مسرحية “خبابل” التونسية.. حين “يخنق” الحلم أصحابه

 

تابع جمهور المسرح في تونس عرض مسرحية ”خبابل“ للمخرج التونسي ظافر غريسة، الذي شارك أيضًا في التمثيل بالعمل المنتسب في الوقت ذاته إلى ما يسمى بـ“مسرح العبث“.

والمسرحية، التي احتضنها فضاء ”التياترو“ بالعاصمة تونس تزامنا مع انطلاق مهرجان أيام قرطاج المسرحية، هي نتاج شراكة بين جمعية ”أرتميكس“ ومنظمتي ”أنا يقظ“ و“المادة 19″ الناشطتين في المجال الحقوقي في تونس.

وتفتح المسرحية، التي تم إنتاجها منذُ شهر مارس/ آذار من العام الماضي، وتسببت الإجراءات المتخذة بسبب جائحة كورونا في تعطّل عرضها، نافذة على جانب من الواقع التونسي، يؤدي أدوارها الممثلان مهران حمدي وأميرة بليدي إلى جانب المخرج ظافر غريسة، الذي كتب النص أيضا.

وتدور أحداث المسرحية حول ثلاثة أشخاص ينتظرون أدوارهم في مكتب للبريد من أجل سحب رواتبهم التي تأخر صرفها، وفي الأثناء ينشب بينهم صراع واختلاف حول قضايا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن في تونس، وينطلق ثلاثتهم في رواية جوانب من الواقع المعيشي اليومي في تونس والوضع الاجتماعي وقضايا الفساد والرغبة في التغيير.

ويستلهم العنوان (خبابل) من معنى متداول في اللهجة العامية التونسية، يشير إلى معنى تعقّد الموقف وصعوبة الخروج منه، وهو ما يعكس حال بلد برمّته يرى كاتب المسرحية ومخرجها أنه يواجه تعقيدات متراكمة وحالة من الفوضى والانفلات على امتداد العشرية الأخيرة.

وتنطلق مسرحية ”خبابل“ بضوء ”الفلاش“ الموجه نحو الجمهور، وكأن المخرج أراد منذ البداية أن يغمض أعين المتفرجين عن الحقيقة المغيّبة وأن يبقيها بعيدا عن الأنظار.

وبعد اشتعال الأضواء الموجهة نحو الجمهور، كتنبيه له لانطلاق العرض ودعوته إلى المشاركة فيه، تُضاء خشبة المسرح وتتجلى قاعة الانتظار في مكتب للبريد، وعلى المقاعد خيوط متشابكة، تبدو في معناها ورمزيتها وفية لمضمون عنوان المسرحية.

واختار المخرج غريسة منذ البداية كسر الجدار الفاصل بين الجمهور وخشبة المسرح فجاء المشهد الأول منسجما ومعبّرا عن هذا الالتحام والتقارب بين الجمهور والممثل، الذي يشرع في اللعبة المسرحية انطلاقا من مقاعد الجمهور، وهي تقنية اعتمدها المسرحي الألماني ”برتولت برشت“، وتهدف إلى إشراك الجمهور في اللعبة المسرحية، وهي تقنية أحسن غريسة توظيفها ونجح الممثلون في تنفيذها.

والمسرحية أيضا هي مزيج بين مسرح العبث من ناحية ومسرح القسوة والسخرية السوداء من ناحية أخرى، ولا شكّ أن لهذه المزاوجة دلالاتها، فقد سبق أن اشتغل غريسة في أعماله المسرحية السابقة على هذه التقنية لإبراز مظاهر الفوضى ومظاهر اغتراب الفرد في وطنه.

أما تقنية القسوة فهي للدلالة على حجم العنف والفساد المتفشي في البلاد، أما تقنية السخرية السوداء فهي للتعبير عن مفارقة بين الموجود والمنشود، وهي أيضا تعبير عن عمق المأساة والمعاناة وحالة التمزق والصراعات التي تعيشها الذات الإنسانية.

ويطرح المخرج غريسة، من خلال هذا العمل، المعاناة اليومية للمواطن التونسي في أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والصراع القائم بين المثالية والواقعية، والمراوحة ما بين الحلم والواقع وإبراز ”ثمن“ الحلم الباهظ الذي قد يقود إلى مزيد من الاختناق في مناخ يتوق فيه الجميع إلى الحرية ولكن قليلا منهم من يميزون ذلك الخيط الدقيق الفاصل بين الحرية والفوضى.

www.eremnews.com

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …