مسرحية «كواسر» لحمادي المزي :عندما يتآمر الأشقاء على الـ«خضراء/وسام المختار

وسط حضور كبير قدم المخرج المسرحي حمادي المزي، مساء أمس الأول الثلاثاء 06 ديسمبر 2016 في قاعة الفن الرابع بالعاصمة العرض الأول لمسرحيته «الكواسر» بلغة عربية كاد جمهور المسرح في تونس يفقدها أمام سطوة العامية التونسية على غالبية الأعمال الفنية.
وتسرد مسرحية «الكواسر» التي ألّفها وأخرجها، وصمم ملابس ممثليها، المسرحي حمادي المزي، قصة «خضراء»، الإمرأة الجميلة والشجاعة والصبورة، التي تبحث على عين ماء في بقعة ما من الأرض تسمى بـ«عين تسنيم» لتفجرها ويعم ماؤها على الجميع، وبالتالي تعم السعادة.
وتعترض «خضراء» في رحلتها صوب «عين تسنيم»، صعوبات وعراقيل جمة، تنطلق بعصابة الإخوة الثلاثة، هذه العصابة التي لا تمانع في مساعدتها على الوصول إلى العين، لكنها تبتز «خضراء» ويشترطون الحصول على نقائصهم منها، فحكيم هؤلاء الإخوة الثلاثة، فاقد لبصره، وثانيهم الذي يبدو أكبرهم فاقد لليدين، وثالثهما أبكم وأصم ويطلب لسانها…
تتسارع الأحداث، وفي الأثناء، تظهر عصابة ثانية أكثر خطورة، كانت تبحث عن «خضراء» رأسا، ليكتشف المشاهد، فيما بعد بروز الملك الذي يرفض أن يصل أي أحد إلى «عين تسنيم» بما في ذلك «خضراء» التي ترمز للوطن وللإصرار والتحدي فيرحلتها إلى عين تسنيم…
هذه الرحلة التي كانت مثقلة بالصعوبات التي فرضتها عصابات أو بالأحرى قوى سلبية تخرج من أماكن غير محددة لكن تفهم من خلال الرمزيات «الصفراء »و«السخونة» (الخليج العربي)، ليزج المخرج بالمشاهد في منطق التحالفات، في إشارة موغلة في الإيحائية إلى أن التحالفات تنبني على قبول كل القوى الغاشمة، حتى الدواعش منها، وهذا تذكير بالمقولة السائدة، «من أجل المصلحة يحدث التحالف حتى مع الشيطان».
وفي كل هذا حاول مخرج «الكواسر» الإبتعاد عن المباشرتية، إلى حد الإيغال في هذا الجانب جعل بعض المواقف مبهمة في رمزياتها، ولعلّ المزي قصد ذلك، لجعل باب التأويل مفتوح على مصراعيه وصالحا لكل زمان ومكان، هل أفلح في ذلك أم لا تلك مسألة أخرى، بيد أنه في هذا التوجه اختار الإيقاع السريع، من خلال طريقة أداء الممثلين واللعب الخارجي الذي جعل مواطن الدراما نادرة جدا.
أداء الممثلين
وما يحسب للمزي في هذا العمل جانب السينوغرافيا، حيث اعتمد على طاقات الممثلين، تاركا لكل ممثل تركيب شخصيته حسب قدراته الخارقة، فأبدع الممثلون، لكن اختلفت المدارس من شخصية إلى أخرى، إلى حد جعل من الشخصيات فسيفساء تؤثث الركح بدل الديكور، واختار المزي اللعب على الإضاءة بطريقة سريعة جدا على حركة الممثلين فيما يعرف بالفعل وردة الفعل، لكن هذه التقنية، جعلت المشاهد يلهث وراء المعنى في أكثر من مشهد.
وبالعودة إلى أداء الممثلين وتركيبة كل شخصية، تجد أن الممثل نادر بلعيد مثلا، كان في أدائه وفي ملابسه والأكسسوار الذي يحمله (المسدس)، بعيد كل البعد زمنيا عن بقية الشخصيات، ويجعلك تذهب إلى أن تلك الشخصية فيها إحالة إلى «الكوبوي»وموسيقى الويستيرن التي رددها، ورغم الضبابية التي أضفاها حضور هذه الشخصية إلا أنها كانت المتنفس الكوميدي لهذا العمل التراجيدي بالنسبة للجمهور.
ضبابية مقصودة؟
الممثل في مسرحية «الكواسر» كان هو الديكور، وخضراء كانت الشخصية الوحيدة التي لعبت فيها مجسدتها سارّة الحلاوي على الأحاسيس أو على ما هو باطني، لتحيلك في رمزياتها إلى الوطن وإلى الحياة، بينما كان لعب بقية الممثلين خارجيا، وكل ممثل اشتغل على نقاط القوة فيه، لذلك كان أداء الممثلين نقطة القوة في مسرحية «الكواسر»، لكن هذا لا يلغي الجانب الجمالي في اختيار المزي لملابس الممثلين.
عموما، لئن بدا الزمن غير محدد ولئن غلبت الضبابية على الملابس والأكسسوارات، ولئن كان الاختلاف واضحا في تناول الممثلين لشخصياتهم ولئن تفرعت المقاصد والرموز، تظل رسالة المسرحي حمادي المزي، غير واضحة، فهل تعمد ذلك، وجعل العمل ومقاصده ضبابية، ضبابية الوضع السياسي والاجتماعي في تونس؟ وهل تعمد المزي الإشارة البعيدة إلى مواضيع مختلفة ومعقدة سياسيا كمشكلة الماء التي يشهدها العالم وربما تكون سبب حرب لاحقة، وموقفه السياسي، ومن التحالفات…لتكريس هذه الضبابية؟

المصدر/ الشروق

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *