محدودية النص المسرحي في مقابل حرية الخيال الروائي – محمد الحمامصي

 

  – عصام أبو القاسم: التوجه المسرحي نحو الرواية يعبر عن رغبة في التخلص من تقاليد المسرح الكلاسيكية.

  – أسماء يحيى الطاهر: الزمن يعد من أصعب العقبات التي تواجه الكاتب المسرحي في تحويله الرواية إلى نص مسرحي
  – الجديدي: النصوص المسرحية المكيّفة عن نصوص سردية تشكل في المسرح العربي نسبة كبيرة من تجارب هذا المسرح
  – العرض المسرحي تطور كثيرا في العقود الأخيرة في موضوعاته وأساليبه

 

 

يرى الناقد المسرحي عصام أبو القاسم في مقدمته لوقائع ملتقى الشارقة الرابع عشر للمسرح العربي والتي ضمها كتاب “المسرح والرواية” الصادر عن دائرة الثقافة بالشارقة من إعداده، أن العرض المسرحي تطور كثيرا في العقود الأخيرة في موضوعاته وأساليبه سواء عبر انخراطه وتداخله مع موضوعات واستعارات الحياة العصرية أو من خلال استثماره التكنولوجيا وشبكة التواصل التي تتيحها وسائل الإعلام والإنترنت لإثراء الأبعاد الجمالية والدلالية أو بهدف كسب المزيد من الجماهير.
وتساءل هل انعكس ذلك على صلته القديمة ـ المتجددة بالرواية؟ وهو السؤال الذي بحثته أوراق ومداخلات الملتقى الرابع عشر للمسرح العربي سعيا إلى الإجابة عليه. ويشير إلى أنه لوقت ليس بالقصير كان بعضهم ينظر إلى توجه صناع العروض المسرحية نحو الرواية كنتيجة لفقر المكتبة العربية أو كمؤشر على ندرة المطبوع والمنشور من النصوص المسرحية.
ويضيف أبو القاسم “في الوقت الراهن بعضهم يميل إلى اعتبار “مسرحة” أو “اقتباس” أو إعداد” الرواية بحيث يمكن تقديمها فوق الخشبة، حيلة من بعض المحافظين للحفاظ على أدبية المسرح من هجمة تيارات وموجات عديدة ظهرت أخيرا داعية إلى “مسرح للمخرجين” و”مسرح ما بعد الدراما” و”مسرح الصورة” و”مسرح الأداء”.. إلخ. لكن بالنسبة للبعض الآخر فإن هذا التوجه المسرحي نحو الرواية يعبر عن رغبة في التخلص من تقاليد المسرح الكلاسيكية وسعي لاستكشاف موضوعات ولغات وأشكال مغايرة تقطع مع الماضي وتؤسس منظورها الحديث المعبر عن نبض الحاضر”.

وتشير الناقدة د. أسماء يحيى الطاهر إلى أن المؤلفين المسرحيين يحاولون التغلب على مشكلة محدودية في النص المسرحي في مقابل حرية الخيال للرواية، وذلك عن طريق ما تطلق عليه كارمن بوبيس “الأمكنة المحكية” فيلجأون إلى اختيار الأمكنة من الرواية التي يمكن “أو يرغبون في” تجسيدها على خشية المسرح ليتشكل منها المنظر المسرحي، ثم يقومون باستدعاء الأماكن الأخرى التي من شأنها أن تؤثر على الشخصية أو الحدث عن طريق حوار الشخصيات. ومن جانب آخر يحاول المؤلفون المسرحيون أيضا حل مشكلة الانتقال المكاني السريع، الذي يتحقق بسهولة في الرواية، عن طريق تقنيات مسرحية مثل تقنية المنظر المتعدد الأماكن، حيث توجد جميع الأمكنة التي يرغب المؤلف المسرحي في التنقل بينها على خشبة المسرح في مواقع مختلفة، ينتقل بينها إما عن حركة الشخصية أو الإضاءة، دون التخوف من فكرة تغيير المنظر المسرحي والتي قد تعوق هذا الاختيار.
وترى أسماء التي حللت في دراستها العرض المسرحي “المعبد” المأخوذ عن رواية يحيي الطاهر عبدالله الشهيرة “الطوق والأسورة”، أن الزمن يعد من أصعب العقبات التي تواجه الكاتب المسرحي في تحويله الرواية إلى نص مسرحي، وقد وجدت أن الكتاب المسرحيين قد يلجأون إلى أكثر من تقنية للتغلب على هذه المشكلة الزمنية: “سرد قصة من الماضي” حيث يكون حوار الشخصيات في الحاضر ولكنهم يستدعون الماضي الذي أفرز هذا الحاضر، أو إعادة ترتيب أحداث الرواية المفتت ترتيبا زمنيا تصاعديا من الماضي البعيد وصولا إلى الحاضر، أو استخدام حيل وتقنيات مسرحية تمكنهم من التذبذب بين الماضي والحاضر دون المساس بآنية النص المسرحي، مثل الحلم الذي يسمح باستدعاء الزمن الماضي أو القفز إلى الزمن المستقبل مع الارتكاز على الحاضر، أو كأن تلعب شخصيات مسرحية دور الوسيط بين الماضي والحاضر وعلى رأسها الراوي الذي لا يتقيد بزمن محدد ويحقق آنية العرض عبر وجوده الحاضر في زمن الجمهور، وهي كلها حلول إبداعية تتطلب جهد من المؤلف.
ويلفت الناقد التونسي حافظ الجديدي في دراسته إلى أن النصوص المسرحية المكيّفة عن نصوص سردية تشكل في المسرح العربي، منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى الآن، نسبة كبيرة من تجارب هذا المسرح تكاد تفوق نسبة النصوص المؤلفة تأليفا خالصا. بل إن أول نص مسرحي يؤرخ به لبداية المسرح العربي وهو نص “أبو الحسن المغفل، أو هارون الرشيد” ـ أواخر عام 1849 ـ لمارون النقاش، مكيّف عن حكاية “النائم واليقظان” التي ترويها شهرزاد في الليلة الثالثة والخمسين بعد المائة من “ألف ليلة وليلة”.
ويقول إن الباحثين يقولون عن هذا النص كالعادة إنه مستوحى أو مستلهم أو مقتبس من حكايات ألف ليلة وليلة، ولا يقولون إنه مكيّف عنها. وقد كيّف هذه الحكاية نفسها سعد الله ونوس في نصه المسرحي “الملك هو الملك، ومثل النقاش كيّف أبو خليل القباني الحكاية التي ترويها شهرزاد في الليلة الثانية والخمسين عن الجارية قوت القلوب في قصر هارون الرشيد، إلى نص مسرحي بعنوان “هارون الرشيد مع الأمير غانم بن أيوب وقوت القلوب” وكذلك الحكاية التي ترويها في الليلة الخامسة والأربعين إلى نص بعنوان “أنس الجليس مع هارون الرشيد”.

بعيدا من الضوضاء قريبا من السكات

ويؤكد الجديدي أن عشرات الكتاب المسرحيين العرب حذوا حذو هذين الكاتبين، فكيّفوا أو اقتبسوا مسرحيات كثيرة عن نصوص حكائية أو روائية أو ملحمية أو سير شعبية من التراث العربي أو الغربي أو الشرقي، منها تمثيلا لا حصر، تكييف مجموعة روايات نجيب محفوظ في مصر: زقاق المدق، بين القصرين، اللص والكلاب التي كيّفتها أمينة الصاوي وأخرج الأولى كمال ياسين 1958 والثانية صلاح منصور أواخر الخمسينيات، والثالثة حمدي غيث 1961، وبداية ونهاية تكييف أنور فتح الله وإخراج عبدالرحيم الزرقاني 1960، وغيرها من روايات محفوظ.
كذلك مسرحية “النخلة والجيران” تكييف وأخراج قاسم محمد عن رواية بالعنوان نفسه للروائي العراقي غائب طعمة فرمان، و”القربان” تكييف ياسين عن رواية بالعنوان نفسه لغائب طعمة فرمان أيضا، وإخراج فاروق فياض 1975، ومسرحية “الشهداء يعودون هذا الأسبوع” لمحمد بن قطاف عن رواية الطاهر وطار وإخراج زياني شريف عياد 1986، و”المتشائل” تكييف عبدالعزيز البزاوي وعبدالهادي توهراش عن رواية “الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل” لإميل حبيبي، و”وجدتك في هذا الأرخبيل” تكييف محمد الكغاط عن رواية تحمل نفس العنوان لمحمد السرغيني 1994، و”حدّث” تكييف وإخراج محمد إدريس عن رواية “حدّث أبو هريرة قال” لمحمود المسعدي 1999.
وتؤكد المسرحية اللبنانية نجوى بركات أن إحدى أهم الإشكاليات التي تواجه مسرحة الرواية هي كيفية معالجة السرد، وخاصة كيفية التعاطي مع وجود الراوي، فالمسرح يعالج تقليديا ما يحدث في اللحظة الراهنة، مستعينا بأداء الممثلين الذين لا يحتاجون إلى وسطاء بينهم وبين المشاهدين، في حين تحكي الرواية بشكل عام عن أحداث جرت في الماضي ـ هذا حتى وإن كان زمن السرد اصطلاحا هو الزمن الحاضر ـ  وينقلها إلينا راو ما ـ
في المسرح نحن نرى. في الرواية نحن نخبر ونروي. والرواي، أكان راويا عليما يستخدم ضمير الغائب ويسيطر على خيوط اللعبة ومصائر الشخصيات أو راويا حاضرا يستخدم ضمير الأنا فيصحبنا في رحلة استكشاف للذات الحميمة ودواخلها، فإن التحدي المطروح على المسرحي يبقى هو نفسه بالنسبة لعملية الاقتباس. ففي الحالة الأولى، كما الثانية، يتوجه الراوي إلى القارئ، في حين تبقى العلاقة بين الممثل والمشاهد غير مباشرة، وقد يؤدي ذلك تلقائيا إلى رغبة استبدال القارئ بالمشاهد، لكنه خيار ذو عواقب من بينها تحويل الممثل إلى حكواتي. من هنا تظهر ضرورة إيجاد مكان للرواي، أيا كانت وجهة نظره، وتحديد الجهة التي سيتوجه إليها بخطابه.

صلة متجددة بالرواية

ويقدم الناقد المغربي محمد أمنصور قراءة في مسرحية “كل شيء عن أبي” اقتباس وإخراج بوسلهام الضعيف عن رواية محمد برادة “بعيدا من الضوضاء قريبا من السكات” مؤكدا أن تجربة بوسلهام الضعيف تقدم الاقتباس كنموذج متميز لحوار خلاق بين الأدب الروائي والفن المسرحي بين مبدعين من جيلين مختلفين: جيل الرواد “محمد برادة” والجيل الثالث، وهو حوار يقوم على تحويل العناصر الموضوعاتية والرؤيوية والجمالية للرواية، من طابعها الأدبي ومسرحتها، أي تحريرها من أدبيتها وإعادة إدراجها ضمن الأفق المسرحية “مسرحتها”. حوار/ اقتباس يجمع بين تجريبية الشكل وجذرية الموقف النقدي من الأوضاع في نطاق صوغ فني مركب هاجسه إعادة الكتابة بما هي أفق للعب والنقد والتخييل والسؤال والمتعة.
وضمت الأوراق قراءات وشهادات لتجارب من مصر والإمارات والعراق والجزائر ولبنان والمغرب وتونس لفاطمة المزروعي وعواد علي ووليد علاء الدين، وناصر عبدالمنعم، وأنور حامد ومشهور مصطفى ويوسف فاضل.

https://middle-east-online.com

محمد الحمامصي

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *