مهرجان المسرح العربي.. رسائل جمالية وتنويرية يحملها بساط (أبي الفنون) – محمد جميل خضر

انطلاقًا من دورته الأولى عام 2009 في القاهرة وصولًا إلى الدورة الثانية عشرة التي يقام حفل افتتاح فعالياتها اليوم في عمّان عاصمة العرب والسلام، فإن العنوان الأجلى والأنصع الذي حققه مهرجان المسرح العربي، هو التطوّر المنهجيُّ المضطرد الثابت الدؤوب.

لم تقف في وجهه العراقيل وما أكثرها، ولم يتسلل إلى الأمناء على إدامة شعلته الوهن. وكما يحتمل الفن المسرحي روح التجريب، فإن تطور فكرة المهرجان اعتمدت في بعض محطاتها الأولى على التجريب، حتى إن الدورة الثانية التي أقيمت عام 2010 في تونس حملت تباينًا جوهريًا مع عناوين المهرجان اللاحقة، وصولاً إلى الدورة الرابعة التي أقيمت عام 2012 في عمّان محققة قفزة نوعية على صعيديّ المبنى والمعنى.

شذرات البدايات

تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الرئيس الفخري للهيئة العربية للمسرح، انطلقت الدورة الأولى من المهرجان في القاهرة.

تلك الدورة الشرارة تمثلت بوصفها مشروع حلم يتلمس طريق التحقق، فالمهرجان هو بالأساس مبادرة من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، تهدف للمساهمة الفاعلة في الارتقاء بالحركة المسرحية العربية والعمل على تعزيز الجهود المبذولة للنهوض بالمسرح في الوطن العربي.

هذه المبادرة تجلت كَمُلْهِمٍ لإدارة الهيئة العربية للمسرح، فسارعت إلى وضع جملة من التصوّرات والخطط والبرامج والآليات الكفيلة بتفعيل أهدافها النبيلة وغاياتها السامية وفق تطلعاتها لتأمين وجود مسارح عربية، حيوية، ومتنوعة تكون فاعلة ومتفاعلة مع واقع مجتمعاتها ومقوّمات الحياة العربية فيها، منخرطة في العمل على تغييرها نحو الأفضل، واعية بالرهانات المطروحة مدركة للتحديات المرفوعة حضاريًا في عالم اتصالي يتسم بسرعة التحوّلات والسعي المحموم لفرض النمط الواحد وبالتالي العولمة.

دورة القاهرة شهدت مشاركة 11 دولة عربية هي: الإمارات ومصر وتونس والأردن ولبنان والجزائر وليبيا وسوريا وفلسطين والسودان والبحرين، وتضمن حفل افتتاحها في دار الأوبرا المصرية، عرض مسرحية ”شمشون الجبار” التي كتبها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي وأخرجها الدكتور أحمد عبدالحليم.

دورة القاهرة كرمت المخرج المصري أحمد زكي ضمن تقليد تكريم شخصية مسرحية من البلد المضيف للمهرجان. وفيه ألقت الفنانة سميحة أيوب كلمة يوم المسرح العربي.

الحدث الأهم في الدورة الأولى أنها لم تُقم في الموعد المعتاد لدورات المهرجان (من العاشر إلى السادس عشر من شهر كانون الثاني/ يناير)، بل تأخر موعد إقامتها إلى أيار (مايو) بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة نهايات العام 2008 وبدايات العام 2009.

المسرحي اللبناني يعقوب الشدراوي كان سبق الفنانة سميحة خريس بإلقاء كلمة يوم المسرح العربي، فهو صاحب أول كلمة، وألقاها مطالع عام 2008، في إطار صياغة فكرة المهرجان والاتفاق أن يكون يوم العاشر من كانون الثاني/ يناير يوم المسرح العربي.

أما أهم عنوان للدورة الثانية فهو أنها أقيمت في تونس التي كانت تحتفل أيامها بمئوية المسرح التونسي. واكتفت الدورة الثانية بعروض واعدة من نوع مسرح الهواة وحملت فكرة الدورة الثانية عنوان “شباب.. شغف.. مسرح”. الكاتب عزالدين المدني الشخصية المسرحية التونسية العربية المهمة هو من قرأ كلمة يوم المسرح العربي في الدورة الثانية التي كرّمت الفنانة التونسية منى نور الدين.

في الدورة الثالثة التي أقيمت عام 2011 في بيروت، بدأت ملامح مهرجان المسرح العربي تتضح أكثر فأكثر. تلك الدورة شهدت تفاعلًا مسرحيًا عربيًا أكثر من الدورتين السابقتين، كما شهدت ازدياد العروض المشاركة في المهرجان، وزيادة ضيوفه من المسرحيين العرب، إذ وصل عددهم في دورة بيروت إلى نحو 300 مسرحي عربي. وألقى كلمة يوم المسرح العربي في دورة بيروت الفنان العراقي الراحل يوسف العاني (1927-2016).

الأردن شاركت في الدورة الثالثة بمسرحية “سكان الكهف” إخراج خليل النصيرات وسينوغرافيا محمد أبو حلتم عن نص للأميركي الأرمني وليم سارويان.

 

محطة مفصلية

تجلت الدورة الرابعة من مهرجان المسرح العربي التي أقيمت عام 2012 في العاصمة الأردنية عمّان، بوصفها محطة مفصلية في مسيرة المهرجان، ونقطة تحوّل جوهرية. فهي الدورة الأولى التي تضمنت مسارين: مسار لعروض المهرجان، ومسار للعروض التي تتنافس على جائزة القاسمي لأفضل عرض مسرحي عربي، وفاز بالجائزة العرض التونسي “زهايمر” إخراج مريم بوسالمي وتمثيل صلاح مصدق وقابيل السياري.

وأتاح هذا الفوز للعرض الحصول على بعديّ الجائزة، البعد المادي المتمثل بجائزة نقدية قيمتها مائة ألف درهم إمارتي، والبعد المعنوي المتمثل بأن يفتتح العرض الفائز بجائزة القاسمي فعاليات أيام الشارقة المسرحية التي تقام في آذار (مارس) من كل عام.

من علامات دورة عمّان المشرقة تعزيز محتوى المؤتمر الفكري المقام خلال أيام المهرجان، وقد حمل مؤتمر عمّان عنوان: “المسرح والديمقراطية، أفق المستقبل”. ولم يكن مسرح الشارع (أحمد سرور) ولا مسرح البحر (محمد العامري) ولا الضحك واللعب والمسرح (أسماء مصطفى) ببعيدة عن محاور الندوات الفكرية.

وكان تكريم الفنان ربيع شهاب من العناوين المهمة لهذه الدورة. وإلقاء الفنانة الكويتية سعاد عبدالله كلمة اليوم العربي للمسرح، ومن العناوين اللافتة أيضًا في الدورة الرابعة إقامة ملتقى حول المرأة في المسرح وتخصيص العام 2012 للمرأة في المسرح.

في الدورة الخامسة من المهرجان ألقت الفنانة المغربية ثريا جبران كلمة اليوم العربي للمسرح في التي أقيمت في الدوحة. ومما جاء في كلمة جبران: “منَحْتُ العُمْر للمسرح. ما قضيتُه من سنواتٍ على الخشبات، وفي المسارح المغربية والعَرَبية والأجنبية، أكثر مما قضيتُه في بيتي وبين أفراد أُسْرتي الصغيرة”، خاتمة بالقول: “عاشَ أهلُ المسرح أَيْنَما كانوا، في الأَوطانِ أو في الشَّتَاتِ، صُنَّاعاً للجَمَال، رُعَاةً للحريةِ والحُلْمِ والتَّخيُّلِ والفِعْل الصادق الأَمين”.

تنافست في دورة الدوحة تسعة عروض على جائزة القاسمي وفازت مسرحية “الديكتاتور” لفرقة بيروت 8 ونص، تأليف عصام محفوظ وإخراج لينا أبيض بالجائزة.

دورة بيت الديار

تمثلت الدورة السادسة من المهرجان بوصفها دورة بيت دار المهرجان. فالهيئة العربية للمسرح الذي تنظم المهرجان مقرها الشارقة، والدورة السادسة في العام 2014، أقيمت في الشارقة، تحت عيون (المعزبين) ورعايتهم الكريمة وحسن ضيافتهم العربية.

الدورة انطلقت حاملة شعار “نحو مسرح عربي جديد ومتجدد”. وشهد حفل افتتاحها الذي أقيم تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي وحضوره وكلمته (صاحب السمو هو الذي ألقى كلمة يوم المسرح العربي)، تقديم فرقة “أنارشي” التايوانية للمسرح الراقص، عرضًا بصريًا أدائيًا تقنيًا أخاذًا حمل عنوان “الحاسة السابعة”.

في دورة الشارقة فاز العرض التونسي “ريتشارد الثالث” إخراج جعفر القاسمي بجائزة القاسمي لأفضل عرض عربي.

كما شهدت الدورة مشاركة أردنية بعرض “ع الخشب” تأليف وإخراج زيد خليل مصطفى. إضافة إلى مشاركة أردنية لافتة في الدورة السادسة على صعيد التكريم والمشاركة في الندوات التقييمية وورش العمل والمؤتمر الفكري ونشرة المهرجان.

مئوية المسرح المغربي

في دورة الرباط السابعة رقمياً والثانية مغاربياً، فاز بجائزة القاسمي العرض الفلسطيني “خيل تايهة” إخراج وتصميم إيهاب زاهدة عن نص مأخوذ من رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب السوري عدنان العودة.

الدورة السابعة من المهرجان تجلّت بوصفها محطة غير مسبوقة في قماشة عروضها، سواء من حيث محتواها الفكري والفني أو المشاركة الكبيرة للمسرحيين المغاربة، إضافة إلى تقديم عروض تزيد على سبعين عرضًا مسرحيًا في مدن مغربية عدة.

وفيها وصل عدد ضيوف المهرجان إلى نحو 500 مسرحيّ من مختلف البلدان العربية.

المسرحي والشاعر السوداني د. يوسف عايدابي ألقى في دورة الرباط كلمة يوم المسرح العربي التي حملت عنوان “أي مسرح نريد؟”.

وكان “مئوية المسرح المغربي” هو العنوان العريض الذي انشغل فيه المؤتمر الفكري في دورة الرباط بمشاركة مسرحيين وباحثين ومؤرخين بعضهم من دول أوروبية.

ستة عروض تنافست في الدورة الثامنة التي أقيمت عام 2016 في الكويت، مضافًا إليها العرض الكويتي “صدى الصمت” من تأليف قاسم مطرود وإخراج فيصل العميري الحائز على جائزة أفضل عرض في مهرجان الكويت المسرحي للعام 2015. ومثلما فاز عام 2015 عاد “صدى الصمت” في العام 2016، ليفوز بجائزة القاسمي لأفضل عرض عربي.

المسرحي الفلسطيني المقيم في سوريا زيناتي قدسية ألقى في دورة الكويت كلمة يوم المسرح العربي.

 

أربعة مسارات في دورة واحدة

في العام 2017 عاد المهرجان للمغرب العربي، وأقام دورته التاسعة في الجزائر العاصمة.

 شارك في المسار الأول ثمانية عروض مسرحية من خمس دول عربية، وفي المسار الثاني شاركت ثماني مسرحيات من سبع دول عربية من بينها العرض الأردني “العرس الوحشي”.

تميزت دورة الجزائر بإضافة مسارين آخرين: عروض التنمية والترقية شاركت فيه أربع مسرحيات من الجزائر وعُمان والسعودية والسودان، ومسار “عروض جزائرية لافتة” شاركت فيه ثلاث مسرحيات جزائرية.

المخرج المسرحي الأردني حاتم السيد أحد الأعلام الرواد في المسرح العربي ألقى كلمة يوم المسرح العربي.

الهيئة العربية للمسرح أصدرت ثلاثة كتب عن المسرح الجزائري بمناسبة انعقاد الدورة هناك، وهي: “المسرح الطفولي المغاربي” للدكتورة جميلة الزقاي، “مختارات من المسرح الجزائري”، ترجمة سمية زباش و”المسرح الجزائري” للدكتور صالح مباركية.

مسرحية “خريف” لفرقة أنفاس المغربية فازت من بين عروض المسار الثاني بجائزة القاسمي لأفضل عرض عربي، إذ تميز العرض عن سواه، بحسب لجنة التحكيم، في “اكتنازه بفحوى إنسانية ولغة إبداعية ترتقي للعالمية، قوامها الرئيس احتفاؤها بالحياة”.

تحت عنوان “العبور إلى المستقبل بين الريادة والقطيعة المعرفية”، أقيم المؤتمر الفكري للدورة التاسعة بمشاركة نحو 120 ناقدًا وباحثًا. وشمل المؤتمر إقامة ندوتين تطبيقيتين ومناظرة علمية.

 

دورة المجايلة في تونس

لم يبتعد المهرجان في دورته العاشرة عن المغرب العربي، وعاد إلى تونس التي زارها بساط أبي الفنون في دورته الثانية، حاطاً رحاله عام 2018 هناك في دورة استثنائية وصل عدد ضيوفها إلى 600 مسرحيّ عربي وأجنبي.

الكاتب والناقد المسرحي السوري فرحان بلبل ألقى في الدورة العاشرة كلمة يوم المسرح العربي.

أحد عشر عرضًا شاركت في المسار الثاني متنافسة على جائزة القاسمي التي فازت فيها مسرحية “صولو” لفرقة مسرح أكون المغربية.

الدورة العاشرة كانت، بحسب إسماعيل عبد الله الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، نوعية من حيث الاختيارات، إذ تحققت فيها المجايلة بين أسماء مسرحية رائدة، وأسماء مخضرمة وأسماء شابة، كما شهدت تنوعًا وغنى في الأشكال والمضامين، وتوسعًا جغرافيًا في مصادر التنافس الذي شمل عروض عربية مقيمة في المهجر: السويد وألمانيا وكندا.

27 عرضًا قُدِّمت في دورة تونس: 11 عرضًا في المسار الأول، 11 عرضًا في المسار الثاني، ثلاثة عروض للأطفال من إنجاز المركز الوطني التونسي لفن العرائس الذي احتفى أيامها بمرور 25 سنة على تأسيسه، إضافة إلى عرضي مسرح هواة.

 

استراتيجية التنمية المسرحية

عملت الدورة 11 التي أقيمت في القاهرة على تجسيد استراتيجية التنمية المسرحية التى أقرها اجتماعا وزراء الثقافة العرب فى الرياض وتونس عامي 2015 و2016، المتوافقة مع توجهات الهيئة العربية للمسرح الهادفة إلى تفعيل المسرح العربى ونشره وتوثيقه.

شارك في هذه الدورة  400 مسرحي عربي، فضلًا عن 250 مسرحيًا مصريًا. والدورة تضمنت 27 عرضًا مسرحيًا، إضافة إلى عديد من الندوات والورش والملتقيات الفكرية. الدورة شهدت، إلى ذلك، أكبر عملية تكريم، إذ كرّمت 25 مسرحيًا وفنانًا مصريًا.

ثلاثة مسارات شهدتها الدورة، فإضافة للمساريْن المعتاديْن، شهدت الدورة مسارًا خاصًا بعشرة عروض مصرية جابت غالبية محافظات مصر.

الممثل الجزائري سيد أحمد اقومي (سيد أحمد مزيان) ألقى في دورة القاهرة كلمة يوم المسرح العربي. وفاز العرض المصري “الطوق والإسورة” بجائزة القاسمي لأفضل عرض عربي.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش