هل تراجع دور المسرح السياسي في الكويت؟

طالما كان المسرح منبرا لطرح العديد من القضايا السياسية والاجتماعية والإنسانية، ليسهم بصورة مباشرة في الارتقاء بالذوق العام وفكر الإنسان ويرسخ بداخله قيما ومثلا، وعلى مدار سنوات قدم المبدعون في الكويت العشرات من الأعمال المسرحية التي يغلب عليها الطابع السياسي، لاسيما خلال الفترة ما بين الستينات والثمانينات من القرن الماضي حتى مطلع التسعينات، ولكن بمرور الوقت غلب على الأعمال المسرحية الطابع الكوميدي الاجتماعي، فهل تراجع دور المسرح السياسي، ام غاب كتاب هذا القالب ورواده؟ سؤال طرحته القبس على مجموعة من المسرحيين، وتباينت ردود افعالهم ما بين المطالب بسقف حرية أعلى، ورافض لتصنيف المسرح، ومن يرى ان مواقع التواصل اصبحت سيفا مصلتا على بعض الأعمال وتهدد استمراريتها. كانت البداية مع المخرج والكاتب نجف جمال حيث قال: الكويتيون جبلوا على التعاطي مع الشأن العام، والمسرح السياسي في الكويت لم يقتصر على اعمال الراحل عبدالأمير التركي والفنان القدير سعد الفرج فقط، وإنما حتى الأعمال الكوميدية تنطوي على حس سياسي. وأردف: ازهر المسرح السياسي في الكويت خلال الستينات وصولا إلى الثمانينات من القرن الماضي، بسبب سقف الحرية الكبير الذي كان يتمتع به الفنان المسرحي حينها، ولكن عندما يتم تقييد حرية المبدع لن يستطيع ان يقدم كل ما لديه للمتلقي، سقف الحرية انخفض جدا في الوقت الحالي. وأضاف: عندما اتحدث عن تقييد حرية الفنان هنا لا أقصد الرقابة، لأنها تعمل وفق قواعد، ولكن هناك رقيب آخر متمثل في مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما «تويتر»، اذا ما ادلى احد برأيه وانتقد عملا ما قد يتسبب في إيقاف عرض العمل. سقف الحرية بدوره، يقول الكاتب والمخرج المسرحي بدر محارب: سبق أن قدمت مسرحية «مخروش» للكاتب مبارك الحشاش، وهناك الكثير من التجارب التي ظهرت خلال تلك الفترة مثل «فري كويت» و«سيف العرب»، بالتزامن مع بداية التسعينات وعقب التحرير مباشرة، واطلق على هذه المسرحيات أعمال تنفيسية، حيث سمحت الرقابة للفنانين بتقديم تلك المسرحيات للتنفيس عن الشعب الذي كان مكبوتا طوال فترة الغزو، وحاليا بعد مرور 30 عاما على أزمة الاحتلال اعتقد يجب ان تقدم اعمال أكثر واقعية. واضاف «نتمنى ان يكون سقف الحرية أكثر ارتفاعا، الفنان متمرد بطبعه، مهما ارتفع السقف يطالب بالمزيد»، ويرى محارب ان المسرح السياسي لم يتوقف واوضح: عندما نذكر المسرح السياسي يتبادر إلى الاذهان «دقت الساعة» و «حامي الديار»، لأنهما تتناولان التيارات السياسية ومجلس الأمة، بينما هناك أعمال مسرحية اخرى تصنف كسياسية ولكن لا علاقة لها بالتيارات ومجلس الأمة، على سبيل المثال مسرحية «استجواب» التي تعالج قضية سياسية وان لم تتطرق إلى التيارات ومجلس الأمة، لذلك انا ارفض مصطلح المسرح السياسي، المسرح يستوعب جميع الأفكار والموضوعات. واستطرد محارب: المسرح منبر لطرح الموضوعات كافة، ويرتقي لاستعراض هموم الانسان بشكل عام. وطالب محارب بضرورة الغاء رقابة النصوص لاسيما ان هناك لجنة تشاهد العمل المسرحي قبل عرضه بايام وهي رقابة عامة وتكفي. تراجع ملحوظ من جانبه، يقول رئيس مجلس إدارة فرقة المسرح العربي المخرج أحمد فؤاد الشطي: الحالة المسرحية في الكويت عموماً تشهد تراجعا ملحوظاً منذ عقود من الزمن، والمسرح السياسي جزء من هذه الحالة، اللاعبون في المشهد السياسي وبعض القوى المجتمعية في الكويت هم المسبب الأبرز لهذا التراجع، إذ لم يلتفتوا للثقافة عمومًا وأهملوا الفن بشكل خاص، والأدهى من ذلك أنهم كانوا دعاة للتشدد في الرقابة على الأعمال الفنية والتضييق على حرية التعبير في النصوص المسرحية، فبرزت لنا العروض المسرحية التجارية ذات الطرح الاستهلاكي بكثرة وطغت على المشهد المسرحي، ومع هذا كانت هناك بعض العروض المسرحية الرصينة ذات الطرح السياسي، إلا أنها كانت تلجأ للترميز في الطرح السياسي خوفًا من مقص الرقيب، لذا لم يصل طرحها السياسي لأكبر قدر من الجمهور، المسرح عمومًا والسياسي منه بشكلٍ خاص يحتاج لسقف عالٍ من الحرية حتى يطرح هموم الشارع والمجتمع ويشعر المتلقي بأنه يعبر عنه ويتفاعل معه، تراجع المسرح السياسي الرصين في الوقت الحالي هو نتيجة منطقية لتراجع حرية التعبير عن الرأي. سياسات الدول المخرج عبدالعزيز صفر يرى ان مصطلح المسرح السياسي يتعلق بسياسات دول بعضها مع بعض، او حروب في المنطقة، بينما يعتبر ان المسرحيات التي تطرح قضايا تمس الإنسان وتلامس الشارع هي اعمال ذات صبغة وطنية ويوضح «عندما نطالب بالعدالة وننتقد الغلاء وزيادة الاسعار وبعض القوانين، لا اعتبر تلك الموضوعات قضايا سياسية بقدر ما هي مطالبات من مواطن يتمنى الأفضل لوطنه، وهي جميعها قضايا محلية، على الجانب الآخر عندما تستعرض احدى المسرحيات حروبا بين دول او سياسات بعض الدول، او الوضع الاقتصادي العالمي هي ما يمكن تصنيفها كاعمال سياسية، لذلك فإن محاولات تقديم الأعمال السياسية في الكويت ليست كثيرة». واضاف: لا يمكن ان نصنف أي عمل يتناول أزمة داخلية او مشكلة تمس المجتمع كعمل سياسي، وإنما هو مواطن يشكو من خلال المسرح ويتطلع للحل. ويرى صفر ان مواقع التواصل في الوقت الحالي اصبحت متنفسا سياسيا جذبت العديد من المهتمين بالسياسة وأردف: فضلا عن المحطات الفضائية التي تقدم برامج سياسية ومناظرات واخبارا، لذلك فإن الموضوعات السياسية اصبحت متاحة للمشاهد على مدار الساعة، لذلك ليس هناك حاجة ملحة لأن يقصد عملا مسرحيا يتناول موضوعا سياسيا.

محمد جمعة

https://alqabas.com

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش