مسرحية (كيف أصبح مارداً؟).. سردية الحكاية وجماليات الظل – د.ياسر عبد الصاحب البرّاك

البراك
د.ياسر عبد الصاحب البرّاك

مسرحية (كيف أصبح مارداً؟).. سردية الحكاية وجماليات الظل – د. ياسر عبد الصاحب البرّاك

ينبني عرض مسرحية (كيف أصبح مارداً؟) للمؤلف مهند العاقوص والمخرجة محاسن راضي وتقديم مؤسسة مملكة الطفل في سلطنة عُمان والمُشارك في مهرجان الشباب الدولي لمسرح الدمى – أون لاين ( دورة الرائد طارق الربيعي ) للمدة من 13 – 17 / 8 / 2020 والذي أقامته وزارة الشباب والرياضة – دائرة الثقافة وفنون الشباب / قسم السينما والمسرح بالتعاون مع المركز الثقافي العراقي للطفولة وفنون الدمى ومؤسسة سنتر فن للسينما والمسرح في العراق ، على سؤال مركزي يبدأ من العنوان ليستمر مع حيثيات خطاب العرض السمعية والبصرية الى النهاية ، ويتكئ هذا السؤال على مرجعية ميثولوجية ذات سمة عجائبية تتصل بتلك الحكايات التي تتحدث عن كائنات خرافية لها قدرة إستثنائية في تحقيق الأماني حتى لو كانت مستحيلة ، فشخصية المارد ترتبط بالوعي الجمعي لدينا جميعاً منذ طفولتنا لأنها نتاج تفكير أسطوري يتجاوز الواقع ومحدوديته ليدخل في فضاءات الخيال التي لا تعرف حدوداً، وبالتالي فإن العرض يستعير هذه المرجعية سواءاً في عنوانه، أو قصته، أو شخوصه ليصوغ لنا مفهوماً مغايراً لتلك الشخصية عبر العبور بها من المفهوم المادي والتصور الميثولوجي الى المفهوم الفكري القائم على التفكير الواقعي ذي البُعد التحفيزي لجمهور الأطفال فيصبح المارد في خطاب العرض ليس شخصية أسطورية تقوم بالأفعال العجائبية، إنما هو إستعارة كنائية لرسالة العرض النهائية التي تتجه الى الحث على القراءة والمعرفة ومعاداة الجهل لصالح العلم، وهي إستعارة قائمة على متنٍ سردي فيه من الإبتكار والإدهاش والخيال الجامح نسبة كبيرة..

إذ يبدأ المتن السردي برغبة الشخصية المركزية ( حامد ) في تقطيع الشجرة وصناعة القارب الذي سيقله عبر البحر الى مدينة الذهب حالماً بالثراء والغِنى، إلا أن دخول الدمية المفاجئ عليه يجعله يؤجل تلك الرغبة لصالح رغبة أخرى تعرضها عليه الدمية التي نعرف من سياق الحوار بينهما أنها ليست مجرَّد دمية وإنما هي تجسيد لذكريات الطفولة في شخصية دمية وهي إستعارة درامية أيضاً فيها من الخيال والإبتكار درجة عالية من الإبداع التأليفي حيث تُذكّر الدمية حامداً بشعره المُقمَّل في طفولته وعدم إهتمامه بالنظافة وقتذاك، فضلاً عن تذكيره بأغنية الطفولة التي كانت تُغنيها له أمه عند محاولاته الأولى للمشي وللنطق . ويُمكن تأويل دلالة هذه الدمية في فضاء النص الأدبي بوصفها تعبيراً معنوياً وتجسيداً مادياً لذات حامد الناطقة، بمعنى أن الصراع الذي يبدو في ظاهره بين شخصيتين هما حامد ودمية الطفولة، إلا أنه من حيث دلالته العميقة هو صراع بين حامد وذاته، صراع بين الذات الراغبة بالمال، والذات الراغبة بالمعرفة. وتقوم الدمية بصناعة الرغبة الجديدة في نفس حامد عبر منحه كتاباً عنوانه (كيف تصبح مارداً في ساعتين؟) وتدعوه لقراءته، وبالفعل يتحول حامد الى مارد حقيقي ولكن ليس في شكله العجائبي الذي نعرفه جميعاً، إنما تتحول الرغبة في الحصول على المال والثراء في نفس حامد الى رغبة أخرى مُغايرة تتمثل في الحصول على المعرفة، لأن المعرفة هي من يجلب الثراء والسعادة بحسب خطاب العرض، فالمعرفة تُخرج الإنسان من الظُلمة الى النور ومن الجهل الى العلم وبذلك تتحقق رسالة خطاب العرض التربوية والتوجيهية.

تصبح ماردا
من مسرحية “كيف تصبح ماردا”

يعتمد العرض على تقنية خيال الظل التي تتكئ هي الأخرى على شكل تراثي يتصل بمرجعيات تاريخية وسوسيولوجية حيث يتم سرد الحكاية بوساطة دمى جلدية مسطحة وشاشة بيضاء يُسلط عليها الضوء الذي يُظهر أشكال الدمى على هيئة خيالات سود على الشاشة، وهي أسلبة واضحة للأشكال التي تجمع بين الأشكال البشرية (حامد) والأشكال النباتية (الشجرة) والأشكال الجامدة (الدمية) لكن هذه الأشكال جميعها تنتظم في حكاية واحدة عبر فعل التحريك لها بوساطة العصي التي تُمثل آلية تقليدية من آليات التحريك في مسرح خيال الظل.

تبدو الدمى في العرض مُقنعة من ناحية الأشكال ، إلا أنها غير مُقنعة بالنسبة للأحجام وتناسبها وتحديداً حجم الدمية بالقياس لشخصية حامد ، وحجم الشجرة التي تتوسط الشاشة بالقياس الى حجم حامد أيضاً ، عدا ذلك فإن العرض على الرغم من جاذبيته إلا أنه إكتفى بالفعل السردي للحوار على حساب الصورة المشهدية المُتحرّكة للفعل التي كان من الممكن تحريكها أكثر في العديد من المشاهد ، فضلاً عن بعض الإرباكات في عملية دخول وخروج الأشكال الظليَّة على فضاء الشاشة خاصة في مشهد تقديم الكتاب من قبل الدمية لحامد حيث لم يكن هناك أي مبرر لخروج حامد من فضاء الشاشة أصلاً . لكن في ذات الوقت فإن فعل الإخراج والتحريك (محاسن راضي) يهتم بشكل كبير بعملية تحول حامد الى مارد إذ يقوم بإستبدال دمية حامد بدمية جديدة في شكلها العام للتعبير عن تحوله الى مارد حيث ترتدي الدمية الجديدة روباً فضفاضاً وقبعة رأس. كذلك الإهتمام الجمالي بالمستوى السمعي للعرض عبر الأداء الصوتي المُميز لشخصية الدمية (شمساء الغافرية) وشخصية حامد (إبراهيم أبو طوبان)، فضلاً عن الأداء الغنائي في مقدمة ونهاية العمل (عبد الرحمن الغريبي)، وإستخدام التقنيات الأخرى (إيمان سامي) مثل الموسيقى والمؤثرات الصوتية، إذ كانت الموسيقى مجرد خلفية للحدث ولم يكن توظيفها توظيفاً درامياً يتماشى مع تحولات الحدث والشخصية، بينما كانت المؤثرات الصوتية دالة ومعبرة عن أفعالها مثل صوت تقطيع الشجرة وصوت تقليب أوراق الكتاب. والأهم في المستوى الصوتي للعرض هو إعتماد الأغاني للتعبير عن مشاعر الشخصية المركزية تجاه القرية التي تعيش فيها الشخصية، فضلاً عن الحوارات الثنائية بين الدمية وحامد التي إتخذت من المزاوجة بين الحوار الفصيح والحوار العامي لغة لها مع الإفادة من القالب اللغوي التراثي المعروف (السجع) لتحقيق غاية التلحين والغناء والإمتاع أيضاً وتعزيز التوظيف الفني والجمالي للأشكال التراثية العربية القديمة في جسد العرض.

د. ياسر عبد الصاحب البرّاك

(ناقد مسرحي – العراق)

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش