هايل المذابي: تفعيل النقد هو الحل..!

تفعيل النقد هو الحل..!
هايل المذابي
……..

من مشاكل الفنون في الوطن العربي غياب النقد، ففي المسرح لا حظوة للكاتب المسرحي إلا لدى ما يتم تنظيمه من مسابقات من قبل المؤسسات الثقافية و الفنية فقط ربما حتى لا تتهم بالتخلف.. لكن الجانب المزدهر في المسرح هو النقد و التنظير النقدي و لكن ليس للأعمال المكتوبة و لكن للأعمال المعروضة و هذا يختلف عن حال الفنون الأخرى التي سنذكرها.. و أن تجد كاتباً مسرحياً في بعض الدول العربية يشبه أن تجد قُبّعةً في دنيا العمائم..

و في الفنون الأخرى نجد الشعراء و الروائيون و كتاب القصة متوفرون أكثر مما ينبغي و النقاد نائمون أكثر مما ينبغي ربما للحظوة الجماهيرية لهذه الأشكال الفنية التي همّشت دور الناقد.!

السينما هي الأكثر إزدهاراً فكفة النقد متساوية مع كفة الفيلم السينمائي لكن ما جدوى وفرة الناقد السينمائي و غياب المادة السينمائية العربية!
إن ما نحتاجه بالفعل هو تفعيل دور النقد و النقاد تطبيقياً و ليس نظرياً لأنه إنزلق كثيراً في متاهات الأكاديميات و انزاح كثيراً من كونه فناً إلى جعله علماً, ولذلك فالأجدى أن تقام نوادً أدبية للنقد مثله مثل الشعر و القصة و الرواية و المسرح و السينما إن كنا نؤمن بضرورة وجوده كضرورة الملح للطعام.. و كذلك إقامة ورش تدريبية و فعاليات و مهرجانات خاصة به كفن قائم بذاته و نستلهم أسس حقيقية و نؤسس لمنهجية نقدية عربية بدأت منذ عصر الجاحظ والجرجاني وابن سلام الجمحي و تطوير تلك الأسس و المناهج و جعلها بلغة العصر الذي نعيش فيه و بما يتوائم معه..
لقد فقدت أغلب هذه الفنون عربياً أصالتها و جديتها بغياب النقد كفن و دخوله عالم التنظير العلمي الأكاديمي الذي ليس له علاقة بالتطبيق و ما يدور و ينشر في السوق و الشارع الثقافي..
لنعطِ النقد فرصته و لنعطه حقه كفن و ليمنح الناقد فرصته التطبيقية من قبل جميع المؤسسات الفنية و الثقافية و دور النشر لتختبر جودة ما تنشره و تروج له من أعمال أدبية و فنية و ليصح الذوق العام و يزدهر الوعي لدى الناس… بدلاً من هذه الخطى العمياء التي أوصلت الجميع إلى الحفرة و الوحل الذي سيغرق الجميع..!

النقد فن يقوم على الذوق و الذوق مَلَكَة مُركبة من العقل و العاطفة و الإحساس، و لكن الخوف من تحكيم الذوق هو عندما يتعثر في التعليل لاحكامه تجاه ما يتذوقه, و هنا يجب ربط الذوق بالعلم و المعرفة لتعليل ما ننتقده و هذا هو الاشتباه الذي دخل فيه النقد كعلم أو كفن لدى الكثيرين… لكن اللذة التي يشترط تحصليها من أي شكل فني لتتحقق فنيته في النقد هي لذة المعرفة التي يعلل بها الناقد أحكامه و يجعلها وسيلة من وسائل اكتساب المعرفة, و لذة المعرفة هي أرقى أنواع اللذة لدى الإنسان, بالإضافة إلى لذة الأسلوب, و هو ما يمكن التمايز به لدى النقاد شأن سائر الفنون, و أيضاً التساؤلات التي يطرحها لنا الناقد, و الأبواب الموصدة التي يفتحها, و الأماكن المظلمة التي يجليها لنا..
النصوص الإبداعية تعطي احتمالات, و ليس محتويات, و عندما ننقلها من الاحتمال إلى الحتمية, تصبح الأمور في غير موضعها, و يتسبب هذا في كوارث, خاصة في تفسير النصوص الدينية, و لكن ذلك لم يكن ليحدث بوجود النقد السليم, الذي يعطي تفسيرات ايجابية, للاحتمالات, و ليس تفسيرات خاطئة, و جعلها حتميات, و عقيدة يصبح الموت في سبيلها حقيراً..

النقد سيظل فن يقوم على الذوق, كما اسلفت, و له أدوات, يجب أن يتمكن منها الناقد, منها المران, و الممارسة, و سعة الاطلاع, و اكتساب الثقافة, و الصقل للموهبة, و شأنه في ذلك, شأن كاتب الرواية, و الشعر, و القصة, و المسرح, و أجزم, و هذا ما غاب عن العرب, أنه لو كان لنا فن أصيل نتفاخر به, إلى جانب الشعر, فهو فن النقد, لكن نظريات التفكيك, و البنيوية, و الماركسية, و غيرها, تريد جعله علماً, أو توهمنا بذلك… !
و لكن ما جدوى الإلمام بجميع هذه النظريات و غياب الممارسة أليس الشاعر لا يصبح شاعراً إلا بقصيدة كتبها حتى و لو كنت أعرف تفعيلات الخليل, و بالمثل النقد فلن يكون الناقد إلا بالممارسة و ليس بالنظرية..
إذن كل شيء و في شتى المجالات ممارسة, فالمسلم لا يتحقق إسلامه إلا بالممارسة الدينية و ليس بإلمامه بالنصوص الدينية و معرفته بها..

الناقد فنان عاطل عن الحلم أو هكذا يُظنّ به, إلا أنه هو من يحقق الأحلام فالنصوص و الرؤى هي أشباح هائمة على وجهها لا ترتاح إلا عندما تتحقق العدالة,  و تلك العدالة التي يحلم بها أي أثر فني, يحققها الناقد, و الناقد الكفؤ, لا سواه, لكنه حينها لا يعتبر قاضيا يحكم ببراءة, أو إدانة , و إنما فناناً يجلي الظلمات, و يمنح الفرصة للضوء ليكون ….

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *