مسرحية «الشقف» لمسرح الحمراء :عندما «توحّد» قوارب الموت …العرب والافارقة/وسام المختار

رغم المحاولات لإنجاح حفل افتتاح الدورة 18 لأيام قرطاج المسرحية، فإن تأثير غلق المسرح البلدي بالعاصمة كان واضحا، لكن نكهة المسرح كانت جلية في عرض «الشقف» بقاعة «الريو».
بعد أن أعلن السيد لسعد الجموسي مدير ايام قرطاج المسرحية عن الانطلاق الرسمي لفعاليات الدورة 18 للمهرجان، وإثر التكريمات والكلمات بقاعة الكوليزي بالعاصمة، تنقل ضيوف المهرجان والمسرحيون، مساء أول أمس إلى قاعة الريو بالعاصمة حيث تم عرض مسرحية «الشقف»، التي ساهم في إنتاجها المهرجان، خصيصا لتكريم المسرحي الراحل عز الدين قنون.
مسرحية «الشقف»، من إنتاج مسرح الحمراء والمركز العربي الافريقي وفضاء م/ت بكندا بالاشتراك مع أيام قرطاج المسرحية، وأخرج هذا العمل كل من سيرين قنون ومجدي أبو مطر.
وكما يدل عنوانها فإن مسرحية «الشقف»، تدور أحداثها في مركب صغير، في قلب البحر، وفي هذا المركب يجتمع مهاجرون غير شرعيين من تونس ومن سوريا ومن لبنان وأفارقة كانوا يعبرون البحر صحبة «رايس» المركب في اتجاه إيطاليا. ومنذ بداية الرحلة البحرية في المسرحية، يكشف أحد المهاجرين، معاناته الشخصية ليفسح المجال إلى شخصية أخرى.
ومن هذا المنطلق تروي كل شخصية معاناتها، في شكل درامي تراجيدي منفرد أحيانا وفي حوار ثنائي أحيانا أخرى أو في حوار جماعي في بعض المشاهد، وكل شخصية تمثل بمفردها رواية تراجيدية لمعاناة وطن عربي أو إفريقي، إذ تختلف الثقافات والأسباب (أسباب المعاناة) لكن المعاناة واحدة. والتفكير في الهجرة غير الشرعية أو هجرة الموت، هي رمزية للصراعات الداخلية التي يعرفها الإنسان العربي والإفريقي…
وفي كل هذه الرموز، تحضر ثنائية الموت والحياة، بطريقة فنية سلسة بيد أنها تظهر تلميحا أكثر مما تظهر تصريحا.فالهجرة في قارب أو مركب صغير، هي نوع من التعبير عن موت معنوي، يشتري صاحبه موتا حقيقيا وكأنه انتحار مقنع.ومع كل شخصية تلمس معاناة خاصة وكأنها موت خاص قتل كل الأحاسيس إلا الجسد. ولم يبق غير الغريزة، وفي النهاية هي رمزية واحدة تتمثل في قتل انسانية الإنسان.
«الشقف» وجدلية الموت والحياة
«الشقف»، تروي قصة مجموعة لاجئين تونسيين وعربا وأفارقة، فرقتهم الجغرافيا، وجمعتهم معاناة إنسانية عميقة، في مركب صغير في عرض البحر.هي معاناة الإنسان العربي والإفريقي في وطنه، التائق إلى الهروب لأجل أن يعيش الحلم، بمستقبل أفضل في بلد غربي لا يشبهه، عبر طريق نهايتها الأقرب هي الموت.
رحلة الحلم والموت في «الشقف»، تفاجئها الطبيعة بعاصفة هوجاء تملأ القارب ماء فيبدأ الصراع من أجل البقاء… من تراه يرضى بأن يرمي بنفسه في البحر ويعلن نهايته بنفسه لأجل البقية؟ الأم السورية التي هاجرت لأجل ابنها الميت في رحلة مشابهة مع نفس «الرايس» أم الشابة اللبنانية التي تعرف بنفسها كلاجئة سورية لتتعلم الرقص عند وصولها الى إيطاليا؟ هل الشبان التونسيون أم الأم الإفريقية ورضيعها؟… كل الأسئلة تتبخر عندما يكون الجميع أمام حتمية الموت.
ففي «الشقف» كل الشخصيات اختارت أن تغامر رغم علمها المسبق بأن نهاية الرحلة يمكن أن تكون الموت. بيد أنها في أول امتحان لاختيار هذه النهاية الحتمية للإنسان، تضعف الذات البشرية أمام تشبّثها بالحياة.
جمالية العرض
فكرة الراحل عز الدين قنون أو «حلمته»، كما تحدث عنها فريق العمل وإدارة المهرجان، جسدت فنيا وجماليا، في فضاء مغلق (مركب صغير في عرض البحر)، وباعتبار الديكور لا يتحرك على الركح فإن الحركة جسدها الممثلون بأجسادهم في إشارة تواصلت على مدار العرض إلى أن المقصود بالديكور هو المركب الصغير الذي يشق عرض البحر.
وبين الحوار الذي يجمع الشخصيات تخرج في كل مرة شخصية لتسرد معاناتها. فيبدو لك المشهد وكأنك أمام فرقة موسيقية تعزف على أوتار الألم والمعاناة والوجع والحاجة، ليخرج في كل مرة عازف على انفراد فيقدم «صولو» جرحه وألمه ومعاناته… مشهد أو مشاهد تكررت في عرض «الشقف» لكنها لا تحجب أخطاء الإضاءة كما لا تحجب الأداء المميز للممثلين جميعهم وبخاصة الممثل عبد المنعم شويات الذي بدا قائد أركستر الألم في هذا العمل، والمتنفس الكوميدي في ردهات متباعدة منه.
عبد المنعم شويات كان أحد عازفي هذا الجرح العربي الإفريقي في افتتاح أيام قرطاج المسرحية إلى جانب الممثلين البحري رحالي وندى الحمصي(سوريا) وريم الحمروني وأسامة كوشكار، و»مريم دارا» و»قي ايسوتوسي» (إفريقيا) وصوفيا موسى (لبنان).

المصدر/ ايام قرطاج المسرحية

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد العاشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *