مأساة مخرج عراقي بمهرجان القاهرة الدولي.. أنمار طه: “اغتالوا مسرحي”

شارك العرض المسرحي “ركائز الدم” في فعاليات الدورة الـ 23 من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر، والتي انتهت فعالياتها بنهاية شهر سبتمبر الماضي، لكن المخرج العراقي “أنمار طه” لم تنته معاناته وذكرياته الحزينة أثناء مشاركته في هذه الدورة، فبعد مغادرته القاهرة وذهابه إلى السويد مكان إقامته، وافق على إجراء حديث صحفي مع “البوابة نيوز” بحجة أنه لم يستطع تحمل كل هذه الشحنات من الحزن بمفرده ودون الفضفضة عنها .
ويقول: “عندما سمعت أن المهرجان سيعاد تنظيمه بعد توقف دام 6 سنوات، فرحت وتحمست للمشاركة بسبب أنني قد شاركت به عام 2002، وكنت مستمتعا بالمشاركة حينها، أما في هذه الدورة فقد أرسلت جهة الإنتاج السويدية عرضين لفرقتي “أجساد عراقية”، من بينهم ركائز الدم فوافقوا على مشاركته ففرحت كثيراً، ومنذ وصولي إلى القاهرة بدأت مشاكلي مع المهرجان” .
وأوضح أن إدارة المهرجان استشارتني، إذا كنت أوافق على كتابة اسم العراق بجوار العرض، ويصبح عراقي سويدي، بدلا من أن يكون ممثلا للسويد فقط، فوافقت بالطبع لكوني عراقي حتى النخاع، ولكني لم أكن أعرف أن الطلب ما هو إلا مكيدة وضعتني إدارة المهرجان بها، وأفاجئ بعد مجيئي للقاهرة أن الوفود العراقية المشاركة بالمهرجان كانت هائجة ضد إدارة المهرجان، لعدم اختيارها لأي من العروض العراقية المتقدمة، فاضطرت إدارة المهرجان استغلال عرضي ووضعت بجوار السويد كلمة العراق لتهدئة حدة الأصوات الهائجة” .
ويتابع “دخلت في مشاكل عدة اتهمني العراقيون أنني هنا لأنفذ آجندات خارجية وأن هذا العرض لا يمثل العراق، ووضعت إدارة المهرجان اسم العراق بجوار العرض لتداري على خطأها، وحاولت تهدئة الأمر لكنني لم أفلح، ووضعتني إدارة المهرجان في أزمة هوية ليست في حسباني، فأنا قد جئت للمسرح فقط وأخذت أبرر لكل من أقابله في القاهرة ماذا تعني عراقي سويدي. 
ويضيف “أثناء العرض كان الوفد العراقي حاضرا بأكمله، وبعد العرض صعدوا جميعا لتحيتنا وكانت هناك مقدمة لقناة تلفزيون عراقية، كانت تريد تعمل لقاء وجاءت كلمة “ميمون الخالدي” أحد المسرحيين العراقيين المشاركين في المهرجان، وهو ليس مسرحيا بالضبط، بل هو طبيب يعمل بالمسرح، وتمت دعوته لا لأي شيء سوى أنه صديق لرئيس المهرجان “سامح مهران”، وأخذ المايك مني وجلس يتحدث عن خسارة المهرجان للعروض العراقية وحاول أن يمسك العصى من المنتصف .
وشعرت بألم قاسي لأنه صادر جهدي وأخذ البطولة، وعادت المذيعة تسألني عن رسالة العرض بعد ما تحدث هو عن عدم وجود المسرح العراقي العظيم وكم التجربة مفتقدة وأنا ليس لي ناقه ولا جمل، وقلت لها إن المسرح لا يقدم رسالة لأن المسرح معني بالجمال والشعر والرسائل تأتي ضمنية، وكنت منفعلا، ولم أتمالك أعصابي وبكيت لأنهم جردوني من كل شي حتى فرحتي بالمشاركة .
كم أن هناك شخصا من ضمن الوفد العراقي المسرحي اتهمني بالتكفير ويدعى “محمد حسين حبيب” نظرا لأنه تلقى موضوع العرض على طريقته الخاصة”.
ويصف الوفد العراقي إذ يقول أنهم أثناء حضورهم العرض لم يبالوا به، هم حضروا لاغتياله حيث كانوا منشغلين بهواتفهم النقالة أثناء العرض، وأنا بالنسبة لي هذا فعل غير مؤدب، حيث إن مثل هذه الأفعال ضد طقس المسرح والتأمل والمتابعة، واستنكر حتى آرائهم الظالمة على العرض حيث جردوه من عراقيته، واتهموه بأنه يسير على إيقاع سويدي.
وعن المعوقات التي واجهته أثناء استعداده للعرض على المسرح الصغير بدار الأوبرا، يقول: “حدثت أشياء كثيرة في المسرح المقرر إقامة عرضي به وهو المسرح الصغير بدار الأوبرا ورغم فخامة هذا المسرح وعراقته، صادفني معاملة سيئة من موظفي الأوبرا، أولا لم يعطوني غرفه للممثلين، ومنحوني غرفة واحدة فقط لي وللممثلين وللديكور، وجميع غرف المسرح كانت مغلقة وكان يصعب تخزين الديكور على خشبة المسرح ، خوفا من تعرضه للتلف فكنا نحفظه في هذه الغرفة، أيضاً والمشرفين على المسرح في كل لحظة يقتحمون الغرفة، من دون استئذان ليبحثوا ماذا نفعل بالضبط، بالإضافة إلى فقدان قبعة مصممة خصيصا لأحد شخصيات المسرحية وعندما طلبت من الأمن إيجادها لم يهتموا” .
وركائز الدم الذي أثار جدلا في الأوساط الفنية بالقاهرة عقب عرضه على خشبة المسرح الصغير، والتي استوحت فكرته من مسرحية “كاليجولا” التي يتخذها العرض بمثابة مرجعية للتعبير الخاص عن الجنون واللامعقول، حيث يتم أداء العرض بثلاثة ممثلين يقومون بتجسيد ثلاثة عشر تصورا مختلفا لشخصية كاليجولا التخيلية باعتباره حالة مجسدة لمفهوم الطغيان والجنون، في تجليات مختلفة ليناقش أمن خلال هذا الطرح عدد من القضايا السياسية والاجتماعية الهامة من بينها قضايا التسلط والديكتاتورية والإرهاب ودور رجال الدين، وقهر المرأة، وصف المخرج الحالة بينه وبين الجمهور في القاهرة فيقول: “إن أسوأ ما رآه هو انتشار الهواتف النقالة بين جمهور العرض وهذا يضايقه أما بالنسبة للجدل الذي أحدثه العرض فهي بسبب الاشتباك مع عدة تابوهات من بينها السلطة والمتمثلة في شخصية العسكري والجنس والمتمثل في المنتقبة والدين ولم يقصد أي شيء من خلال هذا الطرح لم يقصد توجيه رسائل بقدر ماهو يقترح تساؤلات حيث أن حالة الجدل التي سادت هي هدفه وهي ما أسعدته” .
ويضيف: “الجمهور العربي مبرمج على نوعية عروض تعتمد الملفوظ الدرامي ولا تتعدي الإطار الأرسطي السائد في مناهجنا، وتجربتي غير مكتمله لكني في بحث مستمر وهذا بالنسبة لي سر الاستمرار، وأنا مؤمن بأننا يجب أن نقوم بالتغيير والبحث أما عن أوراقهم ونقاشاتهم داخل أروقة الفندق فهذا ما جعلنا غير قابلين على تقبل تجارب مغايرة لأننا نؤمن بالطائفة والعشيرة ونبخس حق المراءة ونعمل بالتراتبية غير الإنسانية”.
ويتابع “أما عن تجربتي في القاهرة بشكل شخصي، فأنا سعيد بالتعرف على بعض الشباب الرائعيين، ومشاركتهم همهم الذي هو أيضا همي، وعلى أمل أن نستمر بالقدرة على التواصل الإبداعي بعيدا عن التطرف بكل أشكاله فهم النور والأمل والقاهرة أم الفن والسعادة”.
———————————————————————-
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – محمد نبيل – البوابة نيوز

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *