مسرحية {نساء لوركا} أنموذجا / د.عواطف نعيم

 

 

المصدر /الصباح/ نشر محمد سامي موقع الخشبة

تعد مسرحية «نساء لوركا» واحدة من المسرحيات العراقية التي قدمت بعد الاحتلال الامريكي للعراق في العام 2006 ثم أعيد تقديمها في العام 2007 والتي استطاعت أن تحقق حضورا مهما في المشهد المسرحي العراقي اذ استطاعت أن تكون لسان حال المجتمع العراقي، معبرة عن ذلك الصراع الذي عصف بكيانه وأظهر حجم الخراب الذي هيمن على جوانب من المجتمع العراقي بفعل ما أحدثه الاحتلال من شرخ بين أبناء البلد الواحد، ومعروف أن لوركا شاعر اسبانيا الكبير كان واحدا من الذين قارعوا النظام الدكتاتوري وتصدوا له وكانت أغلب كتاباته تحمل بذور التحريض والثورة على كل ما يقمع حلم الانسان في الحرية وحق التعبير عن الرأي وما يحمل من أحلام في حياة كريمة ، جاء نص نساء لوركا من تجميع عدد من أهم بطلات لوركا في نصوصه المسرحية وزجهن في صراع جديد من خلال بناء نص أخر محايث.

فقد تم جمع  خمس شخصيات هن شخصية يرما المرأة الحالمة بولادة طفل تتمناه وتتوقعه  من زوج تخلص له وتحبه وهي لا تعلم أنه عقيم وماريانا مطرزة علم الحرية والمؤمنة بأفكار الثوار المعارضين ضد الظلم والاستبداد والعروس في مسرحية عرس الدم المتمردة على التقاليد والاعراف المتخلفة وأديلا الشابة المتعطشة للحب في زمن الموت وكتم الرغبات من مسرحية بيت برناردا ألبا ثم الصوت المهيمن والمتحكم برناردا وجبروتها في القمع والترهيب، هؤلاء النسوة اجتمعن في نص مسرحي جديد يتحدث عن الحرية، صراع يدور بين هؤلاء النسوة الباحثات عن الخلاص وبين السيدة التي تمسك بيد من حديد بمفاتيح حريتهن وما بين اعتراف وتمرد وصدام ومواجهة ينتهي العرض بمقتل برناردا الاستبداد ومن اضعف فرد في المجموعة النسوية المستلبة تنبثق دكتاتورية جديدة أشد شراسة وغلظة من الاولى.
انها يرما تنبعث سوطا لعذابات الاخريات من الخوف والخضوع يولد العنف والقسوة، هي قراءة أخرى لمنجز أدبي انساني لكنه اكتسب من خلال الرؤية الاخراجية روحا ونبضا ومشاعر أخرى للون وبيئة بعيدة في المسافات عنا هي  اسبانيا لكنها قريبة من الهم والمعاناة العراقية وقد تجلى ذلك عبر الاداء في الايماءة والاشارة وتونات العزف الصوتي والزي والاجواء السنوغرافية والبصرية التي غلفت فضاء العرض المسرحي، لعل الثيمة المهمة في هذا العرض المسرحي هي كيف ننفتح على ثقافة وفنون أخرى لنجعلها ملكا لنا ونمنحها جزءا كبيرا من خصوصيتنا وبصمة محليتنا وأن نقرب بها من أرواحنا بكل ما تحمل من ارهاصات واحاسيس، في هذه التجربة يتمثل التنوع الثقافي الذي سبق وتحدثنا عنه، أن تعيد العمل على نصوص وأفكار عالمية او عربية وتقدمها عبر اعادة قراءتها وتحليلها ومعالجتها دراميا ما هو الا انفتاح وتقريب وتناغم مع جديد تتمثله في منجز أخر ليكون بين أيدي متلقين ليطلعوا ويتعرفوا ويقارنوا ما لديهم وما تفتحت أذعانهم وأحاسيسهم عليه من جديد جاءهم ليعكس لهم رؤى وعوالم بعيدة عنهم في المسافات قريبة منهم في الحس الانساني والهاجس النفسي، في مسرحية» نساء لوركا» كان الهم العراقي والجرح العراقي حاضرين وصادمين وقد حظى هذا العرض بفرصة كبيرة حين قدم في بغداد ومن على خشبة المسرح الوطني وفي المانيا في مسرح الرور في مدينة مولهايم وفي مسرح دار ثقافات العالم في برلين ثم في  هولندا في سفينة الثقافات وفي مهرجان قرطاج المسرحي حيث قدم من على فضاء مسرح الحمرا ومن ثم استقبلته الجزائر في المهرجان الوطني للمسرح المحترف، حيث عرض على فضاء مسرح الموقار ثم قدم في مسرح مدينة عنابة وحين وجهت له الدعوة للحضور الى الاسكندرية  في مصر لم يستطع فريق العرض الوصول بسبب الظروف الامنية الصعبة التي تعرضت لها بغداد في العام 2009، هذا العرض كان من تأليف واخراج د. عواطف نعيم والتي شاركت أيضا بتجسيد شخصية العروس في مسرحية عرس الدم.  نخلص من كل ما تقدم الى أن التنوع الثقافي في الفنون قائم ومتفاعل ما بين شعوب العالم أجمع وقد يكون اليوم للتقدم التكنولوجي وانفتاح السماوات السبع على بعضها ووجود السوشيل ميديا بتنوعها وقعا  كبيرا في خلق هذا التأثر والتلاقح ما بين ثقافات العالم على اختلافها، وقد تكون هذه الثقافات  مقبولة أحيانا و أحيانا أخرى قد توضع حولها علامات استفهام وتحذير وفي مرات  أخرى وقد يسعى البعض الى تشفير تلك القنوات أو حجب عدد من المواقع الخاصة بالتواصل الاجتماعي أو المواقع المتوجهة لبث المعلومات  السرية منها والعلنية المرفوضة، الا ان العقل البشري يسعى لكي يبتكر ما يتيح له اختراق المحجوب والمشفر والممنوع كي يتعرف ويحلل ويستوعب ما يحدث ويقدم في الجانب الاخر من الحياة
الانسانية.
واضافة لما خلصنا اليه ايضا يمكننا القول أن التنوع الثقافي في الفنون بكل تجلياتها هو أمر مطلوب ومعرفي بوصف التنوع الثقافي وسيلة من وسائل المعرفة والتعلم فهي كما قال الاديب ايتالو كالفينو:
((معرفة الثقافات الاجنبية عنصر حيوي في أية ثقافة ولا أرى أن بوسعنا الارتواء من هذه المعرفة يوما ما ، ينبغي لكل حضارة أن تترك أبوابها مفتوحة لكل التأثيرات الثقافية اذا ما أرادت الحفاظ على اتقاد شعلتها
الابداعية)).

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *