نظرية العامل في النقد المسرحي

– كل شيء على المسرح له دلالة تنتظم داخل الدلالة الكلية للعمل المسرحي بجميع مكوناته. 
 
– الدلالات المصاحبة في المسرح تكون جزء من استجابة الجمهور وتنتج عن أعراف اجتماعية. 
 
– الدارسة السيميولوجية للمسرح نبهت إلى أهمية “الدلالات المصاحبة” للحوار، وإلى النص الفرعي Sub****. 
 
– أثبتت الدارسة السيميولوجية للمسرح بطلان منطق دي سوسير حين أنكر تعدد الدلالات اللغوية حيث تتعدد الدلالة الواحدة في المسرح طبقاً لتعدد النبر الصوتي عند الممثل الواحد في الدور الواحد. 
– كما أثبتت نكران بنفنست من منطلقه اللغوي، لتبادلية العلامات من نظم سيميوطيقية؛ حيث يمكن في المسرح استبدال علامة حركية بعلامة أيقونية، كما يمكن أن تحل اللغة محل المنظر، والضوء محل الإشارة اللغوية، كذلك إمكان التوحيد بين نظامين للعلامات على المسرح (الصورة والكلمة والأيقونة والرمز) توحيداً يعتمد على التعارض الجدلي بينهما من خلال وحدة بوليفونية. 
 
– تقصر السيميولوجية في المسرح أثر معطيات النص والغرض على الفنان أولاً ثم المتفرج بعد العرض شريطة أن تكون له خبرة محددة. 
 
– أثبتت الدارسة السيميولوجية للمسرح قدرة العلامة على التحول والمزج بين الأنظمة والدلالات الرمزية والأيقونية والإشارية. 
 
– الفنان الحداثي مواجه لذاته ونقده الدائم لها مع تواري الصوت الأحادي لصالح الصوت المبهم الذي يجمع الشخصي مع اللاشخصي من خلال شخصيات المسرحية. 
 
المسرحي الحداثي يبحث دائماُ عن خصوصية الأشكال المسرحية بكسر الشكل المتناسق وإسقاط النمط والخروج على التصميم المسبق، وخلط الأنواع الأدبية وتداخلها. 
 
المسرحي الحداثي تتداخل عند شخصياته الأماكن والأزمنة والسرد والحوار والرد المنعكس على ذات الشخصية المسرحية.
 
إن النظرية الحداثية في المسرح بكل فروعها (السيميولوجية والشكلية والأسطورية والنفسية البنيوية الأدبية والأيديولوجية البنيوية) تعول على المتلقي وعلاقته بالنص وصولاً إلى معنى النص سواء فشلت في ذلك أو نجحت، قصرت وسائلها عن ذلك أو وصلت إلى ما تبتغيه. فعبء الدلالة تلقيه النقدية الحداثية على التلقي متعدداً ومنتجا لتعدد الدلالة أو مقصراً عن بلوغها بحكم أن كل قراءة هي إساءة قراءة- وفق التفكيكية. 
 
إن الحداثة تترك للمتلقي حرية إنتاج مدلولات النص من جديد، أو إشراك القارئ في إنتاج الدلالة الغائبة عن النص، تأسيساً على فكرة موت المؤلف أو وجوده (البين بين) ووجود النص (البين بين) حسب (بلوم). 
 
إن التفكيك، وهو العمود الفقري لنظرية ما بعد الحداثة، ينفي وجود معنى في النص نفسه على اعتبار أن كل قراءة إنما هي إساءة قراءة وأن المعنى بذلك لا نهائي لأن القراءة إساءة لا نهائية استناداً إلى نظرية الاختلاف عند الفرنسي دريدا وعدد من أصحاب ذلك الاتجاه في أمريكا. 
 
يرى البنيويون أن معنى النص متعدد بتعدد حالات التلقي، فمعنى النص المسرحي عند كل قارئ له مختلف باختلاف القراء والعرض متعدد المعاني بتعدد كل متفرج يتلقاه. 
 
عرف المسرح العالمي، والعربي كذلك، نصوصاً وعروضاً مسرحية انبنت على الحداثية واختلفت في مستوياتها وأنواعها ما بين واقعية وطبيعية وتعبيرية ورمزية وملحمية وتسجيلية وعبثية وذلك قياساً على الجديد الذي تقدمه أو تبتكره مما يعد إزاحة لاتجاه سبقها وبناء جديداً يساير روح العصر الذي أبدعت فيه. وهو أمر ربما أشار إليه (أناتول فرانس) الذي رأى القراءة حواراً متكافئاً بين الكاتب والقارئ وأشار إليه جيدو إذ رأى الشخصية المسرحية تفارق مبدعها في النص باستمرار من خلال تعدد مرات عرضها على المسرح. 
 
عرف المسرح العالمي والعربي كذلك نصوصاً وعروضاً انبنت على ما بعد الحداثية واتجاهاتها التفكيكية القائمة على فكرة (موت المؤلف) وإساءة القراءة وفق (جاك دريدا). 
 
إن الحداثة قد وجدت من ينقدها بمجافاة الديمقراطية لاعتمادها على موهبة نقدية ذات بعد واحد (قالب العمل الأدبي) وبمرادفتها للجمالية، والفن للفن، والانطباعية، والانعزالية- تبعاً لذلك- حسبما يرى جورج لوكاتش. 
 
وفيما يتعلق بنظرية ما بعد الحداثة واتجاهها التفكيكي الذي يعول على القراءة واستجاباتها المتعددة واللانهاية وفق لانهائية القراء فإنه أمر أشار إليه “فكتور هوجو” حين قال عن القراءة أنها (مبارزة يصعب التنبؤ بنتائجها) وقال به بعد ذلك “رولان بارت” الذي رأى أن المؤلف (يقيم) أو (يسكن) في النص. 
 
النص المسرحي هو العنصر الوحيد الباقي الذي يترك أثراً دائماً للقراء على مر العصور. والمسرح بدون نص لم يترك أثراً وراءه إطلاقاً. 
 
إذا كانت العلوم الطبيعية شأنها شأن العلوم الاجتماعية ترى أن الحقيقة أحادية المعنى univocal حسبما يرى ألن دوجلاس، فإن التفكيكية ليست من العلم في شيء لأن من خصائصه التشكل في نتائج قابله للنقد (الصواب والخطأ) والصواب تثبيت للنتيجة وإقرار بها والخطأ الإشارة إلى غيرها. وكذلك الحداثية فهي ضد أحادية المعنى بينما التفكيكية ضد وجود المعنى وأرى أن التفكيكية أقرب إلى الاتجاه النفسي من رواية القلق، ومن رواية التصوير لأنها تعبر عن نشاط ما تصوره وتفتته وتجميعه التلفيقي الذي لا نصر فيه لنوع من الأنواع الأدبية التي يخلط شظايا منها خلطاً لا يسعى مطلقاً إلى التوحد في كلية العمل الإبداعي التفكيكي الواحد وهو أيضا انعكاس للواقع الإنساني المعاصر والمهترئ والخالي من المعنى وهو وإن يمكن تجريبه مسرحياً في واقعنا إلا أنه فيما أرى لا يناسب واقعنا العربي ففي سياحة هذا البحث بحثاً عن العامل النقدي في المسرح المعاصر استوقفني ما توصل إليه د. عبد العزيز حموده حول الحداثة والمسرح العربي فهو يخلص إلى أن: 
 
دلالات الحداثة في مسرحنا تتضح في اللغة ومفردات النقد. 
 
جدل الحداثة يحتد عندنا حينما نربط بين الأدب والسياسة. 
 
ظهور الحداثة عندنا كانت شكلاً دون أن تسبقها تغيرات في العلاقات أو الأطر الإنسانية. 
 
بدأ ظهور الحداثة عندنا بعد انطفاء جذوتها في أوروبا. 
 
الحداثة تضم تحت مظلتها كتابات من اتجاهات مسرحية متناقضة لبعضها البعض (مسرح إبسن/ مسرح العبث/ المسرح الملحمي/ المسرح التسجيلي/ المسرح الطبيعي). 
 
ظهور الحداثة مرتبط بالتحديث في مجتمع ظهورها لأن الحداثة تكمن في تغير الحساسية الأدبية والفنية نتيجة لتغير العلاقات الإنسانية، وهي نسبية ودولية ومعبرة عن تغيرات جديدة بأشكال فنية جديدة، أو بمضامين إنسانية جديدة أو بالاثنين معاً. 
 
النص المسرحي الحداثي يعبر عن حيرة الذات وشكها وسلبيتها مع عدم السعي نحو إعادة التوازن للحياة. 
 
وتعمد إرخاء العلاقة الوثيقة بين الشكل والواقع مع التأرجح بين تمثيل الواقع وعدم الرغبة في تمثيله. 
 
ومع ذلك فإني آخذ على هذه الدارسة أن مضمونها غير مطابق لعنوانها حيث توقفت عند مسرح توفيق الحكيم ولم تمتد لتبحث في النص المسرحي المصري ولم تشر من قريب أو بعيد إلى المسرح العربي مع ما لها من قيمة كبرى في تأصيل مفهوم الحداثة. 
 
المسرح في الاتجاه السيميولوجي 
 
وفي سياحة عبر القراءات السيميولوجية وقفت متطلعاً فخلصت إلى أن السيميولوجيا تهتم بالبحث عن كيفية صناعة المتفرج المسرحي للمعنى اعتماداً على العلامات (الرموز والإشارات والدلالات). وقد لفتني من الكتابات الهامة التي تناولت المسرح من المنظور السيميولوجي كتابان هما: 
 
– كتاب كير إيلام العلامات في المسرح والدراما.(80) 
 
– كتاب مارتن إسلن مجال الدراما كيف تخلق العلامة الدرامية المعنى على المسرح والشاشة(81) أما كير إيلام فيرى أن العلاقة بين عالم الواقع، وعالم المسرح مشروطة بمدى قدرة المتفرج على الانتقال من عالم الواقع إلى عالم الاحتمال. وهو ما يعني في رأيي إلقاء عبء تحصيل الرسالة على المتفرج، قدرته على فهم الإشارات المسرحية في مجموعها من خلال نسق مسرحي يصل به إلى المغزى العام للعرض. وذلك يتطلب متفرجاً ذا طبيعة خاصة لدية خبرة ذوقية ومعرفية وربما نقدية أيضاً. 
 
كل إشارة لها نظامها ووظيفتها الخاصة بها وعلى المتفرج أن يحولها بعد ذلك إلى دلالات تتجمع وتتراكم حول هدف واحد وهذا يحتم عليه دوام الانتباه والتيقظ لاستقبال كل إشارة على حده واستخلاص المعلومة ذات المغزى من الأداء المسرحي. كما يتحتم عليه ترتيب المعلومات كيفما يشاء وصولاً إلى المغزى الذي يكونه لنفسه على المدى الزمني للعرض وبشكل مفاجئ ومتقطع. وهو ما يعني في رأيي تعدد الدلالات والمعاني بعدد المتفرجين النابهين ذوي الخبرة النقدية. 
 
إن الترادف يعمل في النص أو في العرض على جمع الإشارات المسرحية في نظام مسرحي يجانس أو يقارب بين الشفرات المسرحية والشفرة الحضارية ويوحد بينها. لأن الشفرة في المسرح هي ما يعكسه كل نظام مسرحي من نظم ومواقف حضارية. وذلك في نظري يتحسب على النص المسرحي البنيوي وفق الاتجاه الماركسي الذي يهتم بالأنساق الحضارية والتاريخية والاجتماعية. 
 
ويرى اختلاف الإحساس الجمالي المتحصل من قراءة النص المسرحي عن الإحساس الجمالي المتحصل من مشاهدة عرض ذلك النص نفسه. وهو أمر أراه ينسحب على الاتجاه البنيوي اللغوي والأسلوبي في إطار كل من نسق النص ونسق العرض بالإضافة إلى النسق النوعي العام وفق الاتجاه الأدبي أو الفني الذي ينتمي إليه النص أو العرض (طبيعي/ ملحمي/ تعبيري/ واقعي/ عبثي/ تسجيلي/ رمزي …الخ). 
 
إن مجموعة الإشارات المسرحية في النص أو في العرض المسرحي تتحد لتكون أنموذجاً حضارياً، لا للواقع نفسه بل لما هو محتمل في الواقع. ولو أننا رجعنا إلى ما أرشد إليه لاجوس أجري في فن كتابة المسرحية (82) لاكتشفنا أن عالم الاحتمالات هو الأساس فيما يرى لكتابة الحدث المسرحي. 
 
كما أن قراءة فكر بريخت ومسرحه الملحمي تدلنا على أنه يحض المتلقي على النظر إلى كل معطيات مسرحه (مضموناً وشكلاً) على أساس من الاحتمالات عبر مسافة تبعيدية يحرص على وجودها بين مسرحه ومتلقي هذا المسرح بالمشاركة الإدراكية التي لا تخلو من العاطفة المحايدة. 
 
ويرى أن الإقناع بواقعية النص أو الغرض/ الافتراضية لا يتم من خلال الوساطة القصصية، بل من خلال الإطار المكاني “هنا” والإطار الزماني “الآن” والإطار الحواري و”أنت”، وهذا نفسه الذي وجدناه عند “جاري” و”أرتو ” و”عند نجيب سرور” ثم عند الاحتفاليين “المغاربة” و”المشاركة” من بعد حيث المسرح عندهم يرتكز على (نحن/ هنا/ الآن).(83) 
 
ويرى أن عالم المسرح عالم يقف متماثلاً مع عالمنا وغير متماثل معه في آن واحد. ولو راجعنا الفريد فرج في دليل متفرجه الذكي إلى المسرح(84) لرأيناه يكشف عن عقد يبرمه المسرحي مع المتفرج على قبول الإيهام على أساس من احتمال وجود الحدث والشخصيات على مارسمه فنان المسرح وبذلك يصدق المتفرج ما هو مصنوع وموهم على أنه واقع حقيقي يتحلى بالصدق. 
 
يعرض لرأي “جورج مونان” الذي يرى أن الاتصال المسرحي يتم على نحو ما يتم الاتصال اللغوي بين المتحدث والمستمع فالرسالة اللغوية تلغي الحاجز بينهما وكذلك يتوحد كل من الممثل والمتفرج. وأرى أن عملية التوصيل المسرحي لا يمكن أن تكون مباشرة وموحدة بين الممثل والمتفرج وإلا كان المتفرجون جميعاً على درجة واحدة من الاستجابة. 
 
ويرى أيلام أيضا أن رسالة المسرح لا يمكن أن تختزل إلى وحدات منفصلة يمثل كل منها إشارة حركية لها معناها الخاص، كما أن الأداء المسرحي يمثل وحدة يبحث المتفرج من خلال عناصرها المتفرقة عن قيمتها المحددة. وأن تولد المعنى على خشبة المسرح يكون من الثراء والانسياب بحيث يصعب إرجاعه إلى عناصر متفرقة تعلن عن نفسها. 
 
ويأخذ “مارتا آسيان” عند مناقشته لعملية “خلق العلامات الدرامية للمعنى على المسرح في مجال الدراما” على السيميولوجيين غموض لغتهم والتجريد الشديد في أسلوبهم ونتائجهم في الوقت الذي تتبلور فيه مهمة النقد السيميولوجي في التساؤل حول كيفية صنع العمل الإبداعي (الدرامي) ومحاولة تقديم أكثر الإجابات واقعية عن طريق فحص العلامات، وتوضيح دور العرض. وهذا ما دعاه إلى تأليف كتابه هذا. لذا يبحث في كيفية توظيف العلامات الدارسة في خلق الاتصال بين الشخصيات الدرامية وبعضها البعض وبينها وبين المتفرج من خلال العرض المسرحي. وذلك في أسلوب أكثر سلاسة وأقل إلغازاً عن الكتابات السيميولوجية المتعددة التي صدمته لغتها وأسلوبها وتعقيداتها النظرية دون تمثيل. 
 
يقصر “إسلن” أهمية المنظور السيميولوجي في المسرح على معطيات النص الدرامي عند عرضه على الفنان الدرامي، وفي أثناء عرضه مسرحياً، وبعد العرض على متفرج محدد لديه قدرة نقدية ما. 
 
يقصر إسلن العملية السيميولوجية برمتها على العرض المسرحي/ في المسرح/ وعلى العرض السينمائي بالوسيط السينمائي والتليفزيوني. 
 
* يخطئ إسلن افتراضات أرسطو التي تحكمت في عملية الممارسة الدرامية في أماكن كثيرة خلال عصور طويلة، وهي لا تصلح/ من جهة نظرة/ سوى لزمن أرسطو وجمهوره. 
 
وهو يخلص في كتابه ذي الثلاثة عشر فصلاً ومقدمة وتمهيد إلى زيف عملية فصل الشكل عن المحتوى؛ إذ كان الشكل عنده يحدد المحتوى، والمحتوى يفرض شكله، والتعبير في الشكل يغير في المحتوى كما أن التغيير في المحتوى يفرض شكلاً مختلفاً للتعبير عنه. 
 
وهو بذلك ينظر إلى المسألة نظرة دياليكتيكية. كما أنني أراه بذلك متفقاً مع الشكلانية الروسية في نظرتها إلى علاقة المحتوى بالشكل، حيث ترى المحتوى جزءً من الشكل والشكل هو الذي يستدعي االمحتوى، وهو ما التفتت إليه مسرحيات توفيق الحكيم التعليمية والعبثية …الخ. 
 
كما يرى إسلن عند مناقشته لمعنى العرض المسرحي أن كل عناصر العرض الدرامي- لغة الحوار والمنظر والإيماءات والملابس والمكياج وتلوين الصوت بالنسبة للممثلين، مثلها مثل العديد من العلامات الأخرى، يسهم كل منها بطريقته في خلق “معنى” العرض. 
 
وحين يرى أن خيال المتفرج هو الذي يقوم بتوليد الأثر النهائي والمعنى الأخير حيث يكون المعنى هو غاية التجربة فعلاً وليس مجرد التسلية التافهة فهو يقترب من اتجاه استجابة التلقي التي قام بها ريتشاردز في المنهج النقدي التجريبي الذي طبقه على عينات من المتلقين للشعر من خلال قصيدة محددة مع فشل منهجه آنذاك، وهو يقترب أيضاً مما أسماه كروتشه النقد التوليدي، ساخرا، ويتعارض مع الاتجاه التفكيكي الذي ينفي وجود أثر نهائي للعمل الإبداعي، انطلاقا من فكرة الاختلاف المرجأ التي تصورها جاك دريدا تأثراً يهايدجر. 
 
وإسلن في مناقشته لعلامات الدراما (الأيقونة/ المؤشر/ الرمز) يربطها بالإطار الخاص بالعرض والممثل والمرئيات والتصميم والكلمات والموسيقات والصوت، بوصفها علامات، ليخلص من ذلك إلى أن البنية بوصفها دالاً تربط العلامات بالمؤدين وبالمتفرجين وكفاءاتهم الاجتماعية والشخصية وصولاً إلى تدرج المعنى في العرض المسرحي تحقيقاً لأثره. 
 
ويخلص إسلن إلى أن السيميولوجيا (رموز العلامات) في اعتمادها على السيميوطيقا (أنظمة العلامات) قد أتاحت لنا بعض المناهج والأدوات التي يمكن باستخدام الوسائط الدرامية أن نشق بها مدخلاً ملموساً عملياً وواقعياً لفهم الدراما وتذوقها النقدي. وباختبار الوسائل والعلامات التي تنقل الدراما بوساطتها المعلومات الأساسية التي تتشكل من خلالها الحكاية الدرامية شيئا فشيئاً، والتي من خلاله ترسم الشخصيات وزمان الأحداث ومكانها. كما يلقي الضوء قوياً على العملية التي يتسنى لكل من الفنان المسرحي والمتفرج من خلالها أن يفهم الخط الأساسي للفعل الدرامي، بل للأرضية الأساسية التي تنشأ عنها المستويات العليا والمعقدة والمتباينة لمعنى العرض في النهاية أمام الجمهور. 
 
وفي تأصيله للاتجاه السيميولوجي يرى أن سيميوطيقا الدراما بشكلها الحالي تدين إلى عمل النقاد الشكليين الروس الذين بدءوا في تطوير أساليب لدراسة الجوانب الشكلية للأعمال الأدبية عن طريق تحليل دقيق للطريقة التي تنتج بوساطتها هذه الأعمال تأثيراتها الفعلية، إذ شرع أنصار هذه النزعة، خاصة في براغ في الثلاثينات من هذا القرن، في تطبيق هذا المنهج على الدراما، تأثراً برائدين هما فردينان دي سوسير (1857/ 1913م) والفيلسوف الأميركي تشارلز س. بيرس (1839/ 1914 م). 
 
عند انتقاله للحديث عن سيميولوجيا المسرح يخطئ إسلن القول أن المسرح، والدراما على وجه العموم، بوصفه نظاماً من العلامات، يمكن معالجته مثل اللغة وصرفها وبنفس الصرامة العملية التي تعالج بها اللسانيات “اللغات اللفظية”. ويرى أن ذلك القياس مضلل، لأن تعقيد العرض الدرامي يصدر عنها عدد كبير جداً من “الدوال” في آن واحد في سياق العرض مع ثبات بعض الدوال تبعاً لثبات المنظر المسرحي أحياناً أو تغير التلوين الصوتي في الأداء التمثيلي وفي تعبيرات الوجوه من لحظة إلى أخرى، وهو ما يستحيل معه التوصل إلى وحدة أساسية مشابهة لوحدة المعنى الأساسية في اللسانيات. 
 
إذن فإسلن، مثل إيلام، لهما وجه نظر واحدة حول تلك القضية! كذلك يخلص إلى أن العرض الدرامي، على عكس التعبير اللغوي ونتاج معظم الفنون الأخرى، ليس عملاً فردياً يعكس قصد فرد واحد إلى الاتصال، فلا المؤلف ولا المخرج، مهما كانت فاعلية دوره في التنسيق بين عمل الفريق، بإمكانه أن يسيطر تماماً على المنتج الكلي- المعنى النهائي “الرسالة” التي تصل إلى المتفرج- تتذبذب في التناغم بين فنان وآخر أو مصمم وآخر في العرض المسرحي نفسه، مما يؤدي إلى تذبذب التناغم في وعي الجمهور أو إدراكهم اللاوعي. 
 
ويقف إسلن على أرضية ما بعد الحداثة، حيث ينطلق من فكرة “إن النص الدرامي هو مخطط أولي لحدث محاكى، ولكنه ليس هو بذاته يعد دراما بمعنى الكلمة. فالنص الدرامي غير المؤدى هو أدب، ويمكن قراءته كقصة. هنا يتداخل الأدب السردي مع الشعر الملحمي والدراما” وهو يستشهد على ذلك بقوله “فإذا قام ديكنز بقراءة أجزاء من رواياته فإنه- بمعنى ما- قد مثلها ومن ثم حولها إلى دراما.” 
 
ولما كان خلط الأنواع الأدبية والسرد والسرد الانعكاسي (حكي الممثل لنفسه وتشخيصه لنفسه كما في المونودراما) هي من ركائز فنون ما بعد الحداثة، فلأن ما يقوله إسلن هنا هو نظرياً ضمن منظور ما بعد الحداثة. وإسلن يخلط الأنواع الأدبية ويلغي بذلك فكرة الإبداع المتخصص ويلغي الحركة وهي عمود المسرح الفقري ويلغي عناصر العرض المسرحي ويلغي الضلع الثالث في العملية المسرحية وهو (المتفرج) ويلغي فعل الحضور واحتفاليته وهي أساس المسرح. 
 
إذا كان من رأي إسلن نفسه أن “الممثل الرديء يضعف دلالة كلامه” وكان ديكنز كاتباً وليس ممثلاً فإن مجرد قراءة ديكنز أو غيره لروايته سوف تضعف دلالة عمله لأنه ليس ممثلاً، كما أن قول إسلن في موضع آخر من كتابه “أن الدراما في أثناء العرض هي حياة إنسانية” فإن قراءة ديكنز أو غيره لروايته، قصة كانت أو مسرحية، لا يصنع الحياة الإنسانية لانعدام وجود عرض يجسد الرواية أو المسرحية. وإسلن نفسه يدلل على صحة ذلك الرأي بشواهد متدرجة يضربها حول مذيع يطلق خبراً من الإذاعة وآخر يطلقه من التليفزيون ليؤكد أن الخبر مذاعاً من التليفزيون أكثر اتساعاً وكشفاً لهيئة المذيع (ملبسه، مزاجه، شكله، المنظر في الخلفية، المناظر المصاحبة للخبر الذي يذيعه)، فكل تلك علامات إضافية هامة تعطي الخبر والمذيع مصداقية أكبر وتأثيراً أعمق عند متلقي الخبر. 
 
ويرى أن للمرئيات والتصميم بوصفها علامات الدراما أربعة نظم أساسية هي: 
 
1- الديكور ودوره في إنتاج المعلومات والمعنى في العرض المسرحي؛ فهو نظام العلامات الخاص بالبنية التحتية (بالإضاءات) التي تحدد حركة الممثلين وتؤثر في أدانهم ومشاعرهم. 
 
2- وظيفة المنظر وهي وظيفة معلوماتية أيقونية تحدد المكان والزمان والأوضاع الاجتماعية للشخصيات. 
 
3- الملحقات المسرحية (الأثاث والأدوات والآلات وسائر الأشياء المستخدمة في أثناء العرض). 
 
4- الضوء، ويلعب دوراً متزايداً أبداً بين النظم الدرامية البصرية، فهو يؤدي وظيفة أيقونية واضحة (تصوير الليل والنهار وإلى جانب عرض جوانب رمزية كتوجيه انتباهنا إلى نقاط بؤرية في الحدث، أو حالة نفسية للشخصية). 
 
5- النص الدرامي: وهو العنصر الوحيد من الحدث الدرامي الذي يترك أثراً دائما للأجيال القادمة. فالدراما بدون أثر مكتوب لم تخلف أي أثر على الإطلاق من ورائها. 
 
لهذا يعده النقاد والدارسون العنصر الأساسي للدراما بما يتضمنه من عناصر هامة منتجة للمعنى المعجمي والدلالي والمرجعي (سياسياً واجتماعياً، فكلمات الحوار وسيط اتصالي إنساني ناقل للحقائق والمعلومات العاطفية، كما تتميز بوساطتها الشخصيات، إذا لكل شخصية مفرداتها ولهجتها ومصطلحات مهنتها، والحوار ينتج المعنى في الدراما على عدد من المستويات). 
 
6- السياق الدرامي: ودوره في فهم التعبيرات اللفظية والأفعال (ما وراء اللفظ أو الفعل). 
 
7- النص الفرعي (Sub****) ٍوهي مقولة مألوفة للغاية منذ أكد تشيكوف على النسيج المعقد للمعنى الذي يشكله النص الدرامي. فالشخصيات خاصة في مسرح تشيكوف نادراً ما تقول ما تعنيه فعلاً. 
 
8- وكذلك تعد الموسيقي والصوت من علامات الدراما بما تشكل من نظام دلالي. 
 
يخلص إسلن في النهاية إلى وضع قائمة لنظم العلامات المشتركة بين جميع الوسائط الدامية: 
 
– نظم التأطير: وتقع خارج نطاق الدراما (المعمار/ الجو). 
 
– نظم العلامات المتاحة للتمثيل: (الشخصية/ توازن الأدوار/ الإلقاء/ التعبير/ الإيماء/ لغة الجسد/ الحركة/ الملابس/ الماكياج/ تصفيف الشعر). 
 
– نظم العلامات المرئية: (التصوير المكاني/ المرئيات ونظام الألوان/ الملحقات/ الإضاءة). 
 
– النص: (بمعانيه المعجمية والمرجعية والدلالية/ الأسلوب/ النوع “نثري، شعري”/ السمات الفردية/ البنية الكلية/ الإيقاع/ التوقيت). 
 
– نظم العلامات المسموعة (موسيقى/ أصوات غير موسيقية). 
 
وفي استعراضه للعلامات على المسرح يحدد أن العلامة الأيقونية علامة بصرية وسمعية مباشرة. 
 
ويرى أن العرض بأكمله أيقونة، والعلامة الإشارية تشير إلى شئ ما (أسهم/ لافتات/ حركة ما/ إيماءة) وتستمد معناها من علاقة تجاوز مع الشيء الذي تصوره. كما أن الضمائر الشخصية (أنت، هو) هي علامة مؤشرة. أما العلامات الرمزية فتستمد معانيها من التراث، فهي صفات متواضع عليها، وهي تشكل معظم حديث البشر، وهي اعتباطية بعضها إيماءات وبعضها تقاليد في الأزياء وغيرها. 
 
والعلامات المسرحية في مجملها أدوات تستخدم إراديا لإقامة التواصل بين النص المسرحي والمخرج وبين المخرج والممثل وبين المخرج والمصمم وبين الممثل وزميله وبين العرض والجمهور وبين العرض والنقاد، فالوعي الواضح بالطريقة التي يعمل بها العرض، وكيف يمكن أن يفشل، ولماذا، على أساس تحليل جميع الوسائل التي يوظفها صانعوا العرض سيسهم مساهمة كبيرة في المناقشة النقدية للعرض الدرامي، تجنباً للانطباعية المجردة التي تكتنف كثيراً من النقد الدرامي والذي يكتبه كل محرري الصحف اليومية والأكاديميون. كما أن أهمية العلامات للمتفرج تكمن في أن الفن كله، وفي الدراما بوجه خاص، كثيراً ما يقوم على تقاليد مشتركة بين الفنان وجمهوره ومن ثم ينبغي أن تغدو هذه التقاليد مهارة مكتسبة يتم تعلمها في نهاية الأمر للحصول على أقصى درجة من المتعة. 
 
ويأخذ على تاديوش كوفزان في تصنيفه للعلامات المسرحية أن التصنيف يبدأ بالنص ويرى إسلن أن المنطقي أكثر هو بدء تصنيف علامات العرض المسرحي بالممثل لأنه المركز الذي تتمحور حوله الدراما بمؤداه. وهو أمر لم تره د. سامية أسعد فيما كتبت عن سيميولوجيا المسرح إذا استبعدت أن يكون الممثل هو المركز الذي تتمحور حوله الدراما بمؤداه وهو الأمر الذي يخلص إليه إسلن حيث يرى أن الممثل هو العلامة الأيقونية الأولى (علامة لإنسان) مستنداً إلى أمبرتو وإيكو ومقالته “سيميوطيقا العرض المسرحي”. 
 
يخلص إسلن إلى أربع ركائز حول الممثل: 
 
1- أنه العلامة الأيقونية الأولى/ لأنه علامة لإنسان/ وهو رأي اقتبسه من أيكو. 
 
2- أن اختيار الممثلين هو أهم النظم السيميوطيقية الأساسية المولدة للمعنى من خلال جاذبية الأداء وتوازنه. 
 
3- طريقة نطق الممثل لكلمات الحوار لها أهمية قاطعة بالنسبة لمعنى الدراما بما يصاحبها من إيماءات. 
 
4- حركة الممثل في الفراغ المسرحي لها دور هام في تحديد معنى الدراما. 
 
يطابق إسلن نظمه بنظم أرسطو الستة حول التراجيديا فيجدها متطابقة معه (عنصر لفظي وعنصر بصري وعنصر موسيقي سمعي وثلاثة عناصر هي حبكة، شخصية، فكر) كما أنه زاد على أرسطو ونظمه نظم التأطير والتمهيد الخارجي.
 
حول مسرح ما بعد الحداثة والفنون الأدائية 
 
خلص نك كاي من مناقشه ثلاث عشرة مقالة إلى عدد من الأفكار والآراء على النحو الآتي: 
 
– إن فكرة ما بعد الحداثة تتعارض تماماً مع المسرح والدراما بالمعنى التقليدي المتعارف عليه. 
 
– أعمال ما بعد الحداثة تراوغ محاولات التصنيف والتحديد دوماً. لذلك فهي تدفع الناقد إلى تجاوز التصنيفات والحدود الفاصلة بين فروع المعرفة الإنسانية. 
 
– الناقد لما بعد الحداثة يجد نفسه مطالبا بتحديد خصائص فن يقوم على رفض كل التصنيفات إلى جانب تعريفها. فن يحقق هويته من خلال مراوغة التقاليد أو كسرها. 
 
– لا يتأتى لناقد ما بعد الحداثة الإلمام بخصائصها ومعانيها إلا عن طريق الخوض في معاني الحداثة وما بعد الحداثة وخصائص كل منهما. 
 
– ما بعد الحداثة غايتها الهجوم على الحداثة بديلاً عن السعي الحقيقي لتجاوزها بحثاً عن جديد فهي تشكك في إيمان الحداثة بوجود أسس شرعية. 
 
– مصطلح ما بعد الحداثة تكتنفه عناصر القلق والتوتر. 
 
– خطاب ما بعد الحداثة وإبداعها الفني مجرد محاولات لتفكيك ادعاءات الشرعية التي طرحتها الحداثة وكشفها من خلال محاصرة فرضيات الحداثة وتخريبها. وما ينبني عليها من مواقف ونتاج ثقافي. 
 
– ما بعد الحداثة تقف على أرضية الحداثة نفسها وتشتبك معها في جدال ونزاع دائم وهو يطعن باستمرار في شرعية ما وصلت إليه أو حاولت تحقيقه. 
 
– الحداثة وفق “فاتيمو” عمل يسعى واعياً إلى تحديد هويته بمناهضته للنتاج الفني للماضي القريب وتجاوزه سعياً إلى تأسيس قواعده الخاصة واكتشاف شروطه الفنية المتفردة التي تؤسس شرعيته. وهو ينسلخ عن القديم لتأسيس لجديد. 
 
– وفي رأي جياني فاتيما Gianni Vattima، الفيلسوف الإيطالي، أن الحداثة حالة وتوجه فكري تسيطر عليها فكرة رئيسية فحواها أن تاريخ تطور الفكر الإنساني يمثل عملية استنارة مطردة، تتنامى وتسعى قدماً نحو الامتلاك الكامل والمتجدد (عبر التفسير وإعادة التفسير) لأسس الفكر وقواعده. 
 
وهي بذلك تتميز بخاصية الوعي بضرورة تجاوز تفاسير الماضي ومفاهيمه، والسعي الدائب نحو استمرار هذا التجاوز في المستقبل، وذلك لتحقيق الإدراك المطرد عمقاً بالأسس الحقيقية والمتجددة التي تبطن الممارسات الإنسانية وتضفي عليها الشرعية سواء في مجالات العلوم والفنون والأخلاق أو غيرها من المجالات الفكرية والعلمية. 
 
– يسعى العمل الفني الحداثي للوصول إلى الجوهر في سبيل تحقيق خصائص وقيم فنية مشروعة بذاتها ولا تحتاج إلى تبرير من خارجها. قيم وخصائص من شأنها أن تتخطى تأثير علاقات الاختلاف والإرجاء التي كشف عنها دريدا داخل النظام اللغوي. 
 
– ما بعد الحداثة تحاول تخريب المفهوم الفني للحداثة وتدمر الفكرة الوهمية عن العلامة باعتبارها وحدة متكاملة لا تماثل إلا نفسها. 
 
– محاولة لتعرية التفاعلات اللانهائية المتذبذبة بين عناصر العمل الفني تلك التي تحاول الحداثية كبتها في انطلاقها بحثاً عن القواعد الأساسية، هي متسعي أساسي عند اتجاه ما بعد الحداثة. 
 
– يتولد فن ما بعد الحداثة من محاولة تخريب الادعاء بامتلاك المعنى. 
 
– الحداثية تحاول البحث عن القواعد والأصول في سبيل التغلب على اعتباطية العلامة وعدم استقرار معناها. 
 
– ما بعد الحداثية تعارض بشدة بحث الحداثة عن الأصول. 
 
– الحداثة تؤمن بالمدلول المتعالي. 
 
– ما بعد الحداثة تتصدى لتفكيك المدلول المتعالي. 
 
– التردد الدائم بين المدلولات يخضع المدلولات لتأثير علاقات الاختلاف difference والإرجاء deferral داخل أي نظام لغوي. 
 
– ما بعد الحداثة ترى أن المعنى لا يتحقق أبداً بصورة كاملة. 
 
– ما بعد الحداثة تدعي بأنها تقيم علاقة جديدة مركبة مع الماضي. 
 
– ما بعد الحداثة تختلف مع الحداثة في ادعائها بأن العمل الفني يمتلك هويته الخاصة التي يحددها بنفسه. 
 
– ما بعد الحداثة لها موقف من الأسلوب؛ لذلك تعمل على تفكيكه. 
 
من أساليب التفكيك: تناول نص معروف وطرح أبنية مختلفة له واستخدام قصص متعارضة وأحداث متناقضة وتبني أسلوب التناقص أي عدم تقديم خط رئيسي للعمل/ موضوع التفكيك/ وتوظيف لغة التصوير الفوتوغرافي وتوظيف المفارقة في سرد قصص متناقضة- العشوائية في التوظيف الفني لعناصر خليطة من فنون متباينة والانتقالات المفاجئة من خيط سردي إلى آخر واستخدام طريقة المونتاج في عرض الفقرات بقراءة معكوسة ومقاطع مسرحية مسجلة ومقاطع من أفلام مسجلة وتجريب نوع من السرد يقوم على تشابك قصص متعددة تحكي من مناظير مختلفة متداخلة بما فيها منظوره هو كمؤلف عن حادثة معينة. 
 
ذلك متحقق في مسرحية (راشامون) وهي مسرحية مترجمة وقد أخرجها من قبل في مسرح الطليعة (حسن عبد السلام). 
 
وكذلك استخدام الشفرة المزدوجة/ التورية الساخرة/ الغموض/ التناقض/ المفارقة/ الاتساق القائم على التنافر (هارمونية النشاز)/ الإسهاب والتضخيم/ التعقيد والتناقض/ الاقتباس الانتقائي/ قلب الترتيب المألوف للكلمات في الجملة عكس ترتيب الكلمات في جملتين متوازيتين/ حذف حروف من الكلمات أو الجمل/ التعرية/ الشظى/ التفتيت. 
 
– ما بعد الحداثة يعلن ارتباطه بالماضي. 
 
– الحداثة تحاول إضفاء الشرعية على رفضها للماضي. 
 
– الحداثة تستهين بالخيارات التي يطرحها الماضي والحاضر على السواء. 
 
– تتميز طبيعة كل من الحداثة وما بعدها بالتناقض والتشظي. 
 
– ما بعد الحداثة تكتفي بالحد الأدنى من المفردات في التشكيل والتصوير الفني وترفض بوضوح التعامل مع الأشكال والصور التقليدية. 
 
– ما بعد الحداثية تستثير اللغات والصور الفنية ضد بعضها البعض، وتقوم على تحدي عدد من المفاهيم السائدة لتقويضها مستعينة بتلك المفاهيم نفسها مع تفجيرها في آن واحد حيث تبدأ بترسيخها ثم تخربها مع وعي تام بالسياق التاريخي والعملية التاريخية اللذين ينشأ من تزاوجهما نوع من الأعمال الفنية التي تتناول التاريخ تناولاً أدبياً. 
 
– الوظيفة عند الحداثة تفرض الشكل الفني وتحدده، والزخرف جرم لا يغتفر في محاولة الوصول إلى لغة الشكل البحت. 
 
– عمل ما بعد الحداثة في المسرح يقوم على نصوص قابلة للتفكيك. 
 
– الحداثة تسعى إلى اكتشاف أسس مطلقة للإبداع الفني، وهذا ضد العلم في رأيي لأنه نسبي. 
 
– ما بعد الحداثة ترفض وجود أي أسس نهائية مستقرة للفن. 
 
– ما بعد الحداثة تمثل نقدا أو إجهاضاً للسعي الحداثي نحو إعادة اكتشاف القواعد المنظورة للإبداع. 
 
وهكذا وجدنا نك كاي في نقده للنقد الذي تعرض لما بعد الحداثة في الفنون الأدائية يركز على التفريق بين الحداثة وما بعدها. 
 
حول النقد النسوي 
 
خلص جون شلوتر في استعراضه لثلاث عشرة مقالة نقدية نسوية جمعها في كتاب الدراما الأمريكية الحديثة: قراءة نسوية إلى ما يأتي: 
 
– إن هذه المقالات ركزت على صورة المرأة في الكتابات المسرحية الأمريكية من خلال إعادة قراءة نصوص رئيسية في الدراما الأمريكية من خلال مقاربة نسائية. 
 
– إن تلك النصوص المسرحية لم تخرج وفق القراءات النقدية النسوية عن دائرة التراث الأدبي المعتمد. 
 
– ركزت القراءات النسوية في هذا الكتاب على مسرحيات لأونيل وتينسي ويليامز وآرثرميللر وسام شيبرد وألبي. 
 
– تسعى تلك القراءات النقدية إلى تأكيد حقيقة مفادها أن طرائق القراءة والمقاربات المختلفة لم تستنفد بعد الطاقة التي تنطوي عليها الدراما والثقافة الأمريكية المعاصرة. 
 
– كما تؤكد دور الحركة النقدية النسوية المساهمة في إزاحة توجه ظل حتى وقت قريب يقنع بفرضية مفادها أن التراث الأدبي قد اكتملت دائرته وانغلق على ذاته. 
 
– أن ناقدات الحركة النسوية قد التفتن إلى نصوص أبدعها النصف الآخر من منظور عالم الذكورة. 
 
– يقوم هذا النمط من النقد النسوي في جوهره على الاستعادة والاسترجاع. 
 
– يطرح النقد النسوي مسألة الجنس الثاني في الأدب والحط من شأن النساء في الأدب وفكرة امتياز الذكر، ودور المرأة في بعث الحركة لدى الآخرين دون وجود باعث يدفعها مع ما ينتاب المرأة من نشوة مراوغة. 
 
– هناك مقالات تستبعد ما أشيع عن عداوة أونيل للمرأة وأخرى ترى أنه عدّد حصارها وحرمانها من الحقوق. 
 
– أن السمة المعمارية السائدة في كتابة أونيل- فيما تخلص إحدى الناقدات- تتمثل في شخصية نسائية غير مستقرة. 
 
– يرى شلوتر أن الأعمال النقدية النسوية تتصل بأكثر المناهج رسوخاً: النقد الأسطوري/ النقد الأنثروبولوجي والنقد القائم على التحليل النفسي والتفكيكية والسيميوطيقا، ونظرية استجابة القارئ. 
 
– تكمن جاذبية النقد النسوي- من جهة نظر شلوتر- فيما يمكن تسميته بالتناقص النقدي. 
 
الخلاصة 
 
من الواضح أن النقد السيميولوجي يتوجه إلى العرض المسرحي وعناصره (ومنها النص) أكثر مما يتوجه إلى النص. وهو بهذا المعنى يعد نقداً فنياً وليس نقداً أدبياً. فالنظر إلى الكتابات السيميولوجية في مجال الدراما والمسرح وقراءتهما يحيلان إلى الأداء وإلى عناصر العرض من سينوجرافيا وعلامات في مستويات تشكيل الفراغ المسرحي والعملية المسرحانية كلها، حيث أن الحوار هو لغة الشخصيات في المسرح بينما في الإرشادات فإن المتكلم هو المؤلف. 
 
العلامات في المسرح لا يمكن إدراكها كل على حدة منفصلة ومتمايزة فكل علامة هي جزء من كل عضوي متفاعل يدعم بعضه بعضاً لخلق معان جديدة من خلال المفارقة أو التوتر الداخلي بين علامتين أو أكثر يتم بثها في وقت واحد. والمعنى الكامل للعرض الدرامي ينشأ دائما عن التأثير الكلي لهذه البنى المعقدة والمتعددة الطبقات التي تتألف من نسيج الدوال التي يتوقف بعضها على البعض الآخر. 
 
الحاجة إلى قراءة سيميولوجية نقدية تستلزم من المتفرج تنظيم العلامات المتعددة والمتعاقبة تنظيماً جمالياً ومكانياً. كما تستلزم من الممارس المسرحي تحويله للعلامات غير اللغوية عن طريق المضاهاة لأن العرض يتضمن سلسلة معقدة من المراسلين يرتبط بعضهم البعض بعلاقات حميمة وسلسلة من الرسائل ترتبط برباط وثيق ومعقد وفقاً لشفرات شديدة التحديد، ومن المتلقين المتواجدين في نفس المكان، وتداركه لا يتحقق بنفس السهولة التي يتحقق بها أدارك النص المسرحي الذي تتطلب قراءته تتبع الترتيب الزمني. وهنا يصدق قول آن أوبر سفلد إذ ترى أن المسرح ليس لغة وأنه لا وجود لما يمكن أن نطلق عليه لغة مسرحية. 
 
إن كل الكتابات السيميولوجية حول المسرح تهتم بالمتفرج بوصفه صانع المعنى (معنى العرض المسرحي) لأن المسرح وإن قام على النص لا يتحقق إلا من خلال العرض. 
 
يتعارض النقد المسرحي السيميولوجي مع النقد التفكيكي الذي لا يهتم بوجود وحدة عضوية أو وحدة نوع أدبي في العمل موضع النقد ويحض على نفيها. 
 
ثالثاً: في تأمل أحوال الفكر النقدي الحديث والمعاصر 
 
– تأرجحت اتجاهات النقد بين الموضوعية والذاتية والشكلانية، وهو أمر قديم حديث. 
 
– تأرجحت مصادر الأدب في معايير النقاد بين (الإلهام الأفلاطوني والمحاكاة الأرسطية والانفعال الووردزورثي والخيال الكوليردجي والتعويض النيتشهوي والجرح والقوس الشوبنهاوري والانعاكسية الماركسية والإشارة البيرسية والشكلانية الشكلوفسكية والبنيوية والتفكيكية الدريداوية والتجريبية الريتشاردزوية والتوليدية الكروتشهوية). 
 
– إن تباين نظرة النقد راجع إلى تبنيه لتباينات النظرة الفلسفية للمعرفة الفنية، فهي مغايرة حيناً للمعرفة الحسية وللمعرفة العقلية وهي مناقضة حيناً للموقف العلمي منها، وهي مطابقة للواقع الاجتماعي والطبيعي، وهي مغايرة له حيناً وعاكسة لطبيعة النفس. وهي متغيرة ولا ثبات فيها لتغير التلقي وعدم ثباته، وهي ذاتية، وهي شكلية، وهي موضوعية، وهي جمعية. 
 
– إن ما يعرفه أوسكار وايلد بالنقد الخالق (نقد الإبداع بإبداع آخر) هو في رأيي نوع من المعارضات الأدبية والفنية. 
 
– إن تفسير إليوت لعملية الإبداع بوصفة فروضاً تأملية مضاد لما نادى به حول الموضوعية، ويرد النقد إلى العامل الذاتي. 
 
– إن طلب إليوت للمعادل الموضوعي للعاطفة في العمل الأدبي يقف ضد مناداته بالموضوعية واقتصار النقد على العمل الأدبي نفسه، ولأن عاطفة الكاتب تقع خارج إطار العمل الأدبي نفسه. 
 
– إن رفض أصحاب نظرية الانعكاس أن تكون العاطفة والانفعالات هي المحور الرئيسي للأدب لا ينفي اعترافهم بأهمية العاطفة والانفعالات في تشكيل الأعمال الأدبية. لأن رفضهم هو رفض لفكرة المطلق في الذاتي وفي الأدب والفن وفي الوظيفة الأدبية والوظيفية النقدية. 
 
– يطمح الشكلانيون إلى أن يصبح الشكل هو ما يحول التعبير اللغوي إلى عمل فني. 
 
– إن المحتوى عند بعض الشكلانيين ما هو إلا أحد مظاهر الشكل. ويرى البعض الآخر أن الشكل هو الذي يحدد المعنى عن طريق تشويه الأديب للكلام العادي عن طريق العنف المنظم وهو أمر عرفته نظرية النظم عند الجرجاني في التراث النقدي العربي، كما أن المسرح الملحمي قد أشار إلى المشوه في الرائع والرائع في المشوه في الصورة المسرحية. 
 
– لما كان الأدب عند الشكلانيين هو “مجموع حيله” فإن الشكل عندهم يسبق المحتوى ويخلقه. 
 
– تلقي البنيوية بعبء استخلاص المعنى على قدرة المتلقي على اكتشاف قواعد التركيب وآليته في تشكيل معنى النص في فرديته ونظامه الكلي ونسقه الخاص ونسقه النوعي، وما كانت خلافاتهم إلاً دوراناً حول المنظم للعلاقات بين الوحدات الصغرى داخل النص. 
 
– ينطلق منهج البنيوية في النقد من السطح إلى البنى التحتية، فهو يبدأ بالجزئيات لينتهي تحليله لها إلى الكليات (الأنظمة الحاكمة للإبداع) وهو منهج قديم في الفلسفة التجريبية عند فرنسيس بيكون (1561/ 1626 م). 
 
– ارتكز البنيويون على ما يسمي بالثغرة في النص gap في مقابل ارتكاز التفكيكيين على فكرة الفراغ space. وهو نفسه ما يعرف عند كلا الاتجاهين بالمسكوت عنه. 
 
– لا يتمتع القارئ البنيوي بحرية القارئ التفكيكي الذي يتمتع بحرية كتابة النص عبر قراءته في مقابل تعدد القراءة عند البنيويين، وإن استهدفت القراءة عند الاتجاهين البحث عن معنى النص وأثره خلال المسكوت عنه. 
 
– يرى البنيويون أن معنى النص متعدد بتعدد حالات التلقي، فمعنى النص المسرحي عند كل قارئ له مختلف باختلاف القراء والعرض متعدد المعاني بتعدد كل متفرج يتلقاه. 
 
– فشلت البنيوية في تحقيق منهجها حول معنى النص ونجحت في منهج تحليلها اللغوي- في نظر نقادها. 
 
وخلاصة القول 
 
هي أن اتجاهات نقد الحداثة ونقد ما بعد الحداثة قد تمحورت حول سمات النص الأدبي وحول سمات العرض المسرحي لكشف حقائق الإبداع وكيفية عملها فيه ورؤية العمل الإبداعي (الأدبي والمسرحي) بوصفه جزءاً من تاريخ تطور الأدب أو الفن وتطور أشكاله وسماته لتمييز وظيفة الحيلة وفهمها في كل حالة بمفردها، من خلال نزع الألفة بين المتلقي ومنهجه الأدبي الأثير لديه، مما أوجد لكل منها حدوداً ودوراً، يستهدف تحقيق أثرها، حتى مع رفض التفكيكية الاعتراف بأن ما اجتهدوا فيه يشكل اتجاهاً. 
 
مع أن كل نظرية هي فاصل بينها وبين غيرها من النظريات، إلا أنه لا يتيسر لعصر أدبي أن يذيب الفواصل الفنية بين الأجناس الأدبية، ويطمس معالمها، لأن الأجناس الأدبية تستعير خصائص بعضها البعض. ولئن كان هذا التوجه يشكل أساس مسرح ما بعد الحداثة إلا أن خلط الأجناس الأدبية والفنية في العمل المسرحي التفكيكي (ما بعد الحداثي) هو هدف أسمى عند أصحاب هذا الاتجاه حيث يخلطون في أدبهم بين الأنواع الأدبية والفنية من سرد انعكاسي وحوار وقصة وقصيدة وأغنية وفن تشكيلي وموسيقى مع الإحالة إلى نصوص أخرى وتجميع ذلك كله كذرات وشظايا فيما يمكن أن يطلق عليه (التوليفة). 
 
إن النص المسرحي الحداثي في تعبيره عن حيرة الذات المعاصرة وشكها وسلبيتها وعدم سعيها نحو إعادة التوازن للحياة يرخي العلاقة الوثيقة بين الشكل والواقع ويتأرجح بين تمثيل الواقع وعدم تمثيله ويستعين بأشكال التجريد والخيال المكثف ويعمل على تغيير فلسفة المكان والزمان ويرسم المكان في الحدث ضيقاً تبعاً لضيق المجال النفسي للشخصيات الدرامية، ويعمل على بتر التسلسل الزمني ويستبدله بالإشراقات الداخلية وبقع الأزمنة المتناثرة وبناء الشخصيات بناء هندسياً لغوياً اعتماداً على الأسطورة وارتكازاً على المفارقة وميل اللغة نحو الإشارة. 
 
والتمرد على أساليب الربط وتكوين العلاقات المألوفة، وذلك كله ما زال بعيداً عن حساسيتنا الأدبية والفنية. 
———————————————————————————
المصدر: مجلة الفنون المسرحية – أ. د. أبو الحسن عبد الحميد سلام

شاهد أيضاً

الكتاب المسرحي العربي للمرة الأولى في جيبوتي. اسماعيل عبد الله: حضور منشورات الهيئة العربية للمسرح في معرض كتب جيبوتي حدث مفصلي في توطيد الثقافة العربية.

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *