ما بين« الجلف» ونقيضه مسرح علي مسرح الطبيعة/هند سلامة

تقليد جديد اتبعه اسماعيل مختار رئيس البيت الفنى للمسرح حيث قرر بدءا من هذا الموسم استضافة عروض فرقة الإسكندرية على مسارح القاهرة كنوع من توسيع دائرة الرؤية لهذه الأعمال التى كانت تقتصر مشاهدتها على جمهور الإسكندرية فقط،

وأكد أنه خلال الفترة المقبلة ستشهد عروض البيت الفنى طفرة فيما يتعلق بالتجوال بين محافظات مصر المختلفة سواء بالصعيد أو الدلتا أو الوجه البحرى حتى يتم تغطية كل المحافظات المحرومة من مشاهدة إنتاج البيت الفنى وجار حاليا دراسة تنفيذ هذا المشروع بدقة شديدة، وهى خطوة جيدة ومهمة تحسب لإدارة البيت الفنى الحالية.
كان عرض «الجلف» للمخرج محمد مكى من العروض الأولى التى تمت استضافتها من فرقة الإسكندرية، وهو عن مسرحية «الدب» للكاتب أنطون تشيخوف، تدور أحداثها حول أرملة تقرر حبس نفسها حدادا على وفاة زوجها حتى تعلمه فى قبره معنى الإخلاص والوفاء فى الحب مؤكدة أنها ستظل على حبها برغم اكتشافها لخيانته، ثم يظهر فى حياتها ضابط متقاعد يحاول التودد إليها بحجة أن زوجها مدينا له بنقود، تدور الأحداث داخل قصر هذه السيدة الذى تعيش فيه مع خادمها المخلص لوقا الذى ينصحها دائما بالخروج للحياة ودفع هذا الحزن عنها، لكنها تأبى بإصرار عنيف.
تحمل المسرحية فكرة إنسانية بسيطة الطرح لكنها عميقة المعنى فى اتجاهين الأول هو إصرار هذه السيدة على الالتزام بقيم الإخلاص والوفاء فى الحب برغم يقينها بخيانة زوجها والاتجاه الثانى إطلاق صفة «الجلف» التى منحها المخرج اسما للمسرحية وهى أحد الألفاظ التى ذكرت بالنص الأصلى لوصف عشوائية وغلظة هذا الرجل الطارئ على حياتها بتصرفاته الغريبة والمقززة، ويمثل هذا الرجل المعنى الظاهرى للكلمة أو بمعنى أدق هذا ما قد توحيه المسرحية فى بدايتها لكن سرعان ما نكتشف أن الجلف الحقيقى كان زوجها وهنا المعنى الموحى والأعمق لاسم المسرحية، ففى حين يبدو هذا الرجل ردىء المظهر سيئ التصرف لكنه أحبها بجنون منذ سماع حكايات زوجها عنها كما حكى لها، فهذا الزوج كان شديد المقت لزوجته حتى أنه كان يحكى عنها أمام أصدقائه بسخرية وتهكم وتمنى الضابط يوما أن يرى هذه السيدة المغدور بها حتى أنه تخيلها على حد قوله فى صورة مريم العذراء، وهنا يتضح المعنى الكامن بالعرض وهو شدة رقة مشاعر هذا الرجل الذى يبدو جلفا فى تصرفه الظاهرى، وشدة قسوة زوجها الذى كان جلفا حقيقيا فى عدم احترامه لكرامة ومشاعر زوجته سواء فى حضورها أو غيابها.
لعبت الممثلة إيمان إمام دور السيدة الأرملة والتى تراوح أداؤها بين كوميدى وتراجيدى بتمثيل هذا الحزن المفتعل على هذا الزوج التى قررت أن تكون مخلصة له حتى بعد وفاته، ولو كان إخلاصا مفتعلا، لكن المهم هو الاحتفاظ بهذا الإخلاص الذى سيحفظ لها ماء وجهها أمام المجتمع وأمام نفسها كى تثبت لنفسها أنها الأفضل فهى من احتفظت بمشاعر الحب حتى النهاية على الرغم من علمها بخيانته فضلا عن معاملته الوحشية لها قبل وفاته، صراع إنسانى مربك ومعقد قد تعانى منه معظم النساء عندما تفضل أن تعيش دور الضحية مضحية بسعادتها حتى ولو على حساب نفسها، المهم الحصول على دور البطولة فى الإخلاص والحب، قدمت إيمان إمام هذه الشخصية المرتبكة بين مشاعر الغل والانتقام ناحية زوجها ومشاعر الإخلاص والإبقاء على الحب الإسطورى بمهارة عالية خاصة فى تمثيلها وافتعالها لحظات الحزن عليه كما لم تخل شخصياتها من لمحة كوميدية بسيطة أضفت على العمل حالة من البساطة والعذوبة فالشخصية ليست درامية قاتمة ولا كوميدية خالصة هى فقط مجرد إمرأة قررت اختبار صبرها وقدرتها على تجاوز الإساءة بافتعال قوة الاحتمال.
أما الشخصية الثانية فكانت للضابط الذى ظهر فى حياتها بشكل مفاجئ ليربكها ويكشف احتياجها للحب والاهتمام حتى ولو كان مجرد «جلفا» أو أحمق فى سلوكه الظاهرى، قدم هذه الشخصية مخرج العرض محمد مكى وإن لم يكن موفقا بالقدر الكافى فى أدائه فكان من الأفضل الاستعانة بممثل أخف ظلا وأكثر حضورا خصوصا والشخصية تحمل قدرا كبيرا من الكوميديا أمام أحمد السيد الذى لعب دور الخادم لوقا وقدمه بمهارة واحتراف شديد حيث ساهم أداؤه وحضوره فى ضبط إيقاع العرض للغاية وربما كان المخرج موفقا فى اختياره لتقديم هذه الشخصية بالذات فكان لوقا أو أحمد السيد حائط صد للعرض، حماه من الوقوع فى فخ الملل وسيطر بأدائه وإمساكه بخشبة المسرح من البداية للنهاية على تماسك العمل وانضباطه فكأنه أحد لاعبى خط المنتصف الذى ضبط الأداء بهذا الموقع فاستقامت المباراة واشتد ايقاعها ولولاه لهوى إيقاع العرض كثيرا، باستثناء المشهد الأخير الذى خرج فيه علينا بحكمة وموعظة مباشرة كان العمل فى غنى عنه، لكن فى النهاية نحن أمام مسرحية جيدة الصنع فى عرض قضية الصراع الإنسانى ما بين الحب والخيانة وما بين تقدير المشاعر والجحود بها، ساهم فى جودة العرض وبساطته ديكور وليد جابر وهو ديكور ثابت لقصر الأرملة الذى تسكنه زوجة الرجل الراحل كما ساهم فى تجميل هذا القصر أو ذلك الديكور إضاءة إبراهيم الفرن الذى صنع بها لحظات مهمة ومميزة خلال أحداث العرض.

المصدر/ روز اليوسف

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *