ما الذي تبقى من مسرح خيال الظل العربي؟

الأديب الساخر عبد العزيز البشري (1886-1943) تناول بالتفصيل علاقة خيال الظل بالأعراس في مصر من خلال مقال له حمل عنوان “كيف كان الشباب يزَوَّجون”.

من شرفة منزله في الطابق الثاني داخل حارة شعبية، ينادي سمير على ولديه ليصعدا إلى البيت فقد حان وقت الطعام والدراسة. سمير (43 عاماً) يعلق على طبيعة الألعاب التي تمارس في الحارة قائلاً: “لم تعد ألعاب زمان موجودة، القلول والسبع جور وسيارات الأسلاك وعربات البيليا ووقعت الحرب وعالي وطوط وغيرها من الألعاب”. وبشيء من التحسر يضيف قائلاً: هم بالكاد يحافظون على لعبة كرة القدم كلعبة شعبية بشكل أو بآخر، علماً أن كثيراً منهم، يقول سمير، يكتفون بلعبها من خلال (البلايستيشن).

حال الألعاب الشعبية هي نفسها حال أنواع كثيرة من المسرح الشعبي التي اندثرت أو في طريقها إلى الاندثار.

“فمن لا يزال يتذكر (كراكوز وعيواظ)” يتساءل الفنان الأردني المقيم بالشارقة غنام غنام. غنام يوضح أن كراكوز وعيواظ هو التجلي العربي المتأثر بالعثمانيين لمسرح خيال الظل، الذي عرفته الحضارة الإنسانية قبل ألفي عام، وكان أول ظهور له، كما يوضح، في الصين.

الفنان صلاح الحوراني مؤسس مشروع “دمى العربة”، يؤكد أن (كراكوز وعيواظ) انتشرا، منذ مطالع القرن الماضي كشخصيتي دمى في سوريا أكثر من أي بلد عربي. وهو يرد انتشارهما اللافت هناك إلى التأثر بالمدن التركية في الجنوب التي كان منتشراً فيها هذا النوع من مسرح خيال الظل، حتى إن الاسمين هما تركيان كما يوضح الحوراني.

وفي إطار تعريفه لهما يقول: “كراكوز وعيواظ هما الشخصيتان الرئيستان في مسرح خيال الظل العربي، كراكوز يمثل رجلاً محتالاً مشاكساً مؤذياً صاحب مقالب. وعيواظ شخص حكيم يعِظ الناس دائماً، وهو في الوقت نفسه ضحية دائمة لرجل المقالب كراكوز، وعن طريق كراكوز وعيواظ يوصل أصحاب خيال الظل الحكمة والعبرة من الحكاية”. الحوراني يكشف أن هناك شخصيات أخرى كثيرة كانت ترافق هاتين الشخصيتين الرئيستين سواء في عروض حلب أو عروض دمشق من مسرح خيال الظل، ويورد من هذه الشخصيات: “مدلل شلبي” وهو الخادم، ويمثل شخصية خفيفة الظل ومحبوبة من الجميع، وشخصية (أشؤو كفكيرة) وهو القبضاي التركي الجسيم صاحب العضلات والغبي في الوقت نفسه، وبكري مصطفى، وهو سكير أزعر، و(العكيد) وهو رجل (زكرت) أو قبضاي “بمون” على الحارة…

الحوراني يقول إن عرضهم المسرحي “كوكب الألوان” هو محاولة لاستعادة أمجاد مسرح خيال الظل والتحريك فوق الخشبة، ولكن بتقنيات أحدث وألوان أكثر ومواد خام مختلفة عن تلك التي كانت تصنع منها شخصيتا كراكوز وعيواظ إذ كانتا تصنعان، كما يبيّن، من “جلد البقر بعد تجفيفه وتنظيفه ودبغه وإعداده وكيه وربطه بعصيّ بطريقة تسمح باستخدامها خلف الشاشة البيضاء التي تشف عن الأجسام الموجودة خلفها وتعكس ظلالها وخيالاتها”.

“دمى العربة” هي كما يذكر الحوراني عبارة عن “مسرح متكامل في شاحنة (عملاقة) معدة خصيصاً لمتطلبات العرض المسرحي، ويقول إنه يعمل حالياً على تحويلها من شاحنة تقليدية إلى فضاء مسرحي للثقافة والفنون الجادة، خاصة الموجهة للأطفال”.

أستاذ المسرح العربي في كلية آداب جامعة حلوان الناقد المصري د. سيد علي إسماعيل يقول حول مسرح خيال الظل: “في مصر، كان يُقدم خيال الظل في القرن التاسع عشر، بوصفه نوعاً من الترفيه والتسلية حتى عام 1908. وفي عشرينيات القرن العشرين، كان يُقدم بين فصول المسرحيات كنوع من فقرات تسلية الجمهور أثناء تبديل الديكورات. وقبل أن يختفي هذا الفن نهائياً، كانت البقية الباقية منه تُعرض في الأعراس والأفراح الشعبية”.

إسماعيل يبيّن أن الأديب الساخر عبد العزيز البشري (1886-1943) تناول بالتفصيل علاقة خيال الظل بالأعراس في مصر من خلال مقال له حمل عنوان “كيف كان الشباب يزَوَّجون”.

ومع انتشار دور السينما، أصبح خيال الظل، بحسب إسماعيل، تاريخاً وذكرى حتى عام 1942 عندما بدأ الباحثون والكُتّاب ينظرون إليه نظرة تقدير بوصفه أدباً وتاريخاً!! فبدأوا في التنقيب عنه وعن تاريخه، والتعريف به وبأهم خصائصه وبأهم أعلامه. إسماعيل يورد مثالاً على ذلك مقال د. فؤاد حسنين المنشور في مجلة “الثقافة” عام 1942 تحت عنوان “محمد بن دانيال”.

وفي عام 1957 كتب أحمد باشا تيمور، بحسب إسماعيل، أول كتاب باللغة العربية عن هذا الفن بعنوان “خيال الظل واللعب والتماثيل المصورة عند العرب”، تحدث فيه عن ابن دانيال، وعن خيال الظل كما شاهده وعاصره في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، لا سيما خيال الظل المتنقل، الذي وصفه بقوله: “يتخذون لخيال الظل بيتاً مربعاً يقام بروافد من الخشب ويكسى بالخيش أو نحوه من الجهات الثلاث ويسدل على الوجه الرابع ستر أبيض يشد من جهاته الأربع شداً محكماً على الأخشاب وفيه يكون ظهور الشخوص. فإذا أظلم الليل دخل اللاعبون هذا البيت ويكونون خمسة في العادة منهم غلام يقلد النساء وآخر حسن الصوت للغناء فإذا أرادوا اللعب أشعلوا ناراً قوامها القطن والزيت تكون بين أيدي اللاعبين أي بينهم وبين الشخوص ويحرك الشخص بعودين دقيقين من خشب الزان يمسك اللاعب كل واحد بيد فيحرك بهما الشخص على ما يريد”.

إسماعيل يختم قائلاً: “أما د. إبراهيم حمادة فكتب عام 1963 أفضل كتاب في اللغة العربية عن خيال الظل، وهذه الأفضلية مرجعها أن الكتاب كُتب بأسلوب البحث الأكاديمي، كما أنه يشتمل على بابات خيال الظل، أي مسرحيات خيال الظل الثلاث الخاصة بمحمد بن دانيال بعد تحقيقها ونشرها بصورة كاملة. ومنذ سنوات قليلة، بدأ هذا الفن يعود من جديد عن طريق فرقة (ومضة) للدكتور نبيل بهجت، وهي فرقة تقدم عروض خيال الظل كل يوم خميس في بيت السحيمي التراثي، والعروض مستمرة حتى يومنا هذا”.

محمد جميل خضر- إرم نيوز

 

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *