أن يؤدي الفنان المسرحي دوراً سينمائياً، على سبيل المثال “بيتر أوتول” مسرحي كبير إلا انه حين شارك في فيلم لورنس العرب سنجد أ• كيف يستطيع الفنان أن ينتقل بين الاداء المسرحي والسينمائي والدرامي دون الوقوع في شباك الخطأ واللبس بما إننا تحدثنا في السؤال السابق عن هذا الموضوع بعض الشيء؟ 

ان أداءه المسرحي واضح في عمله السينمائي، وحين انتقلت من المسرح للتفلزيون وعملت مع الفنانة هند كامل اذكر انها نبهتني أن أحذر من أن يأخذني الاداء المسرحي في أدائي التلفزيوني ذلك أن آلية المسرح كانت باقية في جسدي ، أما الآن حين تقارنين عمل البنفسج الاحمر ستلاحظين الفرق الكبير بين الاداء التلفزيوني سابقاً والآن وهذا أيضاً يعود لنضج تجربة الفنان .

– الاحترافية طبعا والمهارة التي تأتي من خلال التمرين والتدريب، فالمهارة هي نتاج لمجموعة تمارين كثيفة، الجسم والعقل كمغناطيس يكتسب المهارة لتتحول الى آلية حُفظت ضمن منظومة الفنان الخاصة لهذا أعصاب الفنان في السينما والمسرح لها نظام خاص وكل هذا يأتي من خلال المهارة الناتجة عن التمرين.

• بما إننا اشرنا إلى الاحترافية، واهمية الدراسة الاكاديمية والمهارة في الاداء، نتساءل، هل مازالت كلية الفنون تعتمد على تنشئة فنانين جدد يعوّل عليهم فنياً وعلى وجه الخصوص الفنانات النساء؟

الكلية دائماً تخرج أجيالاً موهوبة، إلا إن البيئة تتحكم بوجودهم ضمن المشهد الفني فإما أن تبتلعهم البيئة أو تبرزهم ضمن المشهد، في وقتنا كانت البيئة مُساعدة اضافة الى مجموعة من الاساتذة هم مَن يبرزوا إمكانياتنا ولو وِجدنا في بيئة غير التي وجدنا بها لما برزنا، ولهذا البيئة الثقافية حالياً خالية مما يعرف بالاحتراف حالياً بعض الشيء، حيث مازال الاحتراف خارج اطار المشروع الفني او الثقافي بشكل عام كما لايوجد مشروع ثقافي ليتم من خلاله وضع الموهوب في المكان المناسب، كما يجب أن نُشير إلى أن إرادة الخريجين الموهوبين اليوم تلعب دوراً مهماً في ظهورهم كفنانين وفرض وجودهم ففي حال عدم امتلاكهم اصرار وإرادة عالية ستبتلعهم البيئة .

• لم يظهر فنان استثنائي اسماء تعلّق في ذاكرة الجمهور كما علقتم أنتم وأعمالكم حتى اليوم في ذاكرة الجمهور العراقي؟

– سنعود مرة أخرى للحديث عن البيئة، هنالك بيئتان إحداها حامية والاخرى طاردة أو مهمشة، لدينا مواهب ممتازة ولكن المشكلة بكيفية تسويقها ووضعها في أماكن مناسبة، اضافة الى دخول بعض الطارئين اليوم للوسط ومحاولتهم تسقيط الشخصيات الجيدة لذلك نحن بحاجة الى الاستقرار لتبرز هذه المواهب بشكل صحيح، ولنخلق بيئة داعمة لهذه المواهب، أزمة الحروب والمشاكل التي مررنا بها خلقت لنا خزيناً من الاعمال المهمة جداً فنحن اليوم فقط بحاجة الى استقرار لتقدم أعمال مهمة وكبيرة، وأتوقع في الفترة القادمة ستنتج مجموعة أعمال مهمة بسبب خزين عذابات انسانية مرت بحياتنا لا تحتاج سوى لاستقرار وتأمل لتُنتج كأعمال ضخمة.

• بما أننا تحدثنا عن الشباب والمواهب الجديدة وكيفية دعمها وتوفير بيئة مناسبة لتقديم نتاجها، هل الاساتذة في المجال الاكاديمي اليوم يقدمون دعماً للشباب أم أن هنالك فجوة بين الجيلين ؟

– الموضوع لا ينحسر بالدعم فحسب، الغيرة في أي مجال مشروعة ولكنها حين تتجاوز الحد المسموح تصبح أمر غير طبيعي وتسبب مشاكل كثيرة، سابقاً كان لدينا اساتذة لهم قدرة استيعاب رهيبة وجميلة للجيل الجديد رغم وجود شيء من الغيرة او عدم التقبل لبعض الاشياء أحيانا، أما اليوم فهناك طلبة بارزون في كلية الفنون يعانون أكثر مما عانيناه نحن لعدم وجود اساتذة بارزين اليوم في الكلية، استاذ التمثيل لا يمثل والاخراج لا يخرج والنقد لم يكتب أي مقال نقدي بهذا الحال الطالب الذي يبرز ضمن الاكاديمية اليوم يحاولون ان يضيقوا عليه المجال وهنا بالطبع أشير للبعض لا الكل.

• في العقدين الاخيرين تراجعت المشاركات المسرحية العراقية في المهرجانات الدولية فنحن لا نشارك ضمن المنافسات التي تقيمها المهرجانات وان شاركنا فلم نعد نحصد الجوائز كالسابق؟

– أنصح المخرجين بعدم التفكير بالمنافسات عليهم تقديم العمل الجيد والذي يتضمن امكانيات متميزة دون التفكير في دخول منافسة أو الفوز أو الخسارة، ذلك إن المنافسات اليوم اصبحت أمزجة ولجان التحكيم ايضا اصبحت أمزجة، فعلى سبيل المثال اذا كانت لجنة التحكيم في مهرجان ما مُتألفة من مجموعة من الرواد لهم قناعات بأداء معين كلاسيكي ودخل المنافسة شباب قدموا عملاً حداثياً لن تقتنع هذه اللجنة بأدائهم والعكس صحيح، لذلك لم تعد المنافسات في المهرجانات معياراً رئيسياً لمدى أهمية العمل…

وبالنسبة للمسرح العراقي فهو مسرح متفوق دائماً لأنه وليد مجتمع دراماتيكي يعمل على العواطف والانفعال العاطفي السريع انه مجتمع شاعر والدراما تطورت من الشعر، مجتمع افراده سريعوا الانفعال سواء الغضب أو السعادة او الثوران وهذا النوع من الانفعالات يناسب المسرح تماماً.

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *