محمد صبحي كما عرفناهُ – د.بشار عليوي ‎

د.بشار عليوي

لا يُمكن لأي باحث أو دارس للمسرح المصري المُعاصر أن يتجاوز الدور الواضح للفنان المسرحي “محمد صبحي” في هذا المسرح , منذُ تبلور موهبتهِ الفنية أكاديمياً كَمُمثل في فضاءات المعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون في القاهرة والذي تخرج منهُ عام 1970 .

فخلال سنوات الدراسة , عملَ “صبحي” في أدوار صغيرة مع عدد من كبار الفنانين المصريين من قبيل عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس … وغيرهم , وبعدَ تخرجهِ مُباشرةَ تم تعيينهُ كمعيد في ذات المعهد , ليترك العمل في المعهد مُتفرغاً للعمل المسرحي مُمثلاً ومخُرجاً مسرحياً قدم العديد من العروض المسرحية التي توجَها مطلع ثمانينيات القرن المُنصرم بتأسيس (ستديو80) مع زميله لينين الرملي , مُقدماً للمسرح المصري والعربي ثُنائياً مسرحياً ناجحاً استطاعَ أن يجدَ لهُ موطأ قدم في خارطة المسرح المصري الذي كانَ يعج حينها بالكثير من الأسماء المسرحية الكبيرة , لكنَ ما عُرفَ عن “صبحي” بوصفهِ مُمثلاً مسرحياً أكثر منهُ مُخرجاً مسرحياً , بمعنى أن المُتبع لمسيرتهِ المسرحية (إذا ما استثنيا في الحديث هُنا مسيرتهِ الفنية تلفزيونياً ومسينمائياً) , سيجد أن “محمد صبحي” لم يُعرف لهُ إسلوباً أو منهجاً اخراجياً واضحاً يُمكن أن يُشار لهُ بوصفهِ ينشد إبراز جماليات العرض على حساب الأداء التمثيلي , فهوَ ومع جميع عروضهِ المسرحية والتي تصدى لإخراجها منذُ سبعينيات القرن الماضي وحتى توقف نتاجهِ المسرحي عام 2000 ليُعاودَ بعد مضي 17 عاماً وتحدياً نهاية العام الماضي حينما قدمَ مسرحيتهِ (غزل البنات) المُستوحاة من تُراث الراحل (نجيب الريحاني) مُعداً ومُمثلاً ومُخرجاً لها , لم يهتم بالاشتغال على الجانب الفرجوي , على العكس من اهتمامهِ (الذي يصل حد الإفراط) بتقنيات الأداء التمثيلي لأدوارهِ المسرحية التي قدمها أو حتى تلكَ المُتعلقة بباقي الممثلين الذينَ يعملون بمعيتهِ , وهذا ما أهلهُ لكي يكوَّنَّ لهُ مسرحهُ الخاص (مسرح محمد صبحي) الدال على هويتهِ هوَ وبصمتهِ هوَ والتي لا تشبه إلا هوَ , والتي حصدت جماهيرية واسعة وعريضة عند الجمهور المصري والعربي على حدٍ سواء حينما عرضت ومازالت عبرَ شاشات التلفزة العربية .

“محمد صبحي” يعرف بأنَ أداء الممثل المسرحي داخل منظومة العرض المسرحي , يعتمد على امتلاكهِ لخبرات حياتية ومران جسدي وصوتي ضمن عملية إعدادهِ لدورهِ المسرحي عبرَ تحويلهِ للمدركات البصرية والحسية الى استجابات جسدية تُشكِلَ لاحقاً صورة الأداء التمثيلي , وهوَ يتكأ على دور المسرح في أن يغرف من قضايا مُجتمعهِ السياسية والاجتماعية والاقتصادية , فقيام الممثل من وجهة نظر “صبحي” باشراك طبيعتهِ الروحية والجسدية في عملية الأداء , يستلزم وضوح الرؤيا الداخلية لهذا الأداء , لأن هذهِ الرؤيا تستدعي الشعور بالظواهر المُحيطة بوجود الممثل كإنسان , وهذا ما تجسدَ في أداءهِ كمُمثل مسرحي وفنان عربي تعاطى مع قضايا أمتهِ العربية , فـ”صبحي” فنان يؤمن إيماناً كاملاً بالفكرة القومية العربية ولهُ الكثير من المواقف الواضحة في هذا الشأن سواء على مُستوى النشاط اليومي أو الفني وقد عكسَ ذلكَ في عدد من أعمالهِ الفنية منها (ماما امريكا) و(سكة السلامة) … وغيرها .

” محمد صبحي” يعي تماماً أن أداءهِ المسرحي الذي عرفَ بكونهِ مُمثلاً مسرحياً كوميدياً من الطراز الأول , هوَ الدعامة التي يعتمد عليها في انتقال المفهوم المسرحي العام الى جميع انواع العلوم الانسانية التي تسعى لفهم احوال وانشطة الممثل/الفنان كانسان يتفاعل مع قضايا مُجتمعهِ وهوَ ما تنبه إليهِ “صُبحي” لأن المسرح يُعد مرآةً لهذا المُجتمع , لذا فان الظواهر الحياتية والاجتماعية وبُنية المُجتمع المصري والعربي خلال العقود الأربعة الماضية كَكُل كانَ لها انعكاسات واضحة في عروض ” محمد صبحي” لأن التجربة المسرحية ليست مجرد انعكاس طبيعي للموضوعات الاجتماعية او السياسية او الاقتصادية وانما هي انعكاس موضوعي لها اذ تستهدف الربط بين أداء الممثل , وعلاقات الواقع الاجتماعي في سياق متوافق , فضلاً عن وجود علاقة رابطة ما بين الصور والافكار او الاشكال والمفاهيم بحركة التغير البنائي في المجتمع التي تنعكس نفسياً على أداء الممثل , وتطورها يقود الى جعل الشكل المسرحي ومضمونه ذا اعماقاً اجتماعية , وهذا ما تجلى في أعمال “صبحي” المسرحية كمواقف سياسية كما عرفناهُ وعرفناها نحنُ جمهورهُ ومُتابعيهِ في العالم العربي سواء اختلفنا أو تآلفنا معهُ أو معها .

“محمد صبحي” , الذي يقص شريط عامهِ السبعون هذهِ الأيام قد تنبهِ القائمون على المهرجانات المسرحية العربية والدولية فتسابقوا الى تكريمهِ والإحتفاء بمُنجزهِ ففي أيام قرطاج المسرحية بدورتها الـ19 لعام 2017 مؤخراً تم تكريم ” محمد صبحي” عن مُجمل أعمالهِ المسرحية , فيما منحتهُ الشارقة (جائزة الشارقة للإبداع المسرحي) لعام 2018 , أما مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فقد عمدَالى تسمية دورتهِ الثالثة لعام 2018 بإسمه , فـ”محمد صبحي” مازالَ يعدّ بالكثير مسرحياً , ليبقى فارساً من فُرسان مسرحنا العربي كما عرفناهُ .

3

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *