محمد أبو العلا السلاموني: المسرح العربي في أحسن حالاته

عد محمد أبو العلا السلاموني أحد أهم كتّاب المسرح المصري والعربي خلال الأربعين عاماً الماضية، بما قدمه من أعمال لاقت نجاحاً ملحوظاً؛ حيث تميزت بالتنوع والثراء المعرفي والإنساني، عبرت عن القضايا المهمة التي مر بها المجتمع المصري والعربي عبر تاريخه القديم والحديث، وقد استفاد كثيراً من الموروث الشعبي ومن الفلسفة. له أكثر من 40 عملاً مسرحياً عرض معظمها، وحصل بها على جوائز متعددة، ومن أبرز أعماله «الثأر ورحلة العذاب، ورجل في القلعة، ومآذن المحروسة، ورواية النديم عن هوجة الزعيم، والمزرعة» وغيرها، وفي هذا الحوار يرى السلاموني أن المسرح العربي في أحسن حالاته.

* تعتمد على التجريب في كتاباتك المسرحية فما منطلقاتك في هذا الجانب؟

– لا أحب أن أتحدث عن المسرح والتجريب من منطلقات أكاديمية، فهذه ليست مهمة الكاتب المسرحي؛ بل مهمة النقاد والدارسين والباحثين في المعاهد الفنية وغيرها؛ لكنني أود الدخول إلى ذلك من خلال تجربتي الشخصية؛ ولذلك سأتحدث عن التجريب من وجهة نظري الشخصية، بغض النظر عما يقال أو يكتب عن نظريات التجريب التي لم يتفق عليها رأيان حتى الآن، وفي اعتقادي أن الشعور بالحرية هو الأساس في العملية التجريبية في الإبداع، ولقد بدأ لديّ الشعور بالحرية في الكتابة المسرحية حينما وجدت نفسي أكتب عن جنس أدبي ليس له جذور في تراثنا الأدبي، وكل ما عثرت عليه مجرد ظواهر مسرحية يزعم البعض أنها جذور مسرحنا؛ مثل: خيال الظل أو الأراجوز أو فن السامر الشعبي أو الحكواتي أو الراوي وغيرها، مما لا يدخل في علم المسرح إلا من باب القرابة بعيدة النسب، كما أن التجربة المسرحية القريبة التي استقرت مناهجها ونظرياتها لم تكن لتحد من حريتي في خوض التجربة أو عدم الالتزام بها التزام التلميذ بالأستاذ، فهي تجربة أشعر حيالها بالاحترام والتقدير، وأيضاً أشعر حيالها بالقدرة على تجاوزها، رغم قوتها وشدة تأثيرها ولست ملزماً بالانتماء إليها إلا من باب الإعجاب والانبهار والمحاكاة.

ومن هنا لم أجد في نفسي أي حرج أن آخذ من التجربة الغربية ما أريد، وأصوغها كيفما شئت، وأحذف منها أو أدخل عليها من خبرتي الشخصية وقدرتي الإبداعية ما أراه مناسباً ومفيداً.

* مسرحياتك مملوءة برؤى فلسفية متعددة.. ما مرجعية ذلك؟

– أنا محب لقراءة الفلسفة منذ تعرفت إلى القراءة، فقرأت في صباي محاورات أفلاطون، وأعجبني ما فيها من حوار فكري وجدل فلسفي، فكتبت بعض المسرحيات الذهنية التي اعتمدت على الحوار الفلسفي والميتافيزيقي والصراع الفكري بين الشخصيات، ومن عباءة هذه الحوارات الفلسفية كتبت فيما بعد المسرحيات التراجيدية «الثأر، ورحلة العذاب، ورجل في القلعة» وحاولت في كل تراجيديا أن أتناول موضوعاً فلسفياً يعبر عن رؤية فكرية لواقعنا المعاصر.

ففي مسرحية «الثأر ورحلة العذاب» أبرزت مأساتنا متجلية مع مأساة الشاعر والأمير الصعلوك: «امرؤ القيس» الذي شاءت ظروفه العثرة أن يحمل على عاتقه رغم أنفه مسؤولية ثأر أبيه، الذي لم يكن له ذنب فيه، ويهلك دون تحقيقه، أما «رجل في القلعة» فهي تتناول تجربة محمد علي في حكم مصر في مرحلة صعوده ثم في مرحلة انكساره لاعتماده على رومانسية ميتافزيقية بعيدة عن المنهج العلمي والواقعي، ولذلك انفرط عقد مملكته.

* هناك جانب مهم في تجربتك المسرحية وهو استلهام التاريخ، وهذا الأمر يحتاج إلى خلفية معرفية عميقة.. كيف ترى هذه التجربة؟

– في إطار التاريخ والدراما قدمت مجموعة من المحاولات لقراءة تاريخنا الحديث أهم ما يميزها ويؤكد تجربتها، من وجهة نظري، أنني أقدم الدراما التاريخية من خلال لعبة مسرحية شعبية مثل تجربة مسرحية «رواية النديم عن هوجة الزعيم» التي قدمت أحداث الثورة العرابية من خلال لعبة المسرح داخل المسرح؛ حيث اختلط فيها التاريخ بالواقع، ولم يعد هناك ما يمكن أن نفصل به بين الاثنين لتشابه ما يحدث في الواقع من تشخيص مع ما يحدث في التاريخ من أحداث، وخرج من هذا كله شكل مسرحي يصعب تأطيره أو تصنيفه أكاديمياً إلا بقدر من التجاوز والاستثناء.

* أنت مهموم بالواقع العربي ويتجلى ذلك في عدد من مسرحياتك؛ مثل: «ملاعيب عنتر، والمزرعة» وغيرهما كيف ترى دور المبدع العربي في التعبير عن القضايا التي تخص المجتمع الذي يحيط به؟

– هذا هو دور الإبداع الحقيقي أن يعبر عن القضايا التي تمر بها الشعوب العربية، وهذا ما حاولت أن أعبر عنه في عدد من أعمالي المسرحية ومنها مسرحية «المزرعة» التي جمعت في شكلها بين الإطار التسجيلي والدراما التقليدية؛ لمناقشة قضية الحرب والسلام بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، وتمت الأحداث من خلال بيت ومزرعة استولت عليها عائلة «إسرائيلية» وطردت وقتلت صاحبة المزرعة والبيت الفلسطينية، ويستطيع أحد الفدائيين من العائلة الفلسطينية أن يقتحم البيت ويجعل من فيه من «الإسرائيليين» رهائن، ويبدأ محاكمة العائلة «الإسرائيلية» التي اغتصبت المزرعة، وتصل نهاية المحاكمة للاعتراف بحق الأسرة الفلسطينية.

وفي مسرحية «أمير الحشاشين» حاولت أن أقدم جذور الإرهاب الديني المتمثل في فرقة «الحشاشين»، في إطار غنائي استعراضي ومعادل تاريخي لما يحدث في واقعنا الحالي الذي استشرت فيه حركات التطرف الديني والإرهاب الدموي.

كما كتبت مسرحية تجريبية حملت اسم «ديوان البقر» وهي مستلهمة من حكاية تراثية أوردها الأصفهاني في كتابه الأغاني.

* كيف تقيم الحركة المسرحية في اللحظة الراهنة؟

– المسرح الآن يشهد حالة من الازدهار في العالم العربي؛ حيث تعددت روافده وباتت المهرجانات المسرحية كثيرة بشكل كبير ومنها «المهرجان القومي للمسرح» في مصر و«مهرجان المسرح العربي» و«أيام قرطاج المسرحية» بتونس، إضافة إلى الفعاليات المهمة التي تقام في دولة الإمارات العربية المتحدة وفي إمارة الشارقة وكذلك الدور الرائد الذي تقوم به الهيئة العربية للمسرح، كذلك هناك مسابقات مهمة تعمل على اكتشاف المواهب المسرحية سواء في الكتابة أو الإخراج أو التمثيل.

وهذا كله يشعرنا بالتفاؤل بمستقبل المسرح العربي، الذي يمر حالياً بحالة من أحسن حالاته، ودعنا نقول إن ازدهار المسرح هو إحدى علامات القوة لأي مجتمع، ليس فقط لأنه أبو الفنون؛ بل لأنه المرآة لأي شعب فهو أكثر الفنون تعبيراً عن قضايا المجتمع.

http://www.alkhaleej.ae/

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …