مسرحية “صباح و مسا” أيقونة ابداعية تدخل ربيرتوار المسرح المغربي – حيدر ابو حيدر #المغرب

أن تجمع اشلاء الحياة و تخلق منها تكوينا جديدا علی قاعدة ان الفن هو تفسير الانسان للحياة بشكل مغاير، فهنا تكمن عملية الخلق الابداعي ما بين تفسير النص الأدبي و خلق نص العرض البصري. بعد النكوص المبرمج و المتعمد للفن والثقافة, وما آلت إليه أكثرية العروض المسرحية من إسفاف نوعي و كم هائل من السطحية الفجة , ومهازل “الكوميديا” الغير مسؤولة، بات من النادر ان نشاهد العروض الفنية الجادة الا ما ندر تلك التي تثير شعورا حادا عند جمهور العرض باحاسيس بالغة العمق و محركة للادراك. في مسرحية “صباح و مسا” تقاربت كل عناصر العرض لتصل الی غايتها.. من وحدة الكل الی الترابط، مرورا بالفرجة المسرحية وانتهاءا بالخطاب المسرحي المكثف.

النص 

استطاع مؤلف النص المسرحي غنام غنام ان يعلن براءته من الواقعية السردية منذ البداية الأولی من خلال الوصف للمكان وجعل شخصياته تلتقي عند الجسر. وهنا يبدأ التساؤل الأول : هل الجسر مجرد نقطة عبور بين مدينتين ام بين بلدين ام هو جسر بين التحرر من واقعين مختلفين هي ـ اتفقت معه ان يلتقيا عند الجسر ليبدا رحلة الحياة.. من هنا تبدا حكاية صابح و مسا رافض و مرفوض بين السائد المالوف ومابين الشخصيات الرافضة لها .نص اشبه ببيان تحرري اجتماعي ضد التيه والقهر وكل مظاهر الاستلاب المسلط اجتماعيا على الفرد.

هي : (تقول) صار شباك نافذتي نافذة الحرية.. إنها دعوة للانعتاق من رتابة الحياة اليومية ومن سلطة ابوية ذات عقلية بوليسية متعجرفة, وأم مسلوبة الارادة. و البحث عن جسر اي جسر مجازي للعبور لرصيف اخر او لحياة اخری هوـ الا تعرفون في الكون مجنونا غيري ؟ هل تاكدتم ان الكل عقلاء ولا يقض مضجعكم غيري؟ خطاب افتراضي يحمل في معانيه تاريخ النكسات والحروب وسيطرة الخطابات السياسية الفارغة ومحاكمة رافضي الشعارات. فالجنون هو الشكل الشائع للخلاص من قبضة محاكم التفتيش منذ محمد الفاتح الی يومنا هذا. كتب غنام غنام نصه بدراية مقننة وهو الممثل  المخرج العارف بتكنيك الكتابة المسرحية خصوصا في تطويع الحوار في خدمة الشكل العام وابراز دور الشكل الذي يطابق المحتوی الا في بعض الحالات التي تعددت فيها الحوارات القصيرة المتداخلة بين الشخصيتين الرئيسيتين التي كانت تفتقر الی توضيح الفكرة لكي لا نضيع في اكثر من ثيمة متخيلة علی حساب الفكرة الرئيسية.

التشخيص

الممثلة الفنانة رجاء خرماز والفنان توفيق ازديو منحونا احساسا غريبا كما لو اننا نعرفهما منذ سنوات وهذا الاحساس لاياتي الا من خلال العلاقة الوجدانية الحميمية التي تربطهما علی الخشبة وتفاعلهما المتجانس في كل فعل وردت فعل معاكس رجاء خرماز باسترخائها المطلوب وتشخيصها المنتظم وحضورها المميز استطاعت ان تمسك خيوط اللعبة المسرحية باتقان حرفي عال. اما بالنسبة لتوفيق إزديو فقد كان متمرسا بالايقاع باعتباره كوريغراف في الأصل وقد اشتغل علی ايصال فكرة نص العرض بغرائبية وديناميكية عالية الا بعض الهنات البسيطة التي تتطلب الشغل على الدراما التشخيصية التي تتطلب كبح الخيال او السيطرة عليه لان الخيال المكرر يميل للاندفاع الجسدي على حساب التمثيل الا أنه بشكل عام كان مقنعا جدا ومتماسكا في أدائه وقد أضاف حضورا جماليا للعرض.

الموسيقی

كثيرا ما نشاهد استخدام الموسيقى كمؤثر ثانوي في العروض المسرحية, حيث يحاول بعض المخرجين ان يسدوا الفراغات الزمنية لوقت العرض.. او يستعملون الموسيقى كعامل مساعد للفعل الدرامي.. لكن في مسرحية صباح و مسا جعلها المخرج الفنان عبد الجبار خمران فاعلة وجوهرية في العرض وقد عمل على ان يكون لها الدور الفعال والمباشر في سير العمل المسرحي. فقد جعل لها كتلة خاصة في يسار المسرح كجزء من الفضاء العام, واستطاع الفنان الموسيقي زكريا حدوشي ان يرافق الممثلان في كل مشاهد العرض موسيقی وايقاع و حوار مضيفا بذلك سحرا خاصا لايقاع العمل المسرحي

السينوغرافيا

ان تجعل السينوغراف في خدمة الممثل و العرض بشكل بسيط و مقنن فهذا يتطلب حرفة معمارية غاية في الجمال فقد نقلنا الفنان يوسف العقروبي الی جو البساطة الخلاقة والتشكيل البصري المحترف جسر ومصطبة ومصباح ليلي اضاء ليل المدينة بضوء خافت وكأن هناك نهر متعب غير مرئي اسفل الجسر.

الاخراج

الفنان المخرج عبد الجبار خمران في اشتغاله على نص غنام غنام “صباح ومسا” خلق نص عرض خاص به دون ان يخون مقولات النص الأصل. هو نص متحرك مختزل يحاكي الواقع بطريقة بصرية غاية في الدقة، تعتمد الممثل باعتباره الأساس في العمل. حاول المخرج ان يوصل فكرة ان شخوصه استثنائيين في تشخيصهم وحركتهم فقد قسم العرض الی مجموعة من الافعال الدالة زمكانية فلاش باك للاحداث وهذا ما لاحضناه في محاكاة الدمی..

كما اعتمد على مستوى التموقع داخل الفضاء تقارب الشخصيتين الرئيسيتين علی الركح لكي لايشتت الموضوع, وجعلهما كتلة واحدة كأنها متشابكة. الايقاع عند خمران في تحريك شخوصه ايقاع منتظم، غير مبالغ فيه يتصاعد مع جنون و ا نفعالات الممثلين فقد اوصل لنا كجمهور فكرة ان العالم قاتم تنعدم فيه الحرية.. وهنا يشارك غنام غنام في هذه الثيمة الأصل في النص. وضعنا المخرج بين التأمل العقلي من ناحية وبين جماليات العرض الحديث من ناحية اخری.

توق اخير

في مسرحية صرخة للحياة تذكرت مقولة ارثوذكسية كانت تقف بالضد من الجسد البشري وتنحاز للوجه فقط، وتعتبره المكان الذي يتجلى فيه الانسان بكل حضوره الانساني ويعبر صاحب المقالة ان العين هي الموضع الذي يستبين فيه حضور الانسان، ويعتبر الجسد يسيء الى الطابع الانساني بين الناس نافيا القدرة الفائقة على حضور الجسد كتكوين لغوي و جمالي سوى ان كان في الحياة او على ارض الجمال (المسرح)

حيدر أبو حيدر – مسرحي عراقي

(المصدر: إعلام الهيئة العربية للمسرح)

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *