مهرجان المسرح العربي بالأردن عروض مسرحية تكاشف الراهن – عباسية مدوني #الــجزائــر

     مهرجان المسرح العربي في دورته الثانية عشرة (12) بالأردن ، وتحت شعار ” المسرح مشغل التجديد ومعمل الأسئلة ” ينفتح على عديد العروض المسرحية التي قدّمت رؤى متباينة واتجاهات إبداعية تختلف من حيث الطرح والأسلوب الإبداعي فنيا وفكريا .

على قيد الحلم من الكويت /  أحلامنا قيد الرهن والمراقبة

  عرض انفتح على عديد التأويلات ، ولامس عمق الوجع الذي يتمرّغ فيه الإنسان البسيط والذي لا ملاذ له سوى الحلم ، هذا الأخير الذي بات محرّما وممنوعا ، وكيف لنا بحكم هته الرقابة أن نتحرر من أحلامنا وهي في عزّ مشيمتها من التكوين والميلاد العذريّ .

على قيد الحلم من الكويت  للمؤلفة ” تغريد الداوود” والإخراج لــ” يوسف البغلي” جاءت لتضئ بقعة وسط ركام الذكريات ومنفى الأحلام التي هي آخر مرفأ للتدثر بالأمان والهروب من فاجعة الواقع ، فكان الحلم مسرحيا بأن نضحك حينا ونبكي كثيرا ، ونحن نضحك من واقعنا المرير بكل سخرية لاذعة ، ونضحك غير مكترثين لفرح مؤجل كحب هارب ، أو احتواء منتظر وحتى           ألم اعتدناه .

   بطل العمل المسرحي من فئة الفقراء أنهكه واقعه المثقل بالهموم ، فنزح إلى الحلم مهربا ليعانق حبيبته ، عاف واقعه فعانق حلما وجده محرّما ومنبوذا فكل الأيادي ممتدة لمنعه وكل العيون شاخصة لتحريمه ، ليحاكم وسط زحام محكمة الأحلام التي منعت عنه حبيبته وصادرت طموحاته بأن يعيش مستقبلا واعدا يحقق فيه أهدافه وآفاقه ، هذا الاصطدام المرّ بالواقع والحلم كان صرخة مدوية بأنه ثمة متسع للعيش الكريم فاتركونا على سجيتنا وأمهلونا بضع وقت لنثبت أحقية طموحاتنا ،لتكون صرخة الشاب صرخة كل فرد في وجه الاضطهاد والعادات العقيمة والبيروقراطية والعنصرية ، والسلطة الظالمة التي تقايض حتى احلامنا البكر .

إيقاع العمل المسرحي ” على قيد الحلم” أتى متباينا وهذا ما تمّ ملامسته من خلال أداء الممثلين ، فكان التجسيد للشخصيات ثابتا وبدوا متمكنين من الأداء حينا ، وحينا آخر دخلوا حيزا بطيئا من الأداء ، في الوقت التي كانت السينوغرافيا رغم المبالغة فيها قد ناسبت إلى حد ما عالم الأحلام الذي ينطلق منه العمل المسرحي ، وتمّ نقل المتلقي وإشراكه في هذا الحلم على صعيد الصورة البصرية التي أتت طاغية على حساب الاداء والنص بطغيان الإضاءة التي عكست جماليات الحلم .

    قاعة الانتظار 1 من المغرب / طرح جرئ لواقع أليم

  قاعة الانتظار 1 من المغرب ، كشفت عن أداء الشخصيات وهي تحاكي عالمها المقيت ، عالم جزّ بها إلى عالم الانتحار ، بعد التجرد من الإنسانية والغرق في وحل الاتهامات ، شخصيات راحت تعانق ماضيها وتلامس ذاكرة النسيان لتثبت أن لا حياة لها في عالم ظالم وموبوء .

   كل شخصية راحت تتربع على كرسي المرحاض ، كرسي المحاكمة وكرسي الاعدام ، كرسي الاعتراف وكرسي لتعرية الأنا الباطن وكشف المستور ، وكل شخصية انتعلت حذاء ورمته وكأنها تنتعل واقعا وتحاول التخلص منه في قاع الوجود المقيت ، كل شخصية تكلّمت بجرأة ، سردت مسار حياتها وتّجاه واقعها ، سردت بجرأة ما تمّ نحره من عالمها ، الحكايات كانت أربعة ، وكل حكاية تلتقي في نقطة القهر والجبروت ، جميعها التقت في محور البوح والعرفان وجميعها اتّحدت لتحكي قصة اغتصاب وقصة اعتداء وقصة مصادرة الأحلام والطموحات وقصة انتهاك الحريات .

أربعة قضايا طرحها أربعة ممثلون ، اختلفت في مضمونها وبعدها لكنها التقت لتؤكد مهزلة الواقع وفوبيا القهر ولا قيمة الانسان في زمن لا يعترف سوى بالقوة ، قوة السلطة ، قوة الجاه وقوة المناصب .

 ورغم قوة أداء الممثلين وتمكنهم من التشخيص إلا أن تحركهم على الركح بدا مقيدا بحكم محدودية الفضاء الذي حدده المخرج ، وقد تعددت مستويات النص الدرامي بين محكي مسرود وبين صامت ذا دلالات وغايات ، معتمدين على الطرح الجرئ لملامسة القضايا المطروحة بما في ذلك الذاكرة الجماعية وذاكرة الوجود وذاكرة العطاء وذاكرة الأزمنة بين ماض وحاضر .

   الجنة تفتح أبوابها متأخرة من الأردن / انتظار من نوع آخر

بين زغاريد عرس فلسطيني ، وبين أزمنة آتية تستهل رحلة ” الجنة تفتح أبوابها متأخرة” لعروس بهية الطلعة فلسطينية المنبت وهي تعانق فرحا لن يستمر ، إلى حين صفارات الإنذار التي تحملها إلى عالم غير الفرح مع دقات متسارعة لعقارب الساعة وهي تسارع الزمن والتقدم في العمر مستحضرة طيفا مر من هنا وواقعا لامسته هناك ، ليكون الشاب المحارب في بهائه مقتحما لزمنها ، وتتقاطع الدروب لتجمعهما حوارات شعرية تؤثث لعلاقة مضت وما تزال ملامحها شاخصة رغم غزو الشيب والتقدم في السنون ، ما تزال الذكريات قائمة ومنطوقة .

  وفي ظل انتظار عقيم طال الزوجة ، ما تزال تشكك في حضور هذا الأسير من غياهب الزمن ، متنكرة للعلاقة ، رافضة الاعتراف بوجوده وكأنه لم يكن يوما ، فالمؤلف العراقي  ” فلاح شاكر” وهو يكتب نص ” الانتظار” أراد انتظارا من نوع آخر وانتظارا من طينة أخرى ، فتناولة ” يحي البشتاوي ” بأسلوب أردني أراده جماليا وشاعريا ، محاولا الوقوف عند رفاهية الاحساس وعمق الآه .

  الأحداث التي تم تناولها بأسلوب شعري لم تتكىء على زمن معين أو حدث درامي واضح المعالم ، بل نحت منحى فلسفيا بكثير من الجدليات ، التي صاغت الذكريات والانتظار والحوار والكثير من الرغبات والمشاعر ما بين الزوجة والأسير وهي ما تزال في صراع الاعتراف بوجوده عبر مسار الزمن والتاريخ بكل حروبه الضروس وصراعاته .

    فجاء العرض في ثنائيته راصدا لحمى الانتظار ضمن تشكيلات إضاءة كانت مساحة عذرية للبوح والتلاقي ، واستنطاق الذاكرة بأسلوب شعري جدلي لنكون ضمن قاطرة انتظار من نوع آخر ونحن ننتظر ان تفتح الجنة أبوابها ولو متأخرة .

    وعليه ، فإن العروض المسرحية ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي بالأردن تأتي لتوقظ داخلنا نوعا من العبث ، وكثيرا من الأسئلة المستفزة التي لا محالة تغذي الذائقة الجمالية والفكرية والروحية لهذا المتلقي بمختلف مستوياته .

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …