مسرحية بيرجنت بين الرمزية والتعبيرية

من المؤكد وبلا ادنى شكٍ من ان الكاتب المسرحي النرويجي  هنريك بوهان أبسن  يُعد من ابرز الكتّاب العالميين في ظهور الاتجاه الواقعي ، وأبدع في كتاباته المسرحية التي بلغت 26 مسرحية ومن بينها مسرحية   بيرجنت  التي يبتعد فيها عن ذلك الإتجاه ، حيث يمزج فيها الوان من الخيال في مسيرة بطلها ، ذلك الفتى الريفي الفقيرالذي يملك خيالاً اسطوريا خارقاً ،متنقلاً من بلد ٍ الى آخر بمغامرات ٍ لا حدود لها بحثاً عن معرفة ذاته !

ومن خلال متابعتي لما كتبه المختصون والنقّاد في دراساتهم الممتعة عن هذه المسرحية  وجدت ان غالبيتهم قد اجمعوا على انها تنتمي الى المسرحيات الرمزية التي كتبها المؤلف

.الا ان تعمقي في دراستها بصورة منفصلة عن  تلك النتائج التي توصلوا اليها ، جعلني اجتهد قي  القول بانها مزيج بين المسرحية التعبيرية والرمزية .

سيّما ان التعبيرية والرمزية قد نشأتا في زمن متقارب من أواخر القرن التاسع عشر ،

وأن مسرحية  بيرجنت  قد كتبها ابسن  سنة 1867 وقدّمت في دور العرض المسرحي  في مدينة  أوسلو  لأول مرة سنة 1876

من المعلوم ان الرمزية قد نشأت للرد على الواقعية والطبيعية ومن اهم سماتها الإيحاء والتلميح واستعمال الصور الرمزية التي تولد المعاني في ذهن المتلقي ، وكل هذه نجدها في مسرحية  بيرجنت  لذلك فهي من المسرحيات الرمزية ،الا اننا لو فرشنا سمات المذهب التعبيري لوجدنا ما يلي :

– اشتمال المسرحية على شخصية واحدة تعاني أزمة روحية او ذهنية او نفسية وشخصيات اخرى غير محددة المعالم وهي مساعدة للبطل لتركّز الأضواء عليه .

ونلاحظ هذه الشخصية الواحدة التي هي  بيرجنت  والتي تعاني من ازمة نفسية تظهر من خلال تصرفاته منذ اللحظة الأولى للمسرحية وتلازمه حتى الخاتمة .

– ان المسرحية التعبيرية عادة تتألف من عدد كبير متتابع من المشاهد والمناظر التي يحط فيها البطل رحاله أثناء تجواله .

وفي مسرحية  بيرجنت  محطات كثيرة ومتتابعة ومختلفة في طريق البطل ، فهو تارة في مملكة الأقزام يتزوج من  ابنة الملك القبيحة ، وسرعان ما نراه في محطة أخرى حيث الغول يقطع عليه الطريق ، ثم بناء الكوخ في الغابة الكبيرة التي لا حدود لها ، ثم العودة الى بلاد الأقزام والانتقال الى بلدته ، وأمه على فراش الموت ، بعد ذلك بيع العبيد في أمريكا ، والانتقال الى الشرق لبيع الأصنام ونسخ الإنجيل في الصين ، ومحطة أخرى هي ادعاء النبوءة في أفريقيا ، ثم الرقص مع الغجرية عند أهرامات مصر ، ثم الإنتقال الى السواحل  وملاقاة السبّاك الذي يحاول صهره في بودقته وأخيراً العودة الى الكوخ في الغابة .

أن هذه المحطات تأتي متتابعة وسريعة في مسرحية  بيرجنت وفي كل محطة يعبّر فيها بيرجنت عن أزماته ، وإن فسّرها البعض بمحطات أحلام ، لكننا نجدها في المسرح التعبيري .

– في التعبيرية لا بأس ان يكون المشهد الأول من المشاهد الحياتية الواقعية ، وذلك لتسهل الدخول في الموضوع .

ومسرحيىة  بيرجنت  تبدأ بتوبيخ الام لولدها بيرجنت على تراخيه وكسله ، ثم يحجزها بيرجنت في سطح الدار قبل ان ينطلق الى مكان العرس ، وهذه واقعية تتطلبها المسرحية التعبيرية كما ذكرنا .

– ان الهدف في التعبيرية تجسم تجارب العقل الباطن ، فليس مهماً تصوير المظاهر الخارجية المحتملة الوقوع . وقد دخل  أبسن  في هذه المسرحية من هذا الباب ، مما جعلنا ان نعتقد انه مزج بين الرمزية والتعبيرية .

*ـ في التعبيرية تكون اللغة مقتضبة وسريعة ، وليس فيها زخارف بلاغية ، ورغم ان مسرحية بيرجنت هي قصيدة من قصائد أبسن الا انها ذات لهجة حماسية تتطلبها المسرحية التعبيرية .

– ان يكون التمثيل في التعبيرية سريعاً شديد التحدّر خيالياً متنوع المناظر ، مصحوباً بالموسيقى . ونلاحظ ذلك جليّاً حين يراقص بيرجنت الغجرية رقصة طويلة بين يدي ابو الهول  في مصر .

– تستخدم المسرحية التعبيرية احياناً الاقنعة والملابس الغريبة والإضاءة التي تثير الخيال والحركات الإيقاعية . ونلاحظ ان أبسن قد استخدم هذه المفردات بشكل او بآخر .

ـ ان الملاحظات التي ذكرناها ، وجدناها في مسرحية  بيرجنت اضافة الى الرموز الكثيفة التي استخدمها أبسن في هذه المسرحية ، مما يدفعنا الى الإعتقاد او الجزم ان مسرحية بيرجنت هي مزيج بين الرمزية والتعبيرية .

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *