مسرحية “هذيانات معطف ” أعداد حسين رحيم عن قصة ” همس المعاطف ” لبيات محمد مرعي

هذيانات معطف

مسرحية من فصل واحد

المشهد الاول:

” المسرح عبارة عن قبو أو مخزن.. به ثياب مركونة ومعلقة وصناديق كرتونية تحتوي على ثياب. اثنان يرتديان معطفين احدهما ازرق والأخر قهوائي يقفان كانهما معلقين.. موسيقى حزينة..”

الأزرق: أنت ؟

القهوائي: أنت.

الأزرق: هوه أنت.

         القهوائي: هو أنت.

الأزرق : ما الذي جاء بك.. هنا؟

القهوائي : إيه.. إنها قصة طويلة..ساحكيها لك يوما ما …. ما يهم الآن أنها عاطلة عن العمل.

الأزرق : لكني سمعت بأنهم سيصلحونها.

القهوائي : آووه حتى ذلك الحين.. أتذكر تلك الأيام..آه عليها.. حين كان نسيجي الأول يغلف ذلك الكبش الأصفر.

الأزرق:وأنا كان الكبش الأسود.

القهوائي : ومات الاثنان في معركة خاسرة على نعجة راحت لغيرهما إيه ما تزال تلك الرائحة الحادة لذلك الكبش موجودة خذ شم.

الأزرق : وأنا كذلك.. ما يزال رائحة الكبش الأصفر موجودة، أقول لك ما رأيك ان نعود كبشين ونتناطح من جديد…هيا بنا   

                  يقلدان عملية النطح ويضحكان 

القهوائي : أتعرف حال خروجي من معمل الخياطة..وضعوني بتأن واحترام في صندوق كرتوني مع زملاء لي ثم أخذوني الى معرض كبير لبيع الألبسة الجاهزة وهناك وضعوني على مانيكير وكانوا يعطروني باستمرار وأنا معلق على ذلك المانيكير بشموخ وكبرياء.  

الأزرق : ماذا قلت؟

القهوائي : بشموخ وكبرياء.

الأزرق : “ضحك” أقول.. ما علاقتك بالشموخ والكبرياء..أنسيت  نفسك..ما هذا..؟ معطف يتحدث عن الشموخ والكبرياء.

القهوائي : معذرة لهذا التعبير..أتعلم أنت..كثرة احتكاكي بالبشر جعلتني أتحدث بهذا المنطق، ذات يوم جاء السيد الأنيق اشتراني وكان سعيدآ بي وكنت سعيدآ به.. ياله من جسد لين.. طرى ومعطر بأرقى أنواع العطور.. كنت أحيط جسده فقط أثناء سيره وتجواله وركوبه سيارته الفارهة كنت اتمختر لتمختره …  ولكن بعد كل هذا ركنت على تلك الشماعة اللعينة في زاوية من القصر ولم يعد يقترب مني ويرتديني إلا بأوقات متباعدة..  حتى رايته وهو يرتدي معطفا أخر أسود اللون بموديل حديث وعرفت أنها النهاية بالنسبة لي، بعدها باعوني مع مجموعة أحذية وثياب ووضعوني في بالات ضغطت مع آخرين بواسطة أجهزة ضخمة..وكنت في مخازن وسيارات وسفن لمدة طويلة حتى وجدت نفسي أحيط بجسد آخر ولون آخر من البشر..لقد اصبحت ياصديقي مثل بائعة الهوى كل يوم احضن جسداً حتى انتهيت الى جسد ذلك السكير اللعين.

الأزرق : وماذا بعد كل هذه الرحلة ؟

القهوائي : تصور كل هذا المجد وانتهى الى جسد نتن وقذر, رائحته لاتطاق، آه … كم تمنيت لو تحولت فأسا وقتلته… ذلك السكير المعتوه والذي رأيت منه الكثير.

الأزرق : “يضحك” أي نوع من البشر هذا؟

القهوائي: كان يستخدمني كفراش وممسحة و…و… تصور لم يكن يخلعني عن جسده العفن.. وأنا لا أطيق فعل أي شيء..((” يحاول تقليد ذلك الرجل بشكل مبالغ فيه حتى يسقط أرضآ”))

الأزرق :  مابك..لم أرك من قبل بهذه الحالة.

القهوائي : لا أدري ربما تسبب لي ذلك السكير بحمى.. فبعد أن تركنا في هذا القبو أخذت تعاودني هذه الهذيانات.                  ألأزرق: إنها النهاية كما يقولون.. سنرى مصيرنا حالما يتم تصليحها..

القهوائي : أتقصد ماكينة الحلج.

الأزرق : ومن غيرها. انها.محطتنا الأخيرة .

القهوائي : صدقت..سنحلج كأي خرقة بالية وتختلط خيوطنا مع آخرين..ربما بدلة رقص.. أو ملابس داخلية.. أو.. أو.. أنا ذلك المعطف الذي عاش قصصا جميلة عن العشق والشوق والنجاح.. تصور كنت وراء نجاح الكثير وأوصلتهم الى مراتب عليا.. وكل ذلك بفضلي.. آه لشد ما يحز ضميري عندما أتذكر ذلك.. الأزرق:ضميرك..أتقول ضميرك..يا صاحبي ما علاقتك بالضمير لا تنسى نفسك تذكر دائما انك معطف..بلا ضمير ولا إحساس..ثم آي نجاح..ما علاقة النجاح بنا نحن المعاطف. 

القهوائي : كيف تقول ذلك..نحن المعاطف نمنح الكبرياء والشموخ لكل من يرتدينا.. نتحمل البرد القارس والثلج..أتعرف وراء كل رجل عظيم معطف..ودليل ذلك اسأل صديق المعاطف الطيب .كوكول هذا الرجل الظريف .

الأزرق : قل لي أين أصبح معطفه؟

القهوائي : يقال انه توزع على المتسولين.. كتعويذة تدرأ على المتسول والمتشرد مخاطر الحياة لتمنحه الدفء والأمان. 

الأزرق : “يضحك” يالك من ظريف.. لقد ذكرتني بالمرأة التي اشترتني.

القهوائي : امرأة؟

الأزرق : نعم امرأة ثرية قدمتني هدية لعشيقها..كان نحيفا ووسيما ويحب أكل الحلويات ، كانت جيوبي ملأى بها دائما..أتعرف أنني تسببت بموت العشيق..

القهوائي: كيف؟

الأزرق : كان الزوج الغيور يعلم بأمري حين اشترتني، حتى جاء ذلك اليوم وفاجأهما معا..

القهوائي : وما فعل؟

الأزرق : ماذا تظنه يفعل..أطلق الرصاص..

القهوائي : مات؟

الأزرق : دخلت قلبه على الفور من هنا.. انظر هذا الأثر..

القهوائي: وأنت؟

الأزرق : بعد موت الرجل، باعوني مع أثاث أخرى الى رجل وحداني أصيب بسكتة قلبية بعد أسبوع من شرائه لي.. في تلك الليلة بالذات هجم لصوص على غرفته وسرقوا كل ما فيها وكنت معهم. ثم اشتراني زبال…

القهوائي : “يغرق بالضحك ” ماذا ؟

الأزرق : نعم اشتراني زبال…سبب لي الكثير من الأذى من قذارته ورائحته النتنة.. حتى صدمته سيارة لسائق طائش..

القهوائي : “مستمر بالضحك ” يحاول تقليد حادثة السيارة.

الأزرق : ثم أخذوني ورموني في هذا القبو..بقيت زمنا ليس بالقليل..أنتقل من جسد الى جسد..صور وصور تمر أمامي..روائح وأنفاس..أكف جميلة مملوءة بالخواتم الذهبية رقيقة..وأخرى كبيرة وغليظة..جيوبي محطات أسرار، رسائل حب، قصاصات عناوين ومواعيد.. شيكات مزورة وحقيقية..دموع وغضب ريح بين جوانحي إن كان ثمة جوانح وتبعد عني الأجساد انسلاخ..انسلاخ..كلما احتويت جسدا..يرحل بشكل مأساوي مقيت..انظر هنا هذه اطلاقة رصاص..هذه أثر سكين جبان لسارق محترف..وهذه إشارة عجلة سيارة..كلها رحلتهم قالوا عني معطف مشئوم..

القهوائي : بدأت تخيفني..

الأزرق : لا تخف فالجميع يخافون مني..تركوني فريسة سهلة للفئران والعث والصراصير وديدان الأرض.

القهوائي : يالك من غلاف بائس… لحسن الحظ..إني لست شئوما مثلك أتعرف.. ذات يوم استعارني ممثل هزلي مغمور من صديقه وصعد بي خشبة المسرح وكان دوره يقتضي أن يرقص وهو مرتديني وكان يدور ويدور ويدور ساعدته بأن رفعت من أرديتي عاليا فبدأ وكأنني أفر به وليس هو، وكان ذلك كافيا لأن تنفجر القاعة بموجة من الضحك والتصفيق العارم الذي كان السبب في شهرته وأصبح بعدها نجما مشهورا..هذا أنا هل فهمت..؟

الأزرق : لكنك يا صاحبي بانتظار ماكينة الحلج مثلي لنتحول الى صوف مرة اخرى ونختلط مع أشياء أخرى.. ونحشر في وسادة تتشرب منها أنفاس النائمين البلداء.

القهوائي : حقا إنها ماكينة رهيبة ليس لديها اعتبار. (يتأمله طويلاً)

ألأزرق: ما بك ..؟؟؟  اهناك شيء؟؟؟

القهوائي: هه ..لاشيء (يتلمس ردن المعطف) قل لي… اهذا لونك الحقيقي

ألأزرق: طبعا انظر اليه مازال محتفظا برونقه.

القهوائي: انت تكذب … هذا ليس لونك الحقيقي …انت مصبوغ .

ألأزرق: كلا ..كلا.. إنه لوني ألأصلي (يظهر عليه ألأضطراب)

القهوائي: (يفتح المعطف ويريه البطانة الداخلية) انظر هذا لونك الحقيقي ..انت منهم ..اليس كذلك.. هيا ،  قل ولاتستح .

ألأزرق: كلا ..كلا.. انا لست منهم ..ارجوك … انا صوف اصيل.

القهوائي لقد شككت فيك منذ دخولك .. وذلك الشؤم الذي رافقك كان مسرحية حاولت ان تمررها علي ، وقصة الكبش ايضا …ايها الصوف الصناعي  

ألأزرق يصرخ بأنفعال  وهستيريا) كلا.. لن اسمح لأحد بأن يدنس سمعتي التي بنيتها عبر سنين طوال مع الجهابذة والسادة ألأشراف وعلية القوم .

القهوائي: بسخرية..علية القوم ..ايها المصّنع البائس. ..لقد نزلتم من قدرنا بين الناس فلم يعد احد يفرق بين ألأصيل والمصنّع .

ألأزرق: هذا صحيح ..لكن تعال هنا . منذ الصباح وانت تكيل لي ألأتهامات…. من قال انك صوف حقيقي.

القهوائي:انا صوف حقيقي رغم انفك ..افهمت هاك تعال انظر (يفتح بطانته الداخلية ينظر ألأزرق ويهز رأسه) انظر..انظر 

ألأزرق: يالك من مزور بارع .

القهوائي: يهجم عليه محاولا ضربه انا مزور ايها النايلون البائس 

(صوت ماكنة من بعيد يقترب)

الأزرق : انتظر..إنتظر… إني أسمع صوتا غير محبوب 

القهوائي : وأنا كذلك.. انه يذكرني بذكريات مؤلمة.

الأزرق : لابد أنه هو..نعم هو..

الاثنان:انه..انه..المقص..يا الهي.. يا الهي.”يدخل عامل المقص”    

الأزرق : ما الذي جاء بك..ماذا تريد..ماذا تريد؟

عامل المقص : لا شيء يا أصدقائي لا شيء ،جئت للزيارة فقط ولإتمام واجبي.

القهوائي : واجبك..أي واجب..ألا يكفي ما فعلته..حولتنا الى معاطف وغيرنا قمصان وبناطير ومناديل وألبسة داخلية وغيرها وغيرها.. أجيال وأجيال وأنت تنتقل بين العصور والأزمنة. ترسم للناس أشكالهم الخارجية ووجوههم الاجتماعية ترسم لهم ما يجب أن يكونوا..لا ما هم عليه..

عامل المقص : ماذا أفعل..ذلك ليس بيدي..فأنا عبد المأمور كما أنتم هل تستطيعون اختيار من يريدكم..هل فرضتم على من يرتديكم شيئا..؟  

الأزرق : نحن نعرف وهم يعرفون..لكن المهم ماذا جئت تفعل هنا قل بسرعة.

عامل المقص : آوه إنها مسالة بسيطة..في الحقيقة أنتم بأحجامكم هذه الكبيرة لا تستطيعون دخول ماكينة الحلج..فلابد من قطعكم الى أحجام صغيرة..وأنتم تعرفون الباقي..

القهوائي : آه لقد عرفت ذلك..أحسست به منذ دخول العبد المأمور هنا..

الأزرق : لكنك لن تستطيع..أتعرف لماذا..؟ لأننا لن نسمح لك فنحن لسنا كما أول مرة حين قطعتنا وحولتنا كما شاء لك سيدك الآدمي.. نحن الآن.. نحمل أرواح العديد من الذين دخلت أجسادهم فينا.. ونستطيع استعاذة آي منهم وتحطيمك يا غبي..

عامل المقص : “يضحك ” إنها خرافة من خرافاتكم.. أيتها المعاطف التعسة فأنتم بؤساء وتبقون كذلك..والآن تهيأوا للقص والقطع.

القهوائي : حسنا.. أنت أردت المعركة…

“تبدأ بينهم لوحة استعراضية على شكل رقصة الموت وبشكل صامت تنتهي بموت عامل المقص”

الأزرق : الحمد لله لقد تخلصنا منه.

القهوائي : الى الجحيم أيها المقص..

الأزرق : لا مقص بعد اليوم.

القهوائي : مرحبا بحرية المعاطف مرحبا.

الأزرق : “مقاطعآ” لحظة.. أنا أسمع صوتا.. إنها هي…لقد عادت لتعمل…عادت لتعمل.

القهوائي : لابد أنهم أصلحوا العطل الذي فيها.

الأزرق : إذن لنتهيأ للحلج.. تهيأوا يا أخوان..حان موعد الاندماج والذوبان في بحر النسيان.

القهوائي : إيه من الصوف والى الصوف نعود…من الصوف والى الصوف نعود

الأزرق : نعود خيوطا نختلط مع أخرى وتذوب.. إيه راحت تلك الأيام.

القهوائي: الوداع أيتها الأيام الجميلة..أيام السهرات الليلية والعطور الأجنبية.. واللقاءات السرية..ولكن لحظة.. ” ينفجر ضاحكا”.

الأزرق : ما بك تضحك؟

القهوائي: نحن كمن يستجير من الرمضاء بالنار..تخلصنا من البشر ووقعنا في المحلجة.

الأزرق :إن المقص شيء والحلج شيء أخر..حاول أن تفرق بين هذا وذاك.. لدى فكرة لم لا نلعب لعبة الماضي المتنقل..

القهوائي : الماضي المتنقل.. جميل..رائع..

الأزرق : لكن في هذه اللعبة نحن نختار من يرتدينا.. والآن الى اللعب…

“يؤدون أدوارا من شخصيات تاريخية ومشاهد من مسرحيات وأفلام.. يغنون ويرقصون..يبكون..ثم يهدأون وينامون”  ( يدخل عاملان )

العامل: هيا لنأخذ هذه الثياب للحلج..لكن لنبدأ أولا بهذين المعطفين المهلهلين.. 

  

                                                  ( ستار )

 —————————————————–
المصدر : مجلة الفنون المسرحية

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *