من وهران ومجوّبي.. أقول لكم/ عزيز خيون الجزء 2

هذه الاصوات المتفرجة على مأساتنا تستكثر على أم عراقية مكلومة أن تلوذ برحمة خالقها، تبوح له بفاجعتها، مخاوفها، وقلقها من القادم، بالذي أصابها ويصيبها، وقسوة الزمان عليها بما يخطط له ويفعله القتلة الآن بعراقها، من ذبح يومي لفلذات كبدها، التي ضاقت بهم مقابر العراق، بعد أن تخلى عن مساعدتها القريب والبعيد، وكل المدّونات والقوانين والمنظمات التي تدعّي حماية واحترام بنيان الله، السيد الانسان
أقول لهذه الاصوات المسكينة :إن المسرح منصة مقدسة وهي الفضاء الأرحب للخوض بكل ما هو مقدس، وهذا الامر ليس بجديد، انما هو قديم قدم تأريخ المسرح، ثم إن مسرحية (يا رب) ومن خلال شخصية الام اتخذت من المقدس ذريعة تعبر من خلالها الى حيث معضلتها الأساسية لتصرخ صرختها الكبرى دون تجاوز أو تجذيف ـ لاسمح الله ـ  بل هي بكت وتضرعت وشكت حالها وأحوال الامهات في وطنها اللآتي يودعن كل يوم أولادهن الشهداء.. أقول :أين التعرض الى الذات الآلهية والمسرحية تبدأ من عنوانها بـ (يا رب) تستغيث به عونا وملجأ ومطلبا للخلاص والرحمة؟ ثم إن المسرح أيها السادة يسمح لنا أن نناقش على منصته عموم القضايا التي تمس حرية وسلامة البشري، وإلا هل رأيتم أو سمعتم أن النبي موسى يرتدي بدلة حديثة مع ربطة عنق كما جاء في العرض؟ اذن هي مرافعة فنية محكومة بواقعية المسرح الافتراضية وخصوصيته – حين يسمح لنا – كما سمح عبر عصوره المختلفة أن نشاكس أكبر القضايا وأعقدها، افتراضّيا، أقول ثانية وخامسة وسابعة افتراضّيا ، هذا كل ما في الامر.. جانب آخر، ان ما قيل في العرض المسرحي القادم من العراق (يا رب) وأشغل عندكم كل هذا الهياج هو في حقيقته يعتبر هامشا بسيطا وبسيطا جدا قياسا بالخطاب اليومي الدامي، الناري، الذي تتفرد به جموع الامهات العراقيات الهائمات على وجوههن في شوارع العراق، مدنه، مقابره، يضربن الصدور ويمزقن الخدود بسبب الذبح اليومي لأولادهن وبشكل سافر على مرأى ومسمع من الأخوة والأعمام والعالم المتحضر .. تعالوا الينا أيها الأخوة لتروا وتسمعواحوار الامهات مع الله، وبعد ذلك لكم ان تصدروا ما عندكم من أحكام، وتضعوا ما شئتم من الخطوط الحمراء، حوار لم ولن تستطيع أن تكتبه عبقرية اي كاتب مفّوه، شكوى باكية نائحة صارخة شكوى شاعرة، لوقعها يتفتت الصخر وعتب ناري لكنه خال من التجاوز على الذات الألهية  بل هو مضمخ بدموع التّبتل والرجاء والتصّبر وطلب العون بتخفيف وطأة الفقدان والآلام وعذابات الفراق، اتركوا لنا الله أيها الأخوة، كما هو ربكم هو ربنا أيضا، نشكوه ، نعاتبه بالذي حدث ويحدث لنا، نجوع ونعرى، نحزن، نجادل، نبكي نصرخ في حضرته ونغضب، هو ربنا، رحيم، عطوف وغفور، خذوا ما شئتم فقط اتركوا لنا الله لا تجعلوا من أنفسكم وسطاء لخالق أصلا لم يكلفكم بالوساطة، فالله سبحانه لا يحتاج الى وسيط ومدافع هو غني عن العالمين، ولستم أقرب منا الى الله نحن أبناء العراق.. هذا عراق الأنبياء والأولياء، عراق القباب والكنائس والمآذن التي تلهّج بذكر الله، عراق في كل ذرة من ترابه روح نبي.. أصدقكم القول أيها المسرحيون اخوتي وفي كل قطر عربي سعدنا كثيرا بانطلاقة مبادرة الشيخ القاسمي حاكم الشارقة وهو يبتكر ويفّعل الهيئة العربية للمسرح، دافعا ورافعة جديدة لنهوض مسرحنا العربي مما هو فيه، بعد أن اجتاحت مسارحنا العربية عقول التحريم والأمية والفساد، وغياب الخطط والبرامج المطورة والميزانيات المنتجة، وسيادة عروض الجهالة والثرثرة واضمحلال طاقة الفرق المسرحية، وتغييب العديد منها وتخريب واهمال الصروح المسرحية المشعة وانغلاق جسور التواصل واللقاء بين الفنانين العرب، فاشراقة الهيئة العربية للمسرح بفكرتها العربية المبتكرة وبرامجها الطموحة فيما هو مدّون بلوائحها الداخلية تعتبر محركا هاما لفعالية المسرح العربي، ان أحسن تنفيذ ما جاء فيها.. نرجوكم حافظوا عليها، على هذا المهرجان، اطردوا عنها تلك النظرة الضيقة والتأويل المسطح، اطردوا عنها خلافاتكم العربية القادمة من مناخاتكم وأروقتكم السياسية، اتركوا لنا هذا العنوان فرصة للتجمع والتلاقي والمحاولة والحوار المتواصل حلما بمسرح عربي يشبه الطاقة الاستثنائية والعقل الخلاق لهذه الأمة، ابعدوا عنا الجبناء والمبالغين في تخوفهم وحرصهم ورمادية مقاصدهم، ومن بعض الاصوات التي لا ترى في الهيئة العربية للمسرح ومهرجانها المسرحي الا حقيبة مالية ومشروعا سياحيا ومرتعا خصبا لمصالحهم الضيقة ونفوسهم المريضة وأطماعهم الشرهة.
خالص الدعاء لمسرحنا في العراق بالثبات والمواصلة والتميز لا بارادة امواله المنهوبة وصروحه الثقافية المدمرة والمهملة وانما بهمة أبنائه الغيارى الذين يقتطعون من خبزهم اليومي ليطعموا مشروعهم المسرحي ويديموا بهجة انوار المسرح، والتوفيق كل التوفيق للهيئة العربية للمسرح بتطبيق وتنفيذ برامجها بعيدا عن سموم الطارئين والمنافقين ولمهرجانها مهرجان المسرح العربي بانجاز كامل مهامه وليكن المسرحيون العرب بمستوى حلم وهمة شيخ المسرحيين حاكم الشارقة الشيخ القاسمي أول حاكم عربي حين تلتقيه لا يحدثك عن توريد السلاح والحروب، انما يقول ويفعل من اجل الثقافة والمسرح خارج حدوده الأقليمية، حين أدرك أن (المسرح ضرورة، والثقافة حصن)، ولنعمل جميعا من أجل مسرح عربي يتطور، مسرح لا يطأطئ، مسرح شجاع لا يعرف الخطوط الحمراء، مسرح يحقق الفعل النبيل على منصته المقدسة يخالف السائد ويشاكس الممنوع طموحا في انجاز الجديد وتحقيق المتميز.

المصدر/ الصباح

محمد سامي / موقع الخشبة

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *