“مروح ع فلسطين”.. الكوميديا القادمة من الألم : لمى طيارة

العمل يرصد قصصا حقيقية عن الواقع الفلسطيني داخل فلسطين إلا أنه من جانب آخر، يشابه في قصصه إلى حد ما قصصاً كثيرة لشعوب عربية عاشت حروبا.

“مروح ع فلسطين”، هو العرض الفلسطيني الثاني الذي قدم في إطار عروض المسرح التجريبي والمعاصر بالقاهرة، الذي انتهت فعالياته منذ أيام، شباب في مقتبل العمر يرتدون الأسود، لا لون آخر على أبدانهم، ولكنهم متلونون في الأداء واللهجة وأحيانا في اصطناع اللغة، وهي المرة الأولى التي يقدم فيها هذا العرض في مصر، بعد العشرات من العروض داخل فلسطين والمشاركات العربية والأوروبية.

أول ما يلفت النظر إلى العرض عنوانه، “مروح ع فلسطين” (مسافر إلى فلسطين)، الذي أتت تسميته بهذه الطريقة العامية الفلسطينية، لتزيد من ألقه وألفته.

منذ لحظة دخولنا إلى قاعة العرض في مسرح المتربول، كانت الموسيقى تصدح من قبل عازف العود والطبال، وكأنها امتداد لعرض سابق يتابع مروره اليوم، ثم دقائق ويتقدم رئيس الفرقة الذي يحضر طيلة العرض على الخشبة بصفته عازفاُ، بكلمته للجمهور، ليس فقط ليعلن عن بدء العرض، أو ليلفت النظر إلى مشكلة الهواتف النقالة التي تصدح طيلة العرض، غير آبهة بحرمة المسرح، بل ليؤكد لمن لم يقرأ عن العرض أو حتى سمع عنه، على أنه نص مسرحي تم تأليفه وتجميعه من قصص فلسطينية حقيقية، ليشكل نصا مسرحيا سيعرض الآن.

تدور أحداث المسرحية حول جاد الشاب الفلسطيني الذي ولد وترعرع في الولايات المتحدة الأميركية، ثم قرر زيارة فلسطين التي كان يسمع عنها، لكن زيارته التي بدأها من مطار تل أبيب إلى الضفة الغربية، وصولا إلى مخيم جنين، فنابلس فأريحا فغيرها من المدن، كانت محفوفة بالمخاطر والحواجز وشتى أنواع العقبات والعراقيل، التي أثارت لديه الفضول، وعكست صورة مختلفة عن الصورة الذهنية التي كان قد رسمها عن الوطن فلسطين، الذي لطالما تباهى بانتمائه له، رغم أنه يحمل الجنسية الأميركية.

رغم قساوة العمل وفكرته، إلا أنه لم يقدم بطريقة التراجيديا أو حتى الكلاسيكية المملة، ولم يحمل أي مواعظ

صحيح أن العمل قد تمت كتابته، ليرصد قصصا حقيقية عن الواقع الفلسطيني داخل فلسطين، والذي يعتبر للعدو الإسرائيلي اليد الكبرى فيه، فالجدار العازل لا يرحم والمستوطنات لا تكل من التوسع، وحواجز الاحتلال تملأ الأراضي، إلا أنه من جانب آخر، عمل يشابه في قصصه إلى حد ما قصصاً كثيرة لشعوب عربية أخرى عاشت حروبا ودمارا.

ورغم قساوة العمل وفكرته، إلا أن العرض لم يقدم بطريقة التراجيديا أو حتى الكلاسيكية المملة، ولم يحمل أي رسائل ومواعظ كما هو معتاد في هكذا أعمال، بل على العكس من ذلك بدا عرضا لطيفا، فكاهيا ساخرا من الواقع وناقما عليه في آن معا، إنها الكوميديا القادمة من المعاناة.

أما أكثر ما ميز هذا العرض بعيداً عن المضمون الذي أراد هؤلاء الشباب القادمون من جنين قوله، حول الاحتلال والمعاناة، هو قدرة المخرجة البرتغالية ميكايلا ميراندا، على خلق عرض مسرحي من لا شيء، سواء كان ديكورا أو إكسسوارا، فالعرض الذي قدم على مدى 35 دقيقة، استغنى كليا عن الديكور، واكتفى بالحوار والإضاءة والموسيقى، فجعل من أجساد هؤلاء الفتية اليافعين تخلق سينوغرافيا فنية في بعض الأحيان، ووظيفية في أكثر الأحيان، بمساعدة الإضاءة، ففي لحظة ما تتحول أجسادهم لتشكل سرير المنزل، أو السيارة التي سيستقلها جاد بصحبة قريبه لزيارة فلسطين إلخ، كل ذلك في تحولات سريعة وانسيابية مدروسة بدقة، إنه درس لكل المتقاعسين عن المسرح بحجة أنه عمل مكلف.

كل ذلك بدا مترافقا مع العازفين الموسيقيين المتواجدين إلى يمين الخشبة، الذين يقدمون موسيقاهم بشكل حي، بحيث تلعب دورا رئيسيا في الأحداث وتطورها، وذلك على صعيدين، الأول متمم للحدث (أصوات الرصاص والرشاشات)، والجزء الثاني جزء جمالي مكمل للعرض.

ونذكر أن “مروح ع فلسطين”، عمل مسرحي فلسطيني تم تطويره بمساهمة الصندوق الثقافي في فلسطين، وبدعم من وكالة التعاون السويدية للتنمية الدولية وشبكة الفنون الأدائية الفلسطينية، ومن إخراج البرتغالية ميكايلا ميراندا.

_________________

المصدر : العرب

موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *