مهرجان الفجيرة الدولي للفنون.. منصة مزجت بين الطرب واللحن والموسيقى والفنون البصرية والدرامية – د.عزة القصابي

مهرجان الفجيرة الدولي للفنون.. منصة مزجت بين الطرب واللحن والموسيقى والفنون البصرية والدرامية

 وسط احتفالية مبهجة، متعددة الألوان والأطياف، قدمت توليفة من  الفنون البصرية  زاوجت بين فنون الطرب والموسيقى والفنون البصرية والمسرح.  وحظيت هذه الاحتفالية   بحضور فنانين ونجوم عرب عمالقة، مثل:  الفنان  محمد عبده، والفنان حسين الجسمي، والفنانة أحلام، بالإضافة إلى فنانين آخرين مثل الفنان القدير عبدالله رويشد،  والفنانة الشابة شيرين، والفنان مصطفى حجاج، والفنان هزاع الضنحاني وغيرهم من المطربين الشباب… الذين تألقوا في سماء مسرح الفجيرة .

       شاركت في المهرجان فرق موسيقية تقليدية، مثل:  فرقة نايا الأردنية والفرقة التونسية الفلكورية للأطفال، وفرقة فرسان الشرق،  وفرقة المجد للفنون الشعبية العمانية، وفرقة التخت العربي الكويتي، والفرقة الأرمينية للرقص الشعبي،  وفرقة اورينج من الفلبين، إضافة إلى الرقصات الشعبية الامارتية التي أحييت  ليالي  المهرجان، وسط تألق اسطوري يحفل بمشاركة  المجتمع .

    لحقت  أجنحة المهرجان لتقدم  فرجة مسرحية عربية وعالمية، ناقشت قضايا الإنسان والحرية والمرأة ، وبحثت هموم تطلعات الإنسان المعاصر في ظل الأنظمة السياسية والاجتماعية، بلغة جمالية فنية  ، سنتحدث عنها بشي من التفصيل في الاسطر القادمة.

مينودراما ( حدود) من تونس

   في اطار  سينمار  الإرهاب والعنف الذي يعيشه العالم  اليوم، أخرج وليد الدغسني عرض (حدود)، من إعداد أماني بلعج، وبطولة الفنان منير العماري، الذي كان  يتمسرح  ويتقمص الأدوار  التمثيلية، ساردا  قصته  بأسلوب حواري أثار  تعاطف الجمهور. وتمركز بطل العرض في منطقة  واحدة جعلته  غير قادر على التفاعل  مع المنصة ، إضافة إلى أن  الأداء القائم على السرد والحوار و التنويع  في الرؤية البصرية الجمالية من خلال الانتقال  في الفضاء المسرحي .

   بشكل عام، فإن العرض يعبر عن  واقع  بعض البلاد   العربية التي تعاني التشرد والأسى والألم في ظل  أنظمة سياسية  واجتماعية عشوائية .. وهذا دفع ببطل مسرحية (حدود) على  التمرد والالتحاق بصفوف المجاهدين  أو ما يسمى بنظام (داعش)، الذين يعملون على التغرير بالشباب الذين يعانون من ويلات الفقر والتهميش. ويتعرضون لغسل الأدمغة  بأسلوب  يجعلهم يرون الحقيقة من زاوية واحدة، وينضمون إلى صفوف الارهابيين دون أدنى تفكير.

مينودراما (بوذا في العلبة) من ليتوانيا

    تحدثت هذه المسرحية عن قصة فتاة يابانية، أدت  دورها الفنانة والمخرجة  الليتوانية (بيروت مار )، والتي عايشت مراحل حياة السيدة اليابانية منذ الطفولة،  وحتى مرحلة الزواج والهجرة إلى أمريكا .

    تستعرض الممثلة(بيروت)  منذ البداية قصة  النساء اللاتي غرر بهن من أجل السفر والحصول على المال والاستقرار بعد الهجرة في  سان فرانسيسكو. لكونهم تعرضن للابتزاز والاستغلال الجسدي والمادي،  حيث أن بعد  سفرن اكتشفن أن العريس أو فارس الأحلام رجل عجوز لا يمتلك المال، لذا كان  عليهم  العمل في المنازل لكسب قوت يومهن …!

  وتستعرض هذه  المسرحية الاحداث   السياسية التي كانت  بين أمريكا واليابان عام 1941م، عندما هاجم الأسطول الأمريكي ميناء (بيرل هاربل)، وعلى أثر ذلك قامت  الحكومة الأمريكية بعزل اليابانيين والزج بأسرهم في المعتقلات من السكان الأصليين، والسكان الأمريكيين الذين ينتمون إلى  أصول يابانية، وهذا جعلهم يشعرون بالعزلة  والحرمان والغربة لكونهم  أقلية غير مرغوب فيها .

اتسمت  لغة النص المسرحي بالشاعرية ومناجاة الذات تحكي الظروف  الصعبة التي عاشتها بطلة العرض . وسرعان ما تغيرت طبيعة  العرض لتتحول إلى صورة بصرية  عند الحديث عن الاحداث قبيل الهجرة إلى أمريكا . وشاطر العازف الموسيقي التحولات الجسدية والنفسية للممثلة الذي يبرز  أداء الممثلة ، ويسهم في التركيز على الاحداث المهمة وخاصة الاسقاطات السياسية إزاء واقع عاشيته المرأة اليابانية في النصف الأول من القرن الماضي.

وساهمت  بطلة العرض ومخرجته في  دفع الحدث إلى الامام والتعبير عن قضيتها، وهذا جعلها تثقل كاهلها بالكثير من التفاصيل السردية،  التي ترهقها  كثرة التفاصيل السردية…وخاصة في بداية المسرحية ، وساندتها الشاشة في عمق المسرح لمتابعة سير الاحداث التفصيلية عن حياة المرأة اليابانية المهجرة من بلادها، والتي  رصدت  نماذج للمرأة العاملة والمتزوجة والمشردة في عرض واحد!

عرض (الملقن) من  الجزائر

    وظفت شخصية (الملقن)  في مسرحية  (الملقن) الجزائرية  للمؤلف  أحمد الملا ، ومن تمثيل و إخراج بن بكرتني محمد. وفي الكثير من التجارب المسرحية العربية  استغل   التراث والتاريخ العربي لإبراز شخصية الراوي أو السامر أو الحكواتي.

و في هذه المسرحية حاول  (الملقن) أن يتمسرح ساردا رحلة مسيرته المهنية  في تدريب الممثلين، مع توظيف التقنيات الفنية في الفضاء المسرحي من الإضاءة والموسيقى . وكان الملقن يقوم بعمله بكل إخلاص وتفاني لتلقين الممثلين أدوارهم والحرص على اجادتها، و محاولة  تصحيح  عثراتهم. وكان ينتظر الدعم المعنوي منهم، ولكنه أصيب بصدمة بالغة عندما لم يتذكر أحد جهوده ،  حتى قرر الخروج عن صمته والبوح  بهمه  ، بعد أن وجد  نفسه مهمشا لا أحد يلتفت إليه .

مينودراما  (سيتي مانا)  من روسيا

عبر أداء تعبيري راقص يسخر  جسد الممثل،  ويعبر بشفافية عن  الذات الإنسانية، جاءت  شخصية (فيرونيكيا)   لتتمرد على واقعها  المثقل بالكثير من المعاناة  في مسرحية (ستي مانا) من تأليف ليديا كوبينا وإخراج تانيا كابا روفا.

 وظهر الممثل (تانيا كوبينا)  هو يؤدي دوره بأسلوب راقص واستعراضي في الفضاء المسرحي، مكنه من التعبير  عن ذاته المثقلة  بهمومه وأحلامه بصحبة الإضاءة والموسيقى، اللذين ساهما في  الارتجال والتحول ، والتعبير عن لحظات لألم والعنف والحزن  بصور حركية راقصة .

مينودراما (قهوة زعترة ) من  تونس

قدم المؤلف والمخرج  حسام أبو عيشه، فرجة   سردية  في   مسرحية (قهوة زعترة) ، والذي قام  أيضا  بدور الشخصية المحورية، التي تصف واقع مناضل فلسطيني،  كان يتقمص  أكثر من دور، مستعينا بقدراته وأدواته كممثل محترف .

وشهدت قهوة زعترة احداثا سياسية واجتماعية، وكانت مكانا لالتقاء الضباط والتجار ، وعبر العصور شهدت   المقاهي الشعبية في البلاد العربية، محورا للكثير  من الثورات  الشعبية ضد الغريب .

يتمحور الحدث الدرامي  حول مسيرة رجل يدعى (صالح)  صاحب  قهوة زعترة ، والذي عرف عنه نضاله ودفاعه عن قضيته، و أدى دوره بصورة  تلقائية وسردية، كان يسرد  قصة احتلال فلسطين التي وقعت خلال الفترة  48 و 67 ، إضافة إلى تفاصيل حياته منذ الطفولة  عندما  كان طالبا،  وصراعه مع مدير المدرسة ونضاله وهو شاب بجانب ابيه وأسرته وجيرانه وزبائن قهوة زعترة،  وانتهت الاحداث  بتفجيرها .

مينودراما(العثور على جثة ) من الفلبين

عبرت  لغة جسد الممثلة (ميندادوا) عن مضامين عرض (العثور على جثة)  للمؤلف  دانيال انيل رامونال  بصورة  جمالية وبصرية تعكس المحتوى الذي يعبر عن الصراع الثقافي والحضاري. وأخذت الممثلة على اعتاقها عبر أداء تمثيلي راقص وحركي أقرب إلى الرقصات الفلكورية الشعبية  للتعبير عن  نساء  الفلبين اللاتي تـأثرن  بالعولمة والانفتاح العالمي،  حتى أصبحن  جثث بلا ملامح ، لذا كان لابد للمرأة  أن تبحث  عن هويتها   وسط الكثير من الايقونات  المرتبطة بثقافة الشعب الفلبيني،  قبل أن تسحقها  الحضارات الأخرى المعاصرة .

وبذلت  بطلة العرض جهودا  كبيرة  في الأداء التمثيلي، حيث كان عليها أن تقدم فرجة  ضمن حلقة  محاطة  بصفوف المتفرجين ،  وكانت تمارس الأداء التمثيلي  الراقص على انغام الموسيقى الفلكلورية ، وكانت  تنتقل من دور إلى آخر بتغيير الإكسسوارات والازياء المسرحية، عندما   ارتدت الزي الفلبيني التقليدي أمام الجمهور، بل أنها طلبت من الجمهور أن يساعدها في تغير المظهر العام …وحظيت بتفاعل الحضور .

مينودراما (المفجر ) من اليونان

قام الممثل والمخرج جوني أو بانايا كنتياني بتأدية رجل ذات أبعاد ثلاثية ؛ شخصية سائق الشاحنة، وشخصية  المهندس المعماري، وشخصية  الرجل المتزوج الذي يعاني الكثير من الأزمات العاطفية والاجتماعية …وتباينت الشخصيات التي أداها   الممثل الذي كان يتمسرح ويؤدي دوره عبر أداء  صامت وجمالي، واضعا   المكياج (القناع )  لتغطية  ملامح وجهه. غاب الحوار عن  العرض لذا جاء أقرب إلى الأداء التعبيري الصامت الذي يعتمد  على الأداء الراقص والحركي، مع الإبقاء على  ملامح وجهه دون تتغير.

حاول المخرج تقسيم الفضاء المسرحي من خلال الديكور حيث ظهرت  مقاعد للجلوس وخزائن لوضع الملابس ، وكأس ، وشموع ، وطيات وورق لكتابة وتخطيط  التصاميم…وفي الركن الذي مثل المنزل وجدت خزانة وصورة سيدة  في  الحائط ، ومشجب علقت عليه بعض الملابس ، لكي يتمكن الممثل من لتغيير حسب الدور المناط  إليه.

جميع الأبعاد للرجل كانت عن  الألم النفسي  قادته إلى تفجير ذاته، عندما  لاذ إلى صالة صالة المتفرجين لتفجير ذاته بواسطة قذيفة، ليعلن التمرد على حياته المثقلة  بظروف الحياة العبثية المعاصرة!

 مينودراما (المملوك ) من الامارات

من القضايا المهمة التي استهلكت وكثر الطرق عليها لدى شعوب العالم البحث عن “حرية  التعبير”،  والتي لا تزال حديث الساعة لأنه هناك من يقمع الحريات ويصادرها ، ولنجد الكثير من الصراعات التي تقع بين السلطة والشعب و الرقيب والمبدع .

  حاولت مسرحية (المملوك) الإماراتية البحث  عن حريات الشعوب التي في الغالب تكون عرضه للقمع من   السلطات، في محاولة لتحقيق أحلامها والخروج من  قعر الردهات المسدودة  نظرا  لظروف الحياة .

و ظهر الفنان  عبدالله الخديم كشخصية محورية في هذا العرض، واقفا وحيدا  في ظلام  دامس  بجانب كرسي وضع وسط  الفضاء المسرحي، ويظهر في أعلى  المسرح حبل يتدلى !. وبدا الممثل وكأنه يعيش في  سجن انفرادي ، ولكن سرعان ما يتسلل ضوء مع زقزقة  عصفور أشاع الفرح  و الأمل الذي بدأ يتسرب إلى ذات  المملوك ، واستخدم الحبل المتدلي من الأعلى  كأرجوحة ليعيش لحظات السعادة والحرية ، تخلل العرض المؤثرات الصوتية مثل تغريد  الطيور، وتهافت  المطر !

ولأن  دوام الحال من المحال، فإنه   سرعان ما اختفى الضوء! وظل  المملوك وحيدا  يجابه  قوى الظلام والاستبداد ، وصولا إلى مشهد  الذي يظهر فيه (السيد) الذي يقوم باستعباد المملوك  الذي كان يلقي اوامره ويعمل على اذلالاه،  والإساءة إلى شخصه !

وظلت شخصية المملوك تعاني الكثير من الألم والحرام والقهر والظلم ، حتى اسدل الستار في هذه  المسرحية بمشهد بصري  جمالي، عندما دخل الممثل ، تبعه صوت الانفجار والموت والفناء بعيدا عن الحرية  .في حين ظلت  بقايا من ملابسه متطايرة في الفضاء المسرحي، كنهاية تراجيدية للواقع  الذي كان يحاصره ويحدد أحلامه وتطلعاته نحو الحرية .

مينودراما (في المنزل مع ويليام شكسبير) من بريطانيا

عبر رؤية مغايرة لمخزون المنجز المسرحي للكاتب الإنجليزي  وليام شكسبير جاءت مسرحية (في المنزل مع ويليام شكسبير) ، ليمسرح  شخصية شكسبير برؤية إخراجية جديدة تتحدث عن  حياة شكسبير  عبر مراحل عمرية وإبداعية مختلفة عندما قام بالتأليف والكتابة، ثم رحيله  من ستفورد  إلى لندن ، عندما  كانت تخرج مسرحياته  في خشبات المسرح هناك .

قدمت المسرحية بقيادة مؤلف ومخرج العرض، وقام بالأداء التمثيلي الفنان (بيب أوتون)  الذي قدم قراءة ببليوغرافية عن  تاريخ  ومسيرة حياة وليام شكسبير الكاتب الإنجليزي الذي عاش خلال  القرنين الخامس عشر والسادس عشر القرن الماضي. حاول مؤلف هذه المسرحية ان يعاصر الاحداث المهمة في حياة  شكسبير، ويقدمها  بأسلوب كلاسيكي يتلاءم مع الفترة التاريخية التي عاش فيها شكسبير.

      وظهر الممثل أوتون وهو يسرد يوميات وحياة شكسبير بأسلوب أقرب إلى الأداء الستانسلافسكي  الذي يميل إلى الواقعية والأداء التعبيري الذي يسبر أعماق  الشخصية . في حين ظل الممثل متمركزا في مقدمة ووسط خشبة المسرح ، ولم يغادرها، إلا عندما قرر كسر الايهام والنزول إلى الجمهور ومخاطبتهم مباشرة …وكأنه يحاول استجداء الآخرين عندما يكون الحوار طويلا لكثرة التفاصيل …وخلو الفضاء المسرحي من المؤثرات الموسيقية والفنية  وكذلك الإضاءة  التي تموضعت في مكان واحد!

وهذا  جعل الإيقاع في أحيان كثيرة يهبط ، لكثرة التفاصيل اللغوية والمفردات التي تتحدث عن بيوغرافيا  حياة شكسبير وأعماله المسرحية.  

 مينودراما (اللا ملموس) من سيريلانكيا

اتسمت هذه المسرحية بأنها ذات  خصائص جمالية امتدت عبر  الفضاء المسرحي المفتوح.  وظهرت  الممثلة جالسة في (شبكة شفافة) ، تعكس الحياة الاعتيادية في منزل الزوجية ، وكانت المرأة/ الزوجة تظهر جالسة في منزلها المحاصر  بالشبكة …فيما  كانت الإضاءة تتغير وتتلون حسب الحالة الدرامية ، وهذا قولب الفضاء المسرحي  بصورة وظيفية تتلاءم مع الفعل، وتقدم رؤية جمالية.

وناقشت المسرحية قضية الزوجة التي تعيش فراغا  عاطفيا  بعد أن هجرها زوجها لتظل   وحيدة بين جدران منزلها ، تبحث عن الحنان الرجل الغائب الحاضر الذي عادة يكتفي بالاتصال بها  …وهذا دفعها للخيانة  عندما  تسلل إلى حياتها رجل آخر  ، وتمكن من قلبها !

ولقد وظف المخرج والمؤلف سوجيوا باثينيسيكارا (الشبكة) في الفضاء المسرحي، عندما جعل الممثلة (سوبودهي لاكمالي)   تعيش مراحل مختلفة ساهمت في  نمو  شخصيتها في اطار مجموعة من الاحداث، مصحوبة بالموسيقى والإضاءة والتقسيمات التي رسمها مصمم السينوغرافيا!

وتظهر الممثلة وهي تحاول التواصل  ويتواصل زوجها الغائب بين فترة وأخرى معها بالهاتف. وتسبب ذلك في فراغ عاطفي قررت  الزوجة  أن ترضخ  لمشاعرها، و تخرج  من  الشبكة وترتدي  زيا مختلفا، يحمل دلالة على أنها قررت  الخروج من المنزل، والابتعاد  عن  الأسرة والزوج لتعيش حياة مختلفة مع رجل آخر!

تخلل العرض صوت الرجل(الزوج، والعشيق) الذي ظل حاضرا ، إضافة إلى المؤثرات الصوتية والموسيقية عندما سمعنا صوت المطر وهو ينهمر ، وكان لقائها بالرجل العشيق بصورة رمزية خيالية!

مينودراما (امرأة في الظلام )  من البحرين

    وسط عتمة المكان وسوداوية الحياة ظهرت سيدة   تقوم بغسل الملابس  في الطشت ثم تقوم بنشرها  في حبال الغسيل الممتدة حولها، والتي ترمز إلى  قيود المجتمع وأفكاره.  ظهرت  المرأة، التي بتأدية دورها سودابة خليفة، وهي في حالة ضعف وانكسار نفسي وجسدي، اتضحت  من خلال  تطور الحدث الذي رسم خطاه الكاتب إبراهيم بحر .

ساد الفضاء المسرحي ظلام دامس مع إنارة المكان الذي كانت تتواجد فيه الممثلة / المرأة/ الزوجة الغائبة الحاضرة وسط متاهات الحياة الاجتماعية، كما ظهرت  على المسرح أزياء معلقة وكرسي وحبل غسيل وطشت به ماء. وطغى على العرض عزف  الكمان الحزين، وإيقاع الطبل الذي تحركه  المرأة عندما قررت انهاء ماضيها والخروج  من حياته وارتدت  العباءة .

بدأت  الاحداث تتكشف عندما قامت الممثلة بسرد تفاصيل قصتها مع الزوج الذي انفصل عنها بعد محاولات الانجاب الفاشلة، واكتشاف مغامراته العاطفية وكانت المرأة تتمسرح لتؤدي أكثر من دور ، وكان الرجل حاضرا من خلال الجاكيت واداة التعليق ، وكانت الزوجة تحاور المعطف مع تغيير نبرة صوتها  فكان الرجل الحاضر والغائب.  وعندما قررت التخلص من  ماضيها ،  اخذت معطف الزوج  ووضعته في الطشت، ثم قامت بغسله بعنف بالماء، وكأنها تحاول  ان تتطهر  من روحه التي سكنتها منذ سنين!

وساهمت الاحداث المرتبطة بشخصية المرأة/ الزوجة في التأكيد على أنها مجرد أطلال لماضي الرجل الذي هجرها وخانها وعذبها ،  وتركها  ضحية لتلوك سيرتها الألسن، وابتعدت حتى  الجارات عنها ،  لتعيش الوحدة والعزلة، حيث الألم النفسي والشعور بالتعاسة ،  وسرعان ما رجعت إلى الطشت الذي يحتوي على ماء لتغتسل من وجعها  وحياتها الصعبة.

مينودراما  (انياب ) من كردستان

 قدم   عرض (انياب) في الفضاء المسرحي المفتوح، وقامت الفنانة بدور فتاة يازيدية  عبر أداء تمثيلي راقص ضمن  تشكيلات محورية راقصة ، بأسلوب  يؤكد بشاعة الجرم الذي ارتكب  بحقها عبر بانورما  جمالية، عمل مخرج العرض نجاة نجم  على إبرازها ضمن احداث كتبها  عبدالرزاق محمد .

ووظف ضوء  أحمر في  سينوغرافيا العرض  للتعبير عن العنفين  الجسدي والجنسي الذي تعرضت له المرأة  بفعل التزمت الديني من قبل الجماعات المتطرفة أو ما يسمى (داعش)، والذي قام بالاعتداء على النساء اليازيديات  باسم الدين،  واللاتي اختطفن  وتعرضن للإرهاب  النفسي والجسدي  في آن واحد  .

ولقد استخدم المخرج نجاة الشاشة السينمائية في عمق المسرح  لرصد واقع الحياة في كردستان، وسرد احداث الإرهاب والاعتداء على  الفتيات القاصرات بالضرب ، وتزويجهن قسرا ، وارغامهم على العيش مع  جماعات الإرهاب والقمع.

وأكدت محتويات  الديكور معاناة بطلة العرض،  والتي ظهرت واقفة عند  شجرة ذابلة بصورة ترمز إلى  أن حياتها أصبحت عدم، وبدأت تذبل بسبب تكالب الاحداث، مع توظيف  الشموع للانارة واضفاء لمسة  مشهدية  تؤكد  قتامة الحياة .

تمكن العرض من العزف على أكثر من منهج أخراجي معين، وهذا  منح الآخرين فرصة للتأويل والتفكير في قضية اليازيديات التي  شغلت  منابر التواصل الاجتماعي والاعلام ومنظمات حقوق الإنسان.

    هكذا استطاع مهرجان الفجيرة الدولي للفنون، أن  يحكي قصة ألف ليلة وليلة  طيلة  أيام المهرجان، التي مزجت بين فنون متعددة، وبرزت  وجوه الفنانين والمبدعين العرب، والبلاد الأخرى، الذين جاؤوا جميعا  للمشاركة،  وتقديم معاناة  الإنسان التي تختلف في الاطار  العام، ولكنها تتقارب في محتواها ومضامينها الإنسانية والجمالية، وهي تؤكد على قيم العدالة والحرية ونبذ العنف، والدعوة إلى التآلف الإنساني في  بوتقة  الفنون العالمية التي احتوتها امارة الفجيرة بكل حب وجمال.

د.عزة القصابي – سلطنة عمان

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش