مجلات المسرح… لون صحافي انحسر في العالم العربي

القاهرة: داليا عاصم
واكبت النهضة المسرحية في مصر منذ بدايات القرن العشرين حركة نقدية وأدبية تبعها ازدهار في المجلات المتخصصة التي تتناول هذا الفن العريق، الذي حافظ على خصوصيته، أمام السينما ووسائل الترفيه الأخرى. ولعبت المجلات الصحافية المتخصصة دوراً مهماً في ذلك السياق، على عكس ما تشهده حالياً من تقلص وركود. ففي مصر توقفت جريدة «مسرحنا» عن الصدور وأصبحت إلكترونية. لكن ثمة عدداً من الإصدارات المحدودة التي تواكب العروض المسرحية ومهرجانات المسرح في العالم العربي، منها: مجلة «الحياة المسرحية» السورية، ومجلة «المسرح العربي» في الشارقة عن الهيئة العربية للمسرح، ومجلة «الخشبة» في العراق وهي دورية، بينما يوجد عدد من المواقع والمدونات، أبرزها: الفنون المسرحية في مصر. في هذا التقرير نظرة شاملة على هذا اللون الصحافي المميز.

بدأت الصحافة في مصر بشكل غير متخصص منذ صدور صحيفة «الوقائع المصرية» عام 1828، تبعها تطور وازدهار في الإصدارات الصحافية؛ إلا أن مجلات المسرح المتخصصة ظهرت مع ازدهار الفرق المسرحية في القاهرة والإسكندرية، وانتظام العروض بشكل دوري وليس مجرد اسكتشات ترفيهية في الحدائق، مثل «حديقة الأزبكية» أو في الأماكن العامة، فظهرت مجلات: «الأدب والتمثيل»، و«المسرح»، و«الناقد» و«تياترو»، ثم مجلة «روز اليوسف» التي أسستها الفنانة روز اليوسف.

وقال الدكتور سيد علي إسماعيل، أستاذ المسرح بقسم اللغة العربية بكلية الآداب، جامعة حلوان لـ«الشرق الأوسط»: «بدأ المسرح المصري عام 1905 بفرقة سلامة حجازي بعد انفصالها عن فرقة إسكندر فرح، وواكب المسرح منذ ذاك الوقت حركة نقدية مهمة. وأول مجلة بعنوان (المسرح) بصورة صريحة كانت 1925 أصدرها أول ناقد مسرحي معتمد محمد عبد المجيد حلمي، وأعقبتها مجلات أخرى، منها: مجلة «الممثل»، و«تياترو» و«الناقد» نحو 8 مجلات خاصة بالمسرح فقط وتصدر أسبوعياً، بعضها كان خاصاً ببعض المسارح، المستقبل كانت خاصة بمسرح يوسف وهبي، والمسرح كانت ضد يوسف وهبي، وهكذا.

واتسمت معظم الكتابات النقدية آنذاك بالكتابة الانطباعية، كما يوضح إسماعيل، لافتاً إلى أن تلك المجلات «لم يكن بها النقد الرصين الموضوعي، لكن أنتجت فيما بعد صورة النقد المسرحي الحصيف كما نعلمه».

وحول محتوى المجلات، يقول إسماعيل: «كانت تعرض النصوص وأخبار الفرق، وكل عرض يتم عرضه في مصر أو خارجها، والمقالات وبروفايل للفنانين والممثلين، ومقالات تحمل تفاصيل تقنية، مثل الصوت والديكور والسيناريو والجمهور، وغيرها… وكانت بعض المقالات ممهورة بأقلام كبار الفنانين مثل يوسف وهبي، وكانت أخطر المجلات المسرحية هي (الصباح) التي لعبت دوراً كبيراً في تطور المسرح وازدهاره»، مضيفاً: بعض الصحف كانت تصدر بها صفحة كل أسبوع أو كل يوم، ونذكر منها: «كوكب الشرق»، و«جريدة السياسة»، و«البلاغ» للناقد محمد على حماد الذي كان ينشر صفحة كاملة أسبوعياً، وبعض المسرحيات يتم نشرها في شكل سلسلة مقالات، وكان هذا الشكل الاحترافي من الممارسات الصحافية له جمهوره، مشيراً إلى أهمية هذه الصحف والمجلات أنها تدحض «الاعتقاد الخاطئ أنه لدراسة الحركة المسرحية المصرية لا بد أن نبدأ من مسرح الستينات، لكن الحركة المسرحية بدأت في بدايات القرن العشرين ولم يلقَ عليها الضوء».

حول تراجع الصحافة المسرحية المتخصصة، أوضح الدكتور إسماعيل أن «الأزمة الاقتصادية التي بدأت سنة 1930 أثرت على وجود المجلات المسرحية المتخصصة، وبدأ الأحزاب والممولون يوجهون جهودهم وفكرهم في الصحف السياسية والحزبية، وبخاصة أنها كانت مجلات خاصة بالفرق والمسارح، وبسبب تغير الأوضاع وتقلص الفرق، ثم إنشاء اتحاد الفنانين وتأسيس الفرقة القومية للمسرح، تراجعت المجلات الصحافية وتوقفت، لكن بلا شك دفعت هذه الصحف والمجلات بالمسرح وساهمت في تطوره مع تطور الحركة النقدية المصاحبة له».

وأضاف: «كانت العروض المسرحية متواترة مع وجود فرق حققت نجاحاً كبيراً على خشبات المسرح، ومنها: فرقة رمسيس ليوسف وهبي، وفرقة جورج أبيض، وفرقة فاطمة رشدي، وفرقة منيرة المهدية، وفرقة أولاد عكاشة، وفرقة علي الكسار وأمين صدقي، وفرقة نجيب الريحاني… ويبدو أن هذه المجلات تأثرت أيضاً بفترة الحرب العالمية الثانية، حيث تأثرت أيضاً العروض المسرحية، وبالتالي تراجعت الحركة النقدية المصاحبة، وتوقفت الكثير من المجلات، كما تم حل الكثير من الفرق المسرحية التي كانت تضم بين أعضائها فنانين من مختلف الجنسيات».

وتقول الأديبة والكاتبة الصحافية الدكتورة عزة بدر، صاحبة كتاب «المجلات الأدبية في مصر من 1954 إلى 1981»: «من أهم المجلات المتخصصة في المسرح هي (المجلة) التي صدرت في يناير (كانون الثاني) 1964 باسم (المسرح)، وكانت مجلة شهرية تصدر عن مسرح الحكيم والتلفزيون العربي، وزارة الثقافة والإرشاد القومي آنذاك، وتولى تحريرها الكاتب رشاد رشدي. وكان هدفها تقريب الصحافة المسرحية والمفاهيم الفنية للجمهور؛ ليلتقي الفنان والجمهور على أرض مشتركة، وتصبح الفنون قادرة على أداء رسالتها وتخلق الثقافة المسرحية»، مضيفة: «كانت تنشر نصوصاً من المسرح العالمي وأعداداً خاصة عن المسرح الإغريقي».

وتشير إلى أن المجلة ظلت على نهجها حتى عام 1968 لتتحول إلى مجلة مهتمة بالمسرح والسينما معاً، وتغير اسمها إلى «المسرح والسينما» وصدرت عن المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، وقام برئاسة تحريرها معاً: عبد القادر القط وسعد الدين وهبة، لكنها لم تكن منتظمة في الصدور، وفي عام 1969 تم فصلها عن السينما وعادت باسم «المسرح» ليرأس تحريرها الشاعر صلاح عبد الصبور، لكنها لم تستمر طويلاً».

ويؤكد جامع الوثائق مكرم سلامة، أنه «كانت هناك مجلات كثيرة في بدايات القرن العشرين ومع وجود ما يسمى (مسرح الصالات) كانت تصدر المسارح والفرق مجلات تنشر أخبارها وأخبار الفنانين، وتتضمن إعلانات مواسم العروض المسرحية والمسرحيات الجديدة، وأخبار الفرق وجولاتهم، في الشرق والغرب».

ويلفت إلى أن مجلة «المسرح» كانت شهرية صدر منها 80 عدداً وتوقفت ثم عاودت وزارة الثقافة المصرية نشرها ثم توقفت، بينما مجلة «الكواكب» صدر منها 113 عدداً، والتي تحولت فيما بعد إلى «الكواكب والدنيا»، و«الكواكب والفكاهة» وطرأ عليها تغييرات عدة، مع نجاح السينما في مصر وزيادة إنتاج الأفلام، ولا تزال مستمرة حتى الآن، لكنها معنية بالفن بشكل عام، سواء سينما أو مسرح، وأحياناً فن تشكيلي».

وحول توقف آخر جريدة متخصصة بالمسرح عن الصدور، يقول الكاتب والناقد المسرحي يسري حسان، رئيس تحرير جريدة «مسرحنا» الأسبق لـ«الشرق الأوسط»: «الصحيفة صدرت عام 2007، وكانت مهتمة بنشر النصوص المسرحية والمقالات النقدية وأخبار مهرجانات المسرح، وحوارات وتحقيقات وفنون العمل الصحافي كافة، ولم تكن قاصرة على المسرح في مصر فقط، بل المسرح العربي من المحيط إلى الخليج؛ لتصبح أول مجلة أسبوعية تصدر بانتظام عن المسرح بعد مجلة stage البريطانية، وكانت تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية».

ويضيف حسان الذي رأس تحرير الصحيفة لمدة 9 سنوات: «الصحيفة تنازعتها مشاكل عدة، وتوقفت عن الصدور ثم عاودت الصدور مرة شهرياً، ثم توقفت تماماً وأصبحت إلكترونية فقط على موقع لا يليق أبداً بقيمة فن المسرح العربي وتاريخه».

ويلفت إلى أن «هناك نحو 3 آلاف عرض مسرحي سنوياً يتم تقديمها داخل مصر فقط، هذا فضلاً عن الحركة المسرحية العربية، ورغم ذلك لا توجد صحيفة واحدة متخصصة تصدر بانتظام تواكب هذا الزخم»، مؤكداً: «بعض الصفحات في جرائد أو مجلات شهرية لا تكفي للتواصل مع القراء وجمهور المسرح أو لتثقيف الجماهير بالقيم التي يرسخها المسرح وجمالياته الأدبية والفنية».

وتشير الدكتورة نجوى كامل، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام والمتخصصة في تاريخ الصحافة، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن هناك إشكاليات عدة تواجه الصحافة المتخصصة بشكل عام، أهمها الجمهور المستهدف، فغالباً ما يكون الهدف من إصدارها هو توعية الجمهور بالمفاهيم سواء المسرحية أو غيرها وفقاً لتخصصها، هذا النوع الصحافي يحتاج إلى كتاب متخصصين في فنيات العمل المسرحي، فضلاً عن كونه يحتاج إلى أن يكون «القائم بالاتصال» على دراية كافية بالمفاهيم وفنيات وتاريخ المسرح وأدبياته، ناهيك عن فريق عمل متمرس في هذا المجال، قد يتمكن الصحافي الذي يمتلك أدواته من تقديم عمل يثري هذه الإصدارات، مثل التحقيقات والحوارات والأخبار وتبسيط المفاهيم المسرحية للقارئ العادي».

وتلفت إلى أن «كليات الإعلام لا تعنى بالتخصص، ولا تقدم أقساماً خاصة لدراسة المسرح أو السينما أو غيرهما، ولا توجد دبلومات مهنية تحقق المواءمة المطلوبة بين التخصص وتبسيط المعلومة للجماهير». ويبدو أن أزمة تراجع الصحف المسرحية نابعة بالأساس من أزمة الصحف الورقية الآخذة في التراجع بسبب انخفاض أرقام التوزيع وارتفاع تكاليف النشر الورقي.

https://aawsat.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش