مسرح… حين يقوده المخرج … المسرح المأخوذ من أبجدية الحياة السورية أفضل قيمة من المترجم

| أحمد محمد السح

يعتمد العمل الجماعي على وجود قيادة، وهذا معترفٌ به منذ بدءِ العمل الجماعي البشري، وقد اعتمد المخرج على المشاركة في بناء المسرحية منذ المسرح الإغريقي، ونشأة الدراما أي منذ ما يزيد على ثلاثة آلاف عام، لكن مهنة الإخراج المسرحي أخذت طابعاً معاصراً لعدة أسباب أبرزها اعتماد العمل المسرحي كمهنة احترافية، والتأكيد على ارتباط المسرح ببناء المجتمع وتطوّره واتخاذ نشاطه ونجاح دوره في المجتمع معياراً لتقدّم المجتمع ونموّه، ومنه لم تعد وظيفة المخرج المسرحي نقل المسرح من الكتابة الورقية إلى الحالة المادية، إنما أصبح من واجبه الاشتغال على تفسير النص وتوجيهه باتجاه الدور البنيوي للمسرح في المجتمع.

الممثل والدور التنفيذي
واشتغل الممثل بدوره على عدم الاكتفاء بدوره التنفيذي للعمل بل تجاوزه للاشتغال على استخراج طاقاته التعبيرية وتوظيفها مع اعتماد إضافات على النص تغذي الحالة الفنية لديه وتساعده على البناء لشهرته وجماهيريته، وتأتي الطامة حين يكون الممثل منتجاً في العمل فيندفع إلى توظيف النص والمخرج والممثلين جميعاً لخدمته وخدمة اشتغاله الفني وطموحه النرجسي. وقد يتجه بعض النجوم إلى تعديل النص وربما تشويهه وربما قصره إلى حالة مونولوج، أو مونولوجات طويلة، تتخلله ظهورات عابرة لبعض الممثلين، لتكون محفزاً للممثل النجم للتوسع في «مونولوجه» والإطالة فيه.. وهو المظلومية الكبرى للنص المسرحي، وللمؤلف من ورائه، الذي يهرب من التخلص من سطوة النجوم ليقع تحت سطوة المخرج المسرحي، ليختفي النص ويكفل المخرج بمواجهة جيش العاملين في العرض المسرحي، ولا يمكن الإنكار أن دكتاتورية المخرج المسرحي تأتي (وهو ما يجب أن يكون) من قدرته على سد فراغ علمي وفني، لم يكن المؤلف وحيداً أو الممثل الارتجالي وحيداً أن يملأه، وهي حقيقة أثبتتها مسألة تقادم الدور الفني للمخرج المسرحي، واعتماده مصدر ثقة في العمل المسرحي، مهما بلغت دكتاتوريته.

المخرج أساس الدور
يؤكد الباحثون في المسرح أن الدور المحوري للمخرج المسرحي بدأ في ألمانيا في دوقية ساكس- مايننجين حيث أسس دوق المقاطعة فرقةً مسرحية واعتمد فيها الإخراج المسرحي والسير وراء الانتشار لهذه الفرقة حتى وصلت إلى برلين، وعُرِف أول مسرح في أوروبا تحت مسمّى (مسرح المخرج)، حيث اعتمدوا التدريبات الطويلة ومتابعة أداء الممثل والاشتغال على الديكور والملابس والإكسسوار، لخلق صورة لدى المخرج توحي له بشكل كامل بمحتوى العرض المسرحي من دون وجود نواقص أو تلميحات في الديكور يكملها المتفرج من خياله كما كانت قبل، وفي هذه المرحلة بالذات تم إلغاء فكرة الممثل النجم التي كانت قد تلاعبت بالمسرح وآذته في مرحلة القرن الثاني عشر الميلادي، حيث كانت من أوائل الخطوات التي اشتغل عليها في نقل الموتى أو المجروحين أو تغيير الديكور بشكلٍ مغطّى عن عين المتفرج قدر الإمكان، لذا ولصعوبة التنفيذ في هذا الأمر مازال الكثير من المخرجين يتحاشون إظهار حوادث الموت والانتحار والقتل على الخشبة، لا عنفها فقط، بل لأن وصفه لغوياً أسهل من الوقوع في مطب سوء التنفيذ الذي قد يزيح المأساة من موقعها ويحولها إلى كوميديا شاحبة.

مخرجو سورية
تأثر المخرجون المسرحيون في سورية بالمسرح الروسي، لأن المدرسة الاشتراكية وصلت إلى البلاد لأسبابها السياسية، ونقلت معها سلوك وأساليب المسرح الروسي وتراكماته التاريخية، حيث وصلت من خلال الأساتذة الذين درسوا الإخراج المسرحي في مدارس الاتحاد السوفييتي السابق ومعظمهم هم خريجوه، مفاهيم مسرح الفن، الذي اهتم بالواقعية أولاً ومن ثم القيام بالبحث بما وراء الواقع المادي الملموس، والتطرق لدراسة تاريخ الجنس البشري، والواقع النفسي للإنسان، وهنا برزت هذه الملامح بشكل واضح في مسرحية طائر البحر لتشيخوف وأخرجها قسطنطين ستانيسلافسكي، الذي أعاد العمل على النص واختلف مع تشيخوف في بعض التفاصيل وحصل على نتيجة إيجابية وهو الذي يسجّل ذلك في قوله:
(لا يستطيع المخرج أن يبدأ عمله في الإخراج قبل أن يجد الفكرة الأساسية،.. ويكمن التنكر لفن المسرح حين تبنى خطة الإخراج المسرحي على مجموعة من الخدع، هذه الخدع التي تنال تصفيق الجمهور، وتعجب الممثلين، لكن ليس لأجلها كتب بوشكين وشكسبير مسرحياتهم)، فاعتماد المخرجين الذين أسسوا لمسرح الفن على الفكرة زاد من أهمية النص الذي يتم بناء العرض المسرحي عليه، لذا فقد ازداد الاهتمام بالموضوع والسمة أو المقولة التي يراد للعرض إيصالها ومن ثم الاشتغال عليها فنياً لإيصالها بصورة متناسبة مع رؤية المخرج وتصوراته للفن، فبينما تنجح لغة المسرح العضوية (الحركة والإشارة والعناصر المادية في المسرح) في التعبير عن هذه التصورات، نجد أن المسرح الغربي اهتم باللغة المنطوقة لأنها تعكس الصراعات النفسية التي تعكس تفاعل الإنسان وصراعه مع تفاصيل حياته اليومية، ومن هنا نشأ اختلاف التوجه في رؤية المخرجين ورؤى المدارس التي نهلوا علومهم منها.

الرومانتيكية والمسرح
ومع التنقلات في مراحل التطور للمسرح كله، لأن الرومانتيكية أصابت المسرح بانهيار عظيم، جاء بعدها الاتجاه نحو الطبيعة وهذا بدوره تسبب بانهيار جديد، فاندفع بعض المخرجين لعودة الشعرية إلى المسرح لكنها لم تنجح في إعادة التوازن إليه، لذا فقد كان السبق عند الشرق حين قدم أدباً مسرحياً جديداً، بينما ظل الغرب يعتمد على الكلاسيكيات التي كان نجمها يغرب، وفي سورية يحتاج المسرح السوري إلى عملية تحليلية نقدية لكل ما تم تقديمه في العقد الأخير على الأقل حيث يتم تحليل النصوص التي تمت صناعتها والإخراج المسرحي الذي طالها، ومستوى الاعتماد على المسرح الأجنبي في هذه العروض كنسبةٍ مئوية من مجمل العروض التي قُدمت، لأن العرض السوري الذي يكتبه مؤلف موهوب بأحرف سورية وأبجدية الحياة السورية يعطي للمسرح قيمة مضافة عن المسرح المترجم، لأن الكتابة الإبداعية السورية لم تنقطع وليست عاجزة عن محاكاة الحرب كحدث عظيم ومنعكساته ورؤاه والابتعاد عن الاتكاءات اللفظية والتطبيلية لفهم الإنسان على الخشبة حين تصبح الكتابة والإخراج للخشبة بعيدة عن مطالب الحياة واتساعها وإن بدت أنها تحاول مقاربتها والاستفادة من صراعاتها ودراميتها.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *