مسرحيو العالم يحتفلون بيوم المسرح الحادي والسبعين / عواد علي

في “يوم المسرح العالمي” تفتح المسارح أبوابها في 92 بلدا للجمهور وتنظم العديد من الندوات والورشات والعروض.

مع حلول الربيع يحتفى في شتى أنحاء العالم باليوم العالمي للمسرح الذي أقرته اليونيسكو في السابع والعشرين من شهر مارس، كمناسبة سنوية، يحتفل خلالها المسرحيون في كل بقاع الأرض بأبي الفنون، الذي لا تتوقف أهميته عند حدوده الفنية، بل هو أيضا تاريخ بشري متواصل منذ العشرات من القرون.

يحتفل المسرحيون في جميع أنحاء العالم يوم 27 مارس، من كل عام، بعيدهم الذي يُعرف بـ”يوم المسرح العالمي”، ويتبادلون التهاني في قاعات المسارح، وعلى خشباتها، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويعبّرون عن سعادتهم وتطلعاتهم إلى الارتقاء بفن المسرح بوصفه واحدا من أعرق الفنون وأعظمها، وأهم جزر المصداقية الإنسانية، لأنه ينحي جانبا كل شيء يفرق بين البشر. كما أنه يدعم كل ما هو مشترك بين الناس، ويكشف عن القلب الذي يشتركون فيه، ممّا يجعله أفضل وسيط للسلام، كما يقول المخرج الفرنسي جان لوي بارو، والمكان النموذجي الذي يتأمل فيه الإنسان شرطه التاريخي والوجودي معا، كما يقول سعدالله ونوس.

في “يوم المسرح العالمي” تفتح المسارح أبوابها في 92 بلدا تنتمي إلى المعهد الدولي للمسرح “I.T.I” الذي تأسس في براغ عام 1948، لاستقبال الجمهور من دون تذاكر، وتنظم المراكز الوطنية للمعهد الاحتفالات والندوات والعروض المسرحية، حيث تُلقى خلالها الرسالة العالمية للمسرح، التي تكتبها سنويا إحدى الشخصيات المرموقة في عالم المسرح، وتُعقد ندوات ولقاءات مباشرة بين فناني المسرح ومحبيهم وأصدقائهم من الأوساط الثقافية والاجتماعية الأخرى.

ولد يوم المسرح العالمي إثر مقترح قدّمه رئيس المعهد الفنلندي للمسرح الناقد والشاعر والمخرج الراحل أرفي كيفيما (1904- 1984)، إلى منظمة اليونسكو في يونيو 1961، وجرى الاحتفال الأول به في 27 مارس 1962 في باريس تزامنا مع افتتاح مسرح الأمم، واتفق على أن يكون تقليدا سنويا يتمثل بأن تكتب إحدى الشخصيات المسرحية البارزة في العالم، بتكليف من المعهد الدولي للمسرح، رسالة دولية تترجم إلى أكثر من 20 لغة، وتُعمّم إلى جميع مسارح العالم لتُقرأ خلال الاحتفالات التي تُقام لهذه المناسبة، وتُنشر في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.
وكان الكاتب الفرنسي جان كوكتو أول شخصية اختيرت لهذا الغرض في احتفال العام الأول بباريس. وتوالت على كتابتها، منذ ذلك العام، أكثر من خمسين شخصية مسرحية من مختلف دول العالم، منها أرثر ميلر، لورنس أوليفيه، بيتر بروك، بابلو نيرودا، موريس بيجارت، يوجين يونسكو، أدوارد ألبي، ميشيل فاتسلاف هافل، سعدالله ونوس، فتحية العسال، أريان منوشكين، سلطان القاسمي، روبير لوباج، أوغستو بوال، جيسيكا أ. كاهوا، كريستوف فارليكوفسكي، أناتولي فاسيليف، وإيزابيل هيوبرت.

فن المسرح ينحي جانبا كل شيء يفرق بين البشر
فن المسرح ينحي جانبا كل شيء يفرق بين البشر

في العام الماضي غير المعهد الدولي للمسرح النهج الذي سار عليه، فاختار خمسة مسرحيين من مناطق اليونسكو الخمس (آسيا وأوروبا وأفريقيا والأميركتين) لكتابة الرسالة وقراءتها، وهم رام غوبال باجاج من الهند، ومن أوروبا البريطاني سيمون ماك بورني، مايا زبيب من لبنان (ممثلة عن العالم العربي)، ويري ويري لايكنغ من ساحل العاج، وسابينا بيرمان من المكسيك، حيث كتب كل واحد منهم رسالة بهذه المناسبة، تزامنا مع الذكرى السنوية السبعين لتأسيس المعهد، تُرجمت إلى 50 لغة، وتُليت أمام الآلاف من المتفرجين.

وكانت “العرب” قد نشرت النص الكامل للرسالة التي كتبتها المخرجة والممثلة والكاتبة المسرحية اللبنانية والعضو المؤسس لفرقة “زقاق” المسرح، مايا زبيب، جاء فيها “هي لحظة من التواصل، هو لقاء لا يمكن أن يتكرّر ولا يمكن وجوده في أي نشاط علماني آخر، إنها ببساطة بادرة من قبل مجموعة من الناس اختاروا أن يجتمعوا معا في نفس المكان والزمان للمساهمة في تجربة مشتركة، إنها دعوة لأفراد كي يشكّلوا مجموعة، ويتبادلوا الأفكار، ويتصوّروا سبل تقاسم عبء الأفعال الضرورية كي يستعيدوا ارتباطهم الإنساني رويدا رويدا، ويجدوا أوجه التشابه بينهم، إنه المكان الذي يمكن فيه لقصة معينة أن ترسم خطوط العالمية، هنا يكمن سحر المسرح، حيث يستعيد التمثيل خصائصه القديمة”.

في العام الحالي كلّف المعهد المخرج والدراماتورج الكوبي كارلوس سيلدران، أستاذ المسرح في جامعة هافانا، بكتابة الرسالة، حيث جاء في نصها:

رسالة يوم المسرح العالمي 2019

  • كارلوس سيلدران

“قبل معرفتي بالمسرح والتعرف إليه، كان أساتذة المسرح الذين هم أساتذتي موجودين هنا. كانوا قد بنوا إقامتهم ومناهجهم الشعرية على بقايا حياتهم الشخصية. الكثير منهم الآن غير معروفين أو لا يُستحضرون كثيرا في الذاكرة، كانوا يعملون في صمت وفي قاعات التدريبات المتواضعة داخل مسارح مزدحمة. بعد سنوات من العمل والإنجازات الرائعة راحت أسماؤهم تتوارى تدريجيا ثم اختفوا. عندما فهمت أن قدري هو اتباع خطواتهم، فهمت أيضا أنني ورثت من تقليدهم الفريد والمدهش العيش الآن وفي الحاضر، دون أن آمل سوى في الوصول إلى تلك اللحظة الشفافة وغير القابلة للاستنساخ، لحظة اللقاء مع الآخر في ظل المسرح، لا يحمينا إلا صدق إيماءة وكلمة تعبّر عن الكثير. موطن مسرحي هو لحظات اللقاء مع الجمهور القادم إلى قاعاتنا، ليلة بعد ليلة، من الأحياء المختلفة بمدينتي لكي يرافقنا، ويتقاسم معنا بعض الساعات، بعض الدقائق.

كارلوس سيلدران: المسرح في حد ذاته موطن ومساحة شاسعة تغطي العالم
كارلوس سيلدران: المسرح في حد ذاته موطن ومساحة شاسعة تغطي العالم

من هذه اللحظات المنفردة تتكون حياتي، عندما أكف عن أن أكون أنا، عن أن أتألم لأجلي، وأولد من جديد وأنا مدرك ومستوعب لمفهوم المهنة المسرحية: أعيش الحقيقة المطلقة للحظة سريعة الزوال، عندما يصبح ما نقوله ونفعله تحت نور الأضواء الكاشفة حقيقيا، ويعكس أعمق الحنايا من أنسفنا وأكثرها شخصية. موطن مسرحي ومسرح الممثلين معي هو وطن منسوج من لحظات نتعرى فيها من كل أقنعتنا، من البلاغة، نتعرى ربما مما يمكن أن نكون نحن، ونمسك بأيدي بعضنا البعض في الظلام. التقليد المسرحي أفقي، لا يمكن لأحد أن يجزم بأن هناك مركزا عالميا للمسرح في أي مدينة كانت، أو في أي صرح متميز كان، المسرح كما عرفته ينتشر حسب جغرافيا غير مرئية، ويختلط مع حياة الذين يمارسونه. الفن المسرحي إيماءة توحد بين الناس. كل أساتذة المسرح يحملون معهم إلى قبورهم لحظاتهم التي يتجسد فيها الوضوح والجمال، والتي لا يمكن أن تعاد مرة أخرى.

كل واحد منهم يضمحل بالطريقة نفسها دون أي رد للاعتبار لحماية عطائهم و تخليدهم. أساتذة المسرح يعرفون كل هذا يقينا، لا يمكن لأي شكل من أشكال الاعتراف بالجميل أن يكون صالحا خارج هذا اليقين الذي هو أساس عملنا، خلق لحظات حقيقية، إبهام، قوة، حرية وسط هشاشة محفوفة بالمخاطر. لا شيء يبقى إذا استثنينا المعلومات والتسجيلات، من صور وفيديوهات، التي تحمل بين ثناياها فكرة باهتة عن منجزاتهم. فكل هذه التسجيلات تنقصها الردود والتفاعلات الصامتة لجمهور فهم أن تلك اللحظة لا يمكن أن تترجم، ولا أن يلتقي بها خارج ذاته. وإيجاد هذه الحقيقة التي يتقاسمها مع الآخر هي تجربة حياة، بل أكثر شفافية من الحياة نفسها لبعض الثواني.

لما فهمت أن المسرح في حد ذاته موطن ومساحة شاسعة تغطي العالم، نشأ في أعماق نفسي قرار، وهذا القرار في ذاته تحرر: لا تبتعد من المكان الذي أنت فيه، لا جدوى من الركض والتنقل. حيث ما كنت يكون الجمهور، يكون الرفقاء الذين تحتاجهم بجانبك. هناك خارج منزلك توجد الحقيقة اليومية المبهمة وغير القابلة للاختراق، اشتغل وفق هذا الجمود الواضح لتحقق أكبر رحلة على الإطلاق، تبدأ من جديد، من زمن المغارات: كن أنت المسافر غير القابل للتغيير، والذي لا يتوقف عن تسريع كثافة حقيقة عالمك وصلابته. تتجه رحلتك صوب اللحظة، الوقت والتقاء أشباهك، رحلتك تتجه صوبهم، صوب قلوبهم، صوب ذاتيتهم. سافر في داخلهم، في مشاعرهم، في ذكرياتهم التي توقظها وتجمعها. رحلتك مذهلة، لا أحد يمكن أن يعطيها حق قدرها أو يسكتها، ولا أحد يمكنه أن يقيس حجمها الصحيح. إنها رحلة في مخيلة شعبك، بذرة مغروسة في أبعد أرض موجودة: الوعي المدني، الأخلاقيوالإنساني للمتفرجين عليك. وهكذا أبقى غير قابل للتغيير، دائما في بيتي مع أهلي في هدوء واضح أعمل ليل نهار، لأن لدي سر الانتشار والتوغل”.

_______________

المصدر / العرب

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …