محاكمة الجمود والتطرف /محمد بهجت

رغم أن عرض المحاكمة الذى يقدمه المسرح القومى حاليا معاد وقديم ومأخوذ عن نص أجنبى أكثر قدما هو ميراث الريح لجيروم لورانس وروبرت لى إلا أنه شديد التماس مع الواقع المعاش حيث يكثر أنصار النقل بدلا من إعمال العقل أو كما يردد كورس العامة فى مسرحية المخرج طارق الدويري: «ما ورثته عن أبى هو خير لى وكفاية».

وقد كتبت الناقدة الراحلة د. نهاد صليحة عن نفس العمل عند رؤيتها له قبل سنوات: «إن الصراع المحورى فى المسرحية لم يكن يخص المواجهة بين العلم والدين ولكنه يخص بالأحرى العقل فى مواجهة استبداد التقاليد والنصوص الموروثة وحرية التفكير فى مواجهة القمع السياسى وقيود أى نظام سلطوى مستبد وهذا ما أثرى العمل بقوة كبيرة»، ولعلى عند المشاهدة الأولى قد أخذت على المخرج التطويل فى مرافعات طرفى الصراع.. فضلا عن تكرار نداءات الباعة الجائلين الذين يمثلون عامة الناس حتى يعاد المعنى المراد توصيله للمشاهد مرارا وتكرارا بلا ضرورة للتكرار.. بالإضافة إلى كثرة حركة الممثلين فى خلفية المشهد أثناء حديث البطلين مما يشتت التفكير بعض الشيء.. وأشكر المخرج الذى تنبه بالفعل للملاحظة الأخيرة وصارت حركة المجاميع محسوبة وسريعة دون أن تؤثر بالسلب على الحوار المهم.. ولكن ظلت ملحوظة طول زمن العرض كما هى والاختصار الذى اقترحته بهدف التكثيف وزيادة سرعة الإيقاع يكاد يكون ضروريا الآن على خشبة المسرح القومى أكثر مسارح الدولة جذبا للمشاهدين من مختلف شرائح المجتمع وليس الجمهور الخاص من عشاق التجريب والعروض الطليعية.

كعادته تألق الفنان القدير أشرف عبد الغفور فى تجسيد الشخص المتحجر المتفاخر بنفسه والمقتنع من داخله أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان.. وبذل أستاذ التمثيل د. سامى عبد الحليم جهدا كبيرا فى تقديم شخصية المحامى المؤمن بحرية الاعتقاد والذى لا يحيد عن قناعاته حتى وإن اضطر للدفاع عن خصومه.. وهو نفس الدور الذى لعبه من قبل القدير أحمد فؤاد سليم.. بينما قدم حمادة شوشة دور رجل الدين المتزمت الأقرب إلى عرائس الماريونيت فيتحرك بصورة نمطية بتعبير ثابت لا يتغير.. وتميز الفنان زين نصار فى دور القاضى رغم صغر المساحة.. بينما كانت الفرصة مواتية للشباب الموهوب سامح فكرى فى دور المتهم وسلمى الديب فى دور المدرسة ابنة رجل الدين وعماد الراهب فى دور الصحفى الشجاع الباحث عن الاختلاف.. كما حاول نجم الكوميديا عادل خلف التحرر بعض الشيء من اللغة العربية خاصة وهو يؤدى دور الحاجب الأقرب إلى البسطاء من عامة الناس.. وبالطبع المجموعة المجتهدة من الكورس الذين أسماهم المخرج بالممثلين الشاملين وعلى رأسهم عازف الأكورديون الموهوب سالم عسر.. ورغم أن مسرحية المحاكمة تبدو مختلفة عن طبيعة عروض المسرح القومى إلا أنها تمثل إضاءة حيوية للمكان وتحمل رسالة فكرية لا تقل حيوية وأهمية.

المصدر/ الاهرام

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *