نبش في ذاكرة المسرح الفلسطيني

لا يمكن الحديث عن المسرح الفلسطيني دون الحديث عن شعب و عن جغرافيا و مخيمات لجوء و منافي و سجون، و سوء عذاب ممزوج بحلم العودة ، و تبقى الخشبة إخراجا بين الخيبة و الأمل، بين من شرد خارج الوطن و من صمد أمام وحشية المحتل، خياران أحلاهما مر، إما قبول بالأمر الواقع أو تحد للقيود، أما خارج الوطن فمدمج أخاك لا بطل، ذوبان في المحيط أو انفصال نفسي، إزدواجية في الولاء و الانتماء، هكذا يتمسرح الإحساس ، فمن الفنانين من يتمسك بالهوية قولا و فعلا ومنهم من يتناساها أحيانا.

المسرح الفلسطيني قبل النكبة :

كان الوعي السياسي لرواد المسرح الأوائل و فهمهم لوظيفته الإيديولوجية و الجمالية دور في كسر العزلة الجغرافية و التحذير من المشروع الصهيوني، فقد حذروا في وقت مبكر بضرورة التغيير الاجتماعي و مقاومة الاحتلال، فترجموا نصوصا عالمية و كتبوا أخرى و نشروا في الصحف و انتقدوها، و أنجزوا عروضا في المدارس و ساحات الأديرة و انتقلو ا إلى المقاهي و الأندية، و كانت أشهر المسرحيات ” وفاء العرب” و ” طارق بن زياد” و ” صلاح الدين الأيوبي ” و قد قدمت في القدس و غيرها من المدن الفلسطينية عام 1914.

كان استلهام التاريخ أساسيا في حماية الأرض و التحذير من السماسرة و الحث على مقاومة المحتل، و كانت الاستفادة من العروض الأجنبية المقدمة في المدارس و من الفرق المصرية الزائرة التي يقودها يوسف وهبي، حيث أصبحت مدن فلسطينية كالقدس و حيفا و الناصرة مراكز ثقافية مثل بيروت و غيرها.

المسرح الفلسطيني بعد نكبة 48:

استطاع المسرح الفلسطيني أن يرتقي من الموهبة و الارتجال إلى الحرفية و التميز، حيث ظهرت فرق في جميع المدن… غير أن الاحتلال دمر كل الجهود و المحاولات في نكبة 48، بل مزق النسيج الاجتماعي و شرد آلاف الفلسطينيين، و أصبح أقل عمل ثقافي بأمر الحاكم العسكري، و أصبحت مقرات الفرق المسرحية في دائرة الأملاك الإسرائيلية أو مساكن للمحتلين، بينما أصبح رواد المسرح لاجئين في المخيمات بل مطاردين أكثر من السياسيين، و تشتت شملهم، و أصبحت الحاجة إلى الخيمة لا إلى الخشبة.

غاب المسرح داخل و خارج الوطن طويلا، و أصبحت معركة الوجود و الهوية أولا، و ظهرت مسرحيات تجاوزت الوضع و وظيفة المسرح، و قدمت عروضا استسلامية ك” كرسي الاعتراف” لفريد مدور و ” ظلام و نور” لجمال قعور، و” آمنة ” لسليم خوري، و استمر المتخيل المسرحي في هذا الأفق إلى أن بدأت مسرحيات تكسر حاجز الخوف و تكشف الواقع الفلسطيني الرهيب، منها مسرحية ” قدر الدنيا “التي تحكي قصة العودة إلى فلسطين للحصول على الهوية و حق الإقامة في الوطن، و نفس الموضوع تؤكده مسرحية إميل حبيبي ” سعيد أبو النحس المتشائل “، و كتب توفيق فياض ” بيت الجنون ” ثم سميح القاسم ” قرقاش “، التي تفضح الظلم في حق ” اللاجئين داخل الوطن “.

المسرح الفلسطيني في المخيمات:

ارتبط المسرح في مخيمات اللجوء بسوريا و لبنان و الأردن و الضفة و قطاع غزة بوكالة غوث للاجئين ” أونروا “، و كان موضوعه الحنين للوطن بنزعة خطابية ميلودرامية و أحيانا كوميدية، تبرز الفلسطيني المظلوم أو الفدائي، عروض بسيطة استمرت لعشرين عاما تقريبا، و لم يخرجوا من هذا الانغلاق إلا بعد اغتناء تجربة هواة المسرح من اللاجئين في بيروت و دمشق و بغداد و القاهرة، و أصبحت دراسات في المعاهد و الجامعات و احتراف في الممارسة، و انتقل المسرح من الهواية و التسلية إلى الوعي و الدفاع عن القضايا العادلة.

المسرح الفلسطيني بعد هزيمة 67:

كانت هزيمة 67 انهيارا للأوهام و الرهانات على النظام الرسمي في مواجهة الاحتلال، و انعكس ذلك على النشاط الثقافي عامة، و أصبح المسرح وسيلة للمقاومة و رفض الاحتلال، و بدأت الكتابة الجماعية و الترجمة العالمية و مسرحة الروايات، و امتزجت الخبرات بين الضفة و القطاع و أراضي 48، لكن منطق الصهاينة موحد في الزمان و المكان، فقد تعرضت كل الفرق المسرحية التي تدين الاحتلال إلى المطاردة و الاعتقال.

و كان لاتفاقية ” أوسلو ” بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية أثر على انقسام المثقفين بين اليأس و الأمل، بين الحلم و تقويض التضحيات السابقة، فأصبح المسرح يعكس النتائج المخيبة للسياسيين و مظاهرهم السلبية و يدعو لعودة المقاومة و فضح الاحتلال

أما بعد :

المسرح الفلسطيني مسرح يتيم لا احد يرعاه، لا يوجد معهد مسرحي، و لا أرضية لإنتاج الفنانين، و هم أصلا قلائل، فقط من أصابته ” شوكة المسرح” و لم يجد مختبرا لها، كل ما هنالك مسرحان أحدهما برام الله و الآخر بالقدس.

فبعد أن تركه السياسيون في مرحلة ما، أصبح مجاله التجريب و الارتجالية و المبادرات، لا توجد أرضية مسرحية، لا حكومة و لا أموال لتشجيع الاحتراف، من يعمل فيه عليه التفرغ و التفرغ يتطلب مصدر العيش، و العيش شاق في فلسطين.

إن المسرح الفلسطيني يقاوم بدوره القيود و الاعتقال أحيانا من على الخشبة أو بإغلاق أماكن العرض بدعوى الهاجس الأمني.

المسرح الفلسطيني يمتح من حس الأرض و من قضايا الوطن، مادة خامة للنص لكن هشاشة البنيات تحول دون الخشبة، و إن وجدت “مغامرات مسرحية” تعرض في أي مكان، فتعوقها الحواجز الأمنية و العراقيل الصهيونية، فهل يوجد مسرح بلا جمهور؟ و هل يوجد جمهور بلا قضية ؟ و هل توجد قضية بلا أمة ؟

 

ادريس مستعد

http://www.hespress.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *