محسنة توفيق.. نصف قرن من النضال المسرحى – باسـم صـادق

 

 

واحدة تلو الأخري، تتساقط أوراق شجرة عمالقة المسرح الجاد التى شكلت تاريخ أبو الفنون فى مصر والوطن العربي، وفى كل مرة نكتشف ضحالة وندرة المعلومات المتاحة عن هذا النجم أو ذاك وخاصة على مستوى التوثيق الدقيق لأعماله المسرحية.. وبقدر حزننا لرحيل الفنانة الراقية محسنة توفيق، بقدر شعورنا بالامتنان لحارس ذاكرة المسرح المصرى د. عمرو دوارة الذى اختص الأهرام بتفاصيل دقيقة وصور نادرة من أعمالها المسرحية، وهى سطور قليلة للغاية من موسوعة المسرح المصرى المصورة الضخمة التى بدأت الهيئة المصرية العامة للكتاب فى طباعتها مؤخرا..

 

مشهد من «أجاممنون» (الصور إهداء من أرشيف د. عمرو دوارة)

فالراحلة البديعة محسنة توفيق المعروفة بأدوارها التليفزيونية والسينمائية قد يجهل الكثيرون مشوارها المسرحى الضخم والحافل بالأعمال الجادة والتى أسست تكوينها التمثيلى الرصين الذى يعد مدرسة فنية تخصها وحدها لاعتمادها على ملامحها الجامعة بين الحنان والصرامة وقدرتها على تلوين نبرات صوتها بهدوء وتمكُن للتعبير عن الانفعالات المختلفة بلا أى مبالغة، فكانت إحدى نجمات المسرح القومى فى ستينيات القرن الماضى مع سميحة أيوب وسناء جميل وملك الجمل وإحسان القلعاوى وعايدة عبد العزيز وسهير البابلى ورجاء حسين ومديحة حمدى ونجاة علي..

ويقول د. دوارة إنها عملت مع نخبة من أعظم مخرجى المسرح على مدى نصف قرن قدمت خلالها ثلاثين عرضا مسرحيا على أيدى الأساتذة: نبيل الألفي، حمدى غيث، سعد أردش، د.كمال عيد، كرم مطاوع، جلال الشرقاوي، أحمد عبد الحليم، محمد عبد العزيز، فاروق الدمرداش، محمود السباع، عبد الرحمن الخميسي، مراد منير، جميل راتب، بالإضافة إلى المخرج اليونانى تاكيس موزينيدس.. مشيرا إلى أن بدايتها الفنية كانت مبكرة جدا بفضل تشجيع شقيقتيها لها.. فضيلة توفيق الشهيرة بـ«أبلة فضيلة»، ويسرا توفيق والتى كانت مطربة بدار الأوبرا المصرية، انضمت محسنة توفيق خلال المرحلة الابتدائية إلى فريقى الموسيقى والمسرح، واستمرت حتى وصلت إلى فرق المسرح الجامعي، وخلال تلك الفترة أسند لها المخرج الكبير نبيل الألفى بطولة مسرحية «الأشباح» للكاتب العالمى إبسن بإحدى الفرق الجامعية.

وقد رشحها تميزها بالمسرح الجامعى إلى احتراف الفن مبكرا وهى مازالت طالبة بكلية الزراعة، فاشتركت بالتمثيل فى عروض فرقة «عبد الرحمن الخميسي» (1960 -1961)، ثم «مأساة جميلة» بفرقة المسرح القومى عام 1961، ثم تألقت فى عدة مسرحيات من أهمها «أجاممنون» عام 1966 بمسرح الجيب، وبعد حصولها على بكالوريوس الزراعة عام 1968 قدمت دورا من أهم أدوارها بمسرحية «حاملات القرابين» للمخرج اليونانى تاكيس موزينيدس عام 1968.. كل هذا يؤكد أن فترة الستينيات تعتبر من أخصب فترات توهجها المسرحى بسبب قدرتها على لفت الأنظار إلى موهبتها.

أجادت محسنة توفيق فى تجسيد عدد من الشخصيات الدرامية الخالدة مسرحيا مثل الفتاة المناضلة هند فى «مأساة جميلة» لعبد الرحمن الشرقاوي.. الأسيرة كاسندرا فى أجاممنون لسوفوكليس.. الزوجة حسنية (زوجة حمدى الشاب المثقف المدمن) فى «الدخان» لميخائيل رومان».. الفتاة العاشقة نعيمة فى «حسن ونعيمة» لشوقى عبد الحكيم.. كاترين فى «مرتفعات وذرينج» لأميلى برونتي.. المرأة الريفية يرما فى مسرحية «يرما» لجارسيا لوركا.. المرأة المتوحشة بمسرحية «الأسلاف يتميزون غضبا» للكاتب الجزائرى كاتب ياسين.. إلكترا بمسرحية «حاملات القرابين» للكاتب الإغريقى إسخيلوس.. «وطفاء» زوجة زعيم الثورة عبد الله بن محمد فى «ثورة الزنج» للشاعر الفلسطينى معين بسيسو.. أستاذة الفلسفة التى اعتقلت مراكز القوى زوجها بمسرحية «عفاريت مصر الجديدة» لعلى سالم.. زوجة ضابط المخابرات التى تكتشف الجرائم اللاأخلاقية التى يمارسها زوجها ضد المسجونين السياسيين بمسرحية «دماء على ملابس السهرة» لأنطونيو باييخو، الغانية التى أصبحت الملكة بمسرحية «الأستاذ» لسعد الدين وهبة.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش