“لهيب من باريس”.. هل ختم المسرح البلشوي الزمن الكلاسيكي أم فتحه نحو حداثة فنية عالمية؟

يوقظ دكتور “سعيد الولي”  ذكريات الثورة الفرنسية  على “مسرح الصفدي الثقافي” بشرح ترافقه مشاهد  الباليه المشتعلة في مسرحية “لهب باريس”  Les Flammes de Paris))  وبمزيج من ايقاعات مختلفة ترافقها الالحان الثورية حيث  بلغت دقة “ناتاليا اوزيبوفا” Ntalia Osipova  (جين) وايفان فاسيلييف (فيليب) Ivan Vsilive)) جمالية تعبيرية حساسة بصريا، يكتوي المشاهد مع لهيبها الراقص والموسيفي  الخالدة ، والكوريغرافي والديكور وما الى ذلك.  لانها اكتملت مع العناصر على مسرح  راقص يمجد المشاعر الثورية التي انتفضت على الظلم الارستقراطي ،  بثورة هادفة مؤججة بلهيب المشاعر الدرامية والسياسية والتاريخية الخالدة في الفن واثاره الانسانية  المتنافسة على جمالية البقاء.  او بالاحرى استمرار الأجيال التي يروي لها المسرح البولشوي للباليه الثورة الفرنسية بتعبير فني لا يتخلله الكلام بل ! بمحاكاة عالمية لكل من كتبوا عن الثورة الفرنسية من ادباء وشعراء وما الى ذلك.  فهل من ثورة تولد على المسارح الكبيرة وعبر عالم الصورة الذي ينبلج ويوثق بتقنية معولمة الفن الهادف  لنحيا الثقافة الفنية في كل بلدان العالم؟ وهل يمكن ان تصبح المسارح هي مدارس الاجيال القادمة ؟ وهل نستطيع الانطلاق بفن خلاق وعبقري يترك اثره في نفوس الاجيال  لنقود العالم نحو السلام؟ 

كوريغرافي  خلاب من “اليكسي راتمنسكي ” Alexeï Ratmansky) ) مع رؤية نغمية كلاسيكية تجسد الحدث وقوته مع الحفاظ على تقنية التخفيف من حدة الحركة التي  تتماشي مع الموسيقى والتوزيع الحركي،  على مسرح رفرفت فيه الاعلام الزرقاء والبيضاء والحمراء ضمن ملحمة بلشوية،  راقصة تعبيريا  في فن مصقل بالكثير من الرقص المتناغم بصريا مع الاضواء والديكور،  وحتى الرقصة الشعبية الجميلة التي ترجمت مرحلة واسعة من هذه الثورة التي اعادتنا الى “ماري انطوانيت”  دون ان نراها.  الا ضمن  بعض من الارستقراطيين على المسرح،  والكاريزمات المتنوعة بحشود مثيرة حسيا بدأت  من “ايفان فاسيليف” وصولا الى اخر راقص استقطبت حركته اضواء هذا المسرح الكبير في هذه الثورة الراقصة،  وبسخاء درامي  وتقنية موسيقية  تناغمت مع الاحساس بحركة باليه  هي عباره عن خطوات مشحونة بايقاعات الموسيقى ذات قفزات في الهواء ملفتة للنظر، لا يمكن التقاط الانفاس او الاستمتاع بهذه الاناقة المسرحية المبهرة التي ذكرتني بالروح الشكسبيرية وانفعالات الثورة الفرنسية بشكلها المسرحي،   وما كتب عنها ادبيا ، فهل يعود بنا الرقص البلشوي الى الماضي الحاضر عبر عالم الصورة الحديث؟ 

عاطفة ، حزن، احساس بالوطنية، تعاطف، غضب، حنان،  ملحمة، مأساة  وعزف موسيقي لا يقل شأنا عن الرقص الحركي التعبيري الذي تخطى الخيال،  ووضعنا على ارض الواقع،  ليأخذنا نحو التاريخ او الماضي الذي ولدت من خلاله حداثة زمن رافقته الموسيقى الكلاسيكبة المخاطبة للعقل والوجدان  من قبل “بوريس اسافياف”(  ( Boris Asafievوبحيوية الاوركسترا  القوية  بقيادة “بافيل سوروكين” والمشاهد الموسيقية  ذات البساطة الكلاسيكية  والسلطوية في التفوق الموسيقي الذي استطاع التوافق مع قوة حركة الباليه خصوصا في مشهد الرقصة الشعبية التي لم تخرج عما كتبه” نيكولاي فولكوف”( (Nikolaï Volkov و”فلاديمير ديمترييف”  ( Vladimir Dmitriyev  (بغنى فني وطابع  الباليه الدرامي الذي كان من الممكن ان يتسع لقصة اقوى،  لان الامكانات المسرحية مفتوحة تعبيريا نحو البصيرة التي تثير الذهن وتعيد لهذه الثورة مجدها واثارها عبر عالم الصورة الحالي وضمن كتلة من براعة الراقصين المحترفين في هذا المضمار الذي اشتهر به المسرح البلشوي.

حسن فني درامي راقص ذو خصائص خلاقة  فكريا واجتماعيا وسياسيا،  والاهم من ذلك بلغة الادب والطبيعة الانسانية المناشدة للحرية،  وحفظ الحقوق ونفي الارستقراطية التي تنمو على اكتاف الفقراء، وتتركهم كالمنبوذين اجتماعيا.  لنشعر في نهاية المسرحية  بالاخاء والعطاء الفني الذي اضاف على هذه الثورة روح الشباب المعطاء،  وميثاق العدالة في فن عظيم خالد منح المتلقي رؤية الانسانية  وتجلياتها  التي تستهدف الرقي والتطلع الى المجد والجمال،  فهل ختم المسرح البلشوي الزمن الكلاسيكي ام فتحه نحو حداثة فنية عالمية نتطلع اليها في عالم الصورة الحالي؟..

—————————————————————————————–

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – ضحى عبدالرؤوف المل  – المدى

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *