هايل المذابي يكتب: غنام غنام.. الشيخ الكنتي.. قراءة في مسرح الجلسة..

 

 

غنام غنام.. الشيخ الكنتي..
قراءة في مسرح الجلسة..
كتب: هايل المذابي
=======

في جدول بريخت كان أرسطو يشدد على ضرورة تماهي الفنان في الشخصية و لدى بريخت فإن على الفنان الابتعاد عن التماهي.
و لعل المدهش عربياً و في تجربة غنام غنام التي أطلق عليها “مسرح الجلسة” أن غنام يؤكد بعيدا عن رأي أرسطو و بريخت على أن الجوهر في المسرح هو التفاعل و المشاركة بأنواعها الثلاثة وجدانية و حركية و إدراكية و يعزز ذلك بخصائص الحكاية التي تتطلب التداعيات لإحداث التفاعل و المشاركة لدى المتلقي بل و التأثير الذي قد يستمر لديه لأوقات طويلة و يحثه كدافع خارجي لفعل أشياء كثيرة و هذه كلها سمات عصرية و حيوية..
لماذا إلتزم غنام طريق الحكاية و القص و السير الشعبية..؟
كانت العرب قديماً، تسمي الشيخ الكبير بالشيخ الكنتي ( مِن كنتُ ) لأنه يحكي قصصه، يحكي كثيرا، يحكي أكثر من الذي لا يجد ما يحكي لأنه لا يزال في دوامة الأحداث . و يحكي أكثر ليعيد بناء هوية قوامها صنع الحدث، لكنها اليوم بعيدة عن تلك الفاعلية، هي، بعبارة محددة، مهددة بالفناء و تريد البقاء و ( الوجود ). من هذا أستطيع أن أطلق على غنام لقب الشيخ الكنتي لأنه فعلها بامتياز و حمل على عاتقه ألا تضيع القضية و ألا تضيع حكاياتها..
إن الفرد مثل الجماعة يحكي ليجدد هويته، وليستبصرها عميقا، وليمدها بمعرفة تبدو – وهماً – معروفة من قبل لكنها تغدو معروفة- حقاً- عبر التشفير الرمزي ؛ أي تحويلها إلى أشكال رمزية كما يرى السيميائي كاسيرر. وبذلك تنتقل من هلام مفكك يتمدد في الوعي واللاوعي إلى صور محددة في الإدراك المتعيّن باللغة.
تمارس الذوات المفردة حكاياتها لتعلن عن وجودها ( أنا أحكي إذن أنا موجود ) ، فوجودها بدون الحكي يعني الوجود غير المبين. اللغة داخل خطاب السرد هي من يهبنا صورةً بنيوية، و إلا فنحن حكايات مشتتة ؛ حكايات لا هوية لها ، ولا تأخذ هويتها إلا بالسرد.
هكذا يرتبط الحكي بالجماعة كما يرتبط بالفرد. أيّ جماعة تحكي لتشكل هويتها، تحكي لتكون، وفي عوالم أقطاب الدراسات الثقافية فإن الحكي هو الأمة The Narration Is The Nation، و كل حكي يشمل ” مجموعة قصص وصور ومشاهد وسيناريوهات وحوادث تاريخية ورموز وطقوس قومية ترمز إلى أو تمثل التجارب المشتركة والمآسي والانتصارات والويلات التي تضفي على الأمة معنى. و إذا كان الأمر كذلك ، فالأمة تحكي لتعيد تشكيل ذاتها ؛ لترسم معالم هويتها ؛ لماذا يحكي السود رحلة العذاب والعبودية بين أفريقيا والعالم الجديد ؟ ولماذا يحكي اليهود الشتات ؟ ولماذا يحكي العرب سيرة أجدادهم في هذا الزمن بالذات ؟.
السؤال: لماذا نحكي ؟
الإجابة على هذا السؤال تقول لا يوجد سوى أسئلة أخرى للإجابة عليه:
لماذا الحب؟ لماذا الإنسانية؟ لماذا المجتمع؟ و لماذا تنتظم الأكوان و تتحرك و تسير إلى غاية؟
هنا يحين الجواب:
إن طلب التجمع أصيل في أعماق كل موجود، فهو عنوان على الوحدة، و على وجود المتنوع من أبناء الأسرة الواحدة، و على رجو الذرية إلى أمها الكبرى ” الأرض”..
في بعض قبائل أفريقيا يوجد تقليد يسمونه “تقليد أكين” و الأكين هو الذاكرة التي تحفظ و تحكي حكايات القبيلة و عندما يشعر بأنه سيموت يختار أكيناً آخر و يخبره بكل أسرار القبيلة و حكاياتها و هكذا تحفظ القبيلة أمجادها و انتصاراتها..
إن غنام يقدم نموذج المسرحي الإنسان صاحب القضيتين “قضية المسرح و قضية فلسطين” الأولى من أجل الثانية و من أجل الإنسانية و الثانية من أجل الكرامة و الحرية و العدالة..
هذا النموذج من المسرح يشبه فرق السيرك الجوالة لكنه نموذج يحمل قضية و في سبيلها يهون كل شيء..

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *