ما بين”الملح الأخضر”و”جفرا”.. الحرب في العمق وعلى الهامش في ثاني أيام مهرجان فلسطين الوطني للمسرح – يوسف الشايب #فلسطين

ما بين”الملح الأخضر”و”جفرا”.. الحرب في العمق وعلى الهامش في ثاني أيام مهرجان فلسطين الوطني للمسرح

رام الله – يوسف الشايب:

كانت الحرب كثيمة سيدة الموقف، في ثاني أيام مهرجان فلسطين الوطني للمسرح، واليوم الأول للعروض المسرحية، ما بين الحرب كعنوان رئيسي لعرض “الملح الأخضر” للمسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) من القدس، وعلى الهامش في عرض “جفرا” لمسرح على خشبة قصر رام الله الثقافي.

ومسرحية “الملح الأخضر” للكاتب المصري علاء عبد العزيز سليمان، ومن إخراج الفنان الفلسطيني كامل الباشا، وتمثيل الفنان الفلسطيني عامر خليل، والفنانة الفلسطينية ريم تلحمي، وميلاد قنيبي، ومريم الباشا، وهي أحدث إنتاجات المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) من القدس، وتتحدث عن الحرب الأهلية في البوسنة، وإن كان يمكن تأويلها بمحاكاة الواقع الفلسطيني اليوم، أو واقع الحرب الأهلية في بيروت قبل عقود، علماً أن “الحكواتي” حصد غالبية جوائز سمو الشيخ سلطان القاسمي في الدورة الأولى للمهرجان عن عمله “من قتل أسمهان”.

وكان واضحاً الإبداع على مستوى الإخراج باستخدام تقنيات الاستعادة الصوتية كشريط يضيء على حكاية الابن الذي ابتلعته الحرب الأهلية، ما بين أهل الشمال وأهل الجنوب، وباستخدام تقنية الظل، والأصوات المرافقة، وتحريك الممثلين، فيما لعبت الإضاءة كما الديكور والأزياء دوراً مهماً ومحورياً في العمل.
وقدم كل من عامر خليل وريم تلحمي، على أهمية مشوارهما المسرحي الطويل، دوراً من أبرز الأدوار التي قدماها على خشبة المسارح الفلسطينية، فدور كل منهما مركب، ففي حضرة الألم وشهوة الانتقام، حيث تبتلع الحرب كل الأخلاقيات، ويعيش القادة على جماجم وأجساد الضعفاء من رجالاتهم، ومن رجالات “العدو الأخ”، والنساء المستباحات، في مسرحية لم تخل من كوميديا كان تطل برأسها في الوقت المناسب رغم كل السواد، وفي عرض قابل لعديد التأويلات.
وبالنسبة لي، يمكن أن أقرأ العمل على أنه إسقاط على حالة الانقسام المستمرة في فلسطين منذ اثني عشر عاماً، أو على الحرب الأهلية اللبنانية التي كان الفلسطينيون جزءاً منها، مع عدم إهمال ما قدمه العمل من رسائل حول قسوة الحرب وآثارها الصعبة على من يعيشها كمقاتل أو منتظر أو تحت القصف وغيره، علاوة على كون العمل قدم لها ممثلين شابين أبدعا في تقديم الدورين المرسومين لهما، وأقصد هنا قنيبي والباشا، ما يؤهل العمل برأيي، وإن كانت العروض في بدايتها، إلى المنافسة على جوائز المهرجان.
وقال الفنان عامر خليل: هذا العرض هو بمثابة مختبر لكيف يمكن أن نصيغ مسرحاً تراجيدياً عبر حكاية عربية .. غالبية الأعمال التراجيدية التي تقدم في المسارح العربية هي لكتاب غربيين، كشكسبير على وجه الخصوص، لكن هذه التجربة كانت على قدر عالٍ من الأهمية، ونحن استفدنا منها كثيراً كممثلين، وبالنسبة لي الدور الذي قدمته في مسرحية “الملح الأخضر” من الأدوار المميزة على مدار مسيرة أربعين عاماً في المسرح الفلسطيني، حيث الكثير من التفاصيل التي تتطلب جهداً كبيراً، وتدقيقاً عالياً.

وأضاف: المسرح بالتأكيد يحمل رسالة، لكن هذه الرسالة قد تكون متغيرة حسب المتلقي، ففي كثير من الأحيان، وكما في هذا العمل، يفاجئنا الجمهور بتأويلات لم تكن في الحسبان عند تقديم العمل المسرحي.

أما الفنانة ريم تلحمي، فقالت: المسرحية بشكل عام تتحدث عن الحرب، وهي هنا حرب أهلية .. الدور الذي قدمته وأقدمه يستنزف مني الكثير من الطاقة، لثقل الأحاسيس التي تكبّل هذه الشخصية، وخاصة ما يتعلق بالانتقام وشهوة القتل، وهي أحاسيس تثقل على من يحملها ويعيشها ويعايشها، وتنعكس على حياته اليومية، كما في حالتي مع دوري في مسرحية “الملح الأخضر”، حيث تملكتها فكرة الانتقام لابنها الجندي المريض للصرع، وهو تحد بالنسبة لي بالتحول ما بين تقديم عدة أجيال في شخصية واحدة.

وحمل العمل الثاني، مساء أمس، اسم “جفرا”، وهو من تأليف علي دياب وإخراج نبيل عازر، وتمثيل هيام دياب، وآلاء محمد، وعبير عثمان، وفاطمة حاج، وعامر أبو الهيجاء، وكارم كنعان، ورامي صليبا، وإنتاج المسرح القروي في طمرة بالداخل الفلسطيني.

ورغم تقديم “جفرا” كحكاية مروية أو راقصة، شكلت جزءاً أساسياً ومحورياً من هوية الشعب الفلسطيني الثقافة، كـ”العتابا”، و”الميجانا”، و”الدلعونا”، إلا أن فريق العمل هنا بحدث ليقدم لنا أبطال القصة الحقيقية من عرب الكويكات، لأحمد الذي توفي في مخيم عين الحلوة بلبنان العام 1997، ومعشوقته التي توفيت بعده بعشرة أيام في مخيم برج البراجنة في لبنان أيضاً.

واتسمت المسرحية بحيويتها، وتسليطها الضوء على حياة الفلسطيني ما قبل النكبة، والنبش في التراث عميقاً، في عمل يتأرجح ما بين المسرح ولوحات الدبكة والرقص الشعبي الفلسطيني، تلك التي قدمت كشفاً جديداً ليس فقط حول جفرا الحقيقية ومدونها شعراً شعبياً بات رمزاً للهوية الوطنية الفلسطينية، بل وعلى مستوى الزغاريد أو الأهازيج والأغنيات التي رافقت المشاهد المختلفة.

ولم تغب الحرب أيضاً عن مسرحية “جفرا”، وإن كانت على الهامش، لكن الحديث عن النكبة ظهر في الجزء الأخير من المسرحية، حيث أظهر تحولاته على كل من أبطالها وحيواتهم كمجمل الفلسطينيين الذي هجروا من ديارهم إثر حرب 1948، وما رافقها من مؤامرات للعصابات الصهيونية وحلفائها من الغرب، والمجازر، وزرع الخوف في نفوس الفلسطينيين، كما أنها تحدث عن بدايات الاستيطان في حقبة الاحتلال (الانتداب) البريطاني على فلسطين، وتآمر الإنكليز في تسجيل هجرة اليهود، وإقامة كيان لهم على أرض فلسطين، حيث تم الحديث عن إنشاء الجامعة العبرية في القدس في عشرينيات القرن الماضي، فيما لم يتجاهل النص الحديث عن المقاومين من جهة، وعملاء الصهيونية والإنكليز من جهة أخرى.

على المستوى الفني ثمة ملاحظات عدة على العمل، رغم أنه نجح في انتزاع ضحكات الجمهور باقتدار، وفي تحقيق حالة من التفاعل خاصة مع الأغنيات والرقصات، فهو عمل فيه من المتعة ما يؤهله ليكون عرضاً شاملاً، وإن كان قد لا يمنحه ذلك بوابة عبور نحو الجوائز، رغم تميز دور “العم” بأداء تلقائي رشيق ومحبّب.

يوسف الشايب – رام الله

(المصدر: إعلام الهيئة العربية للمسرح)

شاهد أيضاً

شاهدت مرّتين مهرجان المسرح الوطني الفلسطيني للمسرح – راضي شحادة #فلسطين