مسرحية كين أو فوضى وعبقرية.. عن اللعب والأنا والعلاقة بين السلطة بالفنانين / محمد سيف

 

لقد واجهت مسرحية (كين)، التي تتكون من خمسة فصول وست لوحات، لمؤلفها الروائي الفرنسي ألكسندر دوماس، مصيرا مذهلا تمثل في إعادة كتابتها بالكامل من قبل جان بول سارتر، الذي أعطاها بعدا آخر مثيرا، استنطق من خلاله المعاناة الوجودية الحقيقية والمتخيلة للممثل وتأرجحه المستمر بين نفسه كذات وما يلعبه من شخصيات. كتبت المسرحية في عام 1836، تحت عنوان (فوضى وعبقرية)، ويعتمد متنها الحكائي على حياة الممثل الكوميدي البريطاني إدمون كين (1787- 1833)، الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة كممثل لأعمال شكسبير. إنها تضع حياة هذا الأخير على المسرح، هذه الحياة التي كانت من ناحية محبوبة من قبل الجمهور، وكذلك المجتمع الإنجليزي الراقي – الأمير دي كال، الذي كان يعامله كصديق – ومن ناحية أخرى، الحياة الهامشية والمستبعدة إلى أبعد ما يكون. كان العالم ينظر إلى هذا الممثل العظيم، على أنه مجرد فنان، وكين نفسه، على الرغم من مداخيله الكبيرة، لم يستطع التخلص من ميوله وتذوقه لحياة العالم السفلي، والملاهي السيئة السمعة.
تجري أحداث الفصل الأول لمسرحية ألكسندر دوماس في صالون إيلينا دي كوفيلد، حيث يناقش الأمير دي كال آخر مغامرات كين الطائشة، واتهامه باختطاف الفتاة الثرية آنا دامبي. فيصل كين نفسه، وبحجة أن يشرح أنه لا يعرف الآنسة آنا، يعطي سرا موعدا للكونتيسة كوفيلد. في الفصل الثاني، يستقبل كين، في منزله، آنا دامبي، التي تأتي لكي توضح له أنها ترفض الزواج الذي فرضته عليها أسرتها من اللورد مويل، وتريد من الآن فصاعد أن تكسب لقمة عيشها من خلال أن تصبح ممثلة. كين يرسم لها صورة مرعبة عن هذه المهنة، التي يجب على الممثلة أن تبيع نفسها لكي تنجح، وحيث يكون الممثل دائما ضحية مؤامرات سرية وعلنية، لا حصر لها، هذا بالإضافة إلى نظرة المجتمع السيئة إليه، وإن التمثيل مجرد وهم – ولكن بالمقابل، إنه لا يتخلى عن مهنته، حتى لو منحوه العالم بأسره!
يدور الفصل الثالث في حانة، حيث يرى كين وصول آنا، يتبعها اللورد مويل. يتصدى كين لهذا الأخير، الذي يرفض القتال معه، لأن اللورد لا يتقاتل مع بهلوان مشعوذ. كين يزدريه بخطبة مسهبة عنيفة. ونرى في الفصل الرابع، كين في مقصورته، يستقبل، أولا، زيارة إيلينا، التي تخبره بأنها على استعداد لترك كل شيء من أجله، ثم زيارة الأمير دي كال. علما بأن هذا الأخير زير نساء كبير، فيتوسل إليه كين بألا يحاول إغواء إيلينا، التي يحبها حبا جما. وبعد رفض وتردد في عدم اللعب، يدخل كين أخيرا الخشبة، ولكنه تنتابه حالة من الجنون والتهور، فيهين الأمير وحاشيته، ويتوقف العرض.
في الفصل الخامس، يحبس كين نفسه في بيته، ويستقبل زيارات متتالية من قبل آنا وإيلينا وزوجها والأمير دي كال، وإلى آخره… ويتضح أن إيلينا قد استعادت ذكاءها ولم تعد ترغب في التخلي عن وضعها الاجتماعي والفرار معه، في حين أن آنا، التي تحبه بصدق، مستعدة لكل التفاني من أجله. وهنا يتدخل الأمير دي كال وينقذ كين من السجن. بعد ذلك، ينفي الممثل نفسه إلى أمريكا مع آنا.
هذه هي قصة مسرحية ألكسندر دوماس، التي كتبها بشكل رائع تكريما للمسرح، ولشغف الممثل بفنه. وإنها أيضا، دفاع عن الوضع الاجتماعي المتواضع للممثل كين، الذي كان يعيش بشكل سيء للغاية المواقف الكاذبة التي وجد نفسه فيها. وهنا يذكرنا كين بألكسندر دوماس نفسه، كممثل، وكاتب وجد نفسه وحده، عرف المجد العالمي، والثروة، وصداقة الكثير من عظماء العالم، ولكنه، مثل كين، لم يؤخذ أبدا على محمل الجد، وهو المتحمس للسياسة، ولكنه لم ينتخب؛ والأكاديمية الفرنسية رفضته بسخرية بحجة أنه كاتب عادي جدا.
إن هذه المسرحية المنسية، إذا جاز لنا القول، استأنفها جان بول سارتر، وأعاد كتابتها، وصنع منها دراما قوية وصلبة بعد أن خلصها من الكثير من الحشو، مثلما يقول الناقد والكاتب الفرنسي روبرت كيمب، فأصبحت رائعة. وعلى الرغم من ذلك، فإن سارتر لم يدع أبوة المسرحية الجديدة. وقد قدمتها طبعة Gallimard Kean، كعمل لألكسندر دوماس، في تأليف لجان بول سارتر. علما بأن مؤلف (الوجود والعدم، ونقد العقل الجدلي، والجدار، والغثيان، وثلاثية الطريق إلى الحرية، والذباب، والغرفة المغلقة، والعاهرة الفاضلة، وإلى آخره من المؤلفات والدراسات)، قد قام بتحويل وتغيير النص الأصلي إلى حد كبير، بطريقة مثيرة. لقد طور سارتر في الواقع، بعض العناصر التي تم ذكرها بإيجاز فقط من قبل دوماس. خصوصا انجراف كين نحو الجنون، وفقدان هوية الممثل الذي لم يعد يعرف أين هو الحقيقي وأين اللعب. في عمل دوماس، كان يعاني كين بشكل أساسي من وضعه الاجتماعي، وفي كتابة سارتر، لم تعد لديه هوية. وفي نهاية المطاف، إن شغف اللعب الذي ينعش حياته يغزوه كليا، مما يمنح سارتر، فرصة أن يجعله يصاب بدوار الهاوية.
يحكي العمل قصة كين الممثل الإنجليزي الشهير، الذي حقق نجاحا كبيرا في مسرح دروري لين الملكي، الذي كانت تهرع إليه جميع أنحاء لندن، في أوائل القرن التاسع عشر، لتهتف له. امرأتان تقعان في حبه: الكونتيسه إيلينا، زوجة سفير الدنمارك، وأنا دامبي، وريثة برجوازية شابة تكون على استعداد للتخلي عن كل شيء من أجل الانضمام إلى فرقة، هذا الغاوي المليء بالديون، والسكير، وزير نساء. ولكن في شخصية كين غالبا ما يختلط فيها الذاتي بالموضوعي، الإنسان بالممثل، بحيث يصبح من المتعذر علينا معرفة فيما إذا كان هو نفسه حقيقة أم الشخصيات المختلفة التي يلعبها؟
في إحدى الليالي، أثناء لعبه لشخصية عطيل، يترك اللجام لعواطفه الجياشة، ينفجر أمام الجمهور والأمير دي كال، منافسه الذي كان يلاطف الكونتيسه إيلينا في مقصورته، ويقوم بتعرية قلبه، كاشفا الغطاء عن حبه لهذه الأخيرة. فتتعالى صيحات الاستهجان، لأول مرة من قبل الجمهور، لهذا الممثل العظيم، ويتردد صداها في كل مكان، ومع ذلك فنحن في حاجة ماسة، لمواصلة الاهتزاز والمتعة، رغم الصعوبات، والمد والجزر، لأن كين دوماس ليس أكثر ولا أقل من جوهر المسرح نفسه! لا سيما أن الأمير دي كال لم يكنّ له الاحتقار، رغم الفارق الطبقي. لكن كين إنسان مفرط، ويسخر من كل ما هو طارئ، ويطلق العنان لعواطفه، ويمنح نفسه بسرور للوقاحة والكرم والاحتقار. وهذا ما صوره سارتر في كتابته الجديدة للنص، لدرجة أننا لم نعد نعرف من خلالها، من هو كين؟ وماذا يجسد على وجه التحديد. هل يلعب نفسه، أم روميو، أم هاملت، أو غيرة شخصية عطيل خاصة؟ وإلى أي مدى تلتهم هذه الكائنات الشكسبيرية شخصيته؟
اجتمعت، في هذا العمل، الذي قدمه مؤخرا المخرج الألماني فرانك كاستورف، على مسرح الأوديون، مجموعة كبيرة من الألوان، الضحك والعواطف، واختلطت فيه الكوميديا بالمأساة دون خجل، أو تردد، وعالجت جميع الموضوعات الرئيسية. البحث عن المطلق، الغزل، السلطة، والجنون. لقد كان بمثابة نداء ناري لكل أنواع المقاومة، وترنيمة محمومة بالحرية، ومزيج بين حمى خيال دوماس الصارخ وحداثة هاينر مولر الجريئة؛ مثلما كانت فيه إشادة وإطراء لشكسبير وبيراندلو مبكرة. إنه قدم لنا، أولا وقبل كل شيء، تنوعا مبهجا، ووهاجا حول الفن الكوميدي، من خلال مروره بفن الممثل؛ قدم لعبا حقيقيا، من خلال لعب المرايا التي طوره المخرج بشكل دائم إلى أقصى الحدود، بوضع الممثلين في قلب تركيبة ميكافيلية قليلا، في آلية لعب حقيقية، ودفعهم بلا حدود حتى الثمالة لتذوق جميع ملذات الخشبة.
لقد قدم هذا المخرج الألماني عرضا مذهلا واستفزازيا على خلفية موسيقى الروك الجامحة، جامعا فيه بين الروائي الرومانسي ألكسندر ديماس والمؤلف الماركسي هاينر مولر. موليا اهتمامه بالدرجة الأساس إلى النسخة الأصلية، على الرغم من اكتشفها لأول مرة، من خلال نظرة وإعداد سارتر لها. ربما لأن نص دوماس يمنح الجسد حضورا أكثر، من خلال تجاوزات الممثل إدموند كين، في حين أن نص سارتر يحيلها إلى رؤية اجتماعية وسياسية أكثر. بالنسبة لي، يقول المخرج: (إن إخراج هذه المسرحية هو معرفة فيما إذا كان كين هاملت، أو على العكس من ذلك، هاملت هو كين). وهكذا، يلتحق المخرج فرانك كاستورف، بفكر كين نفسه، الذي يعتقد أن الفن يكون مثيرا للاهتمام فقط عندما ينضم إلى مجال الاستثناء.
إن ما يثيره في شخصية كين، هو طبيعتها الفريدة وغير العادية. فكين ممثل أسطوري، يشبه إلى حد كبير فناني البوب، مثل الشاعر والمغني الأمريكي جيم موريسون أو أرثر رامبو. إنه نجم ساطع قد أتى من الحضيض، إن صح التعبير، عرف الجوع، وقد اضطر لوضع قواعد لعبه الخاصة به من أجل الوصول إلى المكانة التي وصل إليها، عن طريق انتشال نفسه من بيئته الأصلية، وهذا ما أكسبه قوة حيوانية، إن صح التعبير. وبفضل هذه القوة استطاع أن يكسر جميع العقبات التي واجهته، ويتجاوز كل الحدود، ويكشف الغطاء عن ماهية الفنان الحقيقية.
إن “كين” أو “العبقري والفوضى” مسرحية غير عادية، وهي في عصر مثل عصرنا، حيث يتم تصوير كل شيء بشكل درامي، وتقدم كل شخصية سياسية نفسها كشكل من أشكال المنتجات الفنية، تجعلنا نتساءل عما إذا كان المسرح – بعد أن أصبح كل شيء ممسرحا – لا طائل منه أو غير مجدٍ. ولهذا السبب ربما، اختار المخرج فرانك كاستورف المواجهة بين مسرحية دوماس مع مسرحية هاملت ماشين لهنري مولر، ربما لأن، هذا الأخير، كشف في مسرحيته، عن قفا الميدالية، أي عن الجانب الآخر للفنان. إنه يظهر لنا الممثل – كثوري من شأنه أن يفقد التزامه السياسي – الذي فقد جمهوره. الممثل الذي يستمر في اللعب، ويعيش بشكل مفرط، لكنه لم يعد يرى في الصالة سوى «جثث محشوة (…) لا تحرك أياديها للتصفيق». فهاملت ماشين أو ماكينة، مسرحية تنتمي إلى مسرح ما بعد الدراما، تحتفل بالميتا مسرح وموت المسرح. يقول الممثل: «لقد كنت هاملت، ولم أعد الآن». من الذي يتحدث إذن؟ ومن هذا «الأنا» الذي لم يعد شخصية مسرحية مشهورة؟ وإلى من يوجه كلامه؟ (بعد انتفاضة أكتوبر 1956، في المجر، حاول مولر، أن يكتب هاملت، في بودابست، ولكنه لم ينجح. وإن هاملت ماشين أو ماكينة، بمثابة إقرار بالفشل، بالأمل الشيوعي، والفكري، والفشل في المسرح الذي لم يعد من الممكن وجوده بنفس الطريقة، لأنه لم يعد يعالج: “أنا لست هاملت. لم أعد ألعب دورا. كلماتي ليس لديها ما تقوله لي. أفكاري تمتص دماء الصور. مأساتي لم تعد تحدث. خلفي وضع الديكور، وأناس لم تعد تهمهم قصتي، ولا تتعلق بهم”). وهكذا، مع مسرحية هاملت ماشين، صار المتفرج يبني معناه الخاص. وعندما كتب مولر هذه المسرحية، كان يفكر بفشل وسحق الثورة المجرية، ويتساءل من خلالها عما يبقى عند سحق كل شيء. لا سيما نحن نعلم اليوم في أوروبا ما بعد عام 1989 – سقوط جدار برلين وآذن بنهاية الشيوعية – إن ما تبقى هو الرغبة في شرب الكوكا كولا، والرغبة الطوباوية في العيش في بلد قائم على قيم المساواة والإخاء.
وكما هو الحال دائما في العروض البرلينية، المولودة في ألمانيا الشرقية عام 1951، يتم إجراء الكثير من التعديلات على النص الأصلي، أو إلى ما بقي منه. وأهم الإضافات في هذا العرض، هو مسرحية هاملت ماشين لهاينر مولر. ولكن هناك أيضا اقتباسات من نصوص غوته، كلايست، لسينغ وماركس وإعلانات عن المنتجات المضادة للتجاعيد. ونصوص عن التعذيب الذي يتعرض له الأطفال في العمل أو قمع المظاهرات، ونصوص أخرى مكتوبة من قبل فرانك كاستورف نفسه.
إن الكتابة المسرحية اليوم، سواء كانت ركحية أو نصية، لم تعد تسعى لنقل رسالة. لذا، يتساءل Michel Beretti: بأي طريقة سنكون أكثر قدرة من الآخرين على تقديم إجابات للأسئلة التي تطرحها حالة العالم؟ إن الأمر يرجع إلى المشاهد لتغيير المجتمع، مثلما يقول بريشت. ونفهم من هذ القول والتساؤل، يمكن للمسرح أن يشترك في طرح الأسئلة فقط، في المكان المشترك الذي هو المسرح، حيث تجتمع فيه مجموعة صغيرة من الناس عن طريق الصدفة. ولكن حتى لو تم طرح أسئلة صحيحة، (لماذا سنكون أكثر كفاءة من الآخرين في الإجابة عليها؟ وهل سيتم سماع هذه الأسئلة إلى الحد الذي لا نعرف فيه حقا إلى من يوجهها المسرح؟). وهذا ما يؤكد ضمنيا، على أن مفهوم أو فكرة مسرح ما بعد الدراما، غير واضحة بالنسبة للكثير من المختصين. لأن عروضه، بمثابة انقطاعات دقيقة زمنية بدون مستقبل، مثلما تقول فلورنس دوبون.
في عرض فرانك كاستورف، كين يترك ملابسه القديمة. ويعيش في ديكور اليوم: قطعة من القماش المشمع الضخمة التي تبدو وكأنها بقعة لوح للتزلج، وهو مكان مثالي بدرجة كافية للانزلاق على الأرداف، ولكن أكثر من ذلك على أوهام: وهم الاعتقاد بأن الصراع الطبقي ميت وأنه يمكن قبول الفرد في المجتمع الراقي عندما يكون المرء مشعوذا؛ وهم التفكير في أن تحرير الشخص يمكن أن يؤدي إلى تحرير الآخرين؛ وهم تخيل أن غضب الحياة يمكن أن يتغلب على الاكتئاب. هذا ما يشير إليه كين إلى الشخصيات الأخرى، وعشاقه، ونسائه الأنيقات اللائي يحبهن، وأصدقائه من الناس، والوريثة الثرية التي تحبذ الزواج من الأرستقراطي لإعادة بناء صحتها المالية، تحت طائلة المثل الذي يقول: «إن الجبن تفوح منه رائحة كريهة، لكن المال لا رائحة له».
في ديكور سريري في أجواء غير منظمة، تنخرط مخلوقتان عاديتان، معزولتان في خدرتهما المصنوعة من الخشب الرقائقي، في محادثة صالون في زاويا قائمة. إلقاؤهما مفرط، إيماءاتهما مستعارة، وشكواهما جامدة؛ هاتان السيدتان تنتظران، في غرورهما الرائع المصطنع، بقية الضيوف. ولكن العرض لا يمكن أن يبدأ من دون السيد ك، كين، إدمون كين بكل تأكيد. كين الإلهي، المخلوق الخارق، القادم من عالم آخر، والخارج من بطن أخرى، الذي يعرف كيف يكون مرغوبا به. كونه ممثلا محبوبا، وذات حضور ماجن، ومنتصر في مسرح دروري لين الملكي في لندن، إنه السير كين المحبوب الذي لا يعرف الشفق. المحمي والمغرر به من قبل كبار القوم – الأمير دي كال – إدموند كين عبقري الفوضى، وبطل هذه الدعارة السعيدة الذي يشبه إنكلترا المشوهة في القرن التاسع عشر. إنه، أمير الدنيوية الفاسقة، والوحشية، الذي يحترق رغبة في جميع سيدات وكونتيستات المملكة، كين في حركاته المميزة السوداوية الأنيقة، تذوب رغباته الجنسية في الشمبانيا.
على خشبة المسرح، يسعى علم الدنمارك وإنكلترا، المرفوعان أمام بعضهما البعض، لسرقة أضواء العرض؛ من منهما ستكون مملكته الأكثر فسادا. وهل أن هاملت هذا، هو دنماركي أم أنه…؟ (أنا هاينر مولر!)، وهو يصرخ في ميكروفونه، على أنغام الغيتار الكهربائي. في عموم مملكة كين يا سيدي غير الموقر، والمنفلت، كل الطرق المسرحية مسموح بها. ولا توجد وسيلة أخرى للفرار.
أداء الممثل، ألكسندر شير يسكن شخصية إدموند كين، إن لم يكن كين الذي يسكنه. شير، يركض، يقفز، يغني، يصرخ وينزف. إنه استثمار مادي جدير بالأداء الحقيقي. إضافة إلى ذلك الصمت الذي نرى من خلاله الطاقة اللازمة أيضا للممثل التي ينقلها لنا دون كلمات. فشير يضاعف من النظرات نحو الجمهور، يلعب ويعطي. الالتزام لديه بمثابة سخاء! ويبدو أنه لن يتوقف. وهذه هي متعته. لقد كان حالة استثنائية، جعلتنا نتساءل دائما هل ما زال يلعب؟ لا سيما أننا كنا مبتهجين في هذه التبادلات (غير المتوقعة؟) مع الجمهور. بحيث بدا لنا كين قريبا منا، ومعاصرا لنا جدا. ما هي مهنة الممثل؟ أداء الأدوار فقط، لجميع أولئك الذين يتوجه لهم الفن؟ استثمار كيان للعب شخصية كين؟ أم جزء من حقيقة مضطرب وخاسر من كثرة لعب الأدوار؟ إن المخرج فرانك كاستورف يجعل من الممثل، من خلال شخصية كين، مثل إسفنجة تجتاح العالم وتبتلعه من جميع النواحي، الجنس، الروك أند رول، وبما في ذلك السياسة.
إنها مسرحية حول «اللعب»، و«الأنا»، والعلاقة بين السلطة والفنانين.

____________

المصدر / مسرحنا

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش