مسرح مغربي يحتفي بفنون الأمازيغ/فيصل عبدالحسن

مسرحية ‘رماس’ قُدمت بطريقة بريختية، وذلك من خلال إشراك الجمهور بما يدور على الخشبة من أحداث.

قدمت مسرحية “رماس” على مسرح محمد الخامس بالرباط مؤخراً، وأثارت الكثير من الاهتمام النقدي بها كونها عرضت تقاليد وعادات الأمازيغ بمنطقة الريف المغربي.

المسرحية من تأليف أحمد زاهد، وإخراج محمد كمال المخلوفي الملقب بـ”بوزيان” ومثّلها، محمد التعدو، عبدالواحد زوكي، صابرين زعيبل، محمد كمال المخلوفي ، هيام لمسيسي، محمد مختاري، صابر أبروا، وعلاء البشيري.

وكادر المسرحية قَدَمَ من مدينة الناظور شمالي المغرب، وتضمنت “رماس” الغناء والموسيقى والرقص الأمازيغي ممزوجاً بالكوميديا والمفارقات، والأمثال الشعبية، التي تحفل بها منطقة الريف.

قدمها المخرج بطريقة بريختية، وذلك من خلال إشراك الجمهور بما يدور على الخشبة من أحداث، وجعل مسرحيته تسرد حوادث تأريخية حدثت في الريف من خلال عرض مقاطع وثائقية، أثناء فترة محاربة المستعمر الأسباني والفرنسي.

واتسمت المسرحية بالدعوة إلى الحفاظ على التراث الأمازيغي بالمغرب، والحفاظ على الهوية، وعدم التفريط بها في زمن العولمة، وضياع الهويات.

الفلكلور الأمازيغي

وسبق للمسرحية أن قُدمت في السنوات الماضية، وأخرجها المخرجان عبدالواحد الزوكي وفخرالدين العمراني، منذ العام 2010 والأعوام التالية، لكنها قدمت هذا العام 2016 بثوب وكادر تمثيلي جديدين، ومن إخراج الكوميديان “بوزيان”.

المخرج بوزيان وظف التراث الجمالي، الغنائي والموسيقي، الغني بالفُلْكُلور الأمازيغي في مسرحيته (رماس) مما وهبها صبغة قومية خصَّ بها الأمازيغ

عرف الأمازيغ منذ القديم أشكالاً من العروض المسرحية والدرامية المتنوعة، وتأثروا بعادات وتقاليد رومانية وأفريقية وعربية، وصهروا كل هذا ليصنعوا منه تراثاً احتفالياً، كاحتفالية “هرما” التنكرية، التي يصاحبها الرقص والتمثيل.

وقدموا أيضاً ما سُمّي بالفنانين الجوَّالين، الذين يرتدون الملابس المُبْهرَجة، ويصطحبون معهم آلات وترية ودفوفاً وطبولاً وصنوجاً، ويمرّون على القرى لتقديم فنونهم الموسيقية، والغنائية والبهلوانية بمناطق الريف والمدن، مقابل الحبوب والبيض والمال.

وظف المخرج “بوزيان” هذا التراث الجمالي، الغنائي والموسيقي، الغني بالفُلْكُلور الأمازيغي في مسرحيته “رماس” مما وهبها صبغة قومية خصَّ بها الأمازيغ، وأرسل من خلالها رسالة سلام، ومحبة، تقول إنّ الأمازيغ استطاعوا استيعاب الحضارات الوافدة على المغرب، وأخذوا منها، وأضافوا عليها.

وشوم النساء

نادت المسرحية بوحدة المصير، لأهل المغرب، من خلال أغنية في بداية المسرحية تقول كلماتها “نحن كأصابع الكف المنتمية للجسد الواحد، صحيح أنَّ البعض سار شمالاً والآخر يميناً، لكننا ننتمي لذات الجسد”. غناها “أهداوي” الذي مثل دوره محمد التعدو.

اعتمد حسن أمزوري في إعداد سينوغرافيا المسرحية على تأثيث المشاهد بما يوجد في الفضاء القروي، كأكوام التبن، وتنانير الخبز، والدكات الطينية لجلوس الفلاحين في ساحة الغلال –رماس- ومنها أخذ اسم المسرحية.

حاولت المسرحية أن تظهر الوجه الأمازيغي للمغرب

وكذلك وظف صلاح الدين أيو الإكسسوارات وحكيم شملال الملابس والحلي التراثية وسكينة قاسمي المكياج ووُشُومُ النساء في العرض، وكلها إضافات قدمت رؤية دراماتورجية خاصة بالأمازيغ المغاربة في المسرحية.

تحكي المسرحية بثلاثة فصول، مقسمة إلى عدد من المشاهد، حكاية الفنان، الذي يعزف على آلة الهجهوج -آلة وترية تراثية- بمهارة، ويمضي وقته في “رماس” القرية – ساحة خزن الغلال- ويحكي في أغنياته تاريخ القرية، وما دار فيها من أحداث قديمة، وما قاله الأجداد من أمثال كرّست الوحدة والمحبة بين أهل القرية.

وفي ذات المكان “رماس” تدور نشاطات القرية الاجتماعية، ونقاشات الشيوخ والشباب، وألعاب الأطفال، ومناكدات الزوجات لأزواجهن. وتطرح معاناة أهل القرية والمشاكل بين الرجال والنساء، وبين النساء والنساء بسبب تعدّد الزوجات.

ويحكي فصلها الثاني حلول الغزاة الذين طردوا الفنان من فضاء “رماس” بدعوى أنه يثير الفتنة، واغتصب أعوانهم النساء، وسرقوا حليهن، ولا تحدد المسرحية من هم الغزاة؟ وربما أراد النص أن يُذكر بالمستعمرين (الأسباني والفرنسي) اللذين احتلا الريف المغربي بعد مقاومة شرسة بقيادة عبدالكريم الخطابي لأبناء الريف المغربي بين عامي 1921- 1926.

مشهدان مؤثران

في الفصل الثالث تتزايد السرقات من “رماس” ويكتشف أهل القرية أنَّ الفنان، كان خير حارس لغلالهم من خلال جلوسه المستمر في ساحة الغلال، وعزفه على آلته الموسيقية وغنائه. ولذلك يقررون البحث عنه، ودعوته للعودة إلى مكانه السابق، فيعود مبجلاً من قبل أهل القرية، وسط الغناء والرقص والموسيقى التراثية.

ومن المشاهد التي لن ينساها الجمهور مشهدين، الأول مشهد حصول قروي من القرية، وصاحبه على راديو ترانزستر، فيصرّ الأول على سماع أخبار العالم من خلاله، لكنه لا يعرف اللغات، التي يبث المذياع بها برامجه. والقروي لا يعرف غير الأمازيغية، فلذلك يقرر تحطيم المذياع، ولكنه ما أن يبدأ بضرب الجهاز بالعصا، حتى يسمع أغنية أمازيغية يعلو صوتها من المذياع.

فيخبره صاحبه، أن المذياع أصابه الرعب من ضرباته، فلذلك انصاع، وبدأ يغني بالأمازيغية، والمشهد المؤثر الثاني، مشهد عودة الفنان إلى أرض “رماس” وسط رقصات الفرح والترحيب به من أهل القرية.

مسرحية “رماس” حققت نجاحاً لافتاً لمناقشتها موضوعات مهمة كتعدد الزوجات في الريف، ومسألة التعليم، والهوية الأمازيغية، ودور الفنان في الفضاء القروي. لاوقدمت المسرحية بقالب كوميدي ومصحوبة بالأغنيات والرقص الفولكلوري، ونقلت للمشاهدين تراث وفنون الأمازيغ برؤية جديدة مؤثرة.

المصدر/ العرب

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *