مسرح فيزيائية الجسد

 ماهو مسرح فيزيائية الجسد؟

للإجابة على هذا السؤال لا بد من الاشارة اولا الى ان المسرح منذ نشأته الأولى- القرن الخامس قبل الميلاد وتحديدا عند الإغريق- وخلال تطوره عبر السنوات المتعاقبة وظهور المدارس المسرحية المتنوعة فكرا وشكلا كان قد حمل في بنيته العضوية جزءا من مفهوم مسرح الجسد حيث يتجلى ذلك في العنصريين الاساسيين المكونين لشرط العرض المسرحي الا وهما العرض والجمهور. في العرض،يقوم الممثل المسرحي (الكائن الحي) الموجود على الخشبة بمجموعة أفعال صوتية وحركية وايمائية، والعنصر الثاني أي الجمهور فهو ايضا يقوم بجموعة افعال حركية وصوتية تبدأ من لحظة مغادرته البيت حتى وصوله الى المسرح ويستمر الفعل اما بالتصفيق والهتاف في حال اعجابه بالعرض او الاستنكار والاستهجان في حال حدوث العكس. اذن فيزيائة الحركة وفيزيائية الصوت هما جزء من تكوين المسرح تاريخيا.

 احتل النص على مدى العصور المساحة المسيطرة الكبيرة (باستثناءات قليلة سآتي على ذكرها لاحقا) بين عناصر الإنتاج المسرحي التي تشمل بجانب النص:الممثل، الإضاءة، الديكور، الملابس والاكسسوارت، الموسيقى، والمؤثرات السمعية والبصرية.لقد حاول الكثيرون من المنشغلين في التجربة المسرحية بتخصصاتهم المختلفة في بداية القرن العشرين إيجاد معادلة تخرجهم من مأزق غلبة وسيطرة النص والحوار على عناصر الانتاج الأخرى. جاءت محاولتهم هذه كثورة على كل من المدرسة الطبيعية والواقعية اللتين تعتبران المسرح  انعكاسا للواقع،  وقد جاء بحثهم ايضا للتخلص من سلطة النص على الخشبة ومن الفكرة القائلة انه – أي النص –  يعتبرالأساس لأي عرض مسرحي، ومن هؤلاء جوردن جريج وجاك كوبو وفيسفولد ميرهولد.  قام هؤلاء بالعودة الى “الكوميديا دي لارتي” هذا النوع من الفن المسرحي الذي بدأ في منتصف القرن السادس عشر وانتشر نحو قرنين من الزمن (وقد قمت بشرح جذورها وسماتها في فصل سابق) والذي هو بايجاز: فن يعتمد على قيام ممثلين محترفين باستخدام كافة المهارات من تمثيل ورقص واكروبات وبانتومايم وحيل مسرحية وحركات بهلوانية حيث يكون التمثيل ارتجالا- اي لا وجود لنص مسبق-  فقط يتم الاتفاق على الفكرة الرئيسية ويقوم بعدها الممثلون بارتجال ادوارهم امام الجمهور من خلال شخصيات نمطية ثابتة.

 لقد عاد كل من كوبو وكريج وميرهولد الى “الكوميديا دي لارتي” ووجدوا فيها الهاما جديدا يركز على الصورة وجسد الممثل حيث يرتجل الممثل الحركات الفنية المعقدة بشكل حرفي عال- بمعنى اخر-  الممثل هو المبدع وخالق العرض المسرحي، وقد وصلت نتائج بحثهم الى المفهوم التالي: ان فن المسرح يجب ان يصهر او يدمج كل من الصورة  والصوت معا أي: النص لم يعد هو العنصر المسيطر على خشبة المسرح، بل ان كافة العناصر المسرحيةالأخرىتتمتع في احتلال أهمية موازية.

في نفس الوقت الذي توصل فيه الباحثون الى هذه النتيجة، ذهب ميرهولد الى ابعد من ذلك، فحول الاستوديو خاصته الى مختبر يختبر فيه مفهوم الجسد وحركة الممثل. نتج عن مختبره نظرية وضعها ميرهولد حملت عنوان البيوميكانيك Biomechanicsوهي كلمة مشتقة من كلمتين الاولى Bioوتعني الكائن الحي والثانية Mechanicsوتعني الالة. وضع ميرهولد معادلة شبه علمية مشتقة من مفهوم الكلمتين للوصول الى عقل الممثل وجسده. تنحصر هذه المعادلة بأن الممثل هو المنظم Organizerوعليه ان ينظم الالة وهي جسده اي Mechanicاي انه هو الفاعل والمفعول به.

كرس ميرهولد نظريته هذه ليحول الاتجاه من تدريب الممثل على النص كما كان يفعل استاذه ستانسلافسكي الى التركيز على تدريب جسد الممثل باستخدام اسلوب مؤسلب ومؤطر. وخرج بمفهوم يعارض استاذه  ستانسلافسكي  الذي يفترض بأن على الممثل معايشة الحالة حتى تصل بصدق الى الجمهور وأن عليه استخدام ذاكرته الانفعالية لاستخراج حالات وانفعالات لم يعايشها الممثل نفسه بل ربما قرأها او شاهدها في مكان ما أو في زمن ما. إلا أن ميرهولد قال عكس ذلك. حيث افترض بأن اي حركة يقوم بها الممثل هي بلآ شك تحمل عاطفة ما دون الحاجة الى معايشتها المسبقة، لذا دعا الى ان يكتسب الممثل الكثير من المهارات الحركية والجسدية لاستخدامها في الوقت المناسب في العرض المسرحي وقام في مختبره بتطويرمجموعة من التمارين والحركات حملت اسم البيوميكانيك. لمتصلنا هذه إلا مؤخرا ومن خلال تلامذته والسبب في ذلك هو أن السوفيت اعتبروا ميرهولد خارجا بفكره عن النهج الاشتراكي اذ ان اي شخص آنذاك( روائي, تشكيلي، مسرحي)والذي كان لا يقدم “الواقعية الاشتراكية” في عمله الفني كان يعتبر منتهكا ومعارضا للحكم. لذا حكم على ميرهولد بالسجن في عام 1939م وتم اعدامه بالرصاص في عام 1940م. لم يكتف ستالين بذلك بل منع التداول باي فكر لميرهولد على الاطلاق لذا لم يتم الإفراج عن تمارين ونظرية ميرهولد الا بعد موت ستالين عام 1953م ولم تصل تمارينه من خلال تلامذته إلى العالم الغربي الا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بعد البروستاريكا في بداية التسعينيات من القرن المنصرم. اما في عالمنا العربي فقد كان معهد الفنون المسرحية في سوريا محظوظا حينما قام احد تلاميذ ميرهولد وهو بوجانوف Boganovبتدريس تمارين البيوميكانيك في الثمانيات من القرن المنصرم لطلاب المعهد. من الجدير بالذكر بأن البيوميكانيك دخلت إلى أمريكا في عام 1993م من خلال يجانوف وليفنسكي التلميذ الآخر لميرهولد. لقد ساهمت افكار ميرهولد في التأسيس لما نسميه مسرح فيزيائية الجسد.

بعد كريج وكوبو وميرهولد، كان لجهود المخرج البولندي” جروتفسكي” الاثر البالغ ايضا في تطوير مسرح فيزيائية الجسد. هذا المخرج الذي قدم نظريات كثيرة للمسرح اهمها ما جاءعلى ذكره في كتابه الشهير “نحو مسرح فقير” ومفاده “بأن العرض المسرحي يمكن له ان يقوم بدون استخدام ديكوراو ملابس او اضاءة او موسيقى وايضا بدون نص مكتوب مسبقا الا انه لا يمكن ان يستغني عن العنصر الاهم في العملية المسرحية برمتها الا وهو الممثل”.

استمر جروتفسكي يبحث عن طرق واتجاهات متعددة في تدريب الممثل للاستغناء عن كافة العناصر الاخرى، فهو يرى بأن جسد الممثل يستطيع ان يكون ديكور المسرحية وان اضاءة الممثل الداخلية تغني عن المؤثرات الضوئية وذهب الى اكثر من ذلك وهو الاتيان بالمغاير في جسد الممثلين من اجل تكوين صورة مسرحية قادرة من خلال هذه المغايرة ان توصل المعنى الذي يحمله جسد الممثل اكثر من التركيز على اللغة والحوار، وهذا لا يعني ان جروتفسكي الغى النص بل قام بتحجيمه وتكثيفه لصالح جسد الممثل.

وفي الحديث عن المسرحيين الذين اثروا في تكوين اتجاه جديد في جسد الممثل، لا بد من التطرق ايضا الى تجربة البولندي “فلدزمير ستانويسكي” Wlodzimierz Staniewiskiوهوتلميذ لجروتفسكي، عمل معه فترة من الزمن الا انه انفصل عنه في السبعينيات من القرن المنصرم، وانشأ فرقة تحمل اسم مسرح الجاردزنيتشة Gardzienice. بدأ ستانويسكي من مفردات جروتفسكي الا انه اختلف عنه في طرق التطبيق حيث ان اهم خلاف كان في اسلوب تدريب جسد الممثل، فليس الاسلوب المؤسلب والمؤطر هو الطريقة لخروج ممثل مبدع خلاق، بل ذهب الى ما هو ابعد من ذلك الا وهو اللجوء الى التراث المهمل. حيث كان فريق من العمليق ومبزيارة القرى المهجورة والنائية التي يعتقد ستانويسكي انها ما زالت تحافظ على التراث، ويطلب من فريقه بكافة تخصصاتهم الانخراط مع اهل القرية ومعرفة عاداتهم وتقاليدهم وغنائهم وقصصهم الشعبية، وتسجيل كل ذلك، ومن ثم العودة الى  المختبر ووضعها في مكان التجريب ليخرجوا اولا بنصوص جديدة وغناء مختلف يقومون بتحويره وتطويعه ليهدف إلى تطويرالفكرة المتفق عليها، اضافة الى ان العروض كانت تتم في ساحات القرية او كنائسها او بيوتها القديمة، أيأنه قدخرج من الاستوديو ومسرح العلبة الى مسرح البيئة الجديدة. يصبح جسد الممثل حسب قناعة ستانويسكي مع مرور الوقت مختزنا للكثير من التراث سواء في الحركة او الايماءة او الاشارة، كما يصبح غناؤه مليئا بمفردات جديدة نابعة من التراث ايضا.

هؤلاء هم بعض من اهم المسرحيين الذين ساهموا في خلق بيئة جديدة في التعامل مع جسد الممثل. الا ان مسرح فيزيائة الجسد لم يتأتى كنتيجة جهد المسرحيين فقط بل جاء كمزيج من جهودهم المندمجة مع جهود فناني الرقص الحديث ورقص ما بعد الحداثة  لنصل الى نتيجة مفادها: بأن مسرج فيزيائية الجسد هو مزيج لما بعد الحداثة في المسرح وما بعد الحداثة في الرقص. مسرح بدأ التنظير له كمدرسة لها سماتهاالخاصة فقطفي الثمانينياتمن القرن المنصرم.

تناولت في اليداية أهم المسرحيين الذين ساهموا في التأسيس لمسرح فيزيائية الجسد، وفي هذا المبحث أكمل التعريف بأهم الراقصين الذين ساهموا أيضا في هذا النوع من المسرح من منطلق أن مسرح فيزيائية الجسد ما هو إلا مزج بين جهود مسرحيين وراقصينحيث كانت قد تبلورت أفكاره وسماته في الثمانينات من القرن المنصرم.

لقد احتل الباليه الكلاسيكي المعروف برقص البلاط المرتبة الأولى بين فنون الرقص على طول ثلاثمائة سنة أي – منذ نشأته في القرن السادس عشر في ايطاليا وحتى بداية القرن العشرين – وقد حمل معه رعاية الملوك والحكام طيلة فترة ازدهاره. كما حمل معه قوانين صارمة وقاسية في التمرين وفي الحفاظ على لياقة المؤدي.

وكما حدث مع فناني المسرح في بداية القرن العشرين حين تمردوا على المذهب الواقعي والطبيعي آنذاك بدأت أيضا بذور التمرد تظهر في الرقص على فن الباليه الصارم غير النابع من الفرد اذ يخضع جسد المؤدي لأوامر وتدريبات مجهزة من قبلشخص أخر تشمل خمس حركات مع تنوعاتها. لقد سمي هؤلاء بفناني الرقص الحديث (Modern Dance) حيث نادوا إلى رقص نابع ومعبر عن الذات البشرية وقاموا بتسمية المفردات المستخدمة في الرقص بالحركات اليومية الاعتيادية والطبيعية(Natural Every Day Movement) ابتعادا وتمييزا عن الباليه. يقول روجر كوبلاند بأن هؤلاء المحدثين”بدأوا حياتهم بعمل رقصات فردية (ٍSolo) نابعة من ذاتهم يستخدمون فيها أجسادهم وليس أجساد آخرين كمادة خام لرقصهم”. بمعنى آخر فإن الباليه حسب رأي كوبلاند يعبر عن مدربه حيث تنحصر وظيفة الراقصين  بالتنفيذ والإتقان. هذا الصراع بين مدربي وراقصي الباليه ومدربي وراقصي الرقص الحديث لا يزال مستمرا حتى يومنا هذا مع أنها فرز تطورا كبيرا في الرقص أدى إلى ظهور ما يسميه النقاد بالرقص الحديث(Modern Dance) ورقص ما بعد الحداثة (Postmodern Dance).

 كل من هؤلاء الراقصين قام باختبارمناطق مختلفة في الرقص مع تنوع معالجتهم في كيفية الابتعاد عن الباليه وقد نجحوا في إيجاد مفردات خاصة بهم. نأخذ على سبيل المثال الأمريكية ايزادورا دنكن 1876-1927م والذي يسميها النقاد أم الرقص الحديث (The Mother of Modern Dance)التي ادعت بأنها اكتشفت نظاما طبيعيا للحصول على مفردات الرقص وان أساس أي حركة هو الحجاب الحاجز حيث يقوم الراقص بداية بالتأثر في الطبيعة وبما حوله ومثال على ذلك: مراقبة الراقص لحركة شجرة النخيل التي تحركها الرياح ثم كيفية إدخالهاإلى داخله ومن ثم عكسها بحركات رقصة نابعة من ذاته كما يشعر أو يتأثر بها.

 أما مارثا غراهام التي مارست الرقص في العشرينيات من القرن العشرين حتى وفاتها 1991م فقد قضت سبعين عاما ترقص وتدرب الرقص على مفاهيم مغايرة للباليه حيث اذكر كلمتها الشهيرة المعبرة عن موقفها من هذا الفن إذ تقول”لقد اخذ الباليه فرصته لمدة ثلاثة قرون لذا يحق للرقص الحديث أن يتكلم لثلاثة أسابيع”. أهم ما أتت به غراهام هو أن للجسد دورا كبيرا في تحقيق التوازن النفسي وان الحركة اصدق من اللغة اللسانية في ترجمة حالات النفس فهي تقول “الحركة لا تكذب”. لقد تم وصف رقصها من قبل النقاد بأنه شبيه بالهندسة الحديثة وبناطحات السحاب:فهو يخلو من الحركات الناعمة الانسيابية الدائرية والخطوات السريعة التي تذكرنا بهندسة الأقواس وزخارف الأفاريز في الباليه الكلاسيكي بل على العكس نجد في رقصها الزوايا القائمة والتركيز على التعبير المسرحي. لقد بنت أسلوبها على التنفس وعلى حركتي “تقلص العضلات وانبساطها”حيث يتولد اندفاع الطاقة الحيوية في الجسد. بالطبع تخلتغراهام عن زي الباليه الكلاسيكي واعتمدت تصميم أزياء مسرحية وقد وضعت تصاميم للوحات أداها أهم راقصي العصر أمثال جورج بالانشين وبول تايلور وميرس كنينغهام.

لقد نجح هؤلاءالرواد في طرح مفردات عن مفهوم الطبيعي مقابل الاصطناعي (غير الطبيعي) ومفهوم غير المألوف مقابل المألوف للتعبير عن ذاتهم.  كما نجحوا أيضا بتغيير حالة المشاهد من متلق سلبي إلى متلق مشارك في العرض الإبداعي إضافة إلى أنهم ساهموا في رفع مستوى الرقص من وظيفته الترفيهية إلى فن محترم يحمل محتوىيحتاج إلى التأمل والتفكير.

أما ميرس كنينغهام تلميذ غراهام والذي انشق عنها ليؤسس مدرسته الخاصة فقد عاد إلى مفردات الباليه إلا انه تعامل مع مزجها بالحركة اليومية الاعتيادية ليأتي بجديد آخر، واهم ما يميز أسلوبه في التصميم هو أسلوب الحظ بمعنى انه يقوم بتصميم وإخراج مجموعة من المشاهد ثم يرمي قطعة نقدية (الفنة بالعامية) ليقرر أي مشهد يأتي بالأول وأيهما يليه، لقد أثار أسلوبه الكثير منالعاملين معه  وأفرزالنقاد الكثير من الدراسات في محاولة لفهم كنينغهام وأسلوبه.

أماستيف باكستون فقد جرب ما سماه الارتجال ألاتصالي (ContactImprovisation) الذي يعتمد على مفردات حركية تؤدى بثنائيات وتتنوع حركاتها المستمدة من الحركة اليومية الطبيعية الاعتيادية كالسلام باليدين إلى حركات الأكل والنوم الطبيعيين ولكن بأسلوب مغاير حتى يعيد المتلقي قراءتها قبولا أو رفضا. إضافة إلى حركات مستمدة من الرقص الاجتماعي ومن حالات التأمل.

لا نستطيع أن ننسى في الحديث عن المساهمين في التأسيس لمسرح فيزيائية الجسد الأمريكية انا هالبرن التي أكدت أن استخدام الحركات الطبيعية واليومية الاعتيادية في الرقص ستؤدي إلى اكتشاف الفنان لأسلوبه الخاص بدل استخدام أسلوب شخص آخر. كما أن الفنان سوف يتعلم المزيد عن نفسه من خلال هذه الحركات، وكيف أنه من خلال هذه الحركات يستطيع أي إنسان أن يعالج نفسه من أمراض مزمنة وان يتطور على المستوى الشخصي والذاتي.

أما الألمانية بينا باوش مؤسسة المسرح الراقص (Dance Theatre) والراقصة والمصممة لأعمال تحتوي على كل من الرقص والغناء والتمثيلفإنها تبدأ عملها دائما مع مؤديها من فكرة صغيرة جدا ومن خلال طرح مجموعة من الأسئلة الحياتية الخاصة بالمؤدين ليقوموا بترجمتها أثناء التمارينبالرقص أو الغناء أوالتمثيلوتستمر العملية بين البناء والهدم وتحديد اختياراتها حتى يوم العرض. باوش أيضا اعتمدت الحركة الطبيعية اليومية الاعتيادية ولكنها أعادت صياغتها بطريقة تستهدف صدم المشاهد لتحرك الساكن فيه.

بعد هذا الاستعراض السريع لأهم المساهمين مسرحيا ورقصا في التأسيس لما يعرف الآن بمسرح فيزيائية الجسد لا بد من التنويه إلى انه حتى سنة 1986م كان هذاالفن الأدائي مقسوما بين فن الرقص وفن المسرح إلى أن جاء الاسترالي لويد نيوسن وأطلق على فرقتهاسم (DV8 Physical Theatre).اعتمد هذا المصمم والمخرج على مفهوم غروتفسكي للتأسيس لعمله وقدأعطى من خلال اسم فرقته وعمله الفرصة لكثيرين يقدمون مسرحا يكون الجسد فيه معبراأكثر من اللغة وهكذا تواجدت الفرصة ليطلق هؤلاءعلى أعمالهم الممزوجة من فني الرقص والمسرح اسم مسرح فيزيائية الجسد. قام النقاد والباحثون في مجالي المسرح والرقص بالتقييم والتنظير لهذا المسرح مما أدى إلى إدخاله إلى الجامعات الغربية كعلم منفصل في التسعينيات من القرن المنصرم وما زال البحث والتنظير له قائما حتى هذه اللحظة.

في الختام لا يسعني إلا أن آتي على ذكر أهم سمات وميزات مسرح فيزيائية الجسد وهي كما يلي:

أولا  :يؤكد مسرح فيزيائية الجسد بأن المؤدي هو خالق ومبدع العرض وليس مفسرا أومترجما له.

ثانيا :إن عملية الخلق الإبداعي ليست فردية بل جماعية.

ثالثا :العملية الإبداعية تركز على جسد الممثل أكثر من عقله.

رابعا :إن العلاقة بين المشاهد والخشبة علاقة مفتوحة وعلاقة مشاركة إبداعية.

خامسا:تتغلب في هذا النوع العناصر البصرية والسمعية علىغيرها.

سادسا :مسرح فيزيائية الجسد لا يعني عدم استخدام الحوار بل يمكن استخدامه إلا أن لغة الجسد هي الغالبة.

سابعا :الحركة المستخدمة للتعبير هي الحركة الطبيعية اليومية الاعتيادية إضافة إلى حركات تجريدية ولكنها تستخدم بشكل مغاير للمألوف يعيد المشاهد قراءتها ليتخذ موقفا منها قبولا أو رفضا.

ثامنا :الوجه الطبيعي الخالي من الماكياج هو السائد في مثل هذه العروض ويستخدم الماكياج فقط في حالات نادرة أما الملابس فهي من الملابس اليومية الاعتيادية إلا أن ألوانها وتناسقها مدروس لخدمة فكرة العرض المسرحي، كما أنها تستخدم بشكل مغاير للواقع على الرغم من واقعيتها. كما تكون الملابس سهلة لحركة الممثل وانتقاله في الفضاء المسرحي.

تاسعا : استخدام الديكور والإكسسوارات غير تقليدي.

آملة في نهاية حديثي عن هذا النوع القديم الجديد أن يكون جمهورنا عند مشاهدة التجارب المسرحية القادمة والمتخذة من مسرح فيزيائية الجسد أسلوبا لها للتعبيرعن المضمون وإيصال الرسالة قادرا على التلقي بانفتاح وإدراك كيف أن الفن المسرحي فن متجدد ومتطور وقادر على الحياة وإيصال رسالته مهما اختلفت الأساليب والمدارس، ولولا هذا التطور لانقرض المسرح ولما استمر لمدة ألفين وخمسمائة سنة حتى يومنا هذا.

ايزادورا دنكن

Isadora Duncan

تقول الكاتبة ” آن دالي” في كتابها (Done Into Dance) بأن الجميع يعرف شيئا ولو صغيرا عن”ايزادورا دنكن”، وحيث ان هذا التعميم قد يكون صحيحا في العالم الغربي الا أننا في العالم العربي لا نعرف حتى القليل عنها باستثناء الاقلية التي تعرضت للثقافة الغربية من خلال الدراسة او السفر  او مشاهدة الافلام الغربية. السبب في قلة المعلومات حول هذا الموضوع كما في غيره يقبع في قرارات تتجنب المكاشفة الثقافية وتخشى المواجهة المباشرة خوفا من او درءا لمفاهيم اجتماعية قائمة تنتقص في هذا المجال من فن الرقص وتضعه في زاوية الترفيه المعيب المرتبط بهز البطون والاسفاف واثارة الغرائز. لذا تقاعس الكثير من الكتاب ودور النشر بالاضافة الى وسائل الاعلام المرئية والمسموعة عن القيام بالكتابة او نشر وترجمة الكتب او البرامج التي حملت مفاهيم جديدة لفن الرقص ودوره في عملية التغيير الاجتماعي المنبثقة عن اعمال الرواد في هذا المجال، فبتنا نجهل الكثير عن تطور المئة سنة الاخيرة في مجالات عديدة ابتداءا من الباليه ومرورا في الرقص الحديث (Modern Dance) وانتهاءا بما بعد الحداثة في الرقص (Post Modernism)، ومن المفارقات الغريبة انه عندما “تحرر” الاعلام المرئي عندنا في العقد الحالي وقعنا فيما كنا نخشاه من الاسفاف ولم نتجه بدلا عن ذلك الى عرض ما كنا نتجنبه من الاعمال والافكار التي ادت الى تطوير مفاهيم اجتماعية وفنية غابت عنا طيلة القرن الماضي.

“ايزادورا دنكن”،الايرلندية الاصل والامريكية المنشأ والجنسية وأحدى اهم رواد الرقص الحديث والمسرح الراقص (Dance Theatre)، ولدت في سنة 1878 وتوفيت في سنة 1927 في حادثة مأساوية قد يعرفها البعض من خلال مشاهدتهم لفيلم “ايزادورا” التي قامت ببطولته “فانيسا ريدغريف” حيث نرى كيف تموت “دنكن” في نهاية الفيلم حين التف شالها الذي يزين رقبتها على مقود سيارتها مما ادى الى اختناقها. اهمية “دنكن” لم تأت من حادثة الموت المأساوية بل اتت من كثافة العمل والمثابرة على اجتهاداتها في عصرها. لقد قامت بالبحث عن الجديد وانتهت بالتمرد على رقص الباليه الذي احتل  وتصدر فن الرقص في اوروبا لما يزيد عن ثلاثمائة سنة في حينه. من المعروف ان فن الباليه بدأ في ايطاليا في القرن السادس عشر وقد تمت رعايته من الطبقات الحاكمة واصبح بمرور الوقت فنا معبرا عن الطبقة الارستقراطية فكرا وشكلا وتمت تسميته بفن البلاط. لقد رفضت “دنكن” الاتية من بيئة شعبية وفقيرة نسبيا هذا الفن شكلا ومضمونا: شكلا من حيث الالتزام بالازياء وباملاءات الاداء التي انتقلت من جيل الى جيل عبر تكريس حركات معينة ومحددة (الخمس حركات الاساسية للباليه)  ولم تعتبره فنا نابعا من الذات ومعبرا عنها،  من خلال رفض مفهوم ان الفن يمثل طبقة معينة ولا يمثل الشعب بكافة طبقاته. 

وجدت “دنكن” في الميثولوجيا اليونانية وفي المسرح الاغريقي مصدرا تستمد من منابعه سلاحا للتمرد عل فن الباليه وبدأت تستمد منه خطواتها الراقصة وايماءاتها لتعبر فيه عن نفسها. وحيث اننا نعرف أن الرقص والمسرح قد بدءا عند الاغريق في القرن الخامس قبل الميلاد متمثلين على التوالي بطقوس “الديثيرامب” (Dithyramb) وبالتراجيديا والكوميديا ومع اعتبار “دنكن” ان رجوعها الى الاغريق هو بمثابة الرجوع الى الشئ الفطري والطبيعي، فقد وجدت فيه الخلاص من خلال العودة الى الجذور، تستقي منها الكثير من المفردات لتعيد صياغة فنها للتعبير عن واقع معاصر، ولكي تحقق “دنكن” ذلك  قامت بعملية بحث مضنية ودراسة مكثفة للاعمال الاغريقية سواء الادبية منها او النحت او الرسم فقامت بزيارة متحف لندن ومتحف اللوفر في باريس اولا وزيارة اليونان لاحقا لقراءة ومشاهدة المنحوتات واللوحات ثم العودة الى الاستوديو خاصتها وهي تحمل في جعبتها الكثير من فينوس وافروديت وعابدات باخوس وغيرهن، لتتحول خطواتها انعكاسا لما قرأته وشاهدته، وتصبح ايماءاتها مشابهة لايماءات واشارات الالهه الاغريقية، فكأنها ارادت ان تعطي شيئا من القدسية والغموض على فن الرقص الحديث. انعكس ذلك ايضا على ما ترتديه سواء في حياتها الخاصة او على المسرح حيث اختارت ملابس الرداء الاغريقي (Tunic) – الفستان اليوناني الفضفاض والذي يربط بحزام – كزي لها في الحياة وعلى المسرح.

لم تكتف “دنكن” بتقديم لوحاتها التعبيرية بل قامت ايضا بتقديم مسرحيات اغريقية مثل “اوديب ملكا” و”ايفيجينيا” و”اورفيوس” بشكل تندمج فيه الكلمة والمشاهد التعبيرية الراقصة. اختلف النقاد في حينه في تقييم هذه الاعمال فمنهم من اعتبرانها قد تمادت على النصوص الكلاسيكية القديمة ومنهم من اعتبر أنها قد قدمت شكلا جديدا معاصرا لهذه النصوص، وفريق آخر يرى انها  تفوقت في المشاهد التعبيرية الراقصة وفشلت في المشاهد التي تعتمد الحوار. كل هذا يعطينا دلالة بان هذه الاعمال قد اثارت الكثير من الجدل والذي هو شيء سليم ومطلوب لاي عمل فني.

قامت “دنكن” بعد ذلك بتطوير اسلوبها ليصبح تعبيرها مستمدا من منحوتات معاصرة للتعبير من خلال الجسد والاشارة والايماءة عن مفاهيم مرتبطة بالحرية،  فعلى سبيل المثال، في رقصتها المسماة (Marseillaise) عام 1915قامت باستعارة وضع المرأة المجسدة لتمثال الحرية في نيويورك مستخدمة جسدها كوسيلة للتعبير عن هذا التمثال الذي يجسد قيما متعددة للامريكيين تتعلق بالتحرر والحرية والامومة، بالاضافة الى مفاهيم اخرى. لقد قامت “دنكن” بخلق الحماس وحث الشباب الامريكي في هذه الرقصة على الانضمام للفرنسيين في الحرب العالمية الاولى، وفعلا استطاعت ان تشعل النيران في قلوب الشباب وانضم الكثيرون منهم للمساندة في الحرب.هنا نرى بأن الرقص التعبيري عند” دنكن” قد اخذ مفهوما سياسيا ووظيفة اجتماعية مثله مثل الفنون الراقية الاخرى .

لم يقتصر هذا الدور للرقص للمساهمه في عملية التغيير الاجتماعي ولم ينحصر فقط في الخطوات والحركات بل تعداها الى الشكل واعني بذلك الزي . ان ارتداء الزي الفضفاض الذي يكشف الكتفين قليلا والذي اعتمدته “دنكن” في عروضها وحياتها اليومية والمستقى من الازياء الاغريقية القديمة كان ايضا تمردا على الزي السائد في العصر الفيكتوري والذي كان يصر على ان ترتدي المرأة المشد الضاغط على الصدر (Corset) والجوارب السميكة، حيث كان يعتبر كل ذلك هو النمط السائد في تلك الحقبة، وكما تقول “ارفات تسيلون” كان  كشف القدم في العصر الفكتوري يعتبر مخلا بالاخلاق”. كانت “دنكن” ايضا تقوم بالرقص حافية القدمين وبالتالي فان قدميها كانتا مكشوفتين اضافة الى ان اجزاءا صغيرة من كتفيها كانتا مكشوفتين وهكذا فقد اعتبر ذلك في حينه كسرا للتقاليد وخروجا على السائد. من الجدير بالذكر ان مصممي الازياء الحديثة يرجعون الفضل لها في تحرير المرأة من زي معيق للتنفس والذي ادى في حينه الى الكثير من الامراض اوالموت احيانا لعدد غير قليل من النساء.

نرى مما سبق بأن الرقص الهادف يستطيع ان يكون قادرا على توصيل رسائل اجتماعية وسياسة واخرى متنوعة ومختلفة، وليس كما انطبع في اذهان الكثيرين عندنا بانه عمل مخل بالأخلاق هدفه اثارة الشهوات والغرائز والذي ترفضه جميع الفنون. لذا نحتاج الى ترجمة لاعمال هؤلاء الرواد ونحتاج الى اعادة القراءة لهم حتى نرى كيف استطاع الغرب ان يطور فنا تمت عندنا ادانته مسبقا كان قد حمل عندهم رسالة موجهة لسعادة البشر وحريتهم.  الرفض المسبق قبل الدراسة والبحث في الاسباب والنتائج لا يحقق فائدة لعدم اعتماد اي امر بل يبقي الامر في دائرة الممنوع، والممنوع كما قالوا مرغوب فالاولى ان نتحقق منه لرفضه او قبوله سواء بسواء.

ختاما فان “دنكن” هي واحدة من الكثيرات والكثيرين الذين اسسوا للمسرح الراقص وحركة تحرر المرأة في بداياته،ا وما تقدم ما هو الا نبذة صغيرة عن حياة امرأة تمردت على التقاليد القديمة واوجدت تقاليد جديدة واسست للرقص المعاصر وناقضت نفسها قليلا بين اعتماد المبادئ والممارسة، والمعرفة عنها تحتاج الى المزيد من الدراسة والاستقصاء.   

 آنا هالبرن والرقص كعلاج لمرض السرطان

الامريكية آنا هالبرن المولودة عام 1920، الراقصة ومصممة حركات الرقص التي لا تزال تعمل في مجال الرقص حتى يومنا هذا،قامت بتاسيس استوديو مخبري لتطوير فنها الذي تدعي بأنه “اي  الرقص” عبارة عن مادة حية يستطيع الفرد استخدامها للتخلص من امراض عضال كالسرطان وغيره. لقد اتخذت هالبرن من تجربتها الشخصية، حين تم تشخيصها بالاصابة بسرطان في منطقة الورك في عام 1972، نقطة ارتكزت عليها في عملية البحث للوصول الى نتائج منها بأن الرقص قد يخدمالانسانللتخلص من هكذا امراض. ان اكتشاف مرضها له قصة غريبة ومشوقة.

في الفترة التي سبقت تشخيصها بالمرض كانت هالبرن تعمل في الاستوديو خاصتها على اختبار طريقة جديدة تحاول من خلالها التوصل الى مصادر جديدة تستقي منها خطوات جديدة تعتمدها في لوحاتها الراقصة التي ستقوم بتصميمها لاحقا. تتلخص هذه الطريقة بأن يقوم كل شخص تدرسه برسم صوره شخصية لنفسه ليعبر من خلال الرسم عما يعتمل في نفسه وبعدا كم الجزء من الرسم يقوم الشخص ليرقص كانعكاس لهذه اللوحة التي رسمها ثم يتوقف ويعاود الرسممن جديدومن ثم يرقص مجددا،وهكذا حتى يتوصل الى الشكل المطلوب. وفي احدى المرات وبينما كانت ترسم صورة شخصية لنفسها اكتشفت بعد انتهائها بأنها قد رسمت دائرة حول منطقة الورك خاصتها، وبعد تأمل عميق للرسم قررت في اليوم الثاني ان تذهب الى طبيبها الخاص وطلبت منه ان يجري فحوصات في نفس المنطقة التي رسمت فيها الدائرة، وتبين بعد الفحوصات بأنها مصابة بالسرطان في هذه المنطقة بالذات. على ضوء ذلك اجريت لهالبرن عملية جراحية وتم استئصال الورم من  منطقة الورك، وقام طبيبها بطمأنتها بأنه اذا لم يظهر الورم خلال خمس سنوات فستكون قد تخلصت من المرض الى الابد. الا ان الورم عاد للظهور ثانية بعد ثلاث سنوات حيث خضعت هالبرن لعملية جراحية ثانية.

 بدأت هالبرن مباشرة بعد تماثلها للشفاء عملية بحث مكثفة هدفها ان تفهم كيف يستطيع الانسان ان يتلقى رسائل من عقله الباطني لدراسة جسده من خلال الرسم. لم تتمكن هالبرن من الوصول الى نتائج تقوم على العقل والمنطق ولكنها توصلت الى ان تبادل العملية بين الرقص والرسم تحتوي على دلالات واستنتاجات.

 قررت هالبرن بعد ذلك ان تجري تجربة على نفسها فتقوم بالرسم ثم الرقص مع وجود بعض من تلاميذها واصدقائها وافراد عائلتهاالذين عهدت اليهم مراقبة خطواتها لتزويدها بالملاحظات. قامت في البداية برسم نفسها بهيأة امرأة جميلة تفيض حيوية، ثم حاولت الرقص كانعكاس لهذه اللوحة الا انها لم تستطع ان تخطو اية خطوة. بعد هذا الفشل قامت برسم لوحة ثانية اظهرت فيها جانبها الاسود المظلم اضافة الى حالة الغضب والعدوانية التي تشعر بهما، حيث شعرت بان هذه اللوحة هي التي يتوجب عليها رقصها. تصف لنا هالبرن في كتابها”السير نحو الحياة” (Moving Towards Life) كيف رقصت لوحتها:لقد بدأت الرقص كحيوان مجروح واصبحت مع مرور الوقت تصدر بعض الاصوات الغاضبة ومن ثم تطورت خطواتها لتتحول الى انعكاس لشلال من المياه وكانت تتخيل المياه كأنها تدخل الى جسدها تطهره وتنظفه. تستمرهالبرن في كتابها وتصف شعورها بانهاكانت تشعر كشلال من المياه يبدأ من اعلى الجبل لينتهي ويصب في المحيط.

 تعتقد هالبرن بأنها في تلك الخطوات كانت تختبر قوة الطبيعة في جسدها. تواصل وصف خطواتها التي بدأت كخطوات بطيئة وصغيرة لتصبح مع استمرار الرقص تكبر وتتسع الى ان وصلت الى مرحلة اصبح فيها كامل جسدها مجسدا لشلال المياه. بعد ان انهت الرقص شعرت براحة نفسية كبيرة، واحست بحاجتها الى اصدقائها وعائلتها وجلست اليهم تستمعالىالملاحظات وتتبادل الحديث معهم واخبرتهم بأن شيئا غامضا قد حدث معها اثناء ادائها للرقصة وكأنها قد زارت عالماقديما يتوقف فيه الزمان والمكان، وان هذه التجربة قد تركتها وهي ترتعش الا انها شعرت بالتطهير.

يعد هذه التجربة المخبرية خرجت هالبرن منها بطريقة تدريب جديدة مارستها ولا تزال حتى ايامنا هذه تقوم بتطبيقها في مدرستها مع افراد مصابين بأمراض عضال فمنهم من شفي تماما ومنهم من استطاع مواجهة الموت بمعنويات اقوى وصلابة أشد. اطلقت هالبرن على طريقة التدريب هذه “الخمس خطوات للعلاج”. تتلخص الخمس خطوات كما اوردتها في كتابها المذكور اعلاه كالتالي: اولا كيفية تشخيص القضية وتحديد التباين بين الجوانب المضيئة والمظلمة،ثانيا المواجهة مع المرض،ثالثا الراحة الناتجة عن المواجهة والقبول بالمرض وبعد ذلك تأتي الخطوةالرابعةالمتمثلة في ايجاد طريقة لتوحيد ودمج المتغيرات في الجسد، وهذا ما فعلته من خلال رقصة الماء،اما الخطوة الاخيرة وهي القبول في العودة الى المجتمع المتمثل بالاهل والاصدقاء وغيرهم والاندماج فيه.

تدعي هالبرن بأنها بعد ان قامت بالرسم ورقص رقصة شلال المياه بأنها قامت باجراء الفحوصات الدورية المطلوبة منها، وتبين بعد الفحص بأنها قد تخلصت من مرض السرطان نهائيا.

مما تقدم ذكره ومن تجربة هالبرن، هل يستطيع الفرد منا التصديق بان الرقص قادر على علاج السرطان او غيره من الامراض العضال؟ ان الشيء الذي نستطيع ان نفهمه انه بعد الايمان بالله تعالى وقدرته على كل شيء، نستطيع ان نحاول سبر اغوار طبيعة الرقص وعلاقته بالجسد وبالطاقة المنبعثة من اداء الخطوات، فربما عند ذلك نستطيع ان ندركبأن الجسد قادر على علاج نفسه منمرض السرطاناو غيره عبر ارجاع التوازن بين الكريات الحمراء والببضاء.هذا من ناحية ومن ناحية ثانيةيمكن ادراك ان عدم الاستسلام للمرض ومواجتهه من الممكن ان يقود الى العلاج. نسمع بأن الشخص الذي يقاوم المرض يستطيع ان يقهره وسمعنا عن حالات كثيرة نجحت في ذلك، ربما عندهذا المفهوم  يكون الرقص احد وسائل المقاومةالعضوية اوالنفسية من مرض يفتك بالبشر باعداد لا يستهان بها يوميا.

 د  المسرح الراقص

Dance Theatre

لقدتم التأسيس للمسرح الراقص منذ بداية القرن العشرين ابتداءا من الامريكية “ايزادورا دنكن” و”مارثا جراهام” و”مرسي كننغهام” وصولا الى الالمانية “بينا باوش”. تجدر الاشارة هنا انه قد يختلط الامر على البعض فيتصور ان المسرح الراقص هو نوع من انواع المسرح الاستعراضي الترفيهي (Revue) او باختصار المسرح الذي به رقص وبذلك قد يرتبط المسرح الراقص في ذهن البعض بمسرح الرقص الحديث او الرقص المعاصر، بينما هو مختلف تماما عن كليهما.

عرفت الكتورة  منى ابو سنة المسرح الراقص بانه “مسرح درامي في المقام الاول، بيد ان الذي يميزه عن الدراما بشكلها التقليدي والحديث هو ان المسرح الراقص يختزل الدراما في التعبير الجسدي الراقص الذي يعتمد الجسد، مستعرضا بذلك تاريخ الجسد ورموزه وايماءاته باعتباره عالما معرفيا قائما بذاته له كيانه المستقل”

المسرح الراقص يتمحور حول تحرير الجسد من خلال التعرف على الجذور والطقوس الفطرية والبدائية، وقد تبدو هذه مفارقة ونحن في القرن الواحد والعشرين ان يرتكز مسرح نهاية القرن العشرين على تلك الجذور والطقوس، ولكن هذه العودة كانت بهدف التجريب والتطوير لطرح شكل جديد للفن المسرحي والبحث عن مادة خام جديدة للابداع المسرحي في اطار رؤية مستقبلية تنشد تجاوز الواقع من اجل تغييره وانسنته، حيث يقوم المسرح الراقص في هذا الاطار بتحويل المادة الخام الى مادة درامية من خلال جسد المؤدي على المسرح على اختلاف انواعه الحركية والصوتية وتواجده في الفضاء المسرحي.

لقد عرفنا كمسرحيين مفهومين للمسرح تمت معالجتهما على مدى التاريخ: أولهما المسرح الأرسطي، وثانيهما المسرح اللاأرسطي المتمثل بالملحمي الذي تم التنظير له من قبل الالماني بروتلد بريخت، والعبث الذي قاده العديد امثال بكيت ويونسكو. الا ان المسرح الراقص قد افرز لنا مفهوما او تيارا مسرحيا جديدا يطلق عليه الان “ما بعد اللاأرسطية” Post-Non-Aristotelian)). هذا المسرح الذي يرتكزعلى الجسد المستخدم كأداة رئيسية على الخشبة  معبرا عن ثنائيتين هما الوحدة بين الجسم والعقل، والوحدة بين الرجل والمرأة.

يختلف المسرح الراقص “ما بعد اللاأرسطي” جوهريا من خلال التعبير عن هاتين الثنائيتين عن نظيريه المسرح الارسطي والمسرح اللاارسطي المتفقين على تكريس ثنائية القسمة بين الجسم والعقل وبين الرجل والمرأة، حيث نرى ان المسرح الارسطي يسعى الى تكريس المحرمات الثقافية التي تصب في الثنائيتين من خلال المحافظة على الوضع الراهن، بدعوى انه يحقق الخير الاسمى او الخير المطلق على حد تعبير ارسطو، ساعيا الى تحقيق هذه الغاية لتثبيت النظام القاهر للجسد من خلال استخدام الجسد نفسه كوسيلة، في حين ان المسرح اللاأرسطي وان كان في فلسفته  ينشد الى تجاوز الوضع الراهن وتغييره، الا انه ايضا يكرس ثنائية العقل والجسد، اما لصالح العقل كما في مسرح بريخت او لصالح الحواس كما في مسرح العبث، وحيث ان المفهوم العام المتواتر الذي اعتمده كثير من المفكرين بان الرجل هو المعادل الموضوعي للعقل وان المرأة هي المعادل الموضوعي للحواس، فان النتيجة المنطقية لهذه الثنائية هي ايضا تكريس للقسمة الثنائية بين الرجل والمرأة. وهكذا نرى ان المسرح الراقص ينشد تجاوز هذه القسمة من اجل تحقيق السعادة للبشر حيث يتمسك في هذا الاطار برؤية ناقدة للمجتمع الرأسمالي الذي يكرس التقسيمات الثنائية في مجال تحويل الانسان الى سلعة وتحديدا المرأة. انطلاقا من هذه الزاوية النقدية اطلق على المسرح الراقص مسرح “ما بعد اللاأرسطية”.

واذ يتمحور ان المسرح الراقص حول تحرير الجسد فانه يطرح على المتفرج شكلا جديدا لا يعتمد على السرد القائم على التسلسل المنطقي للاحداث، بل يعتمد شكلا من اشكال “الكولاج” (Collage)  لنماذج وانماط اجتماعية يقدمها باسلوب ساخر (Sarcastic)ويفرض على المتلقي نوعا جديدا قائما على ايجاد العلاقة بين النماذج والانماط المعروضة والواقع الذي يتم التعبير عنه بشكل ساخر.

وفي الختام لا بد من تسليط الضوء على نقطة جوهرية تتعلق بالارضية التي انبثق منها المسرح الراقص لنرى انعكاساتها على المسرح العربي وقدرة الجمهور على فهمه.

من المعروف بأن المسرح الراقص قد جاء نتاجا لحركة تحرير المرأة  وهي وان كانت احد النتاجات المتاخرة لحركة التنوير التي سادت في القرن الثامن عشر في اوروبا التي دعت الى إعمال العقل وتحريره  من كل سلطان واسست المشروعية للعقل لنقد الوضع القائم، الا انه كان قد تم اغفال حركة تحرير المرأة في البدايات نتيجة لممارسات المجتمع البطريركي (الابوي) الذي يمارس القهر والتمييز ضد المرأة.

وعليه فهل يستطيع المشاهد العربي في ضوء هذه النشأة ان يتفهم ويتمثل المسرح الراقص، الذي هو احد منجزات الحضارة الاوروبية، دون اختبار حركة التنوير ومواكبة حركة تحرير المرأة لها؟

ان الاجابة على هذا السؤال يحتاج قطعا لدراسة موسعة، ولكن مع ذلك او بدونه ولمواكبة التطور المتسارع .يبقى لزاما علينا ان نكون على اطلاع كمسرحيين على اخر نتاج الغرب مع الاحتفاظ بحقنا لقبول او رفض هذه الافكار.

“بينا باوش” والمسرح الراقص

العشرينيات من القرن العشرين افرزت ما كان يدعى في حينه الرقص التعبيري (Ausdrucktanz) باللغة الالمانية او (Expressive Dance) بالانجليزية. لقد ساد هذا الرقص ولاقى قبولا كبيرا في تلك الحقبة معتمدا على الحركات اليومية الاعتيادية للتعبير عن التجارب الشخصية، الا ان هذا الرقص اختفى نتيجة ظهور الحكم النازي في ذلك الوقت، حيث ركزت رموز النظام على ترسيخ فن الباليه وتغييب المدارس المسرحية الاخرى. في الستينيات وبعد التخلص من آثار النظام النازي وانعكاساته عاد الكثيرون من الفنانين الى المانيا وبدأوا يبحثون عن لغة جديدة مستقاة من مفردات الرقص التعبيري الوارد ذكره اعلاه واسسوا لما نسميه الان “المسرح الراقص” وذلك في محاولة جديدة لكي ينأوا بانفسهم عن الباليه. لقد تتلمذت “بينا باوش” المولودة في مدينة سولنجن (Solingen) الالمانية عام 1940 على يد “كيرت يوس” (Kurt Jooss) احد العائدين الى المانيا وابتدأت “باوش” حياتها المهنية كراقصة باليه حيث كانت قد تتلمذت ايضا على يد الامريكيين “انطوني تيودور” (Anthony Tudor) و”بول تيلر” (Paul Taylor) وهم من كبار العاملين في هذا المجال في حينه.

لقد عملت “باوش” في فن الباليه ما يقارب الخمس عشرة سنة وقد شعرت أن هذا الفن لا يلبي تطلعاتها فاخذت تبحث عن مفردات جديدة للتعبير عن نفسها، فلجأت مع الاخرين الى مفردات الرقص التعبيري القديمة، ولا تزال “بينا باوش” حتى يومنا هذا تعمل في هذا المجال من مسرحها المسمى “مسرح فوبرتال الراقص – بينا باوش” الذي قامت بتأسيسه في منتصف السبعينيات من القرن العشرين.

قدمت باوش الكثير من الاعمال المتميزة في المسرح الراقص، والمتفحص لاعمالها يرى ان بعض المشاهد هي مشاهد رقص منفرد (Solo) او ثنائي (Duet) او مجاميع(Ensemble) حيث يقوم جميع افراد الفرقة بأداء لوحات تعبيرية درامية راقصة، والبعض الاخر يتكون من مشاهد تمثيل مسرحي ياخذ شكل البوح، وقد تم تعريف هذه المشاهد عند باوش بمصطلح “مشاهد الاعتراف” (Confessional Scenes). لقدجاءت هذه التسمية نتيجة لطبيعة نشأة هذه المشاهد حيث اعتمدت “باوش” طريقة خاصة في عملها مع فريقها تقوم على استجواب العاملين معها عن ذكرياتهم وماضيهم والحوادث المؤثرة في حياتهم والطلب اليهم ان يقوموا بتجسيدها ومن ثم تنتقي المناسب وتقوم بتطويره ليتم تقديمه في العرض ليشعر المشاهد بأن الممثلين قريبين اليه كأنه صديق يؤخذ رأيه او يشارك في الحدث. تتميز هذه المشاهد ايضا بأن المؤدي يتوجه الى الجمهور ويبدأ الحديث معهم وهو شكل مستوحى من الاسلوب الملحمي عند “برخت” ونظرية التغريب لديه، وبهذا نرى ان مشاهد البوح تعتمد كسر الحاجز الرابع – الستارة – اي رفض فصل العلاقة بين ما يجري على المسرح والجمهور.

ان مشاهد البوح ليست هي الطريقة الوحيدة عند “باوش” لكسر الحاجز الرابع ففي بعض  المشاهد نرى الممثلين ينتشرون في الصالة بين الجمهور يبيعون على سبيل المثال صورا ويقبضون ثمنها اثناء العرض،  وفي مشاهد اخرى نرى احدى الممثلات تطلب من الجمهور قطعة نقدية لاستخدامها لتشغيل الة ميكانيكية من الديكور الموظف على  خشبة المسرح.

بالاضافة الى استجواب الممثلين عن ماضيهم، تعتمد “باوش” كليا على الارتجال فليس هناك نص جاهز تقوم بالعمل عليه، بل تبدأ الاشياء عندها كما تقول “من فكرة صغيرة جدا ثم تكبر”  وينتج عن هذا الارتجال مجموعة من المشاهد المسرحية الحوارية والتعبيرية الراقصة. تقوم باوش باختيار الافضل وتنسيق العرض بشكله النهائي حسب رأيها.  يلاحظ العامل مع باوش اوالمراقب لعملها انها لا تستقر بسهولة على المشاهد فتقوم بالتغيير المستمر – ما يسمى في المسرح “الهدم والبناء” – ليس فقط اثناء التمارين بل تستمر في التغيير حتى بعد عرض العمل على الجمهور. تحتاج اعمال “باوش” الى متلق خاص لأنها لا تقدم نصا تقليديا له بداية ووسط ونهاية بل مجموعة مشاهد كولاج (Collage) يستطيع معها هذا المتلقي ان يكمل الصورة في مخيلته.  تؤكد “باوش” على انها تعطي اشارات ورموزا دقيقة لا تقبل الا تأويلا واحدا اذا كان المتلقي يلتقط هذه الاشارات بدقة.

تتميز اعمال “بينا باوش” بديكور غير تقليدي  تضعه بمساعدة مهندسي الديكور بشكل يقطع الانفاس، واحيانا يثير الرهبة في النفوس. لا تدع “باوش” شيئا غير تقليدي الا وتضعه على خشبة المسرح، وامثلة على ذلك، التراب، الطين، اوراق الشجر اليابس، الماء من بحر ونهر وبحيرة وشلال  ودلو وصفائح بلاستيكية كبيرة ممتلئة بالماء الى اخره، والورود والازهار المختلفة، فعلى سبيل المثال في مسرحيتها “القرنفل” (Carnation) والذي نفذت عام 1982 استخدمت الالاف من زهر القرنفل الحقيقي وفي مسرحية “منظف النوافذ” (Window Cleaner) والتي نفذت عام 1996 استخدت عشرة آلاف رأس وردة جورية حمراء شكلت منها تله يخرج منها طريق مفروش بالورد حيث كانت هذه الكتلة هي فضاء العرض المسرحي.

تعتبر “باوش” استخدامها لديكورات غير تقليدية المصدر الاساسي لرسم الحركة الراقصة والمسرحية على الخشبة فعلى سبيل المثال فان وجود آلاف من زهر القرنفل الحقيقي استدعى استخدام حركات القفز لتجنب الدوس على الازهار المثبتة على ارضية المسرح،  واستخدام ورق الشجر اليابس وفرشه على كامل ارض المسرح في مسرحية “بلوبيرد” عام 1977(Bluebeard) استدعى ان تكون معظم حركة الممثلين ملتصقة بالارض حيث نرى احيانا زحفا على الارض ونرى المكان بعد الزحف يعاد تشكيله بجسد الممثلين بحيث يشكل لوحات تشكلية على الأرض مكونة من الفراغ وورق الشجر اليابس.

لم تكتف “باوش” بالديكورات غير التقليدية بل استخدمت ايضا حيوانات مختلفة على خشبة المسرح من اغنام وكلاب وفرس بحر وتمساح وفأر وقطة الىاخره، فعلى سبيل المثال في مسرحية “القرنفل” (Carnation) استخدمت مجموعة من الكلاب البوليسية مع حراسها لتشكيل دائرة تحيط بالممثلين والراقصين وتدور جميع الاحداث والكلاب تصرخ او تنبح او تتقدم او تبتعد عن الممثلين.  لم تنس “باوش” حماية الممثل فقامت بعمل تدريبات مضنية ادت في نتيجتها الى اكمال العمل دون ان يصاب احد بمكروه، وقد جاء توظيفها للكلاب البوليسية ادانة للقمع السياسي الذي يواجهه الانسان.

لا تتردد “باوش” في استخدام اي مفردة على خشبة المسرح طالما انها تساعد في ايصال رسالتها الاجتماعية او السياسية من خلال خطابها الابداعي.

 تبقى الاشارة الى ان “باوش” لم تكتف بما هو موجود امامها بل قامت هي وفرقتها بزيارة الكثير من المدن لجمع المعلومات عن هذه المدن حيث قامت باخراج اعمال تم استلهامها من وحي مدن كبيرة مثل “منظف النوافذ” (Window Cleaner) وهي مسرحية شكلت خارطة جديدة لهونج كونج كما تخيلتها باوش وفريقها وكذلك مسرحية “انت فقط” (Only you) متأثرة بمدينة لوس انجلوس واربعة اعمال اخرى متأثرة بمدن مختلفة.

وفي الختام، تعتبر “بينا باوش” واحدة من اهم العاملين والمؤسسين للمسرح الراقص الحديث. لقد جلبت الشهرة العالمية الى مدينتها الصغيرة “فوبرتال” على عكس المألوف، فعادة الممثلين والراقصين لا يحصلون على الشهرة العالمية الا اذا لجأوا للمدن الكبيرة الا ان تجربة “باوش” خرقت المألوف لتثبت لنا بأن المثابرة والعمل والبحث الصادق تستطيع ايصال الفنان الى الشهرة العالمية. لقد اصبحت مدينتها الصغيرة مكانا يأتي اليه مشاهير العالم للاطلاع عن قرب على مدرسة “باوش” او للعمل معها او لمؤازرتها.

———————————————————————-

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – أ. مجد حمدي القصص

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *