متى يحين الوقت لنفتح شرفة النقد؟

فتح الشاعر والإعلامي ياسين عدنان شرفة على المشهد المسرحي المغربي من خلال استضافته للكاتب المسرحي المسكيني الصغير في البرنامج الثقافي “مشارف” الذي بث على شاشة القناة الاولى المغربية يوم الأربعاء 7 أكتوبر.

حاول ياسين عدنان من خلال اسئلة قلقة أن يدفع بضيفه الى جهة محاورة نقدية لتلك المرحلة الزمنية من مسرح الهواة التي ضجت بولادة التيارات المسرحية، وتسطير البيانات التنظيرية التي كانت تتنافس أسماء المسرحيين في اصدارها وتدوين محتوياتها مذيلة بتواقيعهم.

ولربما هناك نوع من الغبن في تصنيف بعض المسرحيين المغاربة بالهواة، في أدبيات التنظير والنقد المغربي، في حين كانت تجاربهم تؤسس لفعل مسرحي مغربي حقيقي ترك بصماته في مسار الحركة المسرحية ككل.. مَثلُ ذلك تجارب محمد الكغاط ومحمد تيمد وحوري الحسين وغيرهم ممن صنفوا كهواة.

أجوبة ضيف برنامج مشارف المسكيني الصغير لم تتمثل، من وجهة نظرنا، قلق أسئلة المضيف كما ينبغي والتي ليست في مجملها سوى أسئلة من الحاضر المسرحي الذي يحاول قراءة ماضيه لتطوير ما يزال نابضا من عناصره في التجارب الحية، ويتجاوز منها ما يبس واعتراه الذبول. كما هو شأن أي قراءة ناقدة فاحصة.

الأجوبة لم تسبر أغوار ما كانت تصبو اليه الأسئلة من الدفع باتجاه إعادة النظر النقدي ربما، في ما تتبناه تلك البيانات أو ما كانت تنشده نوايا بعض ناحتي مفاهيمها ومعاني مصطلحاتها.. بل على العكس من ذلك كانت ردود الضيف بمثابة إعادة إنتاج لغوي لمعاني تلك البيانات دون أدنى مسافة فكرية أو زمنية منها.. أو تقديم سند فكري أو جمالي من الراهن المسرحي المغربي لضرورة استمرار مقولاتها ومفرداتها النظرية.

وبدلا من الإقرار بضرورة الاشتغال على اساليب كتابة جديدة وتطوير مفردات دراماتورجيا المسرح المغربي من خلال الاشتباك مع الواقع اليومي وما يستجد من أحداث وتطورات سياسية وفكرية ومجتمعية وربما عالمية، وكذا تقييم موضوعي لمجهودات الجيل الجديد من مخرجين وكتاب في البحث عن صيغ مسرحية جديدة، لام صاحب “البحث عن رجل يحمل عينين فقط” بعض المسرحيين الشباب ووصف اجتهاداتهم في التعامل مع الاقتباس بكونها مجرد لجوء الى نصوص اجنبية واقتباسات عن الغرب لإظهار “ذواتهم وقوتهم”… متناسيا ان من تلك التجارب (إن اطلع عليها أو شاهدها) فرق مسرحية تمثل بقوة الحركة المسرحية اليوم وتعكس انفتاح المشهد المغربي على مختلف المشارب الثقافية والمرجعيات المسرحية..

عندما يتعامل مخرج غربي مع اشكالنا المسرحية التقليدية أو مع الاشكال التعبيرية المسرحية الشرقية أو يقتبس نصوصنا الصوفية أو التراثية يعتبره مواطنوه ونقاد بلده في الدول الغربية (واغلب نقادنا) مجددا ومبتكرا ولامس بعدا إنسانيا، لأنه استفاد من تلك الأشكال والنصوص ووظفها جماليا في عروضه الفنية والمسرحية .. وعندما يقتبس مخرج مغربي أو مشرقي شكلا تعبيريا أجنبيا أو نصا غربيا فذلك وفق مقاييسنا، التي لا نعرف من اين تغرف مرجعيتها، تبعية واستلابا..

يقول المسكيني الصغير انه صاغ نظرية (المسرح الثالث) من خلال المعاينة الميدانية للعروض المسرحية المغربية واكيد انه يقصد عروضا قبل وأثناء صياغة مشروعه المسرحي .. فماذا عن العروض المسرحية داخل المشهد المسرحي الراهن ؟ هل تخضع لذات المعايير التي ضمنها طي مشروعه في ثمانينيات القرن الماضي..؟ وماذا عن التنظيرات النقدية الحديثة..؟

الواقع المغربي متحرك ويعرف الكثير من المتغيرات السياسية والثقافية والمسرح الحقيقي يدور مع حركة المجتمع ويرصد متغيراته ولا وجود لنظرية مسرحية ابدية وإلا تحولت إلى دين وتحول صاحبها الى شيخ طريقة..

العبرة بالإبداع وابتكار قراءات ورؤى جديدة تتفاعل مع الواقع ونبضه وما يقترحه المبدع من صيغ فنية وجمالية ومشكلية درامية “تجيب” على متغيرات المرحلة أو “تسائلها”.. وبديهي اننا – كما يقول أدونيس – لا نخلق مسرحنا إلا حين نخلق مسرحياتنا – لكننا لن نخلق مسرحياتنا فقط بكتابة النصوص. فكم من “نص مسرحي” لا مسرح فيه. وبالتالي فاستلهام النصوص واقتباسها قد يكون علامة في واحدة من طرق الكتابة التي نريد ان نصل إليها، بل قد يتكرس – إذا ما صار ندّا للكتابة الاولى – كنصوص من الربرتوار المغربي كما هو شأن استنباتات محمد قاوتي مثلا. وكل المسرحيين في العالم يقتبسون ويستلهمون نصوصا عالمية ولا تنتمي الى تراثهم أو ربرتوارهم المسرحي.

وكما انه لا يجب تنميط المتفرج المغربي مثلما اشار المسكيني الصغير في احدى اجوبته، لا يجب ايضا تنميط المبدع المسرحي المغربي وان نترك له حرية الاشتغال كتابة او اقتباسا او استنباتا أو ارتجالا… الخ

النوايا، كما هو معلوم لا تكفي.. والتنظيرات، وحدها لا تشفي.. وإلا فلماذا انتهت تلك التجارب، التي كانت (وربما ما تزال) ترى في طروحاتها الممثل الوحيد والشرعي للحركة المسرحية المغربية، إلى الظل في ظل التحوّلات التي عرفها المسرح المغربي ؟

يرى العديد من المسرحيين والمتتبعين للحراك المسرحي المغربي اننا كثيرا ما نتحدث في ندواتنا ومؤتمراتنا المسرحية عن “نطريات” لا تطبيقات لها في الساحة المسرحية الراهنة.. وبالمقابل قليلا ما نستنبط عناصر الفرجة المسرحية ومكوناتها وممارسات وتطبيقات فنية شاخصة أمامنا داخل المشهد المسرحي المغربي الراهن. وبالتالي كان جديرا بالمسكيني الصغير ككاتب مسرحي متتبع وقريب من حراك المسرح المغربي، وإلى جانب شرحه لمشروعه ضمن سياقه داخل مرحلة معينة من تاريخ المسرح المغري، ان يطابق مشروعه المسرحي مع ما يحدث في الساحة المسرحية الراهنة حتى يطور من مقولاته النظرية وان تستمر كذلك معاينته الميدانية وينخرط في صياغة مقولات جديدة وتساؤلات حول ما يحدث الآن، هنا في المسرح المغربي.

يبقى ان نذكر الالتفاتة الذكية والنبيلة في آخر البرنامج، وفي فقرة “عن كتب” التي اطلعنا فيها ياسين عدنان على نموذج دراماتورج ومخرج مغربي حقق تراكما مسرحيا خليقا بالاهتمام وهو المسرحي عبد اللطيف فردوس، الذي كتب واقتبس وأعدّ وأخرج العديد من المسرحيات سواء من خلال فرقة كوميديا العريقة او فرقة ورشة الابداع دراما.. وقد اشار ياسين عدنان الى اهمية طبع النصوص المسرحية لأجل تداولها وتوثيقها ايضا..

ومن نصوص عبد اللطيف فردوس التي اطلت من (عن كثب) : “كيف طوير طار” “الحائط” “اريد ان اكون فراشة” “تحفة الكوارثي” “أنا ماشي حمار”…

* مسرحي مغربي مقيم بباريس

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *