مسرح الفوضى بين التكاملية والابداع – د.فاتن حسين ناجي

     الفوضوية ليست انعدام النظام ولكنها النظام الطبيعي يؤكد ان الفوضوية هي المجتمع المنظم الحي وبرودون اول من اعلن عن هذا واكد على ان النظام الطبيعي يكمن في تلك الفوضى التي يخلقها الفرد قاصدا الفوضوية اذ يرفض ان تكون مرادفة لانعدام النظام. وان المجتمع الفوضوي هو المجتمع الاكثر نظاما والاكثر حرية الذي يمكن للإنسانية ان تصل اليه، فالمنطق والقواعد العلمية والقوانين الصارمة قد اضفت لمسة من القيود والرفض ازاء الفن والادب. فاصبح الخيال شيء خارج المالوف، مرفوض في كثير من الاحيان. وهذا ماجعل الفوضوين يرفضون كل هذا، يقول برودون ” اسفا ان العلم تبدل والمنطق سيطر على الخيال والمضمون سيطر على الشكل وباتت النظرة الى الادب كما الى العاهرة ” 

اذ يؤكد برودون ان الرفض والفوضى لن تحرم الفنان من حصانته، بل هي غاية وهدف ازاء خلق جديد يتمتع بحرية اكبر من تلك التي تفرضها القوانين لذا جاء الفن بصورة تخلق من العشوائية تكامل ومن الحرية قانون ازلي  اذ “ان الفنان لن يكون بعد اليوم غير موافق عادي كغيره ويتبع الانظمة نفسها ويخضع للمبادئ نفسها ولى زمن التمهيد والرجال العظام , والفوضوية كالورقة الفارغة تماما لكونها احتواء اي شيء بما في ذلك تصرفات الاشخاص فهي نظرية للمجتمع وللتفسير الاجماعي اما بول فيير ابند رفض المنهج الثابت واتباع انظمة معينة في العلم والمنهج واكد على مبدأ التعددية ورفض الاحادية او الانفراد في التعلم والادراك وان كانت هذه النظم والاراء في الافكار او حتى في طرائق الفهم والادراك اذ اكد على مبدأ الفوضوية ذات الترتيب المنهجي والتي تؤكد على اهمية حرية الانسان ويؤكد ابند انه اختار مصطلح الفوضوية ليكون الاساس الذي تستند اليه فلسفة العلم الجديد وهو يعني لديه محاولة التحرر من كل القيود سواء اكانت علمية او اجتماعية او سياسيه او الوصول الى حياة كاملة وذات قيمة ومحاولة اكتشاف اسرار الطبيعة. وهذا يعني نبذ كل المعايير الكلية والاتجاهات الصارمة..

وان اشتغالات الفوضى في المسرح تتمثل في الانتقال في ذلك من الجزئي إلى الكلي عن طريق تعددية العلامة والصور المتنافرة وضروب التفتت والتشظي ضمن السياقات المختلفة تتشكل الفوضوية. وتلك هي الميزة الاساس التي تلجأ المفارقة الى بحثها في طرفي التعارض في الحدث او في الصورة واسلوب التقطيع  والكولاج وتهشيم الصورة المنظمة وتفتيت المشاهد لجعل المتلقي ضمن تواصلية لربط وتركيب الصور والمشاهد للوصول إلى الهدف العام للتكاملية. اذ ان الترابط الفوضوي لا يبنى على وجود النمط والنسق المحدود انما هي مجموعة تداخلات بين المتناقضات يولد على على اثرها حركة جديدة تفتح معها انظمة ذات حركة دائمة مزدوجة المعايير والدلالات. وان تلك تلك المتناقضات لخلق تنوعية في المنهج اذ تؤكد على ربط تناقض الوسيلة مع المادة للوصول للمغاير فعلى هذا الاساس تسعى الفوضوية الى انتاج صور عالية التعقيد لخلق مسرح صوري يقوم المشاهد فيه بممارسة الاستغراق الذهني ويهدف الى التقويض لتوليد  الحافز لانتاج دلالة، فهي تقوم على الأشكال الحركية والإيمائية والسينوغرافية المركبة الغامضة، والتعددية في التكوينات الجسدية.

وكذلك رفض الانظمة الثابتة فهي انظمة تدور حول نفسها لا يمكنها كسر دوائر الانقلاب للخروج عن الاطر بعكس تلك الانظمة المفتوحة الاكثر اقترابا للفوضى و التي يمكن ان تلحق بها دلالات ومعاني ذات تعددية درامية  اكثر اتساعا.لذا تتجسد التنوعية والتعددية صفة هامة حتى في العملية الفوضوية شانها شان كسر التوازن لكسر الجمود والمحورية حول التكوينات الثابته . اما في مسرح العبث تتشكل الفوضى في الحوار كسلسلة مفككة  اما الفكرة فتنتهج التشعب في آليات الطرح وفقدان المحور الاساس الذي تدور حوله المسرحية .والبحث عن صور الغموض والخيال والحلم .اضافة الى اثارة الجدل في الطرح. اذ ان اللامتوقع بارتباطه بذهنية المتلقي يجعل الصيغة التي يتعمدها المخرج اقرب الى الفوضى من حيث التاكيد على هدم اسس التفكير الاولي للمواقف والاحداث وتهتم الفوضى بتكوين رؤية مغايرة قبالة الرؤية الدرامية القديمة وتدعو للتعامل مع فضاء مختلف يكسر تابوهات العروض المألوفة لذا هي تتمظهر في تجارب مسرح الشارع ومسرح الانثربلوجيا (الاناسة ) والمسرح الاحتفالي ومسرح المقهورين ومسرح الشمس وغيرها من المسارح مابعد الحداثية .

وان الايقاظ الخشن مرتبط بالفعل الفوضوي المتعمد للوصول الى حالة النظام من خلال ابراز عملية التحكم الواعية في الفكر . وابراز النموذج الاساس والمباشر والذي يدفع الى التساؤل والتشكيك في كل شيء بدأ من تقنيات  الممثل بين لغة الآشارة و الايماءة التي تجمع بين التشكيلات البصريه والسمعيه داخل العرض المسرحي مستخدما اسلوب الصدمة واحداث حالة اضطراب ولاتوازن لدى المتفرج كما فعل ارتو في مسرحه . واسلوب الممثل الواحد الذي يؤدي عدة شخصيات .وتقنية الميتامسرح ,كلها تشكل  هي عملية انحراف تكون مجموع من الانزياحات عن مركز المالوف.

       د.فاتن حسين ناجي

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش