بمناسبة احتفاليات يناير 2971 ، وعبر الفضاءات الرقمية التي يبثها المسرح الجهوي بسكرة ، قدّمت الدكتورة ” فاريزة شماخ ” مداخلة في ضوء ذلك موسومة ب :” مسار فن العرض الأمازيغي عبر التاريخ” مستعرضة من خلالها تيمة المسرح الأمازيغي والأشكال المسرحية التي عرفها شمال إفريقيا عبر العصور ، والفرق بين المسرح الأمازيغي والمسرح الناطق بالأمازيغية .
وقد إنطلقت الباحثة في مداخلتها الرقمية من إضاءات حول المسرح وكيفية ظهوره في بلاد الإغريق إبان القرن السادس قبيل الميلاد ، حيث عرف ذلكم النوع من المسرح ممارسات وطقوس وقرابين لآلهة الإغريق ، من حيث الرقص والغناء والأقنعة ، وتلكم الاحتفالات كانت تقام بالمعابد ، ممهّدة بذلك إلى الطقوس اللاحقة والتطورات عبر العصور التي رافقت الفن الرابع وتفرّدت به .
هذا ، وركّزت كيف أنّ لتطور الزمن عبر العصور كان عنصرا مهمّا في تواجد المسرح بكل ربوع العالم ، ومن خلال ذلك تباينت الأشكال والطقوس والممارسات ، وشمال إفريقيا إحدى البقاع التي عرفت المسرح وقد كانت تزخر بكل تلكم الطقوس والأمثلة عديدة ، إذا ما تحدثنا عن منطقة القبائل قد استعرضت فيها ومن خلالها عديد الإحتفاليات ، منها إحتفالية معروفة بــ ” أنــزار” وهو طقس يقدّم من خلاله الناس قربانا لإله المطر ” أنزار” وحسبها أن الإحتفالية كان يتمّ من خلالها تقديم فتاة حسناء عذراء ليكون إله المطر كريما ويغدق عليهم بالغيث ، ومع مرور الوقت تغير الطقس ليضحى مجرد احتفالية يلبسون فيه الدمية وبات ذلكم الطقس رمزيا وتطور مع رقصات وأغاني وغير ذلك من الأدوات .
وفي ذات المقام ، قد أشارت الدكتورة إلى طقس آخر بالطاسيلي في جانيت يدعى ” الــسّبـيـبـة” والذي يعتبر تراثا عالميا منذ ثلاثة آلاف سنة وهي اتفاقية سلام ما بين قبائل الطوارق في الصحراء الجزائرية ، وبهته الاحتفالية التي تمتد لأسبوع كامل يتخلل ذلكم الأسبوع أغاني ورقصات يروون بطولات الطوارق منذ آلاف السنين مع تطور في الأزياء والماكياج والأقنعة .
مع تسجيلها احتفالية ” أيراد” والتي ما تزال متواصلة شهر يناير من كل سنة ، وهي حفلة تنكرية يلبس فيها المحتفلون بأيراد وهم الممثلون أزياء خاصة مصنوعة من جلود الحيوانات مع ماكياج خاص وأقنعة خاصة ، وهته الإحتفالية ما تزال قائمة .
مع إحتفالية أخرى خاصة بفصل الربيع بها طقوس متفردة وخاصة باستقبال الربيع وهي نوع من السيناريو يقام على مستوى الحقول والبساتين ، وكل تلكم الإحتفاليات قد تناولها الأدب الشعبي وقد حصرها في تيمة الحكايا والأساطير ، وجميع تلكم المؤشرات أسهمت في تطوّر فن العرض الامازيغي عبر العصور .
أما فيما يخص المبحث الخاص بالمسرح الناطق بالأمازيغية فقد ذكرت الباحثة أنّه عرف من خلال مجموعة من الأعمال والشخصيات دأبت على ذلك ومنهم السيد ” السعيد زعنون” الذي ترجم عديد الروايات وأشهرها ، وحولها إلى الأمازيغية وعرضها مسرحيا ضمن أصول مسرحية من خلال المسرح الإذاعي ، بالإضافة إلى أعمال كل من “سليمان عازم” والشيخ ” نور الدين ” رحمهما الله دائما في المسرح الإذاعي وكانت أعمالهما عبارة عن سكاتشات يقدمونها عبر أمواج الإذاعة الوطنية .
ناهيك عن المجهودات الجبارة التي بذلها ” عبد الله محيا” الذي ترجم عديد الأعمال العالمية ، والترجمة عنده لم تكن مجرّد ترجمة بل تعدّى ذلك وحرص على ملامسة واقع المجتمع الجزائري ذا الأبعاد الإجتماعية ، الثقافية والإقتصادية وغيرها ، مع اعتماده طابع السخرية والتهكّم إذ لامس الواقع بحذافيره ، مركزا على تطوير اللغة واللهجة القبائلية بأسلوب سلس وكان مصدر إلهام لعديد الجمعيات والفرق لتحمل المشعل وتركز في أعمالها على المسرح الناطق بالأمازيغية من خلال العروض المسرحية .
في لبّ كلّ ما سبق ، ركّزت الباحثة ” فاريزة شماخ ” على ضرورة التركيز على التوثيق حفظا للذاكرة الجماعية من حيث الأعمال المسرحية أو الأبحاث الأكاديمية ، لتكون مصدرا ومرجعا هامّا للأجيال الواعدة والمهتمة بحفظ ذاكرة المسرح الجزائري بشكل عامّ والامازيغي بشكل خاص.
وعليه ، تأتي هته الأوراق البحثية منارة توثيق وبحث جادّ من لدنّ جيل حريص على حفظ الذاكرة وحرصه الجديد على استنطاق المسرح بشتى أشكاله وألوانه وتوجهاته ، على أن يكون الفن المسرحي ابن بيئته ومصدر إلهام لكل المهتمين ، وأن يكون قاعدة هامّة لملامسة الواقع بحذافيره .